البابا يزور العراق.. لماذا حرص على لقاء مرجع الشيعة وتجاهل السُنة؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم وصفها بـ"التاريخية"، إلا أن شريحة واسعة من العراقيين رفضوا البعد الإقصائي في زيارة بابا الفاتيكان فرنسيس إلى بغداد، كونها أغفلت المكون السني من سياسيين وعلماء دين، وركزت بشكل أساسي على اللقاء بمرجع الشيعة في النجف علي السيستاني.

يشمل برنامج بابا الفاتيكان إلى العراق في 5 - 8 مارس/آذار 2021، زيارة بغداد والموصل ومدينة أور الأثرية مسقط رأس نبي الله إبراهيم. وسينتقل إلى الموصل ومنطقة سهل نينوى (ذات غالبية مسيحية) المحيطة بها، وسيزور مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.

دلالات عدة

ابتعاد بابا الفاتيكان (84 عاما) عن لقاء ممثلي سُنة العراق، فسره الباحث في الشأن السياسي لطيف المهداوي بأنه يحمل دلالات عدة، رغم أهمية زيارة مثل هذه الشخصية الدينية العالمية إلى بلاد وادي الرافدين.

المهداوي أوضح في حديث لـ"الاستقلال" أن "وجه الانتقاد لدى بعض النخب السُنيّة يتمثل في الانطباع الأكيد بأنها زيارة اعتراف وتأكيد لسلطة الشيعة الدينية والسياسية في العراق".

وأشار إلى أن "تجاهل السنّة فيه أكثر من دلالة، لعل أهمها أنهم غير موجودين على ساحة التأثير السياسي، وأنهم كذلك لا زعيم لهم كالمرجع السيستاني، لأنه حتى الشيعة المتفرقين سياسيا تجمعهم النجف ولو ظاهريا".

ورأى المهداوي أن "غياب دور السنة عن ساحة التأثير ناتج عن عمليات التطهير الطائفي للنظام السياسي بالعراق بعد عام 2003، إضافة إلى تفكك المنظومة السياسية للمكون، فالأحزاب متناثرة والمؤسسات الدينية تأثيرها ليس صارما على السياسيين السنة وأحزابهم كما الحال بالنسبة للشيعة".

لكن بيانا سابقا للفاتيكان في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2020، لفت إلى عدم وجود حوار مسيحي - شيعي، لذلك يرغب البابا في تحقيق انطلاقة جديدة في المجال على شاكلة الحوار السني- المسيحي الموجود أصلا منذ زمن.

كما سيركز في زيارته إلى العراق على تقريب وجهات النظر بين مختلف الأقليات الدينية مثل الصابئة المندائيين والإيزيديين والبهائيين، فضلا عن الأديان والتقاليد الأخرى، وفقا للبيان.

وأوضح أن "البابا فرنسيس سيبعث رسالة للسعي وراء مسارات السلام والحوار والأخوة والتعاون البناء بين مختلف السياسيين في العراق من أجل إعادة بناء دولة حديثة قوية بعد سنوات من الحروب القاسية والمريرة والمشاحنات الطائفية والهجمات الإرهابية".

"بابا الشيعة"

وفي المقابل، ذهبت تحليلات أخرى إلى أن تخصيص بابا الفاتيكان زيارة إلى المرجع الشيعي علي السيستاني (90 عاما) الذي تصفه صحف غربية بأنه بمثابة "بابا الشيعة" في جميع أنحاء العالم، تبعث برسالة مفادها أن حوزة النجف التقليدية بدأت تتقدم على حوزة قم الحديثة.

وقال الإعلامي والكاتب الإيراني، مهدي نصيري، عبر "تويتر" في 14 فبراير/ شباط 2021 أن "استقبال آية الله السيستاني لزعيم الكاثوليك بالعالم في النجف يعني تقدم حوزة النجف التقليدية على حوزة قم الحديثة في فهم الأولويات العالمية، واستثمار الدبلوماسية الدينية".

أما المحللة السياسية الفرنسية المتخصصة بالشرق الأوسط، ميريام بن رعد، فترى عبر تصريحاتها 3 مارس/آذار 2021 أن "زيارة البابا تشكل رسالة سياسية قوية لشخصية تركز تركيزا شديدا على الدفاع عن العراقيين".

وأوضحت أن السيستاني يجسد واحدا من أبرز تيارين شيعيين حاليين في العالم. فهو يمثّل مرجعية النجف التي تؤيد أن يكون دور المرجعية استشاريا للسياسيين وليس مُقرّرا، على عكس مرجعية قم في إيران التي تؤكد أنه يجب أن يكون لرجال الدين دورا في إعطاء توجيهات سياسية على غرار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

من جهتها، قالت الباحثة مرسين الشمري من معهد "بروكينغز" الأميركي خلال تصريحات في 3 مارس/آذار 2021: "الزيارة تشير إلى أن حوزة النجف دخلت في حوار بين الأديان في أعقاب الغزو الأميركي 2003، وخلال مرحلة الاقتتال الطائفي في العراق بين 2006 و2008".

