تراجع عن بعض قراراته.. كيف يطبق السيسي نظرية "نيتشه" مع المصريين؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، سواء كان يعلم أو لا يعلم، يطبق جيدا مقولة الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، عن سيكولوجية الجماهير "في صدورهم ثورة البغضاء، وعلى شفاههم بسمة الثلج".

السيسي الذي اعتمد إستراتيجية "الصدمة" في اتخاذ إجراءات سريعة وقاسية، مثل رفع الدعم وفرض الضرائب والرسوم، يدرك جيدا أن عودة المصريين إلى الثورة والانتفاضة، أمر محتمل ومقلق له ولنظامه، وهو ما عبر عنه أكثر من مرة أثناء تعرضه للحديث عن ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

لذا فإن السيسي يعتمد على مؤشرات لقياس الرأي العام ودرجة الغضب لدى المواطنين، وأحيانا يتراجع عن قرارته أو يخففها قلقا من انتفاضة قادمة، أو ثورة لا تبقي ولا تذر.

الشهر العقاري

في 22 فبراير/ شباط 2021، وجد المصريون أنفسهم أمام معضلة تتعلق بتعديلات قانون الشهر العقاري، الذي يجبرهم على دفع مبالغ مالية كبيرة لتسجيل وحداتهم السكنية، بحيث يدفع المواطن نحو 2.5 بالمئة من قيمة العقار، بخلاف رسوم أخرى لأربع جهات حكومية.

القانون الجديد يلزم المواطن بعدم نقل المرافق والخدمات إلا بعد سند القيد من مكاتب الشهر العقاري، فضلا عن دفع رسوم جديدة للتسجيل.

قانونيون أعلنوا أن التعديلات الجديدة تهدد ملكيات المصريين للعقارات والشقق، حيث لا تستقر الملكية إلا بإجراءات طويلة ومعقدة فضلا عن كونها مكلفة لشعب يرزح عدد كبير منه تحت خطر الفقر.

وهو ما تسبب في موجة غضب وسخط، عمت مواقع التواصل الاجتماعي، فيما تصدر هاشتاج "مش هنسجل يا سيسي" قائمة الأكثر تداولا على موقع تويتر في مصر، وهو الغضب الذي وصل صداه لرأس النظام، الذي حاول تخفيف الوضع عبر أذرعه الإعلامية والتشريعية.

وفي 25 فبراير/ شباط 2020، بدأ مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) دراسة تعديل تشريعي للقانون الذي نُشر في الجريدة الرسمية في 5 سبتمبر/أيلول 2020، وكان سيبدأ العمل به في 7 مارس/آذار 2021.

كما أعلنت الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن (الموالي للسيسي)، التقدم بتعديل على تلك القوانين المرتبطة بالتسجيل، مستهدفة التسهيل على المواطن في تسجيل حقوقه العقارية، والحفاظ على حق الدولة في استكمال منظومة الشهر العقاري، بحسب بيان الحزب.

وفي 1 مارس/آذار أعلنت الحكومة إرجاء العمل بالقانون حتى 2023، بناء على توجيهات السيسي، بهدف إتاحة الفرصة والوقت لإجراء حوار مجتمعي، مع قيام الحكومة بإعداد مشروع قانون يحقق ذلك التأجيل.

الكاتب المصري الساخر، بلال فضل علق على الوضع، قائلا: "أهم حاجة إنك (السيسي) تخليهم في حالة فرهدة على طول، يشتكوا من قانون الشهر العقاري ويخافوا على شققهم، تقولهم هنعدله وتسرّب مشروع قانون أحوال شخصية يتفزعوا منه، تقولهم ده لسه مشروع، وتخش بيهم على مصيبة جديدة".

مضيفا في تدوينة على صفحته بفيسبوك: "وفي وسط كل ده تعدي خوازيق تلم بيها فلوس تجيب بيها صفقات سلاح تسكّت الخواجات عنك وتبني عاصمة محصّنة وكباري توصل ليها ومنها، واللي يعترض ويقولك إزاي تعمل ده من غير حسيب ولا رقيب يبقى خاين ومشارك في حروب الجيل الرابع والخامس، بس خلي بالك أنا ما ضحكتش على حد، قلت لهم هاوريكو العجب وآديني باوريهم".

هدم المنازل 

في سبتمبر/ أيلول 2020، شنت الأجهزة الأمنية للنظام حملة شعواء، هدمت فيها آلاف المنازل، وشردت آلاف الأسر، بدعوى مخالفات البناء، وتوعد السيسي المخالفين قائلا: "لا يمكن أن نسمح أبدا، لو الناس مش عاجبها الكلام ده يبقى إحنا نسيب المكان ده ونمشي".

الأمر طال سائر محافظات مصر، وأصبحت قائمة أسعار التصالح على مرأى ومسمع من الجميع، فمن أراد الأمن والبقاء داخل بيته عليه أن يدفع بكل طريقة ممكنة، وإلا فمصيره الطرد، ومشاهدة مأواه يهدم أمام عينيه.

قرارات السيسي بالهدم والتي طالت المساجد أيضا بدعوى مخالفتها، أثارت حالة غضب عارمة، ترجمت إلى مظاهرات، بينما خضع البعض مكرها لأسعار التصالح التي فرضها النظام.

وفي 20 سبتمبر/ أيلول 2020، بدأت الاحتجاجات ضد سياسات السيسي في العديد من القرى والنجوع وعدد من المدن الكبرى، كانت مقلقة للنظام وأجهزته الأمنية التي بدأت حملة اعتقالات ضد المتظاهرين.

