بعد 13 يوما من الصمود.. أحداث مرتقبة تنذر بتصعيد خطير في القدس

خالد كريزم | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد 13 يوما من الصمود والمواجهات العنيفة، أجبر الشبان الفلسطينيون قوات الاحتلال الإسرائيلي على إزالة حواجز نصبتها عند مدرج باب العامود المؤدي إلى البلدة القديمة في شرق القدس، لكن هذه الخطوة لا تشكل نهاية المعركة.

وتشهد مدينة القدس منذ بداية شهر رمضان مواجهات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ويهود متشددين من جهة، وشبان فلسطينيين من جهة أخرى، ولم تتوقف موجة التصعيد حتى الآن رغم إزالة الحواجز مساء 25 أبريل/نيسان 2021.

واعتقلت الشرطة الإسرائيلية عشرات الشبان الفلسطينيين وجرحت عددا آخر، خلال المواجهات التي استدعت ردود فعل دولية، ومساندة محلية ما زاد من توتر الأجواء.

نذر تصعيد

امتد الغضب إلى الضفة الغربية ومدن في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، كما جاءت المساندة من غزة عبر إطلاق فصائل المقاومة عددا من الصواريخ المحلية على مدار أيام تجاه المستوطنات، رد عليها الاحتلال بقصف عدة مواقع وأهداف في القطاع المحاصر.

وحتى مساء 26 أبريل/نيسان 2021، قال الجيش الإسرائيلي إن "36 صاروخا أطلقت على إسرائيل خلال الليل". وأضاف أنه تم اعتراض 6 صواريخ بينما سقطت معظم الصواريخ الأخرى في مناطق مفتوحة. 

وفوض مجلس الوزراء الأمني المصغر (الكابينت) الإسرائيلي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير جيشه بيني غانتس للمصادقة على خطط الهجوم على قطاع غزة.

وفي جلسة عقدها "الكابينت" 26 أبريل/نيسان 2021، استمرت لنحو ساعتين ونصف الساعة، قدم الجيش خططا هجومية تعتمد على "درجة التصعيد" المحتمل، بحسب قناة "كان" الإسرائيلية الرسمية. 

ونقلت القناة عن مصدر في الجيش الإسرائيلي لم تسمه قوله: "لن نسمح باستمرار إطلاق الصواريخ، وهذا يعني أنه حال استمرار إطلاق النار الذي شهدناه في الليالي الثلاث الماضية، فإننا نقترب من جولة قتال في غزة".

وفي وقت سابق من نفس اليوم، أنذرت الحكومة الإسرائيلية حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بأنها سترد بضربة عسكرية واسعة، إذا استمر إطلاق الصواريخ من قطاع غزة. 

ونقل موقع "واللا" العبري، عن مصادر إسرائيلية، لم يسمها، قولها إن إسرائيل نقلت الرسالة إلى حركة حماس عبر مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام بالشرق الأوسط تور وينسلاند.

وقال الموقع: "رسالة إسرائيل إلى حماس هي أنه في الوقت الحالي لا نزال نحتفظ بالتفاهمات حول غزة، ومستعدون لمواصلة الحفاظ عليها، لكن إذا استمر إطلاق الصواريخ فإننا لن نكبح جماح نفسنا". 

وكانت فصائل فلسطينية مسلحة من بينها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، قد حذرت إسرائيل من استمرار اعتداءاتها على سكان مدينة القدس، ونصحت بعدم "اختبار" صبرها.

وبذلك فإن الجبهة أصبحت مفتوحة في غزة والقدس، خاصة وأن قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية، بدأت في اليوم التالي لإزالة الحواجز، بإخلاء ساحة باب العامود من الشبان الفلسطينيين، ما يمهد لعودة الاشتباكات.

اشتباك جديد

وفي تقديره للتطورات، يقول الكاتب أحمد أبو زهري إن الأحداث في القدس حققت مكاسب كبيرة، حيث عززت الموقف السياسي الفلسطيني، وشكلت حائط صد أمام عدوان جديد، وأفشلت خطط المستوطنين، وحشدت أحرار القدس خلف معركة وطنية جديدة، وأربكت المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي.

ولفت في مقال نشرته صحيفة فلسطين المحلية 24 أبريل/نيسان 2021، إلى أن الهبة أعادت الاعتبار للقضية الوطنية وفي مقدمتها القدس التي تصدرت واجهة الاهتمام الإقليمي والعالمي نظرا لسخونة الأحداث فيها وقدرة أهلها على إشعال حالة غضب عارمة ضد الاحتلال.

ورأى أنها أيضا شكلت فرصة لتعبئة الشارع واستنفاره مجددا خلف معركة وطنية مقدسة يمكن أن يحتضنها الجمهور ويقاتل من أجلها لمكانة القدس من الناحية العقائدية والوجدانية لدى شعبنا.

كما هيأت الأجواء الميدانية لفرض حالة اشتباك جديدة مع الاحتلال بصور مختلفة سواء المقاومة الشعبية في (القدس) أو إطلاق الصواريخ كفعل عسكري ينطلق من (غزة) بالإضافة للمسيرات العفوية الغاضبة.

يدعم احتمالية عودة الاشتباك، تكثيف "جماعات الهيكل" المزعوم دعواتها لتنظيم اقتحامات جماعية واسعة للمسجد الأقصى المبارك، ومسيرات يهودية استفزازية في مدينة القدس المحتلة، يوم 28 من شهر رمضان المبارك.

