أصدرته إدارة بايدن.. هذا أبرز ما جاء في دليل "الأمن القومي" الأميركي
في 3 مارس/آذار 2021، أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن "الدليل الإستراتيجي للأمن القومي"، وهو عبارة عن وثيقة مؤقتة تحدد الخطوط العريضة لنهج الأمن القومي والإستراتيجي الذي ستتبناه واشنطن.
وقال موقع مركز الدراسات الجيوسياسية الإيطالي، إن هذه الوثيقة استنادا إلى فرضية تغير الديناميكيات العالمية وأمام تسارع التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة، "تؤكد مرة أخرى على أهمية الديمقراطية والدبلوماسية بالإضافة إلى استعادة التحالفات في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل".
وأكد أن "عالم اليوم يطرح تحديات جديدة وضعت التمييز بين السياسة الخارجية والداخلية في أزمة وجب معالجتها بخطوات مشتركة، لا سيما وأن الأوبئة وأزمة المناخ والتهديدات الإلكترونية والرقمية، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الدولية والأزمة الإنسانية إلى جانب التطرف وانتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، تشكل تهديدا خطيرا".
وأشار الموقع إلى أنه "أمام هذا الوعي المتجدد، تعتبر قيادة الولايات المتحدة والتزامها إلى جانب الحلفاء أمرا أساسيا في عالم تتعرض فيه الديمقراطيات للهجوم من قبل قوى مثل الفساد وعدم المساواة والاستقطاب والانحراف غير الليبرالي للديمقراطية نفسها".
ويرى أن "الولايات المتحدة مدعوة إلى أن تكون مثالا يحتذى به، من خلال تقوية ركائز الديمقراطية داخليا وإنهاء الصراعات المتسببة في الانقسامات، وبالتالي، نظرا لأن العالم مترابط بشكل متزايد، ستكون واشنطن القوة الدافعة إلى استعادة الديمقراطية".
نقطة تغيير
وشرح الموقع أن "الوثيقة تركز باهتمام على الصين، التي باتت المنافس الوحيد القادر على تحدي توازن النظام الدولي على الجبهات الاقتصادية، الدبلوماسية، العسكرية والتكنولوجية".
وأضاف "بينما لا تتمتع روسيا، التي لا تزال مصممة على تعزيز نفوذها العالمي، كما أوضحت وزارة الخارجية الأميركي، بنفس القدرات التي تتمتع بها بكين، رغم محاولتها اكتساب مكانة مرموقة داخل المساحات الإستراتيجية للولايات المتحدة".
من ناحية أخرى، تواصل الجهات الفاعلة الإقليمية مثل إيران وكوريا الشمالية محاولة اكتساب قدرات تمكنها من تغيير توزيع القوة، وتحدي الولايات المتحدة وحلفائها وأيضا الاستقرار الإقليمي، كما لا تزال التهديدات الصادرة عن أطراف غير حكومية مقلقة".
وأمام هذه التحديات، أكد موقع الدراسات الإيطالي أنه "لا خيار أمام الإدارة الجديدة سوى الدفاع عن التحالفات والمؤسسات والاتفاقيات التي يمكن أن تجمع الحلفاء والشركاء معا حول أهداف مشتركة".
وأشار إلى أن "الهدف واضح وهو حماية المواطنين والمصالح الأميركية وللقيام بذلك، وفقا للوثيقة، سيكون من الضروري الدفاع عن المصادر الأساسية للقوة الأميركية مثل الديمقراطية والاقتصاد".
ولفت الموقع إلى أن "مسألة العنصر الديمقراطي الأساسي في إعادة إطلاق دور القيادة الأميركية يشكل نقطة تغيير خاصة فيما يتعلق بإدارتي الرئيسين السابقين دونالد ترامب وباراك أوباما اللتين لم تعتبرا تعزيز الديمقراطية محورا إستراتيجيا لمنهجهما، في حين تؤكد الوثيقة، أن إدارة بايدن تسعى إلى أن تعود هذه المسألة".
وأضاف أن هناك مسألة أساسية أخرى تتعلق باستعادة التحالفات التي "هي مصدر هائل للقوة والمزايا"، خاصة وأن الوثيقة تشير إلى الرغبة في إعادة تأكيد واستثمار وتحديث حلف الناتو وكذلك التحالفات مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية الأساسية في مواجهة الصين.
وفي هذا الصدد، تحظى منطقة المحيطين الهندي والهادئ بأهمية إستراتيجية حيوية للمصالح القومية الأميركية بهدف "تعميق الشراكات مع الهند ونيوزيلندا وسنغافورة وفيتنام ودول أخرى أعضاء في دول الآسيان".
