"مجلس عسكري بديلا عن الأسد".. لماذا اقترحه معارض سوري من القاهرة؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثار الفنان السوري جمال سليمان، المقيم في القاهرة منذ سنوات، لغطا وغضبا شعبيا، بسبب مقترح تقدم به إلى روسيا يشمل خطة انتقال للسلطة في بلاده، تقوم على وجود "مجلس عسكري" بتشكيلات واسعة، لتجاوز حكم رئيس النظام بشار الأسد وبداية مرحلة جديدة. 

في 12 فبراير/شباط 2021، كشف سليمان، عن زيارة قام بها إلى موسكو، ولقاء جمعه بوزير الخارجية سيرغي لافروف، وقال عبر صفحته في "فيسبوك": "أنا (بصفتي الشخصية) من طرحت فكرة المجلس العسكري كصيغة بديلة لجسم الحكم الانتقالي الواردة في وثيقة جنيف والتي بعد ست سنوات لم تر النور ولا يوجد مؤشر على أنها ستراه".

ومن أبرز الزوايا في تلقي روسيا مقترح الفنان السوري، هو وجوده في مصر، خاصة أنه كان ضمن أعضاء "منصة القاهرة" السورية المعارضة، والتي كان ينظر إليها في الشارع السوري، على أنها من المنصات التي تعمل في الزمام الروسي وترعاها القاهرة.

ورغم استقالة سليمان منها على إثر خلافات عصفت بها في ديسمبر/ كانون الأول 2020، لكنه يظل من الفاعلين.

ومن هنا برزت مجموعة من الأسئلة عن تلاقي طرح سليمان، بسياسة النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، وهي سياسة داعمة في مقامها الأول لجيش النظام السوري.

وهو ما أكده السيسي نفسه في تصريحات سابقة، وعضدته سياسة الدولة المصرية المؤيدة للحكم العسكري في سوريا.

مكاشفات متعددة

الفنان السوري الذي تعرض لهجوم حاد بسبب مبادرته، رد قائلا "كما هو واضح فإن هذه المقاربة تتعرض لهجوم كبير من قبل بعض جماعات المعارضة  التي تتفق مع النظام في رفضها لها، و كذلك من فرسان السوشيال ميديا، و لكنني أزعم أنها ستحظى بقبول غالبية الشعب السوري الذي يدفع غاليا تكاليف الوضع الراهن المستمر في انهياره".

واختتم حديثه: "في ظل فشل العملية السياسية التفاوضية، وفي ظل تعنت النظام عن الانخراط فيها، وفي ظل ما تعانيه المعارضة من انقسام ومحاولات بعض الدول للاستيلاء على صوتها، إذا كان هناك مجلسا عسكريا، واسع التمثيل يضمن سلامة المرحلة الانتقالية والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 والذي في جوهره ينص على الانتقال السياسي في سوريا فأنا كسوري موافق". 

وفي 9 فبراير/ شباط 2021، كشفت صحيفة الشرق الأوسط