"غموض".. لماذا يتحرك المغرب بسرعته القصوى لتشريع القنب الهندي؟

12

طباعة

مشاركة

جدل جديد في المغرب، إثر فتح المجال لتقنين زراعة القنب الهندي، من خلال مشروع قانون طرحته وزارة الداخلية في اجتماع مجلس الحكومة في 25 فبراير/شباط 2021، تحت عنوان "الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي".

المشروع الجديد، خلق نقاشا وطنيا، كونه يعد أول محاولة تشريعية في هذا المجال بالمملكة، وفتح الباب للحديث عن خلفيات طرحه في نفس الوقت مع قوانين الانتخابات المقبلة، خاصة وأن ملف "القنب الهندي" دائم التوظيف في الانتخابات.

مشروع التقنين

وأعلنت الحكومة المغربية، تأجيل المصادقة على "مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي"، الذي تقدم به وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت (تكنوقراطي)، إلى اللقاء المقبل (لم تحدده).

وقال بلاغ للحكومة، الصادر في 25 فبراير/شباط الماضي، عقب الاجتماع الأسبوعي للمجلس، إنه "شرع في دراسة مشروع قانون 13.21 يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي (يطلق عليه في المغرب الكيف)، والذي قدمه وزير الداخلية، على أن يتم استكمالها والمصادقة عليها في المجلس الحكومي القادم". 

المشروع الذي جاء في 56 مادة، بعد مذكرة تقديم بشأن مشروع 13.21 يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، أعلنت أنه يأتي في إطار مسايرة التدرج الذي عرفه القانون الدولي، من منع استعمال نبتة القنب الهندي إلى الترخيص باستعمالها لأغراض طبية وصناعية.

وأكد المشروع الذي حصلت "الاستقلال" على نسخة منه، أنه جاء انطلاقا مما اعتمدته اللجنة الوطنية للمخدرات المنعقدة في 11 فبراير/شباط 2020، من توصيات منظمة الصحة العالمية، لا سيما تلك المتعقلة بإزالة القنب الهندي من الجدول الرابع للمواد المخدرة ذات الخصائص الشديدة الخطورة والتي ليست لها قيمة علاجية كبيرة.

وكان لافتا أن مشروع القانون انتقل من مقدمات للحديث على أن السوق العالمي للقنب الهندي للاستعمال الطبي يعرف تطورا متزايدا، حيث بلغ متوسط توقعات النمو السنوي 30 بالمائة على المستوى الدولي 60 بالمائة على المستوى الأوروبي، مما حدا بالعديد من الدول الإسراع في تقنينه.

من جهة أخرى، اقترح المشروع، "إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستيراد القنب الهندي ومنتجاته لنظام الترخيص، وفتح مجال للمزارعين للانخراط في التعاونيات الفلاحية، مع إجبارية استلام المحاصيل من طرف شركات التصنيع والتصدير، كما سن مشروع هذا القانون عقوبات لردع المخالفين لمقتضياته".

وأعلن "إنشاء وكالة وطنية يعهد لها بالتنسيق بين كافة القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والشركاء الوطنيين والدوليين، مع الحرص على تقوية آليات المراقبة". 

ونص مشروع القانون أيضا "على أنه لا يمكن ممارسة أحد الأنشطة المرتبطة بزراعة وإنتاج واستيراد وتصدير وتسويق ونقل القنب الهندي أو منتجاته أو شتائله إلا بعد الحصول على رخصة تسلمها الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المحدثة بموجب الباب السابع من هذا القانون". 

فوائد طبية

في الأسبوع الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اختار المغرب، التصويت بـ"نعم" على مقترح استعمال نبتة القنب الهندي في الاستخدام الطبي، وهو القرار الذي وافقت عليه 27 دولة مقابل رفض 25 دولة باللجنة الدولية للمخدرات في الأمم المتحدة.

الموقف المغربي جاء مساندا، لاختيار 26 دولة دعمت إعادة تصنيف القنب الهندي المبني على توصيات منظمة الصحة العالمية، التي ارتأت أن عددا من الأمور التي تتضمنها الاتفاقية الدولية للمخدرات لسنة 1961 أصبحت متجاوزة.

القرار الجديد للجنة المخدرات بالأمم المتحدة عدل الاتفاقية الدولية للمخدرات لسنة 1961، حيث جرى التصويت على نقله من فئة المخدرات التي يضمها الجدول الرابع (الأكثر خطورة) إلى الجدول الأول (الأقل خطورة)".

