أجواء مشحونة.. لماذا فشل المغرب في حل أزمة المعلمين المعتصمين؟

12

طباعة

مشاركة

بدل اللجوء إلى الحوار بين المعلمين ووزارتهم في المغرب، كانت لـ"لغة العصا والركل" الفيصل في شوارع المملكة خلال مارس/آذار 2021، بشأن إشكالية "قانونية" لا تزال قائمة منذ 2016.

وفي 17 مارس، شهدت شوارع المغرب احتجاجات لـ"المعلمين المتعاقدين" (عقود مؤقتة)، بخصوص مطالب "شرعية لا محيد عنها"، قابلتها السلطات بعنف وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام وطنية ودولية.

مطلب "الأساتذة المتعاقدين" واحد هو الإدماج في القطاع العمومي بشكل رسمي، وليس عن طريق التعاقد، فيما تقول الدولة إنهم "رسميون" وبحاجة فقط لنقطتين هما "المعاش والتأمين"، وستحاول إيجاد حل لها مستقبلا، لكن هذا الملف ظل معلقا منذ اعتماده.

عجز مهول

عام 2016، كان المغرب أمام عجز بالأساتذة في قطاع التعليم، ولمواجهة هذا النقص، اختارت الحكومة إلغاء التوظيف العمومي، وإطلاق "نظام التعاقد" أمام حاملي الشهادات العليا، بموجب عقد يمتد عامين وقابل للتجديد، وبدأ تنفيذه في التعليم. ويتجاوز عدد المعلمين المتعاقدين 100 ألف، بحسب تقارير إعلامية.

وأوضحت وزارة التعليم حينها، في بيان، أن "تبني الحكومة لنمط التعاقد في توظيف المدرسين جاء في إطار إرساء الجهوية المتقدمة من خلال استكمال اللامركزية واللاتمركز في قطاع التعليم".

لكن في عام 2017 طفت الأزمة إلى السطح عندما تم طرد أستاذين "بشكل تعسفي بدون إشعار أو تعويض كما جاء في العقود"، مما دفع الأساتذة إلى الالتئام في هيئة عبر موقع "فيسبوك"، تحت اسم "التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد"، وطالبوا بـ"الإدماج في القطاع العمومي".

وأمام هذا "التمرد"، أعلن رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في فبراير/شباط 2018، أن "التعاقد المبرم مع الأساتذة نهائي وغير محدد المدة"، لكن المعلمين يواصلون الاحتجاج للمطالبة بإدماجهم في القطاع العام بشكل رسمي كلما سنحت لهم الفرصة منذ ذلك التاريخ.

وأمام الاحتجاجات الأخيرة، استغرب وزير التعليم، سعيد أمزازي، خروج الأساتذة للتظاهر، قائلا "أنا من أسقط نظام التعاقد في 13 مارس/آذار 2019، عبر سن نظام أساسي تضمن 55 مادة بتوافق بين مصالح الوزارة وممثلي الأساتذة، بل إنني حرصت أن يتلاءم مع النظام الأساسي للوظيفة العمومية".

وأضاف الوزير، خلال تصريحات في 17 مارس/آذار 2021، أنه يحق لـ"أساتذة الأكاديميات المشاركة في مباريات التفتيش، وإدارة المؤسسات التعليمية، مثلهم مثل أي أستاذ، ما يعني أن كلمة التعاقد انتهت بصفة نهائية، ويمكن لأي واحد من هؤلاء المحتجين أن يصبح مفتشا، أو مديرا لمؤسسة تعليمية إذا أظهر كفاءته".

لكن أمزازي استدرك قائلا إن "مشكلة التقاعد التي كانت محل خلاف تم حلها تقريبا، إذ سيتم نقل أساتذة الأكاديميات من النظام الجماعي لمنح الرواتب، إلى نظام الصندوق المغربي للتقاعد، وهو في طور المصادقة القانونية، وسيحال قريبا على البرلمان".

وأكد أن النقطة الوحيدة العالقة تتمثل في الحركة الانتقالية خارج الجهة التي يشتغل بها المدرس، إذ وقع توافق أن يسمح لبعض الحالات الاستثنائية بالتنقل خارج مدار الجهة التي تضم عشرات الأقاليم، في إطار تبادل بين الأكاديميات،

 وفي دفاع عن "نظام التعاقد"، شدد أمزازي على أنه "لولا نظام أساتذة التوظيف الجهوي لما درس أبناء المغاربة في المناطق النائية والجبلية، ولما تقلص الاكتظاظ في الأقسام، وإنهاء التدريس بالأقسام المشتركة، لضمان جودة التعليم".

وأوضح الوزير أنه "في ظرف 5  سنوات، جرى توظيف 100 ألف أستاذ، ولولا التوظيف الجهوي لما كانت وزارة التربية ستحصل على كل هذه المناصب في قوانين المالية".

وأضاف أنه "لا تراجع عن التوظيف الجهوي بالأكاديميات، لأنه مكسب كبير للدولة باعتباره خيارا إستراتيجيا، لا يمكن التراجع عنه أبدا".

اجتهادات حكومية

وقال الأستاذ خالد البكاري: "لا وجود لأي عقود مصادق عليها منذ 3 سنوات. فوجا 2016 و2017 هما من وقعا العقود، والتي أصبحت لاغية قانونيا بمجرد صدور الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات في 2018، وتعديلها في 2019".

وأضاف في بوست على صفحته في فيسبوك "لن أدخل في نقاش عما إذا كان التعاقد مستمرا كما يقول الأساتذة المحتجون، أو أنه لم يعد موجودا كما يقول الوزير (للمفارقة من يدافعون عن الوزير يجتهدون في إبراز منافع التعاقد، رغم أن الوزير نفسه يقول إنه من أسقط التعاقد)".

