خط المعارضة.. هكذا يسعى رئيس موريتانيا السابق للعودة إلى المشهد مجددا

12

طباعة

مشاركة

رئيس موريتانيا السابق محمد ولد عبد العزيز، أصدر بيانا دعا فيه أنصاره إلى الالتحاق به في "حزب الرباط الوطني من أجل الحقوق وبناء الأجيال"، في أول نشاط سياسي له منذ أن وضع تحت المراقبة القضائية المشددة منتصف مارس/ آذار 2021.

وسبق لولد عبد العزيز أن حاول في أغسطس/ آب 2020، الانخراط في "الحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي" (معارض/غير ممثل في البرلمان) لكن السلطات أغلقت الحزب مؤقتًا بسبب مخالفته للقوانين المنظمة للأحزاب السياسية.

رأى مراقبون أن بيان 7 أبريل/ نيسان 2021، الذي أعلن من خلاله الرئيس السابق انضمامه للحزب، يشكل عودة قوية لصراع الجنرالين، الرئيس السابق ولد عبد العزيز والحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، مرجحين أنه سيكون بداية لتصعيد جديد.

تكسير عظام

الرئيس السابق قال في بيان مطول شديد اللهجة: "أدعو كل الغيورين على هذا الوطن، الحريصين على نهضته وتطوره، والذين يطمحون للقطيعة التامة مع التخلف والاتكالية والمسلكيات البائدة، من فساد ومحسوبية وفشل، أن يلتحقوا بنا في المشروع الوطني الجامع لحزب الرباط الوطني من أجل الحقوق وبناء الأجيال".

و"حزب الرباط الوطني من أجل الحقوق وبناء الأجيال" حزب ناشئ غير ممثل في البرلمان، حصل على الترخيص سنة 2016، ويقوده الناشط الحقوقي والسياسي، السعد ولد الوليد.

بدأ الصراع بين ولد الغزواني وولد عبد العزيز في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 حين ترأس الأخير اجتماعا لحزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، الذي أسسه سنة 2009.

وبعد أيام من الاجتماع، وقع عشرات من نواب البرلمان عريضة عبروا فيها عن رفضهم لمحاولة ولد عبد العزيز الهيمنة على الحزب، لتبدأ أزمة وصلت حد اعتقال ولد عبد العزيز واستجوابه، ثم الإفراج عنه.

وفي 11 مارس/ آذار 2021، وجهت النيابة العامة إلى ولد عبد العزيز و12 من أركان حكمه، تهما بينها غسل أموال ومنح امتيازات غير مبررة في صفقات حكومية، وهو ما ينفي المتهمون صحته.

وفي 4 أبريل/نيسان 2021، قرر قاضي التحقيق تجميد ممتلكات الرئيس السابق و12 من أركان حكمه.

وفي يونيو/حزيران 2020، أصدر البرلمان الموريتاني تقريرا أحيل إلى القضاء، يتضمن اتهامات للرئيس السابق وعدد من وزرائه السابقين ومقربين منهم بالتورط في عمليات فساد.

وحكم ولد عبد العزيز موريتانيا ولايتين رئاسيتين من (2009 إلى 2019) لكنه لم يترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت في 22 يونيو/حزيران 2019، حيث دعم محمد ولد الغزواني (63 عاما)، الذي فاز بولاية رئاسية من 5 سنوات، بدأها مطلع أغسطس/آب من ذلك العام.

خط المعارضة

في 15 أبريل/نيسان 2021 كشف محمد ولد عبد العزيز تبنيه لخط المعارضة وعزمه الانخراط في حزب سياسي والعمل من داخله.

وقال الرئيس السابق، في مقابلة خص بها صحيفة "جون أفريك" الفرنسية: "أصبحت معارضا لأنني أختلف تماما مع ما يجري في بلدي ولأنني لم ألتزم قط بالتوقف عن السياسة بعد كل الجهود التي بذلتها لمحاولة تحسين الظروف المعيشية للسكان وتأمين البلاد".

واتهم ولد عبد العزيز، في المقابلة التي ترجمتها صحيفة "القدس العربي"، الحكومة الحالية بـ"انتزاع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية منه (الحزب الحاكم حاليا الذي أسسه في 2009)".

وقال اضطررت "للتخلي عن الحزب والبحث عن آخر وقد وجدت واحدا في آب/ أغسطس 2020 وهو الحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي الذي يرأسه محفوظ ولد اعزيزي، لكن تم حظره".

وأوضح ولد عبد العزيز أنه اختار حزب الرباط الوطني من أجل الحقوق وبناء الأجيال، الذي يرأسه السعد ولد الوليد لأنه "كان الوحيد المتاح ففي كل مرة كنت أقترب من حزب ما يتعرض لضغوط أو يخشى أن يتم حظره".

وقال ولد عبد العزيز إن رئيس حزب الرباط الوطني "كانت لديه الشجاعة للقبول، وسأصبح عضوا بالحزب وسنبدأ العمل في الأيام والأسابيع القادمة من أجل انتساب جميع مناصرينا. وسننظم أيضا مؤتمرا".

 وتحدى الرئيس السابق، الذي تلاحقه تهم الفساد وغسل الأموال والإثراء غير المشروع واستغلال النفوذ وعرقلة سير العدالة، خصومه ليثبتوا اختلاسه للمال العام.

المراقبة القضائية

وفي حين تساءل مراقبون عن مدى إمكانية ذلك من الناحية القانونية مع وجوده تحت الحراسة النظرية، أكد ولد العزيز، أن الخطوة تأكيد على حقه في ممارسة العمل السياسي، رغم وضعه تحت المراقبة القضائية المشددة.

