مقتل قائد عسكري بالبوليساريو.. لهذا تأخر إعلان الجبهة وصمتت الرباط

12

طباعة

مشاركة

بعد ما يزيد على 10 أيام من الصمت، خرج الأمين العام لوزارة الأمن والتوثيق الصحراوية، سيدي أوكال، ليعترف بمقتل قائد جهاز الدرك في البوليساريو الداه البندير.

وقال سيدي أوكال، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، نشرته في 18 أبريل/نيسان 2021، إن الجيش الصحراوي سيعرف كيف يتعاطى مع طائرات "درون"، التي استهدفت بها قوات "الاحتلال المغربي"، قائد جهاز الدرك الصحراوي الداه البندير في غارة عسكرية ليلة 7 أبريل 2021.

طائرة درون

سيدي أوكال أكد أن "الداه البندير تم اغتياله بطائرة درون مزودة بتكنولوجيا إسرائيلية جد متطورة"، مشيرا إلى أنه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها الجيش المغربي هذا النوع من الطائرات".

وتابع أن المغرب "شرع في استعمالها منذ عودة الجيش الصحراوي إلى الكفاح المسلح في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ردا على الخرق المغربي السافر لوقف إطلاق النار". وأفاد أن "بعض هذه الطائرات استطلاعي والآخر هجومي".

وذهب مسؤول البوليساريو، إلى أن استخدام الجيش المغربي لهذه التكنولوجيا، يؤكد نقطتين هامتين، أولاهما: أن الوجود الإسرائيلي والفرنسي إلى جانب الاحتلال المغربي يؤكد على توجه النظام المغربي نحو "المزيد من التصعيد في الصحراء".

وزاد "أما النقطة الثانية فتتمثل في "أن استخدام هذا النوع من الطائرات "دليل و برهان ساطع "على أن الحرب في الصحراء الغربية موجودة ومستمرة ومستعرة"، عكس ما يروج له المغرب، بأن ما يحدث هناك، "مجرد مناوشات لا ترقى إلى مستوى حرب".

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية، عن مصدر صحراوي رفض الكشف عن هويته، أن "البندير كان قد شارك لتوه في هجوم بمنطقة بير حلو"، تقع في الجدار الرملي/الأمني الذي أنشأه المغرب منذ 1989، لمنع تسلل عناصر البوليساريو، ويمتد بطول يزيد عن 1000 كيلو متر في الصحراء.

وزاد من حدة وقع الضربة العسكرية، أنها جرت لأول مرة من خلال استعمال سلاح الطائرات المسيرة، التي دخلت الخدمة بعد اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق بـ"سيادة المغرب على إقليم الصحراء".

ومنذ 1975، هناك نزاع بين المغرب و"البوليساريو" حول إقليم الصحراء، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة.

وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث عمد المغرب إلى إقامة جدار رملي عازل، توسعت داخله جبهة البوليساريو وأطلقت عليه المناطق المحررة". 

وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم المتنازع عليه.

قائد الدرك

من جهته نقل موقع "كود" (مغربي)، عن مصادره ترجيحها نجاة زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، بعد عملية القوات المسلحة الملكية المغربية التي تمت بطائرة مسيرة على بعد 40 كيلو مترا بمنطقة "اگديم الشحم" (تيفاريتي) شرق الجدار الرملي".

وأكد مصدر وكالة الأنباء الفرنسية، موقع العملية، مسجلا أنه "بعد ساعات قليلة وعلى بعد نحو 100 كيلومتر من موقع الهجوم على المغربيين، قتلت طائرة مسيرة قائد الدرك، في منطقة تيفاريتي على الأراضي الصحراوية المحررة".

ويعد الداه البندير أكبر قائد عسكري لجبهة البوليساريو يقتل في المعارك الدائرة بين المغرب والانفصاليين، بعد التطورات التي خلفها قيام الرباط بإبعاد عناصر التنظيم المسلح عن منطقة الكركرات في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

ونشر عدد من ناشطي البوليساريو سيرة القائد المتوفى عن عمر ناهز 65 عاما، حيث تخرج من الأكاديمية العسكرية بشرشال بالجزائر، ضمن الطلبة الضباط اختصاص هندسة سنة 1984.

