صحيفة روسية: هذه خلفيات التقارب التركي الأوكراني المتسارع

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إيزفيستيا الروسية الضوء على زيارة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى تركيا في 10 أبريل/نيسان 2021، والمحادثات التي أجراها مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان.

السبب الرئيس وراء الزيارة هو اجتماع المجلس الإستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، لكن جرى أمر بارز في الأثناء، وفق ما يقول الكاتب إيغور كارمازين.

يتمثل هذا الأمر في إجراء أردوغان عشية اللقاء اتصالا هاتفيا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناقش فيه آخر تطورات الوضع في إقليم دونباس شرق أوكرانيا.

انزلاق الأوضاع

وتصاعد التوتر في منطقة "دونباس" منذ أن أعلنت كييف في 26 مارس/آذار 2021 مقتل 4 من جنودها جراء إطلاق نار من قبل انفصاليين موالين لروسيا.

تبع تلك الخطوة بدء روسيا بحشد قواتها العسكرية إلى الحدود مع أوكرانيا خشية انزلاق الأوضاع بدفع أميركي أوروبي، وفق ما تقول موسكو.

وبين الفينة والأخرى تندلع اشتباكات في منطقة دونباس بين القوات الحكومية والانفصاليين الموالين لروسيا الذين أعلنوا استقلالهم عام 2014، ما أدى إلى مقتل أكثر من 13 ألفا منذ ذلك الحين.

وتوصلت الأطراف المتحاربة شرقي أوكرانيا في فبراير/شباط 2015، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يقضي بسحب الأسلحة الثقيلة والقوات الأجنبية من أوكرانيا، بالإضافة إلى سيطرة الأخيرة على كامل حدودها مع روسيا بحلول نهاية 2015، وهو ما لم يتحقق بعد.

ومنذ نحو 7 سنوات تشهد العلاقات بين كييف وموسكو توترا متصاعدا بسبب ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها بطريقة غير قانونية، ودعمها الانفصاليين في منطقة "دونباس" شرقي أوكرانيا.

سلم الأولويات 

يشير كارمازين إلى أن الرئيس التركي أدلى بتصريحات شديدة اللهجة في ختام المباحثات قال فيها إن تركيا لن تعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم وأنها تدعم وحدة الأراضي الأوكرانية.

 كما عرج الكاتب على دعم الجهمورية التركية لمنصة القرم بما يحقق الأمن والاستقرار لشعوب شبه الجزيرة بما فيهم تتار القرم والأوكران. 

ويعرف الكاتب منصة القرم على أنها  المشروع الذي تسعى أوكرانيا من خلاله إلى توحيد المجتمع الدولي حول قضية الإقليم. 

ويصف مناقشة تعاون أوكرانيا مع حلف شمال الأطلسي خلال زيارة زيلينسكي لتركيا بالموضوع الذي يبعث بالتفاؤل في الأوساط الأوكرانية خاصة بعد تصريح أردوغان في البيان الثنائي أن أنقرة تدعم تطلعات كييف للانضمام إلى الحلف.

وبخصوص الأزمة المتجددة في إقليم دونباس أشار الكاتب إلى أن أردوغان دعا إلى ضرورة حل القضية عن طريق الحوار السلمي ضمن الاتفاقيات التي تم توقيعها في العاصمة البيلاروسية مينسك، مشيرا إلى أن بلاده تتمنى أن ينتهي التصعيد الأخير في أسرع وقت ممكن. 

 يرى كارمازين أن المحادثات بشأن التعاون العسكري بين وزيري دفاع البلدين، الأوكراني أندريه تاران والتركي خلوصي آكار والتي جرت على هامش لقاء العاشر من أبريل/نيسان كان واحدا من أهم أهداف اللقاء إن لم يكن أهمها على الإطلاق.

 فقد تشاور الطرفان حول إمداد تركيا بطائرات دون طيار من نوع بيرقدار بالإضافة إلى الذخيرة والصواريخ التي يمكن أن يحملها هذا النوع من الطائرات.

كما دار الحديث عن تصنيع سفن من نوع كورفيت بالإضافة إلى التعاون في مجال الطيران والدفاعات الجوية.

ويعلق الكاتب على موضوع طائرات بيرقدار التركية بالقول: "من الملفت للانتباه أن نائب رئيس لجنة البرلمان الأوكراني للأمن القومي والدفاع والاستخبارات يوري ميسياجين، قال في نفس يوم الزيارة إن أوكرانيا استخدمت لأول مرة طائرة تركية بدون طيار في دونباس".

 وبحسب نفس المسؤول، فإن طلعة تلك الطائرة تمت لغرض المراقبة ومهام الاستطلاع.

يركز الكاتب على حقيقة أن زيارة زيلينسكي هذه لتركيا تشكل اللقاء الرابع الذي يبحث فيه مع أردوغان الأوضاع في أوكرانيا، حيث زار تركيا مرتين، فيما زار أردوغان كييف مرة واحدة.

إمساك بكل الخيوط

ويضيف: "الرئيس التركي ما زال عند كلماته التي صرح فيها في أكتوبر/تشرين الأول 2020 أن تركيا ترى في أوكرانيا دولة مهمة ورئيسة لحفظ أمن واستقرار المنطقة".

