المحتوى المحظور.. لماذا هددت روسيا بحجب "تويتر" في غضون شهر؟
"تويتر" واحد من 5 منصات تمت مقاضاتها في روسيا فيما يتعلق بالاحتجاجات المناهضة للكرملين، وذكرت وكالة إنترفاكس للأنباء، أن المسؤل في هيئة "مراقبة وسائل الإعلام" فاديم سوبوتين، قال إنه من الممكن أن تستهدف السلطات منصات الإنترنت الأخرى وتبطئ من سرعتها إذا لم تمتثل للقانون.
الهيئة الروسية، طلبت من تويتر حذف حساب إخباري معارض بعد تهديدات من موسكو بحظر الشبكة الاجتماعية بالكامل إذا لم تقم بإزالة "المحتوى المحظور" في غضون شهر.
هذه التحركات جزء من حملة أوسع على وسائل التواصل الاجتماعي والمعارضة بعد الاحتجاجات المؤيدة لزعيم المعارضة المسجون أليكسي نافالني، والتي تم تنظيمها عبر منصات على الإنترنت.
محللون قالوا إن التهديد بحظر تويتر كان الخطوة الأولى في حملة قد تؤدي إلى حجب شبكات أخرى في روسيا، حيث تسيطر الدولة بشدة على معظم وسائل الإعلام التقليدي.
تكتيك جديد
الحكومة الروسية تزعم أن تويتر فشل في إزالة المنشورات التي تدعو الأطفال للعنف، لكنها في الحقيقة عن المشاركة في المظاهرات المؤيدة لنافالني، وتشير إلى وجود أكثر من 3000 تغريدة تحتوي على محتوى "غير قانوني"، وتقول إنها تغطي استخدام المخدرات، ودعوات القاصرين للانتحار، والاعتداء الجنسي على الأطفال.
وفي 17 مارس/آذار 2021، أفادت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن وكالة الرقابة "روسكومنادزور" اتصلت بإدارة تويتر لتطالبها بإزالة أحد حسابات صحيفة منتقدة للرئيس بوتين، واتهمت هيئة الرقابة موقع التواصل "بانتهاك قوانين الاتحاد الروسي" من خلال تبادل معلومات مع مجموعات "غير مرغوب فيها".
ونفت فيرونيكا كوتسيلو، رئيسة تحرير الصحيفة مشاركة مثل هذه المواد، وقالت إنه لم يتم إخطارها بمطلب هيئة الرقابة مقدما، وزادت: "الدولة تنتهج هذا التكتيك الجديد لبعض الوقت، وتضغط على الشبكات ومقدمي الخدمات دون تحذيرهم أولا".
قبلها بيوم واحد فقط، قال مسؤول من "روسكومنادزور" (الخدمة الفيدرالية الروسية للإشراف على الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووسائل الإعلام): "روسيا ستحظر تويتر إذا فشل في إزالة المشاركات المتعلقة بتعاطي المخدرات وانتحار الأطفال".
وفي السابق، طالبت موسكو، تويتر وشبكات التواصل الأخرى بحذف الرسائل التي يزعم أنها دعت القاصرين إلى المشاركة في الاحتجاجات المناهضة للكرملين.
وقال فاديم سوبوتين، نائب رئيس الهيئة التنظيمية، لوكالة إنترفاكس للأنباء: "تويتر لا يتفاعل مع طلباتنا كما ينبغي، إذا استمر هذا الوضع، فسيتم حظره في غضون شهر دون أمر من المحكمة".
وقالت إدارة تويتر إنه ليس لديها تعليق على التهديد الأخير، ونفت الشركة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها في وقت سابق استخدام المنصة للترويج لأنشطة غير مشروعة، وقالت إنها قلقة بشأن كيف يمكن لضغوط السلطات الروسية كبح حرية التعبير.
