برنامج "سين".. هكذا يحاول غسل "السمعة الملطخة" لولي العهد السعودي

12

طباعة

مشاركة

بعد 11 عاما من تقديمه برنامج "خواطر"، أطل الإعلامي السعودي الشهير أحمد الشقيري هذا العام في رمضان على مشاهدي قناة "إم بي سي" ببرنامج جديد اسمه "سين" يحظى بمتابعة واسعة وتفاعل كبير من قبل المشاهدين.

في "خواطر"، كان الشقيري يسلط الضوء على التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في عدد من دول العالم، وعبر 11 موسما من البرنامج تناول الشقيري التغيرات التي أحدثت تطورا ملحوظا وهائلا في تلك الدول، ما أكسبه شهرة واسعة وأكسب برنامجه نجاحا.

أما برنامجه الجديد "سين" هذا الموسم، فيسلط الضوء على مشاريع  التنمية في السعودية، ويعمل على تعريف السعوديين بها والترويج لها، و"سين" يرمز إلى كلمة "سؤال" والسؤال مفتاح المعرفة وبداية أي مشروع للتحسين، بحسب الشقيري.

إنتاج تسويقي

في مقال لها على موقع معهد دول الخليج العربي بواشنطن 26 أبريل/نيسان 2021، تقول الكاتبة والباحثة إيمان الحسين: "يشبه برنامج (سين) في أسلوبه برنامج (خواطر)، لكن البرنامج الجديد يركز فقط على المملكة العربية السعودية".

مضيفة: "يسافر الشقيري في جميع أنحاء المملكة لاستكشاف مشاريع التنمية المختلفة وتسليط الضوء على إمكانية اتخاذ المزيد من المبادرات، وكجزء من هذه الزيارات يسلط الضوء على المبادرات الحكومية التي تهدف إلى تحسين نوعية الحياة للمقيمين في المملكة".

تضيف الزميلة غير المقيمة بمعهد الخليج العربي: "لا تزال الكثير من تلك المشاريع غير معروفة إلى حد كبير، كما يتضح من مقابلات الشقيري مع سكان سعوديين، لذلك فإن هناك بعدا إضافيا، كما يبدو، يتمثل في خلق الوعي بإنجازات الحكومة، وفي الوقت نفسه تشجيع السكان على القيام بدور نشط في التغييرات من حولهم".

وحسب الحسين، فإن "عددا من السعوديين صرحوا بأن البرنامج حتى الآن هو الإنتاج التسويقي الأكثر نجاحا للمملكة، وأنه يجب ترجمته والترويج له على منصات البث الأخرى، وخاصة للجمهور الغربي".

انتقاء بعناية

الملاحظ أن البرنامج في عدد من حلقاته يؤدي دورا في الترويج لمشاريع في فترتين متتاليتين، وهما الفترة بين 2017 و 2020، وكذلك الفترة من 2020 وحتى 2030. 

على سبيل المثال، في حلقة التحول الرقمي، وهي الحلقة الثانية من البرنامج، يتناول الشقيري موضوع سرعة الإنترنت والبنى التحتية المزودة للخدمة في السعودية، وقد اختار الفترة من العام 2018 وحتى 2020 ليسلط فيها الضوء على التطور الذي طرأ على مجال الإنترنت.

 يقول الشقيري إن السعودية حققت تطورا ملحوظا في هذين العامين في مجال البنى التحتية المشغلة للإنترنت كالأبراج والألياف الضوئية، حيث تقدمت من المرتبة 67 عالميا في عام 2018 إلى المرتبة 27 في عام 2020.

وفي الحلقة الخامسة، يتناول الشقيري موضوع الآثار، وفي الحلقة يتناول كمبوديا كنموذج ناجح في استثمار الآثار لتحسين الوضع الاقتصادي للبلد، لكنه عند الحديث عن كمبوديا يعقد مقارنة بين فترتين متباعدتين، من 1992 وحتى 2021، وهي فترة واسعة مقارنة بالفترة التي يتناولها عند الحديث عن المشاريع في السعودية والتي عادة ما تكون منذ 2017 وحتى 2021.

في ذات الحلقة يتطرق الشقيري إلى ترميم المساجد الأثرية، وفي هذا الصدد يقول: "نقطة (مهمة جدا)، موضوع ترميم المساجد، اليوم هناك مشروع ولي العهد لترميم المساجد، أكثر من 100 مسجد أثري، بعضه يصل قدمه إلى 1300 ـ 1350 سنة يتم ترميهم.. نريكم صورا جميلة الحقيقة.. الشغل الذي تم في هذا الموضوع جميل للغاية".

أما في الحلقة السادسة، فيتناول الشقيري موضوع حركة مرور السيارات، وفي منتصف الحلقة يسرد إحصائية عن حالات الوفاة الناتجة عن الحوادث المرورية بالمملكة. 

يختار الشقيري سنة 2016 باعتبارها سجلت حصيلة مرتفعة في عدد الوفيات، ثم يختار 2017 كنقطة تحول انخفضت فيها الحوادث المرورية، مع أن الفترة من 2006 وحتى 2015 قد شهدت تراجعا تدريجيا في نسبة الحوادث والوفيات الناتجة عنها، خصوصا في الأعوام 2009 و2013 و 2014، بحسب إحصائية لوحدة التقارير الاقتصادية السعودية.

