جدل مغربي.. لماذا يرفض حزب "الميزان" ترجيح كفة "الباطرونا" بالبرلمان؟

12

طباعة

مشاركة

البيان الأخير للمتحدث باسم القصر الملكي في المغرب، والذي دعا عقب اجتماع المجلس الوزاري إلى تعزيز مكانة "نقابة رجال الأعمال" بالبرلمان، أثار الغضب داخل حزب الاستقلال (معارض) وترجمته اللجنة التنفيذية للحزب (أعلى هيئة) في بلاغ شديد اللهجة.

بيانا المجلس الوزاري الصادر باسم الناطق باسم القصر الملكي، وحزب الاستقلال (شعاره الميزان)، كشفا عن تحول كبير في تدبير ملف "الاتحاد العام لمقاولات المغرب" (نقابة رجال الأعمال)، وعن صراع يحتدم ضد احتكار أكبر تجمع لرجال الأعمال لصالح حزب "التجمع الوطني للأحرار" (ضمن الائتلاف الحكومي) دون غيره من الأحزاب.

ففي 18 فبراير/شباط 2021، صادق المجلس الوزاري (ترأسه الملك)، على مشروع لـ"تغيير واستكمال" القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان).

وتتوخى هذه التعديلات بصفة خاصة، حفاظ "المنظمات المهنية الأكثر تمثيلية" على فريق برلماني خاص بها داخل المجلس، وذلك بهدف "تمكينها من التعبير عن انشغالات ومطالب الفاعلين الاقتصاديين والمقاولات الوطنية، الكبرى والمتوسطة والصغرى".

ويهدف هذا التعديل إلى حماية ودعم "الاتحاد العام لمقاولات المغرب"، وتعزيز مكانته داخل مجلس المستشارين، وإعطائه صفة ممثل "هيئة المهنيين والمشغلين الأكثر تمثيلية". 

ويعتمد المغرب نظام الثنائية البرلمانية، الغرفة الأولى تنتخب في الاقتراع العام المباشر، وتسمى مجلس النواب، أما الثانية فينتخب أعضاؤها بطريقة غير مباشرة، عن طريق ممثلي البلديات، والمنتخبين في الغرف المهنية، وممثلي المأجورين (نقابات العمال)، وتسمى مجلس المستشارين.

هذا التعديل قرئ على نطاق واسع في المغرب، بأنه دعم واسع من قبل أعلى سلطة في البلاد لـ"الاتحاد العام لمقاولات المغرب"، التي تعرف كذلك باسم "نقابة الباطرونا"، وذلك من خلال وصفها بـ"المنظمة المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية".

هجوم وغضب

وخلال ندوة صحافية بالدار البيضاء، في 12 شباط/ فبراير 2021، أعلن رئيس "الاتحاد"، شكيب لعلج، أن "المجلس الإداري للاتحاد، أجرى تعديلا للمادة الرابعة من نظامه الأساسي الذي يتحدث عن حياد المنظمة".

"الاتحاد العام لمقاولات المغرب" المعروف اختصارا باسم (CGEM)، جمعية مهنية لأصحاب المقاولات، تأسست في 20 أكتوبر 1947، إبان الحماية الفرنسية، وتمت مغربتها سنة 1969، بعد انضمام "تجمع الصناعيين المغاربة"، ويعتبر الاتحاد، وجامعاته القطاعية، الممثل الرئيس للمقاولات أمام الحكومة.

وأشار لعلج إلى أن "المجلس الإداري (برلمان الاتحاد) قرر تفعيل هذه المادة التي تنص منع اتخاذ الاتحاد أي موقف لفائدة أي حزب سياسي أو موقف ذي طابع ديني، وأضيف إليها التنصيص على أن الرئيس ونائبه ورؤساء الاتحادات الجهوية والفيدرالية لا يجب أن ينتموا إلى هيئة تقريرية في حزب سياسي".

وشدد على أن "الاتحاد منظمة غير سياسية ولا ينتمي إلى أي حزب ولا يمارس السياسة، فأنا لا أنتمي إلى أي حزب، وإن حدث أن انتميت غدا إلى هيئة تقريرية في حزب ما فيجب أن أستقيل من منصبي".

ويتوفر "الاتحاد العام لمقاولات المغرب" على 7 أعضاء في فريقه بمجلس المستشارين، رغم من أن النظام الداخلي لمجلس المستشارين، في الفقرة الثانية من المادة 70 ينص على "لا يمكن أن يقل عدد أعضاء كل فريق عن 6 دون احتساب المستشارين المنتسبين، كما لا يمكن أن يقل عدد أعضاء كل مجموعة برلمانية عن 3 أعضاء.

هذه التطورات دفعت حزب الاستقلال إلى إصدار "بيان ناري" ردا على تحركات الاتحاد العام لمقاولات المغرب، التي توجت ببلاغ للمجلس الوزاري الذي ترأسه الملك، رفض فيه تحويل "الباطرونا" إلى أدوات في "الصراع السياسي".

ونبهت اللجنة التنفيذية في بيان يوم 15 شباط/فبراير، "إلى خطورة سعي الاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى تعديل القوانين بهدف حرمان أعضائها الراغبين في الترشح، من حقهم الدستوري في الانتماء السياسي الذي يكفله الدستور وجميع المواثيق الدولية تحت ذريعة الحياد، وهو ما يعتبر خرقا لمبادئ الدستور وعملا تمييزيا مخالفا للقوانين".

