بعد إقرار القاسم الانتخابي بالمغرب.. هل يقاطع "المصباح" السباق؟

12

طباعة

مشاركة

خلاف واسع شهدته الساحة السياسية في المغرب طيلة الأشهر الماضية، بشأن مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) المعروف باسم "القاسم الانتخابي".

الخلاف انتهى بإقرار المحكمة الدستورية مشروع القانون بالصيغة التي أعلن حزب العدالة والتنمية (المصباح)، الذي يقود الائتلاف الحاكم، رفضه لها من قبل.

قائد الائتلاف الحكومي وصف اعتماد القاسم الانتخابي على أساس "قاعدة المقيدين بالجداول الانتخابية بشكل عام وليس المصوتين فقط"، بالاختيار "غير الديمقراطي"، وبدأ كثيرون يتساءلون عن الخيارات المتاحة أمام "المصباح"، وهل يذهب إلى مقاطعة الانتخابات؟

رفض تصعيدي

المحكمة الدستورية في المغرب ومهمتها النظر في مطابقة القوانين للدستور، خلصت في حكمها يوم 9 أبريل/نيسان 2021، إلى أن القانون التنظيمي رقم 04.21 بتغيير وتتميم القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، ليس فيه ما يخالف الدستور.

وأمرت في قرارها، بتبليغ نسخة من قرارها بشأن القانون التنظيمي لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وبنشره في الجريدة الرسمية ليصبح بذلك ساري المفعول.

اعتبرت تقارير صحفية، أن "العدالة والتنمية" خسر الجولة الأخيرة من معركة القاسم الانتخابي بعد إقرار المحكمة الدستورية تعديل احتسابه على أساس المسجلين في القوائم الانتخابية وليس على أساس الأصوات الصحيحة فقط كما هو معمول بها حاليا وهو ما كان يرفضه الحزب الحاكم.

واعتبر الحزب في بيانه 10 أبريل/نيسان 2021، أن القرار "يمس بمصداقية المؤسسات المنتخبة ويجعلها غير قادرة على التعبير الحقيقي عن الإرادة العامة للأمة والتي يفرزها التصويت الحر والنزيه والمعبر عنه من خلال المشاركة في عملية الاقتراع".

وأردف البيان، "كما أن ذلك سيسهم في مزيد من العزوف الانتخابي بدلا من أن يكون جزءا من الحل لتعزيز ثقة المواطنين في الانتخابات ومن خلالها في المؤسسات المنتخبة".

وفي 6 مارس/ آذار 2021، أقر مجلس النواب مشروع القانون التنظيمي للمجلس، نص على تعديل طريقة حساب "القاسم الانتخابي" الذي يتم على أساسه توزيع مقاعد البرلمان والمجالس البلدية، بعد الاقتراع.

وصدق مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) عليه، في 12 مارس/آذار 2021، وبعد نشر القانون في الجريدة الرسمية يدخل حيز التنفيذ، وهو ما لم يتم حتى اليوم.

وأثار "القاسم الانتخابي" جدلا كبيرا، إذ كان حزب "العدالة والتنمية" يقترح استمرار اعتماد الطريقة القديمة (قسمة عدد الأصوات الصحيحة على عدد مقاعد الدائرة الانتخابية)، بينما تطالب باقي الأحزاب بقسمة مجموع الناخبين المسجلين في كل دائرة على عدد المقاعد، وهي الصيغة التي اعتمدتها المحكمة الدستورية مؤخرا.

التحكيم الملكي

من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية بالمغرب، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، فيما بدأت التوقعات عما يمكن للحزب الحاكم أن يذهب إليه.

توقع مراقبون أن يكون لجوء الحزب الشهير بالـ"المصباح" إلى التحكيم الملكي خطوة أخيرة من أجل إسقاط التعديل، الذي كان محط خلاف بين الحزب وباقي الأحزاب الممثلة في البرلمان (أغلبية ومعارضة).