يقول الشقيري: "حالات الوفاة بسبب حوادث المرور بلغت عام 2016 رقما عاليا تعدى 28 حالة لكل 100 ألف، عبر السنين وبسبب الإجراءات التي تمت، تم خفض هذا الرقم إلى 16 حالة لكل 100 ألف في عام 2019، وهو انخفاض يمثل 40 بالمئة، وهذا انخفاض عال، وتم توفير 30 مليار ريال فقط بسبب تخفيض حوادث المرور".

في واقع الأمر، فإن الفترة الأولى من 2017 وحتى الوقت الحالي، تتزامن مع الفترة التي يتولى فيها محمد بن سلمان منصبه كولي للعهد، بعد إقالة عمه الأمير محمد بن نايف آل سعود، وبات ابن سلمان يمارس فيها مهامه كحاكم فعلي للمملكة، خصوصا بعد تدهور صحة والده الملك سلمان بن عبدالعزيز وتراجع قدراته الذهنية.

أما الفترة الثانية من 2020 وحتى 2030 والتي يبشر الشقيري بكونها سوف تشهد تطورات استثنائية فإنه تناولٌ يروّج لرؤية 2030، وهي الرؤية التي تقدم بها ابن سلمان لمجلس الوزراء في أبريل/نيسان 2016 قبل أن يتم تعيينه في منصبه الحالي كولي للعهد.

ويؤدي ذلك الأمر دورا في تعزيز حضور ولي العهد في الذهنية السعودية، حيث يدفع المشاهدين للربط بين تلك المشاريع في تلك الفترة وبين تولي ابن سلمان للحكم، وبالتالي فإنه يقدم خدمة مباشرة لولي العهد، وهي خدمة يحتاجها في وقت حساس للغاية.

تعزيز سلطته

في واقع الأمر، فإن ابن سلمان يحتاج لتأييد شعبي واسع لتعزيز سلطته، فهو يخوض منافسة وصراعا غير معلن على مستوى المملكة، منذ إقالة ولي العهد السابق محمد بن نايف ثم تعيينه وليا للعهد بدلا عنه.

تزايدت حدة ذلك الصراع منذ اعتقال عمه الأمير أحمد بن عبد العزيز، والأمير محمد بن نايف ولي العهد المقال، في مارس/آذار 2020، ومن شأن الإعلام، وبرنامج سين الذي يقدمه الشقيري، القيام بهذا الدور في حشد الدعم الشعبي والحكومي لولي العهد ضد منافسيه والساخطين عليه من العائلة المالكة.

حسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن اعتقال أفراد من الأسرة المالكة يأتي في سياق استبعاد المنافسين المحتملين له لخلافة العرش قبل وفاة والده، وهو ما يشير إلى صراع أجنحة داخل العائلة المالكة.

على المستوى الدولي، تلاحق ابن سلمان سمعة سيئة، عقب اتهامه باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بمبنى القنصلية السعودية في إسطنبول.

زادت تلك السمعة سوءا بعد حملة الاعتقالات التي قادها ابن سلمان في المملكة، عقب توليه منصب ولاية العهد، والتي استهدفت حملة الرأي ومعارضين محتملين من الأسرة المالكة.

كان تقرير لمكتب الاستخبارات الوطنية الأميركية قد أشار في 26 فبراير/شباط 2021 إلى أن الأمير محمد بن سلمان الذي يعد الحاكم الفعلي في السعودية أجاز عملية في إسطنبول، بتركيا، لاعتقال أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

تلك السمعة أضرت بابن سلمان وكثيرا وهددت مركزه كولي للعهد، ودفعت العديد من المراقبين للحديث عن إمكانية إقالة ابن سلمان وإعادة ابن نايف المحتجز في أحد السجون إلى منصبه السابق كولي للعهد.

مطلع مارس/آذار 2021، كتب وزير القضاء ونائب وزير الخارجية السابق يوسي بيلين، مقالا بصحيفة "يسرائيل هيوم" قال فيه إن "ابن سلمان كان هو الأمل الأكبر للغرب، للحظة، والده سلمان ملك السعودية اعتبر كزعيم لفترة انتقالية، وتنبأ كثيرون بأن يصبح ابنه الأمير الشاب محمد، وليا للعهد".

وأضاف بيلين أن "ولي العهد اكتسب شهرته بعدما ألغى حظر قيادة النساء للسيارات، لكن بعد ذلك واصل اعتقال النساء والرجال ممن كافحوا في سبيل الإصلاحات، واعتقل أغنياء السعودية حتى وافقوا على دفع الضرائب، وورط بلاده في حرب رهيبة في اليمن، وقام بأعمال غريبة أخرى، كانت ذروتها ضلوعه في القتل الفظيع للصحفي السعودي جمال خاشقجي".

وختم بيلين مقاله بالقول: "في الحديث بين بايدن والملك السعودي سلمان، ألمح الرئيس للملك، أنه سيكون من الحكمة من جانبه أنْ يقوم بتغيير ابنه المتهور بالرجل الذي اضطر لأنْ يقبّل حذاءه ويتخلى عن ولاية العهد قبل 4 سنوات فقط".