قيس سعيد يعلن نفسه قائدا عاما للجيش والأمن.. ثغرة قانونية أم انقلاب؟

12

طباعة

مشاركة

منذ 18 أبريل/نيسان 2021، تعيش تونس على ضوء جدل مفتوح بين نخبها السياسية والمواطنين، إثر خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد أمام عدد من العناصر الأمنية من الشرطة والحرس الوطني والديوانة (الجمارك)، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ68 لتأسيس قوات الأمن الداخلي.

سعيد فجر الجدل من جديد بعد تأويله فصولا أخرى من الدستور، استنتج من خلالها أن رئيس الجمهورية، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والأمنية أيضا.

هذا التأويل هو الثاني في أقل من شهر، بعد أن أعلن رفضه إدخال تعديلات على قانون انتخاب المحكمة الدستورية، حيث اعتبر انتخابها مخالفا للدستور وأنه لن يقبل بها، في خطوة جديدة اعتبرت تصعيدية في الأزمة السياسية المستمرة.

ومنذ أشهر تتواصل هذه الأزمة، بعد رفض سعيد دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية رغم نيلهم الثقة في البرلمان، رافقها توجيه اتهامات مباشرة لرئيس الحكومة هشام المشيشي والأحزاب المساندة له بـ"القيام بمؤامرات ورعايتها للفساد".

هذا الخطاب ضاعف من حدة التجاذب الحاصل في البلاد، مما أثار المخاوف من الانزلاق نحو صراع مفتوح بين مختلف الأطراف باستعمال أجهزة الدولة، رغم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.

تصعيد في الخلاف 

في ظل استمرار غياب المحكمة الدستورية التي كان من المفترض اختيار أعضائها في العام الأول الذي تلا انتخابات 2014، بحسب ما نص عليه الفصل 145 من الدستور الجديد، يلتجئ سعيد في كل فترة إلى تأويل نصوص الدستور لتوسيع صلاحياته التي تعتبر محدودة بحكم النظام البرلماني الذي يحكم تونس منذ 2014.

ويضبط القانون المنظم للسلطات العمومية في تونس صلاحيات رأسي السلطة التنفيذية في البلاد، حيث يعتبر رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية، بينما يختص رئيس الحكومة بالإشراف على وزارة الداخلية وجميع الهياكل الأمنية المنضوية تحت لوائها.

هذه المرة، لجأ سعيد إلى نصوص من دستور الجمهورية الأولى الصادر عام 1959، اعتبر فيها أن هذا الدستور قد نص على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية، بينما دستور 2014 لم ينص على أن القوات المسلحة التي يقودها الرئيس هي القوات المسلحة العسكرية فقط. 

ويتضمن الفصل 77 من الدستور الصادر في 2014 بأن رئيس الجمهورية يتولى القيادة العليا للقوات المسلحة، ووقع تأويل الدستور على نطاق واسع على أن رئيس الحكومة هو من يتولى الإشراف على قوات الأمن الداخلي وأن وزارة الداخلية من صلاحياته.

لكن سعيد قال خلال حفل قوات الأمن الداخلي في خطاب حضره المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي: إن "رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية، فليكن هذا الأمر واضحا بالنسبة إلى كل التونسيين في أي موقع كائن.. لا أميل إلى احتكار هذه القوات لكن وجب احترام الدستور".

ويعتبر هذا الخطاب حلقة متقدمة من فصول الأزمة السياسية في تونس، والتي تعود إلى مرحلة استقالة حكومة إلياس الفخفاخ التي لم تعمر سوى أشهر قليلة في منصبها، بعد "اتهامه بشبهات فساد وتقديم لائحة برلمانية لسحب الثقة منه دفعته للاستقالة".

وبعد قيام رئيس الجمهورية بمشاورات شكلية لتكليف رئيس حكومة جديد، اختار مستشاره السابق ووزير الداخلية حينها المشيشي لتشكيل الحكومة الجديدة، ورغم ذلك سرعان ما عارض سعيد هذه الحكومة وحاول قطع الطريق عليها قبل حصولها على ثقة البرلمان. 

بعدها تحول رئيس الجمهورية إلى معارض لحكومة المشيشي، قاطعا أي تواصل مع رئيسها، عدا في بعض المناسبات الرسمية، حيث كان آخر لقاء له في 8 يناير/كانون الثاني 2020. 

رد سريع 

في نفس اليوم ودون تأخير، جاء رد رئيس الحكومة الذي اعتبر أن تصريحات رئيس الجمهورية، خلال الاحتفال بالذكرى الـ65 لعيد قوات الأمن الداخلي في قصر قرطاج، أنها ''خارج السياق''، قائلا: ''لا موجب للقراءات الفردانية والشاذة للنص الدستوري".

وشدد المشيشي على أن هذه التصريحات "تذكرنا أيضا بالأولوية القصوى لتشكيل المحكمة الدستورية والتي تمثل الهيكل الوحيد للبت في مثل هذه المسائل".

وأكد في نفس السياق إلى "الحاجة لخطاب يمنح التونسيين الثقة ويجمعهم في هذا الظرف الصعب، خاصة في ظل الأزمتين الصحية والاقتصادية التي تعيشها البلاد".

في حين تتالت مواقف الأحزاب السياسية والشخصيات المنتقدة لما أقدم عليه الرئيس سعيد، حيث عبر الحزب "الجمهوري" المعارض عن بالغ قلقه إزاء ما تضمنه هذا الخطاب "من نزعة لتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية خارج ما نص عليه الدستور وإعلان نفسه قائدا أعلى للقوات المسلحة الأمنية أيضا".

وأضاف في بيان صادر  19 أبريل/نيسان 2021 أن "أحكام الدستور لا تحتمل مثل هذا التأويل خاصة بتمييز فصوله 17 و18 و19 بين القوات المسلحة والقوات الأمنية وتحديد الوظائف العليا في الدولة الراجعة بالنظر الى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بمقتضى القانونين عدد 32 و33 لسنة 2015".

ونبه الحزب بأن "إقحام الأجهزة الحساسة للدولة في الصراع الضاري بين رأسي السلطة التنفيذية يهدد استقرار وأمن البلاد، ويفتح مخاطر جمة قد تعصف بأركان الدولة الديمقراطية". 

وفي تدوينة عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، أكد القيادي في حزب الأمل أحمد نجيب الشابي، أن "سعيد يستغل الثغرات القانونية من أجل الانقلاب على السلطة تدريجيا"، واصفا سلوكه بأنه "تأويل فردي لأحكام الدستور يستغلها لصالحه".

واعتبر الشابي أن "الأخطاء الجسيمة لرئاسة الدولة أصبحت موجبة للمساءلة وحتى العزل"، وفسر السياسي أن رئيس الدولة "يستغل الثغرات لمحاولة الزحف على الحكم وبسط النفوذ".

وأضاف أن "الانقلاب ليس بالضرورة عملا عسكريا، وإنما يعرفه فقهاء القانون الدستوري بأنه عمل تسلطي غير شرعي، من شأنه النيل من قواعد تنظيم الهيئات القائمة أو من سير أعمالها أو صلاحياتها".

صدام خطير 

ما ذهب له المرشح الرئاسي السابق الشابي من احتمال دخول البلاد في استقطاب حاد قد ينزلق إلى تصادم داخل مؤسسات الدولة، أكده الكثير من المتابعين مع ما رافق إعلان سعيد من ردود فعل ومواقف. 

حركة النهضة، الحزب الأكبر في تونس وصاحب الأغلبية البرلمانية خرج بموقف هو الأشد في علاقته برئيس الجمهورية منذ انتخابه نهاية 2019، حيث قالت في بيان: "نستغرب عودة رئيس الدولة إلى خرق الدستور واعتباره وثيقة ملغاة مصدرا لتبرير نزوعه نحو الحكم الفردي".

واعتبرت الحركة إعلان رئيس الدولة نفسه قائدا أعلى للقوات المدنية الحاملة للسلاح "دوسا على الدستور وقوانين البلاد وتعديا على النظام السياسي وعلى صلاحيات رئيس الحكومة".

وأكدت أن "إقحام المؤسسة الأمنية في الصراعات، يمثل تهديدا للديمقراطية والسلم الأهلي ومكاسب الثورة"، وجددت رفضها ما أسمته "المنزع التسلطي لرئيس الدولة"، داعية سعيد إلى "الالتزام الجاد بالدستور الذي انتخب على أساسه وأن يتوقف عن كل مسعى لتعطيل دواليب الدولة وتفكيكها".

ويتخوف عدد من المتابعين إلى الانزلاق نحو "صراع مفتوح" داخل مؤسسات الدولة في وضع اقتصادي واجتماعي هو الأسوأ منذ 10 سنوات.

من جانبه، يوضح المحلل السياسي بولبابة سالم لـ"الاستقلال" أن "التحالف البرلماني الداعم للحكومة والمكون من أحزاب قلب تونس وائتلاف الكرامة بالإضافة لحركة النهضة يساند بيان الأخيرة ضد رئيس الدولة".

وتابع: "أما بقية الأحزاب والتي بدأ بعضها إصدار مواقفه المؤيدة لرئيس الجمهورية على غرار حركة الشعب، فستركب على الحدث وتصطف خلف الرئيس لتصفية حساباتها مع خصومها السياسيين وفي مقدمتهم النهضة، فهذه الأحزاب تساند كل خطوة يخطوها سعيد في مواجهة الغنوشي والمشيشي".

وأشار المحلل السياسي إلى أنه "من الصعب جدا أن يقع نزاع داخل أجهزة الدولة، خاصة الجيش والقوات الحاملة للسلاح عموما بمختلف أجهزتها، لأنه بالفعل اليوم وبعد نحو 10 سنوات من الثورة، الأمن تحول لأمن جمهوري يصعب توظيفه في أي صراع سياسي".

وختم سالم تصريحه بالقول: إن "الجيش يرفض إقحامه في السياسة لأي سبب من الأسباب، لذلك فإن صراع رئيس الحكومة ورئيس الدولة سيكون قانونيا فقط، فلا أحد يرغب في خوض مغامرة غير محسوبة، لكن رغم كل ذلك فالشعب وحده هو الذي سيدفع ثمن هذه الصراعات العبثية".