"سويت بيوتي".. قصة صالون تجميل تحول إلى رمز للمعارضة في السنغال

12

طباعة

مشاركة

تحدثت وكالة الأناضول التركية عن أحداث العنف الأخيرة في السنغال، الناتجة عن مزاعم بشأن واقعة اغتصاب، اتهم بها زعيم حزب باستيف المعارض عثمان سونكو.

وقالت الوكالة الرسمية، في مقال للكاتبة فاطمة أسماء أرسلان، إن اتهام سونكو، بالاغتصاب في فبراير/شباط 2021 أدى إلى اندلاع أسوأ أحداث العنف خلال العشر سنوات الماضية، بينما أظهر أيضا أن التاريخ يعيد نفسه بشكل كبير. 

وأردفت: "حتى 3 فبراير/شباط 2021، لم يكن أي أحد يتوقع أن ما حدث، أو زعم، في صالون التجميل المسمى سويت بيوتي في العاصمة داكار، يمكن أن يبدأ عملية من شأنها أن تؤدي إلى نهب الأسواق الفرنسية ومقتل خمسة أشخاص على الأقل".

اشتعال الفتيل

وبحسب أرسلان أحدث تقدم ادجي سار البالغة من العمر 20 عاما، والتي كانت تعمل مدلكة في صالون التجميل، بالشكوى إلى الادعاء العام من أن زعيم المعارضة سونكو اغتصبها عدة مرات ثم هددها بالقتل، تأثير انفجار قنبلة في البلاد. 

ولم يعد سويت بيوتي اسما لمركز تجميل في منطقة ساكره كور، بل تحول إلى عنوان لقضية لن تمحى من الذاكرة لسنوات.

وبالطبع فإن اتهام سونكو، الذي حل في المركز الثالث بنسبة 15 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، والذي يعلن أنه سيترشح في عام 2024 في كل فرصة، أثار التساؤلات عما إذا كان للحدث بعد سياسي، تقول الكاتبة.

وتضيف: فقد قال سونكو ردا على الاتهامات، إنه حاول استخدام طرق علاج طبيعي مختلفة لأنه يعاني من آلام في الرقبة منذ طفولته، وأنه لم يتمكن من الذهاب إلى التدليك بشكل منتظم إلا إلى هذا الصالون باقتراح من صديقه لأنه لا يملك القدرة لتحمل تكاليفها. 

ونفى زعيم المعارضة هذه الاتهامات بشكل قاطع وقال بأنها مؤامرة حاكها الرئيس الحالي ماكي سال ضده. وعلى الرغم من أن سونكو لم يقبل الاتهامات، إلا أن الإجراءات القانونية بدأت رسميا بتقدم سار بالشكوى إلى مكتب المدعي العام في 3 فبراير/شباط.

 كما رفعت الحصانة البرلمانية عن سونكو، الذي كان عليه الإدلاء بشهادته حول الاتهامات الموجهة إليه، في جلسة البرلمان المنعقدة في 26 فبراير/شباط.

واستدركت الكاتبة: وعلى الرغم من رفضه في البداية، وافق سونكو على الذهاب للمحكمة تحت ضغط من رجال الدين والمجتمع المدني. 

لكن رغبة سونكو في الذهاب إلى محكمة داكار برفقة موكب كبير للغاية غير من مجرى الأحداث. ومع أن قوات الأمن دعت سونكو إلى خفض عدد المركبات إلى خمس إلا أن دعواتهم لم تجد صدى. 

وفي النهاية تم اعتقال سونكو، الذي تم إيقافه مع أنصاره على الطريق الساحلي لمدة ثلاث ساعات، بتهمة "الإخلال بالنظام العام".

أشعل هذا الاعتقال المفاجئ، فتيل أحداث عنف نادرا ما شهدت مثلها السنغال من قبل في تاريخها. فقد تجمع أنصار سونكو ومعظمهم من الشباب وطلاب الجامعات، في مناطق مختلفة من المدينة للاحتجاج على اعتقاله.

وبتدخل الشرطة، استمر الخلاف بين أنصار سونكو وقوات الأمن حتى وقت متأخر من ذلك اليوم. فيما وقعت أعمال العنف الرئيسة التي سيتم تذكرها لسنوات عديدة يوم 5 مارس/آذار، بحسب الكاتبة التركية.

وأردفت: تزايدت حدة الغضب بعد احتجازه لأكثر من 48 ساعة، وانضمت المعارضة إلى أنصار سونكو، الذين خرجوا إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد يوم 5 مارس/آذار. 

وعلى الرغم من أن الأحداث بدأت بالمطالبة بإطلاق سراح سونكو، إلا أن اتجاهها تغير بعد فترة وتحولت إلى احتجاجات جماهيرية ضد الحكومة والرئيس سال في جميع أنحاء البلاد.

هدوء بعد فوضى

ووفقا لأرسلان فقد حاولت قوات الأمن فض هذه المظاهرات غير المصرح بها لكنها فشلت. ومع اختلاط العصابات الإجرامية بالمتظاهرين، وقعت العديد من الجرائم العادية مثل الابتزاز والسرقة خلال 24 ساعة ما لم تقع وتسجل خلال عام.

