محمود المشهداني.. سياسي عراقي تحول من سلفي متشدد إلى داعم للشيعة

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"سلفي ولا أزال، وسأموت على سلفيتي"، هكذا يصف السياسي العراقي، محمود المشهداني نفسه، وسط تناقضات كثيرة برزت في شخصيته مؤخرا جعلته مثار جدل واسع.

شارك المشهداني في العملية السياسية ما بعد الاحتلال الأميركي للبلد عام 2003، فهو أول رئيس للبرلمان بعدما ذهب منصب رئاسة الجمهورية للأكراد والحكومة للشيعة.

السياسي العراقي اعتاد على إطلاق تصريحات مثيرة للجدل وجريئة، وكذلك متناقضة، ففي وقت يؤكد فيه اعتناقه الفكر السلفي السني- المعروف بعدائه لإيران- فإنه من أشد الداعمين حاليا لإعادة تسمية نوري المالكي رئيسا للحكومة، والذي يعتبر رجل طهران الأول في العراق.

مروّج دعائي

المشهداني يبرر دفاعه عن المالكي، بأن من جاء بعده إلى رئاسة الحكومة لم يسد الفراغ الذي تركه، بقدرته على القرار وسرعة الحسم، و"نحن بحاجة إلى رئيس وزراء قادم يتصرف بعقلية رئيس الوزراء في دورته الأولى بعد انتخابات عام 2006، لأن ولايته الثانية كانت هوسة" (مضطربة).

السياسي السني أضاف خلال مقابلة تلفزيونية في 28 يناير/ كانون الثاني 2021، أن المالكي استطاع إزاحة المسلحين في وقتها من الشوارع. ورغم أن سنة العراق خرجوا بمظاهرات عام 2012 بسبب اكتظاظ السجون بأبنائهم في عهد المالكي، فإن المشهداني ادعى أن الأخير "عمل تبييضا للسجون دون أن يخشى أحدا".

وزعم المشهداني أن بعض الجهات الدولية (لم يسمها) تفكر في إعادة المالكي للسلطة لأنه يمتلك قدرات محددة، مؤكدا أننا "سنبحث عن نفس الشخصية التي كان يمتلكها المالكي عندما كان رئيسا للوزراء في دورته الأولى عام 2006- 2010".

المشهداني لم يكتف بهذا القدر من الترويج الدعائي للمالكي، وإنما أكد أثناء مقابلة تلفزيونية أخرى في مارس/آذار 2020، أن الأخير أقوى زعيم سياسي خلال المرحلة الحالية، فهو إذا رفض أن يكون أي شخصية سياسية رئيسا للحكومة فإن ذلك لن يحصل، كونه حكم العراق 8 سنوات (2006- 2014).

وحسب ما أفاد به المشهداني، فإن المالكي استطاع إفشال وصول محمد توفيق علاوي إلى رئاسة الحكومة بعدما كان مكلفا بتشكيلها من رئيس الجمهورية برهم صالح في فبراير/ شباط 2020. كما أنه قال: "لو الشيعة لديهم عقل يعيدون نوري المالكي إلى السلطة، بغض النظر عن رأي السنة فيه".

وللمتابع لجميع مقابلات المشهداني التلفزيونية، يكاد لا يجد في إحداها حديثا يخلو من ذكر المالكي والإشادة والترويج الدعائي والتثقيف السياسي من أجل إعادة طرح الأخير كشخصية وحيدة تصلح لرئاسة الحكومة العراقية، وأنه "رجل المرحلة القوي" و"محرك المشهد السياسي".

رئيس للبرلمان

انتخب عضوا للجنة صياغة الدستور بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، ثم اتهم بدعم "المقاومة العراقية (السنية)" فاعتقلته القوات الأميركية عام 2004 وكذلك جرى اعتقاله من قبل وزارة الداخلية العراقية عام 2005.

لكن بعد سنة من ذلك، سجل قفزة لم تكن متوقعة حين انتخب بعد انتخابات عام 2006 التي شاركت فيها قوى سياسية سنية، رئيسا للبرلمان العراقي، كما انتخب رئيسا للاتحاد البرلماني العربي عام 2008.

استمر في منصبه رئيسا للبرلمان العراقي حتى 2009، وأجبر بعدها على الإقالة بسبب خلافات مع قوى سياسية شيعية، وذلك على خلفية انفعالاته العصيبة وعدم تمكنه من ضبطها، والتي كانت آخرها شتمه لإحدى البرلمانيات من المكون الشيعي داخل قبة البرلمان.

ومع أنه أجبر على الاستقالة من رئاسة البرلمان، فإنه وطبقا لما بات متداولا فقد كان خروج المشهداني من منصبه بصفقة خاصة معه، وذلك بمنحه راتبا تقاعديا، حيث ودّع البرلمان في حينها بطريقة تراجيدية، ذارفا الدموع أمام البرلمانيين ووسائل الإعلام.

