صفقة أسرى بين إسرائيل ودمشق.. لماذا حرصت روسيا على التوسط بينهما؟
تثير قضية إعادة شابة إسرائيلية من سوريا تساؤلات بشأن التكاليف المترتبة على ذلك ومدى استعداد روسيا للتوسط في صفقات مماثلة على الساحة السورية في المستقبل.
ففي مارس/آذار 2021، اتفقت إسرائيل مع النظام السوري بوساطة روسية، لإعادة شابة إسرائيلية عبرت الحدود إلى سوريا في وقت سابق من شهر فبراير/شباط.
وأشار معهد القدس للإستراتيجية والأمن العبري، إلى أن إسرائيل أعادت في المقابل اثنين من السوريين الذين عبروا الحدود إلى الأراضي (الفلسطينية المحتلة).
نفوذ اللقاح
لاحقا جرى الكشف في وسائل الإعلام أن روسيا تلقت أكثر من مليون دولار من إسرائيل لتمويل نقل لقاحات كورونا الروسية إلى سوريا، وهو ما نفته دمشق.
ويرى المعهد العبري أن للقاح الروسي سبوتنيك 5 أهمية رمزية وسياسية واقتصادية نظرا لكونه اللقاح الأول المسجل ضد كورونا.
ويعمل اللقاح كرافعة سياسية جديدة لروسيا في عالم يائس من إيجاد حلول كثيرة لوباء كورونا.
هذه الرافعة مهمة بشكل خاص لأن الوضع الاقتصادي الحالي لروسيا لا يسمح لموسكو باستخدام الرافعات الاقتصادية.
لذلك، غالبا ما تستخدم روسيا ما يعرف بـ "التعاون التقني العسكري"، أي بيع منتجات أمنية أو تقديم مساعدات عسكرية أخرى، مثل إرسال مستشارين لزيادة حضورها الدولي.
ولفت المعهد إلى أن اللقاح يوفر نفوذا من خلال القوة الناعمة، التي يقبلها المجتمع الدولي أكثر بكثير من التدخل العسكري.
في حين أن التعاون العسكري الروسي يقتصر في الغالب على الدول غير الغربية، فقد يؤدي اللقاح إلى التعاون مع الدول الأوروبية الرائدة مثل ألمانيا، التي أعربت عن اهتمامها به، حيث تخضعه لموافقة التطعيم من قبل هيئة تنظيم الأدوية الأوروبية.
وأشارت الباحثة في العلاقات الدولية ميكي آرونسون، أنه إذا كانت التقارير الإعلامية عن الصفقة دقيقة، فقد انتهى الاتفاق بنتيجة إيجابية للأطراف الثلاثة المعنية.
لكن روسيا هي الرابح الرئيس، فأولا، أدى ذلك إلى تحرير إسرائيلية ونجحت في التوسط في صفقة بين الأعداء الإقليميين، مع ترسيخ مكانتها كلاعب ووسيط رئيس في الشرق الأوسط.
إضافة إلى ذلك، فقد تمكنت موسكو من التفاوض على اتفاق بين إسرائيل حليفة واشنطن وبين سوريا الخاضعة لعقوبات شاملة من النظام الدولي وخاصة من قبل الولايات المتحدة.
وأوضح الاتفاق علاقات روسيا الجيدة مع العناصر المعادية في المنطقة، إسرائيل وسوريا، مما يعكس فعالية إستراتيجيتها في الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع أطراف النزاع.
روح العقوبات
ومن الناحية الرمزية، فإن هذه الصفقة -رغم كونها إنسانية بطبيعتها- ليست أيضا في روح العقوبات الأميركية الأخيرة، المبنية على قانون قيصر 2019، الذي يقيد الكيانات الدولية من عقد صفقات أو اتفاقيات مع النظام السوري.
علاوة على ذلك، اعتمدت إسرائيل على روسيا التي تخضع أيضا لعقوبات شاملة وانتقادات شديدة من الولايات المتحدة والغرب لانتهاكات حقوق الإنسان والتدخل التخريبي في شؤون الدول الأخرى من خلال الهجمات الإلكترونية وغيرها من الوسائل.
ونوهت أرونسون إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة لم تعلق على الصفقة، على الأقل ليس بشكل علني.
ويعكس هذا الأولوية الضئيلة لدمشق في أجندة إدارة جو بايدن. ويعني الصمت الأميركي أيضا أن حلفاء الولايات المتحدة الآخرين في الشرق الأوسط قد يكونوا قادرين على تنسيق أنشطتهم مع روسيا بما يتعلق بالقضايا الإنسانية في سوريا دون انتقادات أو تداعيات من الإدارة الأميركية.