هناك نقاشات مغلوطة في ملف الأساتذة المتعاقدين، والتي تدل على أن كثيرين ينتقدون دون الاطلاع على هذا الملف،، مع العلم أن...

Posted by Khalid El Bekkari on Saturday, March 20, 2021

واعتبر البكاري أن "المشكل هو أن أساتذة لهم نفس الشواهد والتكوين، ويؤدون بنفس المهام، ولكن يخضعون لنظامين مختلفين، فئة تخضع للنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية (الوظيفة العمومية)، وأخرى تخضع للنظام الأساسي لأطر الأكاديميات الذي صادقت عليه المجالس الإدارية للأكاديميات، ولم يصدر حتى في الجريدة الرسمية".

وتابع "نفس الشواهد والتكوين والمهام، وفئة لها وضع أحسن من الأخرى، فقط لأنها توظفت قبل 2001!".

وأردف "الغريب أن التكلفة المالية لن تتغير إذا تم إلحاق هؤلاء المحتجين بالنظام الأساسي التابع للوظيفة العمومية، حسب تصريح وزير المالية نفسه".

وشدد على أن "مسألة أننا نبني الجهوية (نظام اعتمده المغرب عام 2015 للقطيعة مع اللامركزية) غير مقنعة، لأنه يمكن للأكاديميات أن تستمر في تنظيم المباريات، والترقية، والتكوين، وغيرها، مع إلحاق هذه الفئة بالوظيفة العمومية، كما هو الأمر في الجامعات.. حتى مشكل التقاعد تصرح الحكومة أنها ستدمج الصندوقين".

وختم البكاري بالقول: "المدرسة العمومية فيها ما يكفي من المشاكل التي تتطلب التجند لمعالجتها، فلماذا الإصرار على خلق مشاكل جديدة باجتهادات حكومية لا معنى لها؟".

وأمام هذه الضبابية، يطرح سؤال لماذا الاستمرار في عدم الاستجابة لمطلب لن يكلف مالية الدولة أي عبء إضافي؟

وفي حديث لـ"الاستقلال" مع مجموعة الأساتذة المتعاقدين حول سبب عدم التعيين المتعارف عليه، أرجعوا ذلك إلى أن "أجور المتعاقدين تصرف من ميزانيات الأكاديميات، وفي حال تم إدماجهم في الوظيفة العمومية ستظهر في كتلة الأجور العامة وبالتالي ستحرم المملكة من قروض المؤسسات المالية الدولية، لأننا نصرف على التسيير أكثر من الاستثمار".

صيغة مرضية

من جهته، قال الناشط عبد الواحد الزيات إن "ملف الأساتذة المتعاقدين ليس معقدا إلى درجة لا يمكن معها صناعة الحل، لن يكلف الأمر شيئا في إدماجهم في قانون الوظيفة العمومية لأن الميزانية التي تحول إلى الأكاديميات تدخل ضمن ميزانية وزارة التعليم، المهم هو ضمان استقرار  المدرسة العمومية".

وأضاف في تدوينة على فيسبوك "لا يجب جعل المدرسة العمومية تتعرض إلى هزات تكون نابعة من أفق سياسي محدود، وتصبح تكلفته أكبر من حجم البخل في الرؤية وتقدير العواقب، ومن سيرمم صورة المدرسة العمومية بعد كل ذاك الركل".

ملف الأساتذة المتعاقدين ليس معقدا الا درجة لا يمكن معها صناعة الحل ، لن يكلف الامر شيئا في إدماجهم في قانون الوظيفة...

Posted by Abdelwahad Ziat on Sunday, March 21, 2021

وقال زكريا المصباحي: إن "الوظيفة العمومية مطلب قانوني يكفله الدستور، صيغة التعاقد ليست في صالح الأستاذ ولا الدولة، ونضالاتنا مستمرة حتى إسقاط هذا المرسوم المجحف في حق الأستاذ".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "هناك بعض الموادة بشأن نظام التعاقد مع الأكاديميات والتي تتميز بالإجحاف، حيث يمكن لمديري الأكاديميات فسخ العقد مع الأساتذة متى شاؤوا، وقد تدخل فيها حسابات سياسية أيديولوجية، وهذا هو الهدف من هذه حلية التعاقد".

ولإيجاد حل لهذه الأزمة، تواصل وزارة التعليم عقد اجتماعات دورية أملا في صيغة مرضية تنهي احتجاجات الأساتذة في الشارع وتوقف أيضا مظاهرات التلاميذ الذين خرجوا في عدد من المدن المغربية تضامنا مع أساتذتهم.

وفي السياق، قال مسؤول في الوزارة لموقع "العمق المغربي" في 24 مارس/آذار، إن "الوزارة خصصت لقاء لتدارس أزمة ملف التعاقد، عبر فيه المجتمعون عن انفتاح الوزارة على جميع الحلول الممكنة لتجاوز هذه الأزمة، ضمن حوار جاد ومسؤول، لضمان السير العادي للدراسة خصوصا مع اقتراب موعد الامتحانات".

فيما اعتبر عضو بديوان الوزير أمزازي في حديث لذات الموقع أنه "تقرر منذ حوالي 3 سنوات التوقف عن توظيف الأساتذة بواسطة العقود وتم الاكتفاء بالمباراة على مستوى الأكاديميات الجهوية".

وبالتالي يمكن الجلوس إلى طاولة الحوار وبحث صيغ متدرجة لإيجاد حل يرضي المغاربة جميعا، بدل اللجوء إلى حروب إعلامية تضعف البلاد وتشتت التفكير ونحن في زمن كورونا، وفق قوله.