"انتهاك السيادة".. هل تلحق سويسرا ببريطانيا على طريق البريكست؟

12

طباعة

مشاركة

التوترات السياسية بين سويسرا والاتحاد الأوروبي بدأت تتزايد على نحو يهدد بقاء "علاقة الاندماج"، وينذر بنهاية شبيهة بانفراط عقد "الشراكة" على شاكلة ما بعد "البريكست" إثر خروج بريطانيا في 13 ديسمبر/كانون الأول 2020.

وباتت بيرن تشعر بـ"العبء" جراء استمرارها شريكا اقتصاديا لبروكسل، كما أن مواطني سويسرا يشعرون بـ"الضجر"، جراء إلزامهم بقوانين الاتحاد، وبات مشاهدا أكثر من ذي قبل انتشار رسومات كاريكاتورية في وسائل إعلام تصور "أوروبا كرجل يسحق خريطة سويسرا".

يأتي ذلك بعد أن وصلت علاقات الطرفين لـ"طريق مسدود"، عقب لقاء رئيس الاتحاد السويسري غاي بارملين مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، خلال أول زيارة رسمية له إلى بروكسل، في 23 أبريل/نيسان 2021، لحضور قمة الاتحاد.

وبحسب موقع الاتحاد الأوروبي، فإن الرئيس بارملين ناقش مع دير لاين، المعاهدة المتعثرة والتي تهدد بتجميد العلاقات بين سويسرا وأكبر شريك تجاري لها.

لكن تلك المحادثات تعثرت بسبب ما تم وصفه بـ"خلافات كبيرة" من قبل بارملين.

وفي مؤتمر صحفي عقب المحادثات، صرح بارملين للصحفيين بأن بلاده "لم تستطع التوقيع على الاتفاقية المؤسسية دون التوصل إلى حلول مرضية لقضايا حماية الأجور وتوجيهات الاتحاد الأوروبي لحقوق المواطنين ومساعدة الدولة".

أجواء سلبية

ويأتي هذا التعثر في ظل مخاوف من أن يؤدي عدم التوصل لتفاهمات بشأن "حماية الأجور" إلى "تآكل" بقية الاتفاقات مع مرور الوقت.

وبحسب وكالة "رويترز"، فإن الفشل في إبرام صفقة والوصول إلى تفاهم يؤطر الخلافات؛ سيؤدي في نهاية الأمر إلى ترك مجموعة من الاتفاقات القطاعية التي تحكم العلاقات الثنائية، لكنها ستمنع سويسرا من وصول أي جديد إلى السوق الموحدة، مما يؤدي إلى "تحطيم خطط اتحاد الكهرباء"، على سبيل المثال.

وأضافت الوكالة أنه حتى الاتفاقات الحالية ستتآكل بمرور الوقت؛ فالصفقة التي تسهل التجارة عبر الحدود في منتجات التكنولوجيا الطبية تنتهي في مايو/أيار 2021، ويخشى العلماء السويسريون من احتمال تجميدهم خارج برنامج أبحاث "Horizon" التابع للاتحاد الأوروبي.

وحثت رئيسة المفوضية الأوروبية دير لاين، بيرن على تبني مسودة الاتفاق التي تم التفاوض عليها في 2018. وكان الجانبان قد توصلا آنذاك إلى اتفاق مبدئي، غير أن بيرن انتقدت المسودة بعد ذلك، وطالبت بإدخال تعديلات على 3 بنود، وهي تعديلات يرى الاتحاد الأوربي استحالة تلبيتها، ومازالت تلك المطالبات عالقة حتى اللحظة.

وتتمركز مطالبات بيرن حول 3 بنود، هي استثناؤها من قواعد المساعدات الحكومية، ومن المزايا الاجتماعية لمواطني الاتحاد، فضلا عن قيود قانون العمل الخاص التي من شأنها أن تجعل الشركات الأوروبية العاملة في سويسرا أقل قدرة على المنافسة ضد الشركات المحلية.

وفي 22 أبريل/نيسان 2021، نقلت صحيفة "فورين بوليسي" الأميركية عن سفير ألمانيا لدى بيرن قوله: إن "الجو بشأن الاتحاد الأوروبي أصبح في سويسرا شديد السلبية، حتى إنه في بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل يتم تصويره على أنه بعبع مخيف".

ذلك الموقف الحاد من الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي يقف خلفه تيارات يمينية مؤثرة، على رأسها حزب "الشعب"، أكبر كتلة في البرلمان، وأكبر مهدد سياسي للاتفاقات بين الشريكين.

ولا تعد سويسرا عضوا في الاتحاد الأوروبي، لكن تجمعها به عدد من المعاهدات والاتفاقيات الاقتصادية والمالية واتفاقية "شنغن"، بغية المشاركة في السوق الأوروبية الموحدة والحصول على الامتيازات الاقتصادية الجمركية.