بدوره، يعتبر الإطار الأوروبي، وهذا في قطع واضح مع سياسات الإدارات السابقة، من بين أهم المجالات بالنسبة للمصالح الإستراتيجية الأميركية لذلك تشير الوثيقة صراحة إلى أن "الوجود الأكثر صلابة سيكون من نصيب منطقة المحيط الهادئ والهندي لأوروبا".
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، ذكر الموقع أن "الالتزام بضمان أمن إسرائيل يظل ثابتا، بينما تتواصل محاولات الاندماج مع دول الجوار، كما تتولى واشنطن مرة أخرى دور المروج لحل الدولتين، ولا تخفي معارضتها للتحقيق الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان الغاصب في فلسطين".
وبحسب الموقع، تتعلق المسألة الأكثر تعقيدا في الشرق الأوسط بإيران وأهدافها التوسعية، ولكبح جماحها من الضروري التعاون مع الشركاء الإقليميين، كما سيكون هذا التعاون حاسما في وقف تقدم تنظيم "القاعدة"، ومنع إعادة تشكيل تنظيم الدولة وكذلك التخفيف من الأزمات الإنسانية التي تعاني منها المنطقة من خلال محاولة حل النزاعات المفتوحة.
وأردف أن الهدف في أفغانستان هو خلق مناخ آمن للسكان والحكومة الشرعية، لا "يستفيد منه الإرهابيون"، لذلك يشير السيناريو الأفغاني إلى أهمية عدم الانخراط في ما يسمى بـ"الحروب الأبدية" التي أودت بحياة الآلاف و تكلفت مليارات الدولارات.
انعطاف إستراتيجي
في نفس السياق، ألمح "مركز الدراسات" إلى أن الوثيقة تبرز أن الولايات المتحدة لم تتوقف عن الترويج للديمقراطية، لكنها توقفت عن فعل ذلك من خلال الأداة العسكرية، وبهذا المعنى، سحبت إدارة بايدن دعمها للحرب في اليمن وأظهرت تأييدها لمبادرات الأمم المتحدة لحل الحرب الأهلية.
وبحسب الموقع الإيطالي، يمتد نفس النهج المخصص للشرق الأوسط أيضا إلى إفريقيا، مع إيلاء اهتمام خاص لحالات الطوارئ الإنسانية والصحة العامة، كما ستواصل الولايات المتحدة الاستثمار في المجتمع المدني في القارة السمراء وفي تقوية المؤسسات والاقتصادات المحلية.
واعتبر أن "هذه الوثيقة رغم كونها مؤقتة، لا تهمل دور الحلفاء، إذ يتعين على القيادة الأميركية قيادة التعاون الدولي على جبهات متنوعة، من تغير المناخ إلى احتواء جائحة كورونا".
وفي هذا الصدد، ستحاول واشنطن دعم وإصلاح منظمة الصحة العالمية، ودعم أجندة الأمن الصحي العالمي وخلق قدرة استجابة للتصدي للتهديدات البيولوجية ومكافحتها.
كما سيمتد التعاون ليشمل الأمم المتحدة ودول مجموعة السبع ودول مجموعة العشرين وأيضا الاتحاد الأوروبي، نظرا لأهمية ذلك في فتح أسواق جديدة وتحسين قدرات الردع مع التشديد على تقاسم العبء بالتساوي، كما تظل المنظمات الدولية، رغم عيوبها، مهمة في تحقيق المصالح الوطنية.
وأبرز الموقع أن الوثيقة تركز أيضا بشكل خاص على "الملف النووي الذي تريد واشنطن أن تلعب فيه دورا رائدا في الحد من التسلح من خلال تبني إجراءات لتقليص دور الأسلحة النووية في إستراتيجية الأمن القومي الأميركية".
وفيما يتعلق بالدفاع، ذكر أن الولايات المتحدة "لن تتردد أبدا في استخدام القوة عندما يكون ذلك ضروريا للدفاع عن المصالح الوطنية الحيوية" على أن يكون استخدام القوة العسكرية الملاذ الأخير.
في المقابل، يجب أن تكون الدبلوماسية والتنمية والسياسة الاقتصادية الأدوات الرئيسة للسياسة الخارجية الأميركية، بينما "يجب استخدام القوة العسكرية فقط عندما تكون الأهداف والمهمة واضحة وقابلة للتحقيق"، وفق الموقع.
وأفاد بأن "الدليل الإستراتيجي المؤقت للأمن القومي، وإن لم يكن نهائيا، يوضح النهج الذي تنوي الولايات المتحدة اعتماده في السنوات الأربع المقبلة تحت قيادة بايدن".
وخلص الموقع إلى القول: إن "الوثيقة تتناول العديد من المسائل باستمرارية، إلى حد يجعل من فترة إدارة ترامب تبدو وكأنها قوس في السياسة الأميركية، رغم أن العالم والنظام الدولي تجاوزا فترة التسعينيات ورغم التأكيد أيضا على أن العالم في نقطة انعطاف إستراتيجية".