وعين مدربا عسكريا، قبل أن ينضم في 1990 إلى المديرية المركزية للعمليات والاستطلاع ليشغل منصب مدير قسم مركزي بها، وألحق في عام 2000 بالمديرية المركزية للتدريب.

وجرت في 2003 لحظة تحول في مساره، حيث عين قائدا لأركان قيادة الدرك الوطني، لتتم ترقيته في 2008 إلى قائد فيلق.

وانضم للناحية العسكرية الخامسة، ومن ثم جرى ضمه في 2017 للناحية العسكرية الثانية وعمل بها كقائد فيلق، ليتم تعيينه في 2018 قائدا لسلاح الدرك الوطني.

صمت رسمي

اللافت أن المؤسسات الإعلامية الرسمية في كل من المغرب، وجبهة البوليساريو، لم تصدر أي تعليق على العملية، وهو ما فسره مراقبون بكونه تعبيرا من جهة عن الصدمة، ومن جهة أخرى عن سيادة أجواء من الترقب بين الجانبين. 

ورغم هذا الصمت الرسمي بين الجانبين، كان لافتا أن الصحافة الجزائرية كانت أول من نشر الخبر بتفاصيله.

وقالت وسائل إعلام جزائرية إن القائد العسكري كان يرابط بقطاع الناحية العسكرية الثانية والتي تتولى قطاع تيفاريتي كبرى حواضر الأراضي الصحراوية المحررة (الجدار الرملي)، قبل أن يقتل بقصف جوي بطائرة مسيرة.

من جانبه كشف منتدى "فار-ماروك"، وهو صفحة غير رسمية للقوات المغربية على موقع في فيسبوك، عن مقتل "عدة عناصر قيادية" في هذه العملية و"من ضمنهم قائد ما يسمى بالدرك في التنظيم الإرهابي"، وفق وصفه.

وأفاد المنتدى في تدوينة نشرها 7 أبريل/ نيسان 2021: "طبقا للتعليمات الصارمة بالتعامل مع أي تحرك شرق وغرب الجدار الرملي بحزم بالغ، فقد تم تسخير بعض قدرات القوات المسلحة الملكية من أجل استهداف التحرك، ما أسفر عن مقتل عدة عناصر قيادية من ضمنهم قائد ما يسمى بالدرك في التنظيم الإرهابي ونجاة المدعو إبراهيم غالي". 

وأفاد أنه "بعد عملية استخباراتية وعسكرية دقيقة، قامت القوات المسلحة الملكية برصد وتتبع تحركات مشبوهة داخل المناطق العازلة لقياديين من البوليساريو، من بينهم زعيم التنظيم الإرهابي ومجموعة من كبار معاونيه"، وفق تعبيره.

وشرعت وسائل إعلام مغربية مستقلة عن الحكومة، في نشر خبر مقتل البندير في عملية نفذها الجيش "شرق الجدار" الرملي.

C:\Users\imane\Desktop\طائرة مسيرة بأحد مطارات الجنوب المغربي.jpg

تطور عسكري 

مقتل المسؤول العسكري الكبير في جبهة البوليساريو، لم يكن التطور الوحيد في هذه العملية، بل بداية تحقيق المغرب مكاسب اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على إقليم الصحراء، من خلال السماح باستعمال السلاح الأميركي في تلك المنطقة، وتحديدا الطائرات المسيرة.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، وقع دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يقضي باعتراف واشنطن بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وهو الأمر الذي مكن المغرب من تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة.

وقال مصدر مطلع تحدث لـ"الاستقلال": "المغرب حليف تاريخي لواشنطن، ورغم ذلك فلم يكن مسموحا له استعمال السلاح الأميركي في معارك الصحراء".

