مساع لعرقلة "المصباح" المغربي في انتخابات 2021.. تحييد أم إضعاف؟

12

طباعة

مشاركة

يقبل المغرب على انتخابات تشريعية خريف 2021، تطرح حولها العديد من التساؤلات والتوقعات، بعد عراقيل قانونية وغير قانونية وضعت أمام حزب العدالة والتنمية (المصباح) الذي تصدر سابقتها في 2011 و2016.

ويجمع مراقبون، على أن كلها تحركات تقوم بها تيارات داخل الدولة والأحزاب للحد من انتشار "المصباح" وتحجيم قوته في ثالث انتخابات تشهدها البلاد بعد حراك 20 فبراير/شباط 2011 وتعديل الدستور، فيما ذهب خبراء وساسة إلى أن غرض الدولة ليس تحييد الحزب من اللعبة السياسية إنما إضعافه.

تحجيم بالقانون

فتحت وزارة الداخلية المغربية ورش مراجعة الترسانة القانونية المتعلقة بالانتخابات وكذلك عملت على تنظيم مجالس الجماعات الترابية (البلديات)، في 24 يناير /كانون الثاني 2020، قبل إعداد مشاريع قوانين تتعلق بتعديل القوانين التنظيمية للجهات والجماعات والأقاليم.

وفي 7 مارس/آذار 2021، صوت مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) على قانون يقضي بإلغاء العتبة وتغيير القاسم الانتخابي، والأخير هو المعدل الذي يحتسب على أساسه توزيع المقاعد، وتلك هي الطريقة المعمول بها في المغرب وفي كثير من الدول التي تعتمد الاقتراع اللائحي النسبي.

وينص القانون الجديد على إلغاء العتبة واحتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية وليس على أساس المصوتين كما جرت العادة.

ووصف رئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية مصطفى الإبراهيمي في كلمته أمام مجلس النواب هذا التعديل بأنه "غير دستوري"، وقال إن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين "جريمة بحق الديمقراطية وبحق المؤسسات".

مضيفا: "القانون يجازي الكسالى من الأحزاب التي لا يرى لها أثر في المجتمع إلا بمناسبة الانتخابات، وسيتساوى من يحصل على 60 ألف صوت مع من يحصل على 4 آلاف صوت".

وذهب العدالة والتنمية إلى حد التلويح باللجوء إلى المحكمة الدستورية، بسبب تمرير القانون الذي قد يقلل من عدد المقاعد التي يعول عليها الحزب في انتخابات 2021. 

الدكتور امحمد مالكي، أستاذ القانون الدستوري، قال في مقال نشره موقع "عربي 21" في مارس/آذار 2021، إن الجدل المرتبط بمشروع القانون التنظيمي الخاص بمجلس النواب وأحكامه، وإن بدا قانونيا، فإنه يخفي في واقع الحال صراعا سياسيا حول طبيعة التوازنات المنتظر تحقيقها، والمأمول تثبيتها في الاستحقاق الانتخابي المقبل.

أزمة داخلية

منذ توقيع أمينه العام الحالي، سعد الدين العثماني، اتفاق التطبيع مع إسرائيل أمام الملك محمد السادس، في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2020، يواجه الحزب انتقادات حادة لكون أدبياته - منذ تأسيسه عام 1967- تقوم على رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.

وفي 18 يناير/ كانون الثاني 2021، أعلن المفكر والنائب البرلماني البارز عن "العدالة والتنمية"، المقرئ الإدريسي أبوزيد، قرار تجميد عضويته في الحزب، احتجاجا على موقفه من التطبيع، وصل الأمر إلى عقد الحزب في 23 و24 يناير/كانون الثاني 2021، دورة عادية لمجلسه الوطني (برلمان الحزب) ناقش موضوع التطبيع.

يعيش الحزب أزمة أمام قواعده والرأي العام، تظهر في تباين مواقف هيئته التنظيمية، بين موقف رافض لها عبرت عنه كل من حركة "التوحيد والإصلاح"، الذراع الدعوية للحزب، والتنظيم الشبابي، وآخر تمثل في الأمانة العامة التي تجنبت إعلان موقف صريح مباشر.

وخلف إعلان الوزير المغربي والقيادي في حزب العدالة والتنمية عزيز رباح، استعداده للذهاب إلى إسرائيل "إذا ما تطلبت منه مسؤوليته داخل الحكومة ذلك، باعتباره ممثلا للدولة"، صدمة كبيرة.