وحذر البيان من "مغبة الزج باتحاد مقاولات المغرب لخوض حروب سياسية بالوكالة لفائدة حزب معين، وتفصيل قوانينه لخدمة أغراض سياسية وانتخابوية، وهو ما سيتصدى له الحزب انطلاقا من حرصه على الحياد التي تميزت به هذه المنظمة المهنية قبل أن يتم اختراقها من الحزب المعلوم (في إشارة للتجمع الوطني للأحرار) وإقحامها في حسابات سياسية".

كما حزب الاستقلال انتقل إلى مستوى آخر من الهجوم على الاتحاد، وذلك من خلال التشكيك في كونها ممثلا للمقاولين من خلال دعوته إلى "ضمان تمثيلية جميع المنظمات المهنية للمشغلين في مجلس المستشارين وعدم احتكار التمثيل من طرف هيئة واحدة".

خلفيات الصراع

التوتر بين حزب الاستقلال والاتحاد العام لمقاولات المغرب، تعود أسبابه الحقيقية، إلى انتخابات 2015، حين تمكن مرشحان من الاتحاد دخول مجلس المستشارين، بعد حصولهم على تزكية ودعم "الاستقلال".

وأكدت مصادر من حزب "الاستقلال"، طلبت عدم الكشف عن هويتها، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه "بعد فوز المرشحين بالمقعدين النيابيين، قررا بعد ذلك العمل من داخل فريق حزب الاستقلال بالمستشارين،

وأضافوا أن "منذ ذلك التاريخ، والنائبان يعملان مع فريق الحزب في البرلمان، وينشطان داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بل ويشغلان منصبين قياديين فيه، دون أن يعترض أحد أو يسجل موقفا ضد نشاطهما السياسي والمهني".

من جهة أخرى، أكد مصدر من "الاتحاد" في حديث مقتضب هذا الأمر، قائلا: "ما مضى فات، ونحن أمام انتخابات جديدة، لا نريد أن يتكرر نفس المشهد بعد الانتخابات، فيجد الاتحاد نفسه دون فريق برلماني في مجلس المستشارين".

وتابع المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، في حديث لـ"الاستقلال"، "ما نريده في الاتحاد هو الحفاظ على حقنا في تشكيل فريق في الغرفة الثانية للبرلمان". 

الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، أحمد أغنتيف، يرى أن "التخريجة التي جاء بها القانون التنظيمي، تثير ضرورة تدقيق مفهوم الهيئة المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، فالدستور استعمل هذا المصطلح في الفصل 8 منه بالموازاة مع المنظمات النقابية للعمال". 

واعتبر أغنتيف، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "صفة الأكثر تمثيلية لا يمكن أن يترك تحديدها لهيئات غير مؤسسة بقانون، فالتمثيلية في مجال المنظمات النقابية للعمال تؤسس على انتخابات تنظمها السلطات العمومية، وتمثيلية الغرف تؤسس على انتخابات تنظمها السلطات العمومية".

تحولات "الباطرونا"

يقول تاريخ "الاتحاد العام لمقاولات المغرب"، إنه مرتبط بالقصر، وتعد فترة عبد الرحيم الحجوجي الذي ترأس الاتحاد بين عامي 1994 و2000، وحسن الشامي بين 2000 و2006 من الفترات القليلة التي عرفت فيها العلاقة بين "الباطرونا" و"القصر" توترا.

وكان التوتر آنذاك بسبب وقوف الاتحاد في وجه عدد من القرارات التي كانت تتخذها الدولة، أشهرها حملة "التطهير" التي قادها الملك الحسن الثاني ضد رجال الأعمال عام 1996.

بعد 2006 عاد "الاتحاد" إلى أحضان الدولة، وأصبحت قياداته محسوبة على الاختيارات الاقتصادية لرجال القصر الملكي، وتمثل فترة الرئيسة السابقة مريم بنصالح بنشقرون بين 2012 و2018، أهم مرحلة في هذا الاتجاه.

"خطورة هذه المرحلة"، بحسب قيادات في حزب الاستقلال، "تميزت بكونها مكنت اقتصاديين محسوبين على حزب التجمع الوطني للأحرار، من السيطرة على أهم مفاصل الاتحاد، كما أن مسؤولين آخرين في الجمعية أصبحوا بين عشية وضحاها يحملون عضوية نفس الحزب".

وشددوا على أن هذا "يؤكد بأن اتحاد المقاولات يعيش تحولات نقلته من الارتباط بالقصر إلى التحول لجزء من بنية حزب سياسي واحد، وبالطبع يصبح جزء من مواجهة حزب الاستقلال، ويكفي أن نشير هنا إلى عدد من وزراء وقيادات الحزب التي جاءت من اتحاد رجال الأعمال لنفهم أن القضية جزء من هذا التوظيف السياسي لرجال الأعمال".

وسبق لرئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار"، وزير الفلاحة، عزيز أخنوش تولي مسؤولية فرع المحروقات بالاتحاد، بينما تولى حفيظ العلمي، القيادي في نفس الحزب، ووزير الصناعة والتجارة والاقتصاد، رئاسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، كما أن صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، ثم وزير الخارجية، مرّ من رئاسة نفس الهيئة.