مزيد من الرقابة
مطلع مارس/آذار 2021، اتخذت روسيا إجراءات لإبطاء سرعة محتوى الفيديو والصور على تويتر، لكن يبدو أن هذه الخطوة تسببت في الإغلاق العرضي لموقع الكرملين على الإنترنت، وكذلك مواقع عدد من الوكالات الحكومية الأخرى، ما يكشف عن صعوبات تقنية تواجه موسكو في محاولتها السيطرة على تدفق المعلومات عبر الإنترنت.
سركيس داربينيان، المحامي في منظمة حقوق الإنترنت الروسية، قال إن الحكومة الروسية "انزعجت بشدة" من تويتر في أعقاب المظاهرات المناهضة للكرملين هذا العام، عندما خرج عشرات الآلاف خلال الاحتجاجات إلى الشوارع في أنحاء روسيا لدعم نافالني الذي سجن لدى عودته إلى البلاد بعد أن تعافى على مدى شهور في ألمانيا من تسمم.
وجاءت هذه الاحتجاجات عقب عودة أليكسي نافالني، الشخصية البارزة المعارضة لحكومة بوتين، إلى البلاد، واعتقاله في 17 يناير/ كانون الثاني 2021، إضافة إلى اعتقال ما لا يقل عن 3 آلاف من أنصاره، بينهم صحفيون وناشطون من المجتمع المدني.
داربينيان، أكد أن السلطات تجري "تجارب" على موقع تويتر، الذي لديه عدد قليل نسبيا من المستخدمين في روسيا مقارنة بالشبكات الأخرى، قبل استهداف منصات أكثر شهرة، معتبرا أن الحكومة الروسية تسن "قوانين أكثر رجعية كل عام" فيما يتعلق بالإنترنت، ما يسمح لمزيد من الهيئات الحكومية بالمطالبة بحظر نطاق أوسع من المحتوى.
وسيطلب القانون الذي يدخل حيز التنفيذ مطلع أبريل/نيسان 2021، من مصنعي الهواتف الذكية بيع أدوات مزودة ببرامج روسية الصنع مثبتة، وقال المسؤولون إن هذه الخطوة ستحسن تجربة المستخدم وتدعم التكنولوجيا المحلية، لكن المنتقدين أعربوا عن مخاوفهم بشأن المراقبة.
وفي مارس/آذار 2021، قالت شركة آبل إنها ستمنح المشترين الروس خيار تثبيت التطبيقات التي اقترحتها الحكومة عند الإعداد.
ومنذ مدة طويلة تسعى روسيا إلى الاستقلال عن محركات البحث الأميركية، فهي تمتلك محركا للبحث يدعى "ياندكس" لا ينقصه سوى نظام تشغيل للهواتف الذكية لكي ينافس "غوغل" في معظم مجالاته، وهو يمتاز أيضا بالأقدمية مع ظهوره الذي سبق محرك بحث "غوغل" بسنوات قليلة.
بدايات محرك البحث الروسي تعود إلى عام 1990 تقريبا، حيث عمل مؤسسا الشركة "إيليا سيغالوفيتش" و"آركادي فولوز" على تطوير تقنيات بحث مختلفة باستخدام الحاسب منذ بداية تسعينيات القرن الماضي نتج عنها برامج للبحث في الإنجيل، وأخرى في قاعدة بيانات براءات الاختراع العالمية.
لكن بعيدا عن وسائل الإعلام الحكومية، بنى نافالني متابعيه عبر مواقع التواصل، وأبقى فريقه حساباته نشطة حتى أثناء سجنه، وبالفعل نشر حسابه على "إنستغرام" هذا الأسبوع رسالة وصف فيها ما يعانيه داخل المعتقل.
وقالت منظمة الاتصالات الحكومية، إنها تنتقم من فشل تويتر المزعوم في إزالة المحتوى المحظور، وهددت بالحظر الكامل إذا لم تمتثل المنصة الأميركية لمطالب الحذف.
وقالت الهيئة التنظيمية إن الخطوة العقابية كانت تستهدف محتوى الفيديو على تويتر وستؤثر على جميع الأجهزة المحمولة ونصف المستخدمين من غير مستخدمي الهواتف المحمولة.