تصدرت حينها هاشتاجات "جمعة الغضب 25 سبتمبر"، و"ارحل يا سيسي"، قائمة الأعلى تداولا في مصر على مواقع التواصل، وتفاعل معها مصريون بعشرات آلاف من التغريدات.

بعدها تراجع النظام خطوات إلى الوراء عندما أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، التوقف عن هدم المنازل المأهولة، وتخفيض قيمة التصالح ما بين 10 و50 بالمئة.

أعقب ذلك خطوات أخرى بخفض 25 بالمئة للدفع الفوري، ثم قام بعض المحافظين بمنح تخفيضات أخرى، في محاولة لامتصاص غضب المواطنين، وخشية استفحال الأمر إلى مظاهرات عارمة تنتقل من القرى والمدن إلى قلب العاصمة.

لبن "العسكور"

في مطلع سبتمبر/ أيلول 2016، ظهرت أزمة "لبن الأطفال" في مصر، عندما رفعت الحكومة بأمر من السيسي، دعمها عن بعض منتجات الصناعات الدوائية، فزاد سعر علبة الحليب الواحدة من 17 إلى 60 جنيها مصريا (نحو 4 دولارت)، في زيادة وصلت إلى 40 بالمئة، بالتوازي مع اختفاء اللبن المدعم الذي يعتمد عليه الفقراء، وصار لا يتوفر إلا في السوق السوداء بضعف السعر. 

اشتعلت الأوضاع بنزول عائلات ونساء إلى مظاهرات في قلب القاهرة، وتحديدا أمام مستشفى "معهد ناصر" بوسط القاهرة، يحملن زجاجات رضاعة فارغة، ومعهن أبنائهن، وقطعن الطريق اعتراضا على شح لبن الأطفال.

ورصدت قنوات السيسي حالة الغضب وحديث إحدى السيدات بمرارة لأحد الضباط: "لا نقول إننا نبحث عن خضار أو طعام أو شراب، نحن نريد اللبن، مشيرة لابنها الذي على كتفها"، وأدت الاحتجاجات إلى إغلاق الطرق الحيوية بالقاهرة.

تدخل السيسي وقتها عن طريق البرلمان الذي طالب الجيش بوضع حل للمشكلة، وبالفعل وفرت القوات المسلحة باقتصادها الموازي، قرابة 30 مليون علبة "لبن أطفال" بأسعار مخفضة، ليتم حل المشكلة جزئيا وتتوقف المظاهرات.

وانتقد حينها النشاط السياسي ممدوح حمزة، منهجية السيسي قائلا:"اللي بيزيد عن حده بيتقلب ضده، الناس دلوقتي بتقول لبن العسكور. نحن في دولة متكاملة الأركان فيها رئيس جمهورية وحكومة وبرلمان، فلماذا تتدخل المؤسسة العسكرية في كل شيء؟".

درس يناير 

الباحث الاقتصادي المصري أحمد يوسف، قال: "الدولة المصرية تعلمت جيدا من درس 25 يناير، وظل ما حدث مع الرئيس الراحل حسني مبارك درسا ماثلا أمام السيسي، خاصة أن الثورة بدأت باحتجاجات بسيطة ومظاهرات غاضبة كان أساسها مواقع التواصل الاجتماعي، سرعان ما تحولت إلى انفجار أطاح بالنظام".

وأضاف يوسف لـ"الاستقلال": "الملاحظ لسياسة السيسي في إجراء سياسة الإصلاح الاقتصادي كما يطلق عليها، أنه ارتكز إلى حزمة إجراءات قاسية، أشبه بما وردت في كتاب (عقيدة الصدمة) للكاتبة الكندية ناعومي كلاين".

وتابع: "السيسي اعتمد على إحداث صدمة قوية للمواطنين، بقرارات متسارعة وشديدة القسوة مثل تعويم الجنيه ورفع الدعم وفرض الضرائب، مع تعبئة إعلامية لقبول قراراته واعتياد سلوكياته، فإذا ما ارتفعت نبرة الغضب، وظهر في الأفق بوادر ثورة أو هبة شعبية، يتراجع قليلا حتى تهدأ الأمور، ثم يعاود الكرة مرة أخرى".

وأكد يوسف أن هناك حالة من العبث في الإعلام المصري والصحف، ولدى مجموعة الاقتصاديين التابعين للنظام، حيث يصورون نموذج السيسي بالنموذج الصيني إبان حكم (ماو)، في القسوة وسحق الطبقات مقابل إقامة نهضة صناعية".

وأوضح: "حتى هذا النموذج (الصيني) رغم الانتقادات التي وجهت إليه، لكن أين مصر منه! هل السيسي أقام مراكز صناعية ومصانع وحقق طفرة في الإنتاج! هل يوجد في مصر مراكز صناعية عظيمة كالتي في مقاطعات (تشونجتشينج) و(ووهان) و(شينزين) في الصين!".

وأردف: "الحقيقة الواضحة أن هناك عجزا حقيقيا داخل الدولة، مع ارتفاع هائل في الديون الداخلية والخارجية، وبات الاعتماد على سياسة الاقتراض الخارجي من دول الخليج دربا من الخيال، بعد الأزمة الاقتصادية العالمية".

وختم حديثه قائلا: "لذلك بدأ النظام التوجه نحو جيوب المواطنين، بفرض ضرائب باهظة، وسن قوانين جديدة هدفها الأول تحصيل الأموال، وهو وضع من الصعب أن يستمر لفترات طويلة دون حدوث هبات جماهيرية أو ثورة شعبية على غرار انتفاضة الخبز عام 1977".