واستنادا إلى مصادر خاصة، استبعد موقع "العربي الجديد"، الخيار على اعتبار أن إقرار المحكمة الدستورية للتعديلات التي تضمنها القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، لا سيما المادة 84 منها، لا يترك له أي إمكانية أخرى دستوريا للإطاحة بها.

كما أن اللجوء إلى تحكيم ملك البلاد يقتضي وجود تنازع بين المؤسسات يمس بسيرها العادي، وهو ما لا ينطبق على حالة إقرار تعديل قانون "القاسم الانتخابي".

من جانبة، جزم المحلل السياسي والعضو بالحزب، بلال التليدي، بأن القيادة الحالية للعدالة والتنمية، "لن تنتج جوابا سياسيا يذهب إلى حد مقاطعة الانتخابات". 

وقال التليدي لـ"الاستقلال": "المعركة التي خاضتها قيادة الحزب منذ اللحظة الأولى كان المقصود بها توجيه رسالة إلى الداخل، ليس أكثر من ذلك، أمام التراجعات التي أقدمت عليها فيما يخص العديد من الملفات، استثمرت بشكل قوي في ملف القاسم الانتخابي وهي تعلم أنها ستخسر الملف منذ اللحظة الأولى".

وزاد التليدي، بأن الغرض من هذا الاستثمار كان بغرض تهدئة الداخل، وإلا "فعدم اتجاهها إلى إنتاج جواب سياسي منذ اللحظة الأولى ولو بالتلويح بعدم المشاركة في العملية الانتخابية، يدل على أن سقفها في التعاطي مع الموضوع كان يستهدف الداخل الحزبي وتوجيه رسالة له، أكثر من أي طرف سياسي آخر".

وأضاف التليدي: "إذا اعتبرنا انتخابات 2016 هي المرجع في استلهام فكرة القاسم الانتخابي، وطبقنا نتائجه على نتائجها، فإن العدالة والتنمية سيخسر 30 مقعدا أو أكثر، وسيكون السيناريو هو استحالة حصول أي حزب على أكثر من مقعد واحد في الدائرة الواحدة".

وتابع: "استحضار الخصائص الانتخابية التي تميز نتائج حزب العدالة والتنمية، ومنها صعوبة حصوله على مقعد واحد في بعض دوائر القرى، أو الصحراء، أو المناطق المعروفة بزراعة الكيف (المخدرات) والمتاجرة فيه، فإن القاسم الانتخابي المعتمد سينتهي إلى تقليص حجم العدالة والتنمية بما يزيد على الثلث، ومنعه في الوسط الحضري من الفوز بالمقاعد التي حصل عليها، هذا دون اعتبار لأثر تراجع الشعبية من عدمه".

وفق مراقبين، عاش الحزب في الفترة الأخيرة سلسلة من الأزمات الداخلية و"الانتكاسات" دفعت أصواتا من الداخل، وبعد 10 سنوات على رأس الائتلاف الحكومي، إلى دعوته للتنازل إراديا عن "الحكم" والعودة إلى صفوف المعارضة لـ"التقاط الأنفاس" من جديد والمصالحة مع المواطنين، بعد تجربة "لها من التقييم" الكثير.

وحسب متابعين، يمر "العدالة والتنمية"، بفترة هي الأصعب في فترة ترؤسه للحكومة، تحديدا منذ "تورط" رئيسه ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني في توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل في 23 ديسمبر/كانون الأول 2020.

أيضا مصادقة وزراء الحزب الحاكم على قانون "تقنين القنب الهندي"، ما أثار حالة جدل وغضب داخل الحزب ذهبت إلى حد تجميد بعض قادته عضويتهم، وأبرزهم رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، فيما انسحب عدد من أعضائه من التنظيم.