تكميم الأفواه
الرئيس الروسي شعر بالغضب من الدور الذي لعبته مواقع التواصل في حشد الدعم لنافالني، والذي أثار اعتقاله أكبر احتجاجات مناهضة للحكومة منذ عقد من الزمن، مع مسيرات في حوالي 150 مدينة روسية.
اشتكى بوتين مرارا في خطاباته الأخيرة من منصات التكنولوجيا الأميركية ورفض سابقا دخول الإنترنت للبلاد باعتباره "من صنع وكالة المخابرات المركزية".
وفي 26 يناير/ كانون الثاني 2021، وقع وزيرا خارجية إيران وروسيا بالعاصمة موسكو، اتفاقية للتعاون الواسع بشأن الأمن السيبراني والمعلومات، في خطوة فسرت على أنها تندرج ضمن التضييق على حرية الرأي والتعبير في البلدين وتكميم الأصوات المعارضة.
وبالتزامن مع احتجاجات المعارضين في مدن مختلفة من روسيا، اتهم النائب أندري كليموف خلال تصريحات صحفية في يناير/ كانون الثاني 2021، الحكومات الأجنبية بالمشاركة في تنظيمها من خلال الفضاء الإلكتروني.
الاتفاقية بين موسكو وطهران جاءت عقب احتجاجات اجتاحت عددا من مدن روسيا، وتبعتها تصريحات شديدة اللهجة من الخارجية الروسية، طالبت فيها المتحدثة باسمها، ماريا زاخاروفا، بضرورة اتخاذ إجراءات فعلية في سبيل تنظيم أنشطة شركات الإنترنت العالمية ومواقع التواصل الأميركية.
وفي المقابل، تتهم الولايات المتحدة حكومتي إيران وروسيا بالضلوع في جرائم الإنترنت، مثل القرصنة ومحاولة التسلل إلى الشبكات الحكومية خارج البلدين.
صدام وشيك
العديد من المعلقين الموالين للكرملين أشاروا إلى أن انقطاع الخدمة مؤخرا في روسيا ربما كان نتيجة لهجوم إلكتروني أميركي، قبل أن تعترف روسيا بأن المشكلة داخلية.
وفقا لأندريه سولداتوف، خبير إلكتروني روسي ومؤلف موقع الويب الأحمر، فإن حجب المواقع الحكومية كان نتيجة "فوضى" داخلية مرتبطة بتباطؤ موقع تويتر.
وقال إن شركة "روسكومنادزور" كانت تختبر تقنية جديدة تسمح لها بإغلاق مشاركة الفيديو على أساس منطقة تلو الأخرى، وهذا جزء من هدف الكرملين المتمثل في "السيادة الرقمية"، والتي تتضمن سيطرة أكبر على مواقع التواصل الاجتماعي.
قال سولداتوف: "هذا لا علاقة له بالأميركيين، فقد أدلى بوتين بثلاثة تصريحات في 3 أيام، طالب فيها بفرض قيود أكبر، ويبدو أن المسؤولين قرروا أن عليهم التصرف".
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، دعم البرلمان الروسي غرامات كبيرة على المنصات التي تفشل في حذف المحتوى المحظور والتشريعات الأخرى التي من شأنها أن تسمح بتقييدها إذا "تميزت" ضد وسائل الإعلام الروسية.
أدخلت موسكو تدريجيا قوانين إنترنت أكثر صرامة في السنوات الأخيرة، وتطلب الأمر من محركات البحث حذف بعض نتائج البحث وخدمات الرسائل لمشاركة مفاتيح التشفير مع خدمات ومنصات الأمان لتخزين بيانات المستخدم على خوادم في روسيا.
بعض هذه الإجراءات أثارت مخاوف من قيود الإنترنت على غرار الصين، لكنها لم تنجح إلا جزئيا، وحاولت روسيا حظر خدمة "تليغرام" و"ماسنجر" في عام 2018 على سبيل المثال، لكنها أثبتت أنها غير قادرة من الناحية الفنية على حظر التطبيق، وفي العام الماضي رفعت الحظر علنا.