تشويه السمعة

في مارس/آذار 2019، خرجت صور النائبة البرلمانية والقيادية في حزب العدالة والتنمية المغربي، آمنة ماء العينين، وهي بدون حجاب في باريس، إلى العلن وخلقت نقاشا لدى الرأي العام عن مدى التزام أعضاء الحركات الإسلامية ورموزها بالنمط الاجتماعي والأخلاقي الذي يدعون إليه.

نائبة رئيس مجلس النواب نفت في البداية صحة الصور، واعتبرت القصة "فبركة من الخصوم على امرأة تمارس السياسة". البرلمانية عادت لتخفض من حدة ردودها، وتعترف ضمنيا أن الصور صحيحة.

لم تكن هذه أول واقعة في هذا السياق الأخلاقي، تواجه الحزب الحاكم ذو التوجه الإسلامي، فقبل أشهر قليلة، نشرت الصحف المغربية صورة لوزير الشغل والإدماج المهني محمد يتيم وهو يمسك بيد شابة تصغره سنا، في العاصمة الفرنسية باريس.

يتيم، وهو عضو مجلس شورى حركة التوحيد والإصلاح (الجناح الدعوي للحزب الحاكم) وأحد القيادات المؤسسة لها، اعترف أن الشابة خطيبته وأن الزواج لم يتم بعد بسبب تراجع زوجته عن الموافقة.

وفي 2016، ضبطت عناصر الشرطة قيادي وقيادية من حركة التوحيد والإصلاح في وضع مخل داخل سيارة على شاطئ البحر. واعترفا في محضر للشرطة بما يعتبره القانون المغربي جرما، وعقدا زواجهما بعد سماح الزوجة الأولى بالتعدد.

قبل قضية قياديي الحركة، أعلن الحبيب الشوباني وسمية بنخلدون الوزيران من العدالة والتنمية زواجهما، لكن الأمر سبقته ضجة كبيرة بعد خروج علاقتهما للعلن قبل الزواج، خصوصا وأن الوزير متزوج والوزيرة حديثة الطلاق.

"بلوكاج" حكومي

"انتهى الكلام، وانتهت الحكومة بالنسبة لبنكيران، لكن كل شيء سيمر بخير إن شاء الله"، كانت هذه أولى تصريحات، عبد الإله بنكيران، عقب تكليف العاهل المغربي الملك محمد السادس، في مارس/آذار 2017، لسعد الدين العثماني خلفا له لتشكيل الحكومة.

وبقرار الملك، طويت صفحة بنكيران على رأس الحكومة، لتفتح أخرى للعثماني داخل الحزب نفسه، وسط تساؤلات حول ما إذا كان الأخير قادرا على فك شيفرة "بلوكاج" (انسداد) تشكيل الحكومة أم لا؟.

قرار ملكي جاء لتجاوز ما أسماه بـ"وضعية الجمود" التي عرفتها مشاورات تشكيل الحكومة، التي قام بها بنكيران، منذ تكليفه في 10 أكتوبر/تشرين أول 2016.

وقال بيان للديوان الملكي إن عاهل البلاد اتخذ هذا القرار "بمقتضى الصلاحيات الدستورية لجلالة الملك، بصفته الساهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات، والمؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين".

وفي الوقت الذي اتهمت فيه الأطراف السياسية التي كانت معنية بمشاورات تشكيل الحكومة، بنكيران، بكونه المسؤول عن "الفشل" في مهمته، اعتبر حزب "العدالة والتنمية"، عقب قرار تكليف العثماني خلفا لبنكيران، أن الأخير "لا يتحمل بأي وجه مسؤولية التأخر في تشكيل الحكومة".

وأكد في بيان له، أن "المسؤولية عن ذلك ترجع إلى الاشتراطات المتلاحقة خلال المراحل المختلفة من المشاورات من قبل أطراف حزبية أخرى، مما جعل تشكيل حكومة تتوفر فيها مواصفات القوة والانسجام والفاعلية متعذرا".

المستفيد الأول

أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس إسماعيل حمودي، يرى أن هناك جهات داخل مراكز السلطة، ووسط الأحزاب السياسية تلتقي مصلحتها في العمل معا من أجل إبعاد حزب العدالة والتنمية من رئاسة الحكومة المقبلة.

حمودي أوضح لـ"الاستقلال" أن هذه الجهات تستغل كل الوسائل الممكنة من أجل إضعاف الحزب سياسيا وانتخابيا، قبل أن تهتدي إلى لعبة القاسم الانتخابي، باعتباره تقنية انتخابية وسياسية، تسمح لها بالتحكم اليقيني في نتائج الانتخابات، وبالتالي إزاحة "المصباح" دون تزوير صريح للانتخابات.

وأضاف حمودي أن حزب العدالة والتنمية استفاد من سياق 2011، ويمكن القول أنه عزز من قوته السياسية والمجتمعية خلال وجوده على رأس العمل الحكومي.