مع ذلك فقد حسم المشهداني أمره كواحد من الزعامات السنية البارزة، لكنه لم يتمكن حتى بعد خروجه من رئاسة البرلمان أن يتحول إلى رقم صعب في المعادلة السياسية من خلال تشكيل كتلة أو حزب على غرار قادة سنة أقل منه خبرة في العمل السياسي وأصغر سنا منه.

المشهداني يصف نفسه بأنه أحد أبطال وقادة الدولة العميقة من السنة في العراق، وأن دوره رسم الإستراتيجيات وتقديم المشورة للقيادات السنية الجديدة وإبعادهم عن الأخطاء التي وقع هو وغيره فيها، ويقول "نحن نفرض وجودنا بالخبرة السياسية التي نمتلكها".

تصريحات جريئة

المشهداني اعتاد على إطلاق تصريحات توصف بأنها جريئة، إذ نقل مؤخرا أثناء مقابلة تلفزيونية في 19 فبراير/ شباط 2021 عن قيادات في حزب البعث العراقي (لم يكشف اسمها) رغبة الحزب بالعودة إلى العمل السياسي في البلد والمشاركة بالانتخابات.

وعن توقعه بخصوص تطبيع العراق مع إسرائيل من عدمه، أعرب المشهداني خلال مقابلة تلفزيونية في 25 أغسطس/ آب 2020 عن اعتقاده بأن الشيعة قد يذهبوا إلى هذه الخطوة للبقاء في الحكم.

وتابع: "الشيعة الآن يرفعون شعار (كلا)، وذلك معناه أن الحكم سيذهب لغيرهم. الآن نحن في عصر بيع المبادئ وليس شراءها، 500 ألف يهودي يطالبون بالرجوع إلى العراق ويطالبون كذلك رئيس الوزراء بمنحهم الجنسية العراقية".

وبخصوص السفارة الافتراضية، قال المشهداني: "هناك داخل السفارة الأميركية في بغداد ممثلية إسرائيلية، وأنا رأيت بعيني النجمة السداسية (نجمة داود)، واشتكينا في وقتها لوزارة الخارجية العراقية وبعدها جرى إنزالها".

وأشار إلى أن غياب القرار العراقي الموحد يدفع إلى ذلك، بالقول: "الطريق إلى صيرورة عراقية مسدود، على العكس من طريق التبعثر والتشرذم فهذا طريق مفتوح".

المشهداني، اتهم العلمانيين بأنهم سبب خراب العراق، إذ أنهم تسلموا أول رئاسة حكومة بعد الاحتلال الأميركي للبلد، وذلك بتنصيب السياسي العراقي إياد علاوي رئيسا للحكومة الانتقالية عام 2004.

وقال إن علاوي لم يفعل شيئا وإنما استهدف النجف وكربلاء (ذات غالبية شيعية) وكذلك مدينة الفلوجة (غالبية سنية)، في إشارة إلى مواجهته أولى شرارة العمل المسلح ضد القوات الأميركية بعد احتلالها للعراق.

ضابط طبيب

المشهداني من مواليد مدينة الكاظمية في بغداد عام 1948، أكمل الابتدائية والإعدادية في بغداد، ثم درس الطب على نفقة وزارة الدفاع العراقية عام 1966، وتخرج فيها عام 1972 برتبة ملازم أول طبيب.

أبعد من الجيش حين وصل إلى رتبة رائد، وذلك لمعارضته نظام صدام حسين، رغم أنه لم يعرف عنه النضال السياسي بالمعنى الكامل للنضال السلبي ضد نظام الحكم.

 ولكنه سُجن فترة من الزمن ثم ذهبت والدته (كما ذكر ذلك شخصيا في مقابلة تلفزيونية) إلى بعض المسؤولين في نظام صدام حسين وتوسطت له لإخراجه.

المشهداني اعتقل في عهد صدام حسين عام 2000 وأفرج عنه 2002 ضمن السجناء المفرج عنهم بقرار العفو العام، الذي صدر عن رئيس النظام العراق السابق قبل الاحتلال الأميركي للعراق بأشهر قليلة، بعد ذلك انخرط في العملية السياسية وترأس المكتب السياسي لمنظمة "الدعوة والارشاد" السلفية.

يوصف بأنه شاعر رومانسي بشخصية تحمل الكثير من روح الدعابة والسخرية، والتي تحرج ضيوفه ومن يقابلهم بمن في ذلك الزعامات الأجنبية.

ففي إحدى سفراته إلى بريطانيا، كان يرافقه نائب إسلامي يلبس عمامة، فما كان من المشهداني إلا أن قدمه لمضيفيه البريطانيين بالقول: "أقدم لكم الشيخ أسامة بن لادن".

المشهداني تحول من السلفية حتى بنسختها التكفيرية إلى السنية المعتدلة المقبولة بنظر القوى الشيعية، ومن طبيب ترك الطب إلى الشعر فألف عدة مجاميع شعرية لم تترك أثرا لدى النقاد، ثم إلى سياسي أصبح رئيسا للبرلمان في سياق المحاصصة الطائفية والعرقية.