صعود جنوني.. هل يستمر ارتفاع العملات الرقمية إلى ما لا نهاية؟

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تزايد الإقبال والطلب على العملات الرقمية والمشفرة خلال الفترة الماضية مع تراجع قيمة الملاذات الآمنة وبخاصة الذهب والدولار منذ الربع الأخير لعام 2020، في ظل تراجع النشاط الاقتصادي وضعف الأدوات الاستثمارية  وأسعار الفائدة بسبب جائحة كورونا.

وشهدت العملات الرقمية والمشفرة حالة من الرواج وسط المستثمرين وبخاصة الكبار منهم، وفي مقدمتها عملة البيتكوين التي حققت أرقاما قياسية حيث صعد سعر الوحدة منها إلى 64.40 ألف دولار.

وفقا لأحدث المؤشرات فإن القيمة السوقية لإجمالي العملات الافتراضية كافة حول العالم، البالغ عددها نحو 4400 عملة، تجاوزت نحو 1.55 تريليون دولار.

فرضت نفسها

يأتي هذا الصعود بدعم العديد من الشركات الكبرى لهذه العملات، فعلى سبيل المثال تدعم كل من شركة "تسلا" للسيارات الكهربائية و"ماستر كارد" وبنك "بي إن واي ميلون" عملة البيتكوين. وقد اشترت شركة تسلا الأميركية ما قيمته 1.5 مليار دولار من عملة البيتكوين.

مع تزايد الطلب على العملات الافتراضية (التي شهدت أول طرح لها في عام 2009) وكسر حاجز الخوف منها، تتزايد تلك العملات في الأسواق لنجدها تفرض نفسها لتزاحم العملات التقليدية والأدوات الاستثمارية بل وتتغلب عليها.

وتوقع "بنك أوف أميركا" استمرار الزخم على تداولات "بيتكوين" خلال الفترة المقبلة، بعد حمى الشراء التي انتابت المستثمرين في العام 2020، وتسببت في مكاسب قياسية للعملات المشفرة فاقت 400 بالمئة.

وبحسب خبير العملات والمنتجات الرقمية، يزيد آل عيون، فإن العملات الرقمية وبخاصة البيتكوين فرضت نفسها خلال الـ12 عاما الماضية، ونجحت في الاستمرار رغم التحديات، كعمليات القرصنة التي تستهدف منصات التداول والتي تتعرض لها العملات الرقمية بين الحين والآخر.

وأشار آل عيون، لـ"الاستقلال"، إلى أن فكرة اللامركزية وعدم قدرة أي شخص على تحديد الكمية المطروحة من العملة الافتراضية "أي مال حر"، بالإضافة إلى سهولة تداول العملة الافتراضية بين الأشخاص في أي مكان في العالم، يزيد من إقبال المستثمرين إليها.

ويبلغ عدد وحدات العملات الافتراضية حول العالم نحو 21 مليون وحدة، بينها 18.653 مليون وحدة للعملة الافتراضية الأبرز وهي البيتكوين.

وأكد آل عيون، أن فكرة العملات الافتراضية غير قابلة للعودة أو الخلاص، مشيرا إلى أنها لم تقدم فقط عملة جديدة بل مهدت الطريق أمام وجود عملة مركزية تسود العالم.

من جانبه، أوضح الباحث في العملات الرقمية، ليث الغول، لـ"الاستقلال"، أن العملات الافتراضية شكلت ثورة في التداولات المالية، مما أرغم الشركات والمؤسسات على تبي الأصول الرقمية وبخاصة لسهولة التعامل بها ونقلها.

غير آمنة

لكن على الرغم من توغل المستثمرين في أسواق العملات الافتراضية، فإن كثيرا من المخاطر تحيط بهذه المنتجات الرقمية، ويحذر منها الكثير من المحللين والحكومات.

وحذرت هيئة الرقابة المالية البريطانية في 12 يناير/ كانون الثاني 2021، المتعاملين الذين يستثمرون في سوق العملات المشفرة بقولها "يجب أن يكونوا مستعدين لخسارة كل أموالهم"، نظرا لوجود العديد من المخاطر التي تحوم حول هذا النوع من العملات.

ويتجاهل المستثمرون تحذيرات المحللين من أن عملة "البيتكوين" تشكل "عرضا اقتصاديا جانبيا" وتحوطا واهيا من انخفاض أسعار الأسهم.