بالمقابل، يقول المحلل السياسي: "استثمرت السلطة في حزب الأصالة والمعاصرة، في سياق الحفاظ على التوازن السياسي، ويشكل هذا الحزب القوة الانتخابية الثانية اليوم في المغرب".

ويعتقد حمودي، أنه قد يكون المستفيد الأول من اعتماد القاسم الانتخابي، مستطردا: "صحيح أنه حزب غير متجذر لحد الآن في البيئة السياسية، ويفتقر للمشروعية، لكن مراكز في السلطة لا زالت تراهن عليه ليكون بديلا منافسا لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة".

فيما يظن، عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن الغاية من القاسم الانتخابي ليست تحييد أو إضعاف العدالة والتنمية، بقدر تقزيم قوته عدديا وإنهاكه بمعارك ومشاكل داخلية.

أما إبعاده من المشهد السياسي، فوفق العلام، "ليست غاية الدولة، لأن ذلك ليس في صالحها، فهي ترغب في بقائه في الساحة السياسية لكن ليس بالقوة التي هو عليها الآن".

خلق بديل

لم يكن العدالة والتنمية خيارا للدولة حتى تهجره فور توفر البديل، بل إن صناديق الانتخاب وموجة الربيع العربي فرضته عليها، ووجوده في اللعبة السياسية جاء بعد مفاوضات وبضمانات معينة تم قبول الحزب في المشهد، وبتدخلات خارجية أيضا.

واستدرك المحلل: "أما لو كان الاختيار بيد الدولة في 2011، لما كان العدالة والتنمية يرأس الحكومة، بل كان ليشارك فيها بمقعد أو اثنين، وحتى في الولاية الثانية 2016، لم تكن الدولة راغبة في بقاء الحزب في قيادة الائتلاف".

مضيفا: "كانت محاولات لتحجيم قوته العددية، لكنه استطاع أن يفوز في الانتخابات وزاد ذلك من شعبيته، فكان الخيار هو إضعاف قوته الضاربة، باستبعاد عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة وبالتالي من منصب الأمين العام للحزب".

وتابع العلام: ربما توقعت الدولة بذلك أن العدالة والتنمية سيصبح حزبا عاديا، لكن استطلاعات الرأي التي تجريها وزارة الداخلية والمراكز المتخصصة، توضح أن الحزب لا زالت لديه قوة في المشهد السياسي".

وأردف دكتور العلوم السياسية: "وربما هذا ما يدفع الدولة اليوم للبحث عن وسائل قانونية من أجل تحجيم عدد أعضاءه، حتى وإن بقي في المرتبة الأولى، فربما الغاية هي بقائه بأعداد ضعيفة، وأن يكون أول المتأخرين". 

الدولة لا يمكنها، بحسب العلام، أن تخلق بديلا، بعد أن حاولت في 1963 بحزب "جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" بقيادة رضا اكديرة، في عهد الملك السابق الحسن الثاني، وحاولت مع حزبي "الاتحاد الدستوري" و"التجمع الوطني للأحرار"، وفي 2009 مع "الأصالة والمعاصرة"، الذي قال مؤسسوه صراحة، إنهم أتوا "لمواجهة العدالة والتنمية" والإسلاميين.

وخلص أستاذ العلوم السياسية، فيما يخص خلق الدولة لحزب بديل للعدالة والتنمية، إلى أن الدولة "لم تنجح في محاولاتها"، موضحا أن كل المحاولات التي تظهر خلفها بشكل واضح، "تخلق مواقف معاكسة لما تريده، أي كلما خلقت حزبا قوت آخر"، مضيفا: "كلما دعمت الدولة حزبا إلا وذهب الشارع في الاتجاه المعاكس".

ربما تفتح الدولة المجال في المرحلة المقبلة إلى بروز بديل موجود في المجتمع، وهذا ما يفترض بها القيام به حتى يكون البديل مجتمعيا لا سلطويا، لكنها لم تفعل، ومن المؤكد أنه إذا ما تم فتح المجال للهبة السياسية سيفتح المجال لفاعلين منافسين، وفق العلام.

وختم العلام بالقول: "قوة العدالة والتنمية لا تكمن في امتداده الجماهيري، فهو لا يحصل سوى على أقل من مليوني صوت في الانتخابات، في دولة تتوفر على أكثر من 24 مليون ناخب، وإنما تكمن قوته في ضعف منافسيه، أما المنافسون الأقوياء فهم خارج اللعبة السياسية لعدم اقتناعهم بقوانينها"، في إشارة إلى جماعة "العدل والإحسان".