ويسود جدل على مستوى العالم سببه مادة "الكانابيديول" (تستخدم كدواء لتسكين الألم)، وهي مادة غير محظورة ولا تسبب الإدمان، ترغب الشركات العالمية في الاستثمار فيها.

لكن حينما يتم استخلاص هذه المادة من النبتة يجب أن تكون خالية من "التتراهيدروكانابينول" (المخدرة)، وفي حالة تحقق هذا الشرط يمكن أن تستعمل هذه المادة سواء في الميدان الطبي كما يمكن استهلاكها دون مشاكل.

من جهته، قال منسق الائتلاف من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف، شكيب الخياري، في تصريحات صحفية، إن "مشروع القانون رقم 13.21 يمنع أي استعمال ترفيهي للقنب الهندي ومشتقاته خارج الاستعمال الطبي والصناعي غير الطبي وفق هذا القانون في حال إقراره، سيعرض صاحبه للعقوبات المقررة في القانون الجاري به العمل حاليا في المغرب".

وتنص المادة 5 على أنه "لا تمنح رخصة زراعة وإنتاج القنب الهندي إلا في حدود الكميات الضرورية لتلبية حاجيات أنشطة إنتاج مواد لأغراض طبية وصيدلية وصناعية".

وتضيف المادة 6 من مشروع القانون على أنه "لا يمكن أن تمنح رخصة زراعة وإنتاج أصناف القنب الهندي التي تحتوي على نسبة من مادة رباعي هيدروكانابينول تتجاوز النسبة المحددة بنص تنظيمي".

وذكرت تقارير صحافية، أن المعهد الوطني للسرطان، التابع لوزارة الصحة الأمريكية، ذكر أن "الكيف" والمواد المخدرة عامة لها جانب إيجابي على عكس الأضرار التي تسببها، وقامت الهيئة بإثبات أن "الكيف" يعالج بعض الحالات المصابة بالسرطان، ويعالج آثاره الجانبية.

وسبق لمجلة "ناشيونال جيوغرافيك"، عدد يونيو/حزيران 2015، تقريرا بعنوان "علم النشوة" عن فوائد القنب الهندي أو الحشيش والماريخوانا، موضحة أن للحشيش استخدامات أخرى؛ منها استخدامه كمضاد للالتهاب، ومنع نمو خلايا السرطان والأوعية الدموية التي تغذي الأورام، ومكافحة الفيروسات، وتخفيف تشنجات العضلات الناجمة عن مرض التصلب المتعدد.

ضد الفلاحين

وقال الناشط الحقوقي والسياسي، خالد بكاري: "أكاد أجزم أن مشروع قانون تقنين القنب الهندي بالصيغة التي طرح بها يتضمن مساحات غموض، قد تكون مصدر أخطار مستقبلية".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "إذا لم يتم تنقيحه لجهة التحديد الواضح والصريح للمناطق وحدها المسموح لها بتلك الزراعة، وحصرها في المناطق التاريخية لزراعة الكيف (تمتلك ظهيرا شريفا قديما في هذا الموضوع)، فإن المنطقة ستكون أكبر متضرر من ذلك القانون، ويمكن أن يقع فيها ما وقع في الريف الأوسط ومدينة الفنيدق لا قدر الله".

وتابع بكاري: "في نص المشروع حديث على أن المناطق التي سيسمح فيها بزراعة الكيف ستحدد بمرسوم، وهنا عقدة المنشار، لأن المناطق التاريخية لزراعة هذه النبتة معروفة ومحددة، كان يمكن النص عليها في مشروع القانون".

وأشار إلى أن "ربط الزراعة بالترخيص، يطرح إشكالية كبرى، فأغلب الفلاحين لا يمتلكون رسوم الأرض، وحتى من يمتلكها فهي عقود عرفية في الغالب، وهذا الترخيص يحدد كيفيات الزراعة والتحويل والاستغلال والاستيراد والتصدير، يعني أننا أمام مقاولات مستثمرة برؤوس أموال على أي حال ليست صغيرة، وبالتالي هو تقنين لا يخدم مصلحة الفلاحين الصغار".

وشدد بكاري على أن "تلك المناطق تتميز بتربة تم إنهاكها لسنوات (بسبب الكيف)، وباستنزاف للفرشة المائية، والاستغلاليات الفلاحية صغيرة ومفتتة بحكم وجود كثافة سكانية عالية في مساحات محدودة قابلة للاستغلال، وأغلب الفلاحين يستغلون أراض لا يملكون رسومها".