هذا الحدث الذي يتوقع أن يفجر الأوضاع يأتي في ذكرى ما يسمى بـ"يوم توحيد القدس"، الذي يوافق ذكرى احتلال الجزء الشرقي من المدينة، وسط تحذيرات مقدسية من تصاعد التوتر.

ونشرت الجماعات المتطرفة دعواتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعها المختلفة بعنوان "19 يوما سنحتفل بمرور 54 عاما على تحرير جبل الهيكل والعودة التاريخية لشعب إسرائيل.. في يوم القدس نصعد إلى الهيكل".

وأعلنت عن لقاء سيعقد لوضع مخطط وبرنامج لإحياء ما يسمى بـ"يوم القدس"، بمشاركة 28 منظمة وجمعية استيطانية، 21 منها مدعومة من أحزاب سياسية في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، والأخرى من اللوبي والجمعيات اليهودية حول العالم.

وتضمن الإعلان الذي جرى تعميمه عبر مواقع التواصل، أن المسيرات والاحتفالات ستشمل إقامة صلوات عند حائط البراق، وتحاول "جماعات الهيكل" حشد أنصارها للحضور بأعداد كبيرة في ذلك اليوم.

ووسط هذا الحشد، يرى المحلل في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي أنه رغم انتصار المقدسيين بفتح باب العامود فإن المؤشرات تفيد بأن الانفجار في فلسطين قادم بسبب قوة الدفع التي حصلت عليها التنظيمات الإرهابية اليهودية في أعقاب الانتخابات الأخيرة. 

وأضاف في تغريدة على تويتر: "يخططون لاقتحام غير مسبوق للأقصى في 28 رمضان.. وزعيم الصهيونية الدينية سمورطتش يلمح إلى طرد فلسطينيي الداخل".

خيار المقاومة

وأوضح في تغريدة أخرى أنه "بغض النظر عن مآلات هبة القدس، فقد نجحت في فرض القضية الفلسطينية على الأجندة الإقليمية والدولية، وأظهرت للعدو كلفة سعيه لتطبيق أوهامه في المدينة، وأعادت الاعتبار لخيار المقاومة كخيار رئيس في التعاطي مع المحتل، وألحقت هزيمة بسردية المطبعين الذين تهافتوا على تبني رواية العدو".

وهو ما يتفق معه الكاتب فراس أبو هلال بالقول إن "أول ما كشفته الانتفاضة هو أن هناك شيئا واحدا يوحد الفلسطينيين جميعا، داخل الوطن المحتل من بحره إلى نهره، وفي الشتات، وهو الاشتباك مع الاحتلال ومقاومته المستمرة". 

يضيف في مقال نشره على موقع "عربي 21" في 26 أبريل/نيسان 2021، "جاءت الأحداث في ظل انقسام كبير زاد من حدته اتفاق الفصائل الفلسطينية على عقد الانتخابات"، وما تبع ذلك من تفكك الحركات وتعدد القوائم ومن ثم التراشق حول إمكانية تأجيل الانتخابات. 

ووسط هذا الانقسام القائم والمحتمل، وحدت انتفاضة القدس الفلسطينيين جميعا لسببين رئيسين: أولهما أنها معركة واضحة لا لبس فيها، وثانيهما أنها أعادت الصراع إلى مربعه الحقيقي والجذري الأول بين شعب محتل واحتلال غاصب، وفق تعبيره.

لم تتوقف القدس عند هذا الحد من التصعيد، فقد شغلت المدينة خلال الشهر الأخير، السياسيين الفلسطينيين في سياق التفاعلات الانتخابية، حيث تتصاعد احتمالات تأجيل الانتخابات البرلمانية الفلسطينية المقرر إجراؤها في مايو/أيار 2021.

وتعقد القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس في 29 أبريل/نيسان 2021 اجتماعا في رام الله لبحث مصير الانتخابات البرلمانية التي كانت ستجرى للمرة الأولى منذ 15 عاما بعد أن رفضت إسرائيل إجراءها في مدينة القدس، حسب الاتفاقات الموقعة بين الجانبين. 

وهنا تبرز 3 محاور تزيد من ضبابية المشهد، الأول يشدد على أنه "لا انتخابات بدون القدس" (السلطة الفلسطينية) والثاني يركز على أن "الانتخابات في القدس فرصة لخوض المعركة مع الاحتلال داخل المدينة وفي محيطها" (حماس والفصائل الفلسطينية).

أما المحور الثالث فيتعامل مع المسألة وكأنها محسومة بسبب وجود بروتوكول متفق عليه بين الاحتلال وبين السلطة، أي إجراء الانتخابات بنفس الطريقة التي حصلت فيها عامي 1996، 2006، لكن هذا الأمر قد تغير بعد خطوة الاعتراف الأميركي المزعوم بأن القدس "إسرائيلية". 

وبين هذا وذاك، وخلال هجوم رمضان الأخير، حيا المحتجون في القدس المقاومة في غزة وهتفوا ضد رئيس السلطة محمود عباس، وكأنها رسالة سياسية أن العاصمة الفلسطينية المنسوبة لإسرائيل جاهزة لخوض معركة الانتخابات كما نجحت باقتلاع الحواجز في باب العامود.