 وتحول الغضب إلى سلسلة متاجر البيع بالتجزئة الفرنسية أوشان، وأصبحت السنغال مسرحا لنهب كبير لم تشهده من قبل في تاريخها. فقد تم حرق 17 فرعا من فروع أوشان التي تملك 33 فرعا في جميع أنحاء البلاد، بعد نهبها. 

وجدير بالذكر هنا أن الشركات الأجنبية الأخرى لم يتم المساس بها ويمكن إرجاع ذلك لسببين: الأول، كلمات سونكو التي استهدفت التمويل الفرنسي وأوشان في البلاد لفترة طويلة، والثاني، الاعتقاد بأن الرئيس سال مدعوم من فرنسا، أو بعبارة أخرى اعتباره كـ "رجل (الرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون".

ولفتت الكاتبة: "لقد دفع ما حدث في السنغال، التي تعرف بأنها البلد الأكثر سلاما وهدوء في منطقتها، بعض الجهات الفاعلة إلى الوساطة".

 فالتقت المنظمات غير الحكومية وقادة الطوائف وكبار الشخصيات في المجتمع بالرئيس سال وطالبوه بتهدئة الأجواء على وجه السرعة. 

وبينما طالب الناس بظهور سال على الشاشات، كان من تحدث وزير الخارجية عيساتا تال سال ووزير الداخلية فيليكس ديومي.

وعلى الرغم من أن وزير الخارجية سال قال عبر قناة فرانس 24 إن بعض القوات الأجنبية تلاعبت بالسنغاليين، إلا أنه لم يقدم أية إشارات تكشف عمن يقصد. 

وقد ألهب وصف ديومي للأحداث بـ "الإرهاب" في خطابه مساء 5 مارس/آذار، نار الاحتجاجات، ليدعو بعدها أنصار سونكو إلى العصيان المدني في 8-9-10 من ذات الشهر، وفقا للكاتبة التركية.

واستدركت: لكن إطلاق سراح سونكو بعد أن أدلى بشهادته حول تهمة الاغتصاب في 8 مارس/آذار، أدى إلى تغير مسار الأحداث إلى الأفضل، حيث توافد الحشد الذي كان قد تجمع للتحرك، إلى الحي الذي يسكن فيه سونكو واحتفلوا: لتتبدد أجواء التوتر بعدها كأن لم تكن.

لكن سونكو الذي عقد مؤتمرا صحفيا في اليوم نفسه، قال إن القتال سيستمر. فيما دعا الرئيس سال في خطابه عقب ذلك إلى التهدئة، وأعرب عن تفهمه لمطالب الشباب.

 ودعا أنصار سونكو إلى مظاهرة سلمية جديدة في 13 مارس/آذار. وبحسب سونكو، فإن "الثورة" قد بدأت بالفعل وستستمر حتى عام 2024، كما ذكرت الكاتبة. 

عجلة التاريخ 

وتقول أرسلان: أعادت بيئة الفوضى التي سادت السنغال إلى الأذهان انتخابات عام 2012، وأثارت التساؤلات حول ما إذا كان التاريخ يعيد نفسه.

إذ أن سال، الذي تنافس ضد الرئيس عبد الله واد في الانتخابات الرئاسية لعام 2012، كان مدعوما من الشباب تماما مثل سونكو اليوم. فعلى الرغم من أن الممثلين تغيروا على المسرح، إلا أن الوعود والتوقعات آنذاك كانت نفس وعود وتوقعات اليوم تقريبا.

وتشرح بالقول: في ذلك الوقت، اتهم سال، واد بإطلاق النار على الناس، وتعرض الآن لنفس الانتقادات والاتهامات خلال أحداث 5 مارس/آذار.

كما أن سال، الذي حمل واد مسؤولية إطلاق قوات الأمن للنار وقتل خمسة أشخاص خلال الانتخابات الماضية، أصبح هدفا لنفس الاتهام اليوم. 

وقد تعرض سال، الذي اتهم واد بتزايد ثروته بشكل فاحش وتفضيل أقاربه خلال فترة رئاسته، أيضا لانتقادات من قبل سونكو للأسباب نفسها لسنوات.

وتؤكد أنه هنا يجب أن نبحث عن جواب للسؤال التالي: ما هو "الشيء" الذي جعل ماكي سال، الذي تمكن من الحصول على صوت اثنين من كل ثلاثة سنغاليين قبل 10 سنوات، يتحول ليصبح مثل خصمه الذي انتقده بوحشية؟ هل هو الفساد؟ أم هو تعطيل نظام الرقابة والتوازنات؟ أم هو إهمال ميزان القوى؟ أو هو النظام نفسه؟

واختتمت أرسلان مقالها بالإشارة إلى تصريح سال الذي قال فيه عقب فوزه في الانتخابات: "كرئيس للسنغال سأبقى على مبادئي. كان واد أيضا صادقا في مبادئه في البداية، لكن القوة تفسد الناس. آمل ألا يحدث نفس الشيء لي". 

لذلك لا مفر من تحديد السياسة السنغالية التي جعلت من ماكي سال نسخة من واد في غضون 10 سنوات لإيقاف "تكرر التاريخ" قبل أن يتحول سونكو إلى نسخة عن سال.

ولسوف نعرف ما سيحدث في حال تم انتخاب سونكو رئيسا في عام 2024 إذا ما نظرنا إلى صورة اليوم، بحسب ما تراه الكاتبة.