وبين أن أنقرة دعمت دائما وما زالت تدعم سيادة كييف ووحدة أراضيها وأنها لم ولن تعترف بالقرم جزءا من الأراضي الروسية.

يشير الكاتب إلى أنه وعلى الرغم من التصريحات القوية التي يدلي بها الرئيس التركي هنا وهناك، إلا أن الجمهورية التركية لم تقطع التعاون مع روسيا حتى في ما يتعلق بشبه جزيرة القرم.

فقد زارت الوفود التركية شبه الجزيرة منذ 2014 حتى 2019 ولم تتوقف زيارات الأتراك إلى القرم إلا بعد انتشار جائحة كورونا.

ويعقب كارمازين: "على الرغم من تصريحات وزارة الخارجية التركية أن تلك الزيارات كانت تحمل طابعا شخصيا وليس رسميا إلا أن تواصل حركة النقل البرية والبحرية المستمرة من وإلى شبه الجزيرة تدل على التنسيق بين البلدين حيث إن تركيا هي البلد الوحيد الذي فعل ذلك الشيء".

ويرى كارمازين أن العلاقات التركية الأوكرانية تعتمد في الأساس على التعاون الاقتصادي، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2018، 4 مليارات دولار و تجاوز الخمس مليارات عام 2020.

إذ تستورد تركيا بعض المواد الخام النباتية والمستخرجة من المناجم بالإضافة إلى بعض المواد الأولية شبه المصنعة.

 فعلى سبيل المثال تشكل بذور دوار الشمس بالإضافة إلى الحديد الزهر ما نسبته 70 بالمئة من صادرات أوكرانيا إلى تركيا.

بينما تستورد أوكرانيا من تركيا معظم مستلزمات صناعات الهندسة الميكانيكية والمواد الكيميائية وبعض الصناعات الخفيفة. 

وينوه الكاتب إلى قضية التقارب السياسي بين أنقرة وكييف، فإنشاء الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية برعاية من قبل بطريركية القسطنطينية يعد أمرا مهما.

إذ صرح عضو البرلمان الأوكراني مصطفى جميليف تعليقا على المحادثات التي تمت بهذا الشأن قائلا: "بذلت جهدي لإيصال فكرة أن موسكو اليوم تعد قبلة الأرثوذوكس حول العالم ومكتهم (مكة الأرثوذوكس)".

غير أن إسطنبول يمكن أن تحل محلها بعد قرار وقف تبعية الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية لبطريركية موسكو وهذا مكسب سياسي مهم، بحسب جميليف.

تعاون براغماتي 

ويضيف الكاتب أنه وبعد فوز زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، واصلت كل من كييف وأنقرة تعاونهما.

ففي عام 2020، أعلنت كييف عن شراء 48 طائرة تركية بدون طيار، ويتم العمل الآن على فكرة لإنشاء طائرات بدون طيار في نيكولاييف الأوكرانية.

بالإضافة إلى ذلك، تشتري أوكرانيا من الشركات التركية محطات راديو ذات موجات قصيرة وأجهزة تصوير حراري وغيرها من المعدات العسكرية.

كما أن التعاون في مجال العمل الإنساني آخذ في التطور. فعلى سبيل المثال، في عام 2020 أعلن عن تمويل تركي لمشروع بناء أكبر مسجد في أوكرانيا وسط العاصمة كييف.

يشير كارمازين إلى تعليقات العديد من الخبراء السياسيين الذين يرون أن تقييم العلاقات التركية الأوكرانية بشكل قطعي أمر صعب جدا.

إذ ينقل وجهة نظر بوغدان بيزبالكو عضو المجلس الروسي للعلاقات القومية التابع للرئاسة الروسية التي عبر عنها في لقاء مع موقع صحيفة إيزفيستيا.

وقال بيزبالكو: "إن تركيا حليف غير مضمون، فمن جهة هي تعارض ضم روسيا شبه جزيرة القرم ومن جهة أخرى تظهر وسائل الإعلام التركية شبه الجزيرة وأجزاء من مقاطعة دونباس كمناطق نفوذ تركي".

وهذا يعني أن تركيا ذاتها تسعى للسيطرة على أجزاء من أوكرانيا، وفق تقديره.

كما يشير إلى تصريحات نائب رئيس معهد دول رابطة الدول المستقلة (دول الاتحاد السوفييتي السابق) فلاديمير جاريخين التي أشار فيها أن أردوغان قال لزيلينسكي ما كان يريد الأخير أن يسمعه.

وعقب بالقول: "لا أرى أن نعطي تصريحات أردوغان بخصوص القرم أهمية كبيرة خصوصا في خلال زيارة زيلينسكي، فالمجتمع الدولي كله لا يعترف بضم القرم إلى روسيا، أي أن تركيا لن تذهب غدا إلى حلف يحارب روسيا لانتزاع القرم".

الأهم من ذلك أن أردوغان لم يعط زيلينسكي وعودا حقيقية. ويضيف "الحديث عن تحالف تركي أوكراني أمر مبالغ به فأنا أرى أنه تعاون تبادل مصالح براغماتي بين البلدين ليس إلا".