المستفيد الأول

في انتخابات عام 2016، فاز حزب "العدالة والتنمية" بالمرتبة الأولى بحصوله على 125 مقعدا من أصل 395، يليه حزب "الأصالة والمعاصرة" بـ102 مقعدا، وجاء حزب "الاستقلال" ثالثا بـ46 مقعدا، يليه حزب "التجمع الوطني للأحرار" بحصوله على 37 مقعدا، وحزب "الحركة الشعبية" بـ 27 مقعدا.

كما حاز حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" على 20 مقعدا، وحزب "التقدم والاشتراكية" على 12، وحزب "الاتحاد الدستوري" على 19 مقعدا.

لكن في صورة الاعتماد على نفس نتائج التصويت مع تعديل قانون القاسم الانتخابي، قد يخسر العدالة والتنمية عددا من مقاعده حيث يستحيل حصوله على أكثر من مقعد في الدائرة الواحدة مثلما حدث في 2016 عندما حصد 98 مقعدا في 92 دائرة.

كذلك الأمر سيكون في نتائج الدوائر الانتخابية الوطنية، التي تضم 90 مقعدا (60  للنساء و30 للشباب أقل من 40 عاما)، والتي حصل فيها الحزب على 27 مقعدا في الانتخابات الماضية.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس إسماعيل حمودي، قال في تصريح سابق لـ"الاستقلال"، إن حزب الأصالة والمعاصرة قد يكون المستفيد الأول من اعتماد القاسم الانتخابي، مستطردا: "صحيح أنه حزب غير متجذر لحد الآن في البيئة السياسية، ويفتقر للمشروعية، لكن مراكز في السلطة لا زالت تراهن عليه ليكون بديلا منافسا لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة".

فيما يظن، عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن الغاية من القاسم الانتخابي ليست تحييد أو إضعاف العدالة والتنمية، بقدر تقزيم قوته عدديا وإنهاكه بمعارك ومشاكل داخلية.

أما إبعاده من المشهد السياسي، فوفق العلام، "ليست غاية الدولة، لأن ذلك ليس في صالحها، فهي ترغب في بقائه بالساحة السياسية لكن ليس بالقوة التي هو عليها الآن".

ويخوض حزب العدالة والتنمية صراعا مفتوحا، ضد الائتلاف الحزبي الذي يضم كلا من "التجمع الوطني للأحرار" و"الاتحاد الاشتراكي" و"الاتحاد الدستوري" و"الحركة الشعبية" و"حزب الاستقلال"، الداعي إلى تغيير طريقة احتساب القاسم الانتخابي.

في 24 يناير /كانون الثاني 2020، فتحت وزارة الداخلية ورش مراجعة الترسانة القانونية المتعلقة بالانتخابات وكذلك عملت على تنظيم مجالس الجماعات الترابية (البلديات)، قبل إعداد مشاريع قوانين تتعلق بتعديل القوانين التنظيمية للجهات والجماعات والأقاليم.

وشملت التعديلات المقترحة نمط الاقتراع وكذلك تقسيم الدوائر وتمويل الأحزاب السياسية، وتقدمت الأحزاب السياسية بمقترحاتها التي تتضمن مطالب بإدخال تعديلات جوهرية على مدونة الانتخابات وكذلك مراجعة التقطيع (تقسيم الدوائر) الانتخابي، قبل حلول الموعد المقرر لانتخابات 2021.

وتطالب العديد من الأحزاب السياسية بمراجعة نمط الاقتراع المعمول به حاليا، من خلال تنظيم الانتخابات المقبلة وفق نمط الاقتراع الفردي عوضا عن الاقتراع باللائحة، إلا أن هذا المقترح لم يحظ بتأييد واسع من الأحزاب.

مراقبون يخشون من تأثير هذه التعديلات على المشهد البرلماني الذي سيصبح أكثر تعقيدا ويصعب على الحزب الفائز تجميع أغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة في وضع أسوأ مما حدث عام 2016، عندما عجز رئيس "المصباح" السابق بنكيران في الوصول لتوافق حول تشكيل حكومة ما أدى إلى تخليه عن منصبه لرئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني.