بعد "الانتكاسات الأخيرة".. هل يعود العدالة والتنمية المغربي إلى المعارضة؟
رغم المطبات التي تعترضه مع قرب انتهاء ولايته الحكومية الثانية في المغرب، يصر حزب العدالة والتنمية (المصباح) على الوقوف سدا منيعا أمام "الانتكاسات" التي تعترض طريقه نحو تصدر الانتخابات التشريعية في خريف 2021.
وأمام طموحاته وأمانيه في ولاية ثالثة، بعد 10 سنوات على رأس الائتلاف الحكومي، دعت أصوات من داخل "المصباح" وخارجه للتنازل إراديا عن "الحكم" والعودة إلى صفوف المعارضة لـ"التقاط الأنفاس" من جديد والمصالحة مع المواطنين، بعد تجربة "لها من التقييم" الكثير.
تنازلات كثيرة
ويمر "العدالة والتنمية"، بفترة هي الأصعب في فترة ترؤسه للحكومة، تحديدا منذ "تورطه" في توقيع رئيسه ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني على اتفاق التطبيع مع إسرائيل، ومصادقة وزرائه على "تقنين القنب الهندي"، وتجميد بعض قادته عضويتهم بالحزب، وأبرزهم رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، وانسحاب عدد من أعضائه للتنظيم.
ومنذ عام 2012، يقود "العدالة والتنمية" الحكومة للمرة الأولى في تاريخ المغرب، إثر تصدره انتخابات عامي 2011 و2016، وهو يستعد لخوض الانتخابات المقبلة في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وأمام هذه التطورات السريعة خلال أقل من 5 أشهر، يستذكر أعضاء الحزب "المرافعات الشرسة" لقيادات "المصباح" في قبة البرلمان، خلال 13 سنة قضاها في المعارضة، من 1997 وحتى 2011، ليطالبوا بالعودة إلى "أصلهم" أملا في انطلاقة بـ"معطيات ومتغيرات" جديدة.
وفي السياق، اعتبر الكاتب حفيظ زرزان، أن "العدالة والتنمية لم يعد أمامه إلا العودة للمعارضة، ومقاطعة الانتخابات إن استطاع، وهي السلاح القوي الذي يمكنه به تغيير الموازين"، رغم مهاجمته إياها وتبخيسها بعدما بنى قناعته على المشاركة ولو بالخسارة.
وأضاف في مقال نشره عبر موقع "ريحانة بريس" (مستقل) في 6 مارس/آذار أن "المصباح مثقل بولايتين حكوميتين، بما لها وما عليها، بعدما مررت على يديه أفظع القرارات، وناقض مرجعيته في التطبيع بحضور رئيس حكومته، فاليوم سيصبح كلما عارض يذكره الآخرون بما اقترفه هو.. وبالتالي فقد رصيده السياسي والمعنوي والأخلاقي الذي كان يميزه عن الآخرين، فصار مثلهم".
فيما قال موقع هسبريس في تقرير له في 3 يناير/كانون الثاني حول اختيار "المصباح" الاصطفاف في المعارضة، إن "الحزب الإسلامي سيكون أمام جبهات كثيرة ومعقدة في طريقه إلى تشريعيات 2021؛ فعليه أولا خلق استقرار داخلي في ظل تصاعد الغضب ضد القيادة الحالية، باعتباره قدم تنازلات كثيرة لخصومه ولا يعطي الانطباع بأنه متحكم في مجرى الأمور".
وأضاف أن "المشاكل تراكمت على قيادة العدالة والتنمية؛ فمن مواجهة جمود الأداء وتضرر صورة الحزب داخل المجتمع بسبب بعض القرارات غير الشعبية، إلى كيفية التعاطي مع تداعيات الاتفاق المغربي الإسرائيلي، يمضي الحزب في مسار إعادة ترتيب بيته الداخلي، وهو ما يفرض نوعا من الاستراحة لأخذ الأنفاس".
يقاوم بشراسة
وأمام هذه الدعوات، قال برلماني "العدالة والتنمية"، الحسين حريش: "ما أستنتجه من تدبير قيادة الحزب للحزب في الوضع الراهن، خاصة التوجه العام وطريقة تدبيره لعدة ملفات وخاصة منها الانتخابات، سواء ما يتعلق بالتفاعل خارجيا مع القوانين والنقاش العمومي أو داخليا من خلال الإعداد للانتخابات، لا يبدو لي أن حزبنا مقتنع بفكرة أو أطروحة العودة للمعارضة".
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أن "الحزب ما زال يتطلع ويطمح لقيادة الحكومة وليس فقط المشاركة فيها، وهذه القناعة تتعزز بالأساس بالنظر إلى معطيين أساسيين. أولا يرى أن الساحة السياسية تفتقر لمنافسين أقوياء بالشكل الذي يمكنهم أن يهزموا المصباح".
وتابع: "ثانيا، تركيبة الحزب تهيمن عليها فئة المنتخبين (أعضاء في البلديات أو البرلمان)، ونسبة كبيرة منهم أعضاء في المجلس الوطني أو الأمانة العامة للحزب، وهم يمارسون بشكل عملي تدبير الشأن العمومي، وبدؤوا يتأقلمون مع تجربة جهودها بدأت تظهر وتثمر، ويصعب أن تقنع (المنتخب) بالعودة للمعارضة، إذن التوجه العام للحزب ماض في كل شيء إلا المعارضة".
واستدرك حريش: "لكن رأيي الشخصي، أن مصلحة الحزب والوطن تقتضي هذه العودة. طبعا أنا أقولها لكن الحزب له رأي آخر وأنا ملتزم به، فالحزب يجب أن يقرأ اللحظة ويلتقط الإشارات محليا وإقليميا ودوليا".
وشدد على أن من "مصلحة العدالة والتنمية أن يرجع للمعارضة ويرمم صفوفه ويعطي انفراجا للمشهد السياسي بهذه البادرة، كإرادة ذاتية بالنسبة لحزب مغربي له كل الإمكانيات والقدرات والمؤهلات لتصدر الانتخابات، لكنه يختار الرجوع قليلا للوراء خدمة لمصلحة الوطن وأيضا للحزب".
وقال حريش: "إن كان وصول الحزب إلى ولاية ثالثة لمصلحة الوطن فإنه لن يكون لمصلحة الحزب، وإذا اختار صف المعارضة فإنه لن يضر بمصالح الوطن، لأننا نعرف أن مؤسسات البلد لها كل مقومات الاستدامة والاستمرارية بغض النظر عن اللون السياسي الذي يسير هذه المؤسسات".
وعن محاولة "المصباح" الهروب من سيناريو العودة للمعارضة، اعتبر حريش أن "الحزب لا يهرب ولكن لا يجد في المشهد السياسي الوطني بديلا له، ربما يكون تضخما ذاتيا أو ربما بسبب هيمنة المنتخبين على قيادة الحزب خاصة في الأقاليم والجهات، هو لا يهرب لكنه يقاوم من أجل أن لا يعود للمعارضة".
وتابع: "ديموقراطيا هذا من حقه بطبيعة الحال، لكن في السياسة لا نحتكم دائما لقواعد الديموقراطية، وإلا فإن أشياء كثيرة تتم بالتوافق والذي لا يعني دائما احترام مبادئ الديموقراطية وإرادة الأغلبية، بل قد يكون تواطؤا ضد إرادة المواطنين والأغلبية".
إذن العدالة والتنيمة -وفق حريش- "يقاوم بشراسة وسط القضايا التي تثير النقاش العمومي وفي بعض الأحيان الغضب، ويرى البعض أنها يمكن أن تؤثر على حظوظ الحزب، لكن العدالة والتنمية مقتنع بأنه آلة انتخابية تشتغل بمعزل عن هذه الأحداث، بدون تردد يمكن أن أقول أن الحزب أصبح آلة انتخابية حقيقية بإمكانها التأقلم مع كافة الظروف".
وأوضح "إذا لاحظنا أزمة القاسم الانتخابي، فإنها كانت تستهدف العدالة والتنمية بالأساس لتقليص عدد المقاعد التي سيفوز بها، لكنها عمليا خلقت أزمة داخل باقي الأحزاب، والجميع يعرف أن المشهد سيبلقن ويتشثت (في إشارة إلى فوز عدد كبير من الأحزاب بمقاعد برلمانية وبالتالي يصعب التوحيد بينها أثناء تشكيل ائتلاف حكومي)".
وعلى هذا الأساس، حاليا هناك صراع على المراتب الأولى في اللائحة، وإذا لم يتواجد فإنه يغادر إلى حزب آخر، لأنه لن يصل للبرلمان إذا كان حتى في المرتبة الثانية ضمن اللائحة، وفق قوله.
وأضاف أن "هذا الأمر خلق أزمة داخل الأحزاب، وهذه كلها معطيات تفيد برغبة المصباح في العودة بقوة لقيادة الائتلاف الحكومي للمرة الثالثة على التوالي".
ووفق التعديل الجديد لـ"القاسم الانتخابي"، سيتم قسمة مجموع الناخبين المسجلين على عدد المقاعد بدل قسمة عدد الأصوات الصحيحة.
مقبرة المعارضة
وأوضح حريش أنه "تقنيا ورقميا، أن تحصل على مقعد في المغرب، يجب أن تحصد مقعدا في جميع الدوائر (92 دائرة)، ولا يبدو أن هناك حزبا يستطيع أن يغطي كل هذه الدوائر ويحصل على مقاعد، غير العدالة والتنمية، وبالتالي الأحزاب التي تنافس ستكون قريبة منه لكنها لن تفوقه".
وأشار إلى أن المصباح "سيتراجع في بعض الدوائر بالنظر لهذه المستجدات القانونية، لكنه يبدو أنه ماض لتحقيق المرتبة الأولى، لعدة أسباب، منها ضعف الخصوم السياسيين، والمؤشر واضح للمتابع، من خلال تهافت الأحزاب الأخرى على المنتخبين ورؤساء البلديات والبرلمانيين ومحاولة استقطابهم".
وتابع: "وهذا يعني أننا سنعيد إنتاج نفس المشهد، ستتغير فقط ألوان بعض الوجوه من هذا الحزب أو ذاك، ستكون المراتب الأولى بين الأحزاب، وجميع المعطيات الموضوعية تشير أنه في المرتبة الأولى، رغم أن المعطيات الذاتية أي الحالة الداخلية الحزب فيها مجموعة ارتدادات وإشكالات حقيقية".
من جانبه، تحدث الصحفي يوسفي عزت عن 3 سيناريوهات ممكنة للعدالة والتنمية بعد ولايتين في الحكومة قائلا: "اختيار المشاركة المحدودة بحيث لا يفوز ولكن يشارك ويمكن أن تكون له مقاعد محدودة في البرلمان دون أن يسعى إلى الاستوزار في الحكومة".
وتابع في منشور له على فيسبوك أن "هذه الخطة سيتمكن من خلالها الحزب من إرضاء طموحات الراغبين في البرلمان ويتمكن أيضا من كسب ود الدولة لأنه سينشط المشهد البرلماني وأنه لا يزال يؤمن بالمؤسسات".
وأوضح أن "هذا الاختيار سيسمح للحزب بالتفرغ لشؤونه لتقويته وتجديد رسم خطابه بناء على المتغيرات الكبيرة التي وقعت وستقع في السنوات القادمة، وسيرسل الحزب من خلال الاختيار أنه يسبق الاستوزار وهي رسالة إيجابية نوعا ما نحو المتعاطفين مع الحزب".
والسيناريو الثاني، "الإبقاء على المشاركة القوية وهو ما يعني إمكانية الفوز من جديد وترؤس الحكومة المقبلة، وهنا سيواجه الحزب مشكلين رئيسين وكبيرين، أولا صعوبة التعاطي مع الواقع الجديد للتطبيع وما سيفرزه ذلك من ضجيج داخل الحزب، وثانيا سيرسل رسالة للجميع مفادها أن قيادات الحزب لا يهمها سوى المناصب" .
أما السيناريو الأخير -وفق عزت- "أظن أن المصباح لن يعود للمعارضة، لأنه سيحكم على نفسه بالزوال، إذا عاد للمعارضة لن تكون له أية مصداقية حيث لا يمكنه إعادة نفس الخطاب الذي اتبعه قبل الدخول للحكومة، بعد فشله في الالتزام بوعوده،".
وختم تحليله بالقول: "سيقع للعدالة ما وقع للاتحاد الاشتراكي (معارض) الذي فقد القاعدة الشعبية بعد تغيير قناعاته".
ويعتقد عزت أن "المصباح سيكون عجلة الاحتياط على غرار الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، إذا لم يتحصل على الرتبة الأولى في الانتخابات، فسيرضى بالتحالف مع أي حزب آخر حتى لو كان الأصالة والمعاصرة (معارض) على العودة لمقبرة المعارضة".