وأشار منتقدو صفقة تمويل اللقاحات في إسرائيل وجزء كبير من وسائل الإعلام العبرية إليها على أنها ابتزاز سوري روسي. وعليه فإن تسريب الصفقة لوسائل الإعلام أحرج الحكومة الإسرائيلية وأثار انتقادات في عدة دوائر في تل أبيب.
وتساءل الكثيرون عن السبب المنطقي وراء استعداد إسرائيل لدفع ثمن اللقاحات الموجهة لدولة معادية، ونسبوا دوافع هذه الصفقة إلى اعتبارات انتخابية.
كما وجهت انتقادات إلى عدم نجاح الحكومة الإسرائيلية في إطار دبلوماسية التطعيم في إعادة اثنين من المدنيين الإسرائيليين وجثث جنديين إسرائيليين محتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة.
وانتقد آخرون الصفقة لأنها قد تشكل سابقة ونقطة انطلاق لمثل هذه المفاوضات.
ومع ذلك، بالنظر إلى جميع الخيارات المطروحة، يبدو أن الصفقة أرخص بالنسبة لإسرائيل من حيث الدعم الشعبي، خاصة خلال فترة الانتخابات.
ولفتت آرنسون إلى أن الإسرائيليين يدعمون تقليديا القيام بكل ما يتطلبه الأمر "لإعادة الأولاد إلى الوطن"، سواء كانوا جنودا أحياء أو مقاتلين يحتجزهم العدو. وهذا النهج متجذر في اليهودية والمفهوم القومي الجماعي الإسرائيلي للضمان المتبادل.
الثمن الروسي
وترى آرنسون أن الصفقة الإسرائيلية - الروسية - السورية تبدو أكثر منطقية من التبادل الذي ينطوي على إطلاق سراح العديد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
كما حدث في الماضي عندما تم الإفراج عن آلاف الأسرى "بعضهم أيديهم ملطخة بالدماء" مقابل إسرائيلي واحد، في إشارة إلى صفقة إطلاق "جلعاد شاليط" الذي كان أسيرا لخمس سنوات لدى حركة حماس.
وأشارت إلى أن هذا أثار انتقادات كثيرة في وسط الجمهور الإسرائيلي الذي رحب في ذلك الوقت بالرهينة. وبهذا المعنى، تؤكد الصفقة على النهج البراغماتي لروسيا وسوريا مقابل الجمود مع حماس في غزة.
ونوهت المحللة الإسرائيلية إلى أن حماس لا تزال تطالب بمطالب مفرطة بروح الاتفاقات السابقة، لكن الجمهور الإسرائيلي على استعداد كبير لقبول صفقات غير متناسبة وعددية وكبيرة من هذا النوع.
وأشارت آرنسون إلى أنه سبقت الصفقة الحالية مع سوريا، والتي قدمها المتحدثون الرسميون الإسرائيليون على أنها إنسانية، صفقتان أخريان تتعلقان بروسيا.
الأولى كانت إعادة رفات الجندي "زكريا باومل" من سوريا في أبريل/نيسان 2019 ، والتي تضمنت بحسب الروس تعريض حياة جنودهم للخطر أثناء القتال.
والثانية هي إطلاق سراح شابة إسرائيلية اعتقلت في روسيا وأدينت بتهريب المخدرات. وعلى عكس هاتين الحالتين حيث لم يعرف رسميا أي مقابل مباشر لروسيا بعد مشاركتها في المعاملات الإنسانية، تم تقديم لفتة موسكو الحالية مع ثمن.
ولفتت الأخصائية إلى أنه من المحتمل أن يكون التدخل الروسي السابق قد انطوى مقابل ما تتوقعه موسكو من عودة بعض المساعدات الإسرائيلية، ربما على الساحة الأميركية.
وإذا لم تتحقق التوقعات بشأن الصفقات السابقة، فمن الواقعي الافتراض أن روسيا طالبت هذه المرة بتعويضات فورية وملموسة عن جهودها.
وخلاصة هذه الصفقات أن روسيا مهتمة بدور الوسيط بين إسرائيل وسوريا، وينبع هذا الاستنتاج أيضا من حقيقة أن قناة تلفزيونية روسية قد بثت فيلما وثائقيا جديدا نرى فيه على ما يبدو إيلي كوهين، الجاسوس الذي تم شنقه في دمشق عام 1965 وما زال رفاته فيها.
وورد أن الفيلم الوثائقي صوره الملحق العسكري الروسي في سوريا حينها. ويشار إلى أن الفيلم ظهر في وسائل الإعلام بعد أيام قليلة فقط من صفقة إعادة الإسرائيلي من دمشق.