وأشار ذات المصدر أن هذا الأمر تم تجاوزه بعد الاعتراف الأميركي، إذ استغل المغرب هذا المعطى ليوظف السلاح فيما يعتبره دفاعا شرعيا عن النفس، بعد إعلان جبهة البوليساريو نهاية وقف إطلاق النار من جانب واحد، وتبنيها عشرات الهجمات على المناطق الخاضعة لسيطرة الرباط، وفق قوله.

وكان المغرب وأميركا قد وقعا في أكتوبر/تشرين الأول 2020 اتفاقا عسكريا يمتد لعشر سنوات.  كما أن الرباط اقتنت بعد اعتراف ترامب بالسيادة على الصحراء 4 طائرات مسيرة تقوم بأعمال الرصد والمسح والتتبع.

ورغم حرص عدد من المصادر على نفي الطابع الهجومي لتلك الطائرات المسيرة، فإن موقع "أنتليجنس أونلاين" الفرنسي، تحدث أيضا عن أن المغرب حصل على 3 طائرات استطلاع مسيرة إسرائيلية بوساطة فرنسية، ذات طبيعة "هجومية".

وقال الموقع في تقرير نشره في فبراير/شباط 2020 إن تسليم الطائرات الثلاث للمغرب يأتي ضمن صفقة مع إسرائيل، وأن هذه الطائرات، ستستخدم ضد "الجماعات الإرهابية"(بما فيها جبهة البوليساريو)، كما تعتبرها الرباط.

C:\Users\imane\Desktop\توقيع الاتفاق العسكري المغربي الامريكي 2020 ـ 2030.png

دلالات وسيناريوهات

وفي قراءته لتطورات المنطقة عقب العملية العسكرية المغربية، قال رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم المنار اسليمي: "ما بعد الكركرات أصبح المغرب يمارس حق الدفاع الشرعي عن النفس بموجب الفصل 51 من ميثاق الأمم المتحدة".

وقدم عبد الرحيم المنار اسليمي، في حديثه مع "الاستقلال"، ما أسماها بالتفسيرات المتكاملة للعملية المغربية ضد البوليساريو.

وقال: "البوليساريو ومعها الجزائر لم ينتبها إلى أن الوضع تغير منذ أحداث معبر الكركرات، والمغرب له حق الدفاع الشرعي عن النفس طبقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطيه حق رد الخطر".

وأوضح أن العنصر الثاني يكمن في أن "البوليساريو والجزائر لا يزالا يفكران في المغرب عسكريا بفكر سنوات الثمانينيات، فالبوليساريو ووراءها الجزائر لم ينتبها إلى قوة الجدار الأمني التكنولوجية".

وزاد: "كما لم ينتبها إلى الأقمار الاصطناعية المغربية التي تجعل المسلحين مكشوفين أمام المغرب، ولم ينتبها إلى التفوق الجوي المغربي، فاستعمال الطائرات المسيرة عن بعد يغير كل التوازنات".

وأضاف أن العنصر الثالث هو أن "البوليساريو الذي بات يريد التفاوض، بمعنى العودة إلى وضعية ما قبل حدث الكركرات، كان يريد بهذه المغامرة العسكرية البحث عن مكسب عسكري قبل اجتماع مجلس الأمن في الأيام المقبلة".

وبذلك، خلص الباحث إلى أن "الأمر يتعلق بمغامرة جزائرية دفعت فيها قيادات البوليساريو إلى الانتحار قرب الجدار الأمني المغربي".

"ويعتقد أنه بعد هذه العملية ستتغير الكثير من الحسابات، "فالمغرب في حالة دفاع شرعي عن النفس بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، وكل ما يخرج من فوق الأراضي الجزائرية يعد عدوانا"، وفق تعبيره.

ويرى مراقبون أن البوليساريو تعرض لخسارة فادحة في هذه العملية، في وقت تعلن بلاغاتها العسكرية وصولها إلى اليوم 150 من قصف المغرب.

وهو ما يعني أن التوتر سيستمر خلال المستقبل القريب في ظل رفض الرباط مفاوضات مباشرة مع الجبهة الانفصالية، وإصرارها على الجلوس والتفاوض مع الجزائر.