وأكد آل عيون، أن الاستثمار في العملات الافتراضية يعد خطيرا جدا، كونه مجالا جديدا وفي مرحلة استكشاف، وبالتالي أي شخص يريد الاستثمار في هذا المجال يجب أن يدرك أن هناك مساحة كبيرة غير مضمونة.

وأشار إلى أن الصعود الفلكي الذي تشهده عملة البيتكوين على سبيل المثال، يأتي ضمن حالة من التذبذب. ففي بعض الأحيان يصعد المؤشر صعودا وهبوطا دون وجود أسباب بينة.

وصعدت قيمة عملة البيتكوين إلى 64 ألف دولار في أبريل/ نيسان 2021 بعدما كانت بحدود  29 ألف دولار في بداية العام 2021، أي بارتفاع بنحو 120 بالمئة، وبين الفترتين شهد مؤشر العملة حالة من الصعود والهبوط.

 وينصح آل عيون، المستثمرين في العملات الافتراضية بدراسة خطواتهم وعدم السير نحو تلك المنتجات الرقمية بشكل غير محسوب، وذلك من خلال الدخول على النقاط السعرية المختلفة وتوزيعها على سنتين أو ثلاث سنوات بمبالغ صغيرة فيما أسماه بالـ"الاستثمار التدريجي".

وفي مايو/ أيار 2019 أعلنت شركة بينانس أحد أكبر بورصات العملات الرقمية في العالم عن أحدث واقعة ضمن سلسلة سرقات تستهدف بورصات العملات المشفرة في أنحاء العالم.

إذ سرق قراصنة سبعة آلاف وحدة من العملة الرقمية بيتكوين وتبلغ قيمتها نحو أربعين مليون دولار في عملية "اختراق أمني واسعة النطاق".

بدورها شددت وكالة ستاندرد آند بورز جلوبال للتصنيفات الائتمانية في 16 مارس/آذار 2021، على أن العملات المشفرة لا تزال تمثل في الغالب أدوات للمضاربة وليست وسيلة للتجارة أو الدفع، رغم الاهتمام الأخير بدعم ارتفاع أسعار البيتكوين.

مستقبل "العملات"

فيما يرى الغول، أن الاستثمار في العملات الرقمية ينطوي على مخاطر وخسائر كبيرة بسبب الحركة السعرية المتقلبة.

وأشار إلى أنه في المقابل، فإن العوائد المادية من الممكن أن تكون كبيرة جدا، لأن العملات الرقمية في فترة نضوج وتبني من الشركات والمؤسسات الحكومية، مما قد يؤدي إلى انفجار سعري للبيتكوين لا يعبر بالضرورة عن القيمة الفعلية للعملة في السوق.

ويتوقع خبراء ماليون صعود أسعار العملات الرقمية، فعلى سبيل المثال يرى بعضهم أن سعر عملة البيتكوين سيصل إلى 100 ألف دولار، وعزوا ذلك إلى إجراءات تحفيز أميركية ستسمح للسكان بتوسيع الاستثمار في العملات المشفرة.

ومؤخرا بعد سماح شركتي "PayPal" و"Visa" لعملائها في الولايات المتحدة بالدفع بالعملات المشفرة، وإعلان بنك "Goldman Sachs" الأميركي أنه يخطط  للتعامل بالعملة المشفرة في المستقبل، فمن المتوقع أن تواصل العملات الرقمية أرباحها.

لكن في المقابل يرى خبراء أن المستثمرون سيتجهون نحو جني الأرباح، وستهبط العملة بشكل مفاجئ بمجرد أن ينتهي نمو العملات الرقمية الذي لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.

وتوقع الغول، أن يزداد عدد مستخدمي العملات المشفرة والرقمية بمقدار أربعة أضعاف في السنوات العشر المقبلة ليصل الى أكثر من 200 مليون مستخدم، وبخاصة مع ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت والتطور المتسارع في التكنولوجيا، مما سينعكس إيجابا على العملات الافتراضية.

بدورها لن تتوقف الحكومات مكتوفة الأيدي أمام عملات افتراضية لا تخضع لأية رقابة ولا لسلطة مركزية يمكن الرجوع لها، وبخاصة أن العملات في العموم تساهم بشكل كبير في تحفيز أو تقهقر الاقتصاد المحلي.

فربما قد تلجأ الحكومات إلى اتخاذ خطوات متزايدة لتقويض إخفاء الهوية في معاملات العملات الإلكترونية المشفرة وزيادة الرقابة على العمليات في هذا المجال، أو قد تطرح عملات رقمية خاصة لها تجابه تلك العملات المشفرة.