ولفت إلى "نقطة أخيرة يتهرب المشروع من إثارتها، وهي أن المحاصيل الحالية تباع لتحويلها إلى مخدر الحشيش، الذي رغم قيمته المالية المرتفعة، فلا يصل للفلاحين الصغار الذين يبيعون النبتة قبل تحويلها سوى الفتات، فما بالك حين سيتم بيعها للمقاولات العاملة في مجال صناعات الأدوية، والتي لن تستطيع تقديم حتى ربع ما يقدمه من يحولونه لحشيش".

وأوضح أن "توقيت طرح مشروع هذا القانون، وبهذه الاستعجالية، أمر غير مفهوم، ولا أعتقد ان الأمر مرتبط بالتصويت على شرعية استخدام القنب الهندي في الصناعات الطبية والعطرية والتجميلية بالأمم المتحدة، وإن كنت اعتقد أن الأولوية تكمن في إلغاء متابعات فلاحي المنطقة وإطلاق سراح المعتقلين منهم". 

وخلص بكاري إلى أن "المنطقة الشمالية تحتاج لمشروع اقتصادي ضخم، يحل مشاكل أزيد من 5 ملايين يعيشون في جغرافية قاسية، بواحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية، دون أي مشاريع مدرة للدخل، وفي خوف مستمر من الطبيعة، والسلطة، وأباطرة المخدرات، وفي أوضاع مادية مزرية، ففي هذه الأيام تعيش أسر كثيرة المآسي بسبب عدم بيع محصول السنة الماضية أو حجزه".

تاريخ "الكيف" 

ليست هذه المرة الأولى التي يفتح فيها نقاش تقنين "الكيف" في المغرب، فلقد انطلق هذا المسار منذ 2007، حيث قاد "الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف"، حملة من أجل وضع ما وصفها بسياسة عادلة وناجعة وبديلة عن المقاربة الأمنية السائدة في تدبير ملف زراعته واستغلاله، خاصة بالمناطق التاريخية لزراعته. 

وفي سنة 2008 أصدر وثيقة بعنوان "دعوة لفتح نقاش حول تقنين زراعة القنب الهندي بالمغرب وتوجيه استعمالاته". قبل أن يتوقف الحديث عن هذا المشروع، حتى مرحلة ما بعد دستور 2011.

ففي سنة 2013 ستشرع الأحزاب في تبني مطلب تقنين زراعة القنب الهندي، بعدما تبناه حزبان هما "الاستقلال" و"الأصالة والمعاصرة"، واللذان أعدا، للمرة الأولى، مقترحي قانون لكل منهما، يخص الأول تقنين الزراعة، بينما يتعلق الثاني بالعفو العام عن المزارعين الملاحقين قضائيا.

المثير أن حزب العدالة والتنمية، الذي طالما عارض مساعي تقنين القنب الهندي وهو في المعارضة، واستمر على ذلك في عهد حكومته الأولى التي قادها عبد الإله بن كيران، لكنه قَبِل أن يتم تمرير هذا القانون من طرف الحكومة الثانية التي يقودها سعد الدين العثماني.  

وبحسب إحصائيات صادرة عن وزارة الداخلية يعيش نحو 90 ألف عائلة، أي ما يعادل 700 ألف مغربي، من عائدات هذه النبتة، خاصة في شمال المغرب الذي يسمى "الريف".

ورغم أن الأرقام الرسمية الصادرة عن حكومة الرباط تتحدث عن انخفاض زراعة الحشيش بنسبة 60% أثناء السنوات العشر الأخيرة، واقتصارها على نحو 50 ألف هكتار، يظل المغرب من أوائل المنتجين له عالميا.

وبلغ إنتاج المغرب من الحشيش، بحسب تقديرات التقرير السنوي للمكتب الأميركي الخاص بتتبع ومكافحة المخدرات في العالم، 2000 طن سنويا يوجه 1500 طن منها نحو دول الاتحاد الأوروبي.

وفي عام 2010 قامت قوات الدرك المغربي رفقة المعهد الوطني للبحث الزراعي، على مدى 4 أشهر، بإجراء تجارب سرية في 4 مناطق، وصدرت نتائج تلك التجارب في وثيقة من 20 صفحة، نشرت سنة 2011 تحت عنوان "في أفق تقنين زراعة القنب الهندي في المغرب".

وفي كل سنة تقوم السلطات المغربية بحملة مداهمات لمناطق زراعة القنب الهندي وذلك بحرق عدد من الهكتارات، وإصدار مذكرات بحث في حق عدد من المتهمين بزراعة النبتة والاتجار فيه، ويقدر عدد المتابعين قضائيا في المناطق الريفية بقضايا زراعة القنب الهندي حوالي 45 ألف شخص.