الحزب يرى من جانبه، أنه أصبح قادرا على فرض نفسه في المشهد السياسي مجددا، وإنهاء ما يعتبره استهدافا لولد عبد العزيز، بينما ينظر بعض خصوم ولد عبد العزيز إلى الخطوة على أنها مناورة سياسية، ويطالبونه باحترام استقلالية القضاء وبالتفرغ لتهم الفساد الموجهة إليه.

ويرى مراقبون صرحوا لقناة "الغد"، أن انضمام الرئيس السابق لحزب لا يمتلك تمثيلا في البرلمان، هي محاولة معادة لنقل معركته القضائية إلى مواجهة سياسية، فيما يرى آخرون أن ولد عبد العزيز يتعرض لتصفية سياسية عبر المحاكم لعهده وفترة حكمه.

ويؤكد القضاء الموريتاني استقلاليته في أي ملف معروض أمامه، ويعني ذلك في نظر قانونيين تأكيدا استباقيا لعدم اكتراث القضاء للوضعية السياسية للمتهمين لديه.

من جانبه، قال رئيس حزب الرباط الوطني لحقوق وبناء الأجيال السعد ولد الوليد، إن الأسباب التي دفعتنا لقبول انضمام محمد ولد عبد العزيز نفس الأسباب التي تتيح لأي مواطن موريتاني ممارسة حقوقه السياسية كاملة غير منقوصة.

وأضاف: "الاتهامات التي تسوقها ضده المعارضة الشخصية له ومن يتآمر عليه من الطبيعي أن تحيك ضده هذه الاتهامات".

شكل الصراع

المحلل السياسي أحمد ولد الندى، يرى أنه منذ 2019 والصراع بين الرجلين (ولد عبد العزيز وولد الغزواني) يتبلور حول طبيعة الخلاف، فمن الواضح أن ولد عبد العزيز كان رهانه إظهار هذا الصراع في شكل سياسي وضيق من محاولة منعه من الظهور في المشهد.

وقال ولد الندى، لـ"الاستقلال": "بينما كان رهان ولد الغزواني يقوم على إظهار المعركة وكأنها حرب على الفساد وتحقيقات برلمانية ثم قضائية، ولا علاقة لها بالسياسة، وأن القضاء يعمل فيها باستقلالية وكذلك البرلمان، والسلطة التنفيذية لا دخل لها في الملف".

يرى المتحدث، أن السلطة كسبت إلى حد ما جزءا من هذا الرهان في المراحل السابقة، قبل أن يبدأ ولد عبد العزيز محاولات الحصول على حزب سياسي من خلال المحاولتين، يحاول الرئيس السابق بذلك العودة إلى المشهد، وجعل معركته مع النظام معركة سياسية، في حين مازال النظام الحالي يصر على أنها مع القضاء في إطار محاربة الفساد.

لا يعتقد الكاتب والصحفي الموريتاني، أنه يوجد ما يمنع ولد عبد العزيز من إعلان نيته دخول المعترك السياسي بل وحتى دخوله فعليا من الناحية القانونية.

وزاد: هو حاليا في مرحلة الاتهام، وإن كان رسميا وعقوبته قد تصل إلى السجن لعشر سنوات والتغريم بمبالغ مالية كبيرة، خصوصا تهمة غسيل الأموال وتبديد المال العام والإثراء غير المشروع، فهي تهم خطيرة، لكن ما لم يصدر حكم قضائي لا يمكن أن يؤثر الأمر على الحقوق السياسية.

وخلص ولد الندى إلى أن الحراسة النظرية لا تؤثر على حقه في ممارسة السياسة من الناحية القانونية، لكن من الناحية الأخلاقية من وجهت له كل هذه التهم عليه التفرغ للدفاع عن نفسه وتبرئة نفسه أخلاقيا قبل أن يتقدم إلى الجمهور لعرض نفسه، وهو الذي خرج للتو من حكم البلاد.

بواية خلفية

وعن محاولته العودة إلى المشهد السياسي من البوابة الحزبية، قال ولد الندى إن الأمر ليس جديدا في موريتانيا، فعدد من الرؤساء الذين حكموا البلاد فعلوا ذلك، حتى أصبح الأمر ظاهرة.

واستعرض المحلل السياسي، أبرز الحالات، مذكرا بالمحاولة الانقلابية في 1983 والرئيس المختار ولد دادة، وأن من نفذوا المحاولة كانوا ينوون إعادته للسلطة.

أيضا المصطفى ولد أحمد السالك، الذي ترشح للرئاسيات في 1992 محاولا العودة إلى السلطة، ومحمد خونا ولد الهيدالة الذي حكم في بداية الثمانينيات، ترشح للرئاسيات في 2003 محاولا العودة إلى السلطة، وهي بالتالي مسار طويل غالبا ما تكون نتائجه باهتة وصادمة.

فسر المتحدث سعي هذه الأسماء إلى العودة للسلطة من بوابة أخرى، بتعودها على خضوع الشعوب لها وانصياعها خلفها، بما فيها المؤسسة العسكرية ورجال الأعمال.

يراهن ولد عبد العزيز على أن يكون الاستثناء، وقد تحدث عن بنائه لحزب مختلف حتى وهو ما يزال في السلطة، لكن الحزب الذي دخل به هذا الرهان تخلى عنه وعن مرجعيته وتبع مرجعية الرئيس الجديد، وانتخب قيادة جديدة، فيما يبحث ولد عبد العزيز حاليا عن عنوان سياسي قانوني يعود من خلاله إلى المشهد مرة أخرى.