وعلى نحو مماثل، قال الراهب أمير ججي التابع للرهبنة الدومينيكانية والناشط في الحوار بين الأديان خلال تصريحات في 3 مارس/آذار 2021 أن "الشيعة في العراق يريدون أن يدعمهم الفاتيكان والغرب ضد تأثير إيران، التي تريد الهيمنة على النجف".

قيمة دينية

وعن رسائل الزيارة البابوية إلى النجف، قال الوكيل الأقدم في وزارة الخارجية العراقية، نزار الخير الله، خلال تصريحات صحفية 2 مارس/آذار 2021 إن "زيارة البابا تاريخية وذات قيمة دينية كبيرة، وسيكون لها وقع كبير على العراق ودعم للمسيحيين في البلاد وتعزيز تواصله مع المسلمين".

وأضاف الخير الله أن "الفاتيكان طلب مجيء البابا بطائرة عراقية مع توفير الحماية، لافتا إلى أن زيارة البابا إلى النجف ستكون تاريخية، ولم تشهدها في تاريخ الحوزة الشيعية".

أما السياسي عقيل الرديني، فرأى خلال تصريحات صحفية في 2 مارس/آذار 2021 أن "زيارة البابا إلى العراق لها رسائل ودلالات كثيرة ومهمة، ومنها أن العراق ما زال يمثل أهمية إقليمية ودولية في العالم من حيث عمقه التاريخي ومستقبله الواعد، لما يمثله من أهمية جغرافية واقتصادية في هذا المكان من العالم، إذا استثمرت إمكاناته المادية والعلمية والبشرية بالشكل الأمثل".

وأضاف الرديني أن "الدلالة الأخرى للزيارة تتمثل في التواصل بين الأديان المحبة للسلام، حيث لقاء البابا مع المرجع علي السيستاني في مدينة النجف (جنوب بغداد)".

واعتبر السياسي العراقي الزيارة أنها "فرصة لترميم العلاقة بين الأديان، وإعادة حقوق وأملاك المهجرين من المسيحيين في العراق، وعودتهم إلى مناطقهم ومنازلهم التي هجروا منها، وممارسة حياتهم الطبيعية من خلال الدعم الحكومي، وكذلك دعم الغرب عبر فتح آفاق الاستثمار والإعمار وإعادة البناء وكسب ثقة العالم في العراق من خلال هذه الزيارة".

لكن مقالا للمحرر السياسي لموقع "قريش" العراقي مطلع مارس/آذار 2021، قال فيه "إذا كانت زيارة بابا الفاتيكان لنصرة المسيحيين المظلومين في العراق الجديد، فقد وصل البابا متأخرا بعد أن جرى تهجير 90 بالمئة منهم على مدى 18 سنة تحت حكم أحزاب الشيعة وتنظيم الدولة بالتناوب".

وتابع: "إذا كان الحبر الأعظم يريد الوقوف مع المظلومين حاملا مشعل نور رسالة السيد المسيح عليه السلام، فليس هناك مظلوم على أرض السواد سوى ملايين السُنّة في مدنهم المكسورة المدمّرة وهويتهم المُداسة بالحديد والنار، وكذلك معهم كُل الشيعة الرافضين لهيمنة المراجع الدينية بمفهومها السياسي العام، التي تحكم البلد وتوغل في دماء أبنائه الشيعة قبل السُنّة".

وحسب المقابل، فإن "الفاتيكان عليه أن يعلم بأن العراق لا تُداوى جراحه بزيارة بروتوكولية ذات تصميم انقسامي منحاز، وأنّه بلد الرسالات الإنسانية الأقدم على وجه الأرض، وهو ليس كأي بلد في الخليج العربي أو في جنوب شرق آسيا أو في قلب أوروبا سبق أن زاره".

ويأمل البابا فرنسيس أن تفتح رحلته إلى العراق بابا مع المسلمين الشيعة، البالغ عددهم نحو 200 مليون في جميع أنحاء العالم، مثل رحلته إلى أبو ظبي في فبراير/شباط 2019، ولقائه هناك شيخ الأزهر أحمد الطيب، وتوقيعهما ما تسمى "وثيقة الأخوة الإنسانية"، لتشجيع مزيد من الحوار بين المسيحيين والمسلمين. ويأمل أن يؤيد السيستاني هذه الوثيقة.