لذا فإنها كتوصيف قانوني، لن تخرج من الاتحاد، بل تلغي الاتفاقيات الموقعة بينهما، وبذلك الإلغاء فإن بيرن تكون غير ملزمة بقوانين بروكسل، لتصبح بعدها خارج النادي.

وفي الوقت الحالي، تخضع العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد وسويسرا لأكثر من 100 اتفاقية ثنائية تعود إلى عام 1972.


بداية التوتر

منذ نحو 7 سنوات، بدأت الأجواء المشحونة بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، وذلك عندما أجرت بيرن استفتاء عام 2014 قيد الهجرة الوافدة من بلدان الاتحاد، وهو الإجراء الذي رأت أنه ينتهك الاتفاقيات الثنائية، والذي يكفل بموجبه حرية تنقل الأشخاص.

وبحسب "فورين بوليسي"، فإن العلاقة بين سويسرا وشريكها الاقتصادي الأول الاتحاد الأوروبي باتت تتسم بـ"عداء متزايد"، خصوصا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، في إجراء من شأنه اختبار التكتل الحقيقي لدول النادي في طريقة تعامله مع الجيران المقربين.

وأضافت الصحيفة في تقريرها المنشور في 22 أبريل/نيسان 2021 أن "الاستفتاءات السويسرية كانت مصدر خلاف، فقد انتهك استفتاء شعبي عن حصة الهجرة عام 2014 اتفاقات ثنائية مع الاتحاد تكفل حماية حرية تنقل الأشخاص".

ووفقا لمقال الباحثة السويسرية المتخصصة في القانون، سيبيلا بوندولفي نشر في 19 أبريل/نيسان 2021 على موقع "الوحدة الدولية" التابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمي، فإن العلاقة مع الاتحاد "كانت تسير بشكل جيد في الواقع".

وأوضحت أن "الحكومة السويسرية كانت مليئة بالتفاؤل، غير أن هذه العلاقات الجيدة اهتزت عام 2014، عندما أقر الناخبون السويسريون مبادرة شعبية لتقييد الهجرة الوافدة من بلدان الاتحاد، رغم ضمان الاتفاقيات الثنائية المبرمة حرية تنقل الأشخاص بين الجانبين منذ 2002"، وحينها اتهمت برلين وفيينا، بيرن علنا بـ"الانتقائية".

واعتبرت بوندولفي، أنه "رغم ذلك فإن النتيجة لم تكن بالسوء الذي بدت عليه، حيث خفف البرلمان من حدة المبادرة بشكل كبير، كما صوت الناخبون السويسريون عام 2020 ضد مقترح يحد من حرية تنقل الاشخاص مع أعضاء الاتحاد.. وهكذا أصبح الطريق ممهدا مرة أخرى لإبرام اتفاقية إطارية".

انتهاك السيادة

ويدعو سويسريون، وعلى رأسهم حزب "الشعب" اليميني لـ"الضغط" باتجاه إلغاء عدد من الاتفاقيات التي "سلبت" سيادة بلادهم لصالح الاتحاد.

هذا الضغط السياسي أجبر سويسرا في وقت سابق للمطالبة باستثنائها من برامج المساعدات الحكومية، والمزايا الاجتماعية لمواطني الاتحاد، وإعفائها من قيود قانون العمل الخاص، فيما قابل الاتحاد الأوروبي ذلك بالرفض، وهو الأمر الذي دفع لندن للخروج من الاتحاد والانسحاب من الاتفاقيات الجمركية.

في حين يرى الاتحاد الأوروبي أن الاستفتاءات التي درجت سويسرا على تنفيذها "ليست أمرا مشروعا".

ويرى أن بقاء الاستفتاءات كسلوك دائم يهدد بقاء سويسرا شريكا للاتحاد، لهذا فإن الجهود الحالية تنصب على حل هذه المشكلة من خلال إيجاد إطار جديد يستوعب التطورات الجديدة بين الجانبين ويسهم بخفض مستوى التوتر.

ونقلت "رويترز" في تقرير نشر في 22 أبريل/نيسان 2021 أنه "يتم النقاش حاليا عن إطار عام يتبنى قواعد السوق الأوروبية الموحدة ويوفر طريقة سلسة وأكثر فاعلية لحل النزاعات".

وتعد الاستفتاءات السويسرية مصدر خلاف، كونها تنتهك الاتفاقيات الثنائية الملزمة، وتعتبر الوكالة أن المنتقدين للإطار الجديد يرون أنه "ينتهك السيادة السويسرية لدرجة أنه لن ينجو من استفتاء ملزم".

وبحسب الباحثة بوندولفي فإن الاتحاد الأوروبي "يحاول ممارسة الضغط على سويسرا لتوقيع اتفاقية إطارية - مؤسساتية تهدف إلى وضع العديد من الاتفاقيات الثنائية التي تنظم حاليا العلاقات بين بيرن وبروكسل في إطار هيكل قانوني مشترك، إلا أن المشروع لا يزال مهددا بالفشل بسبب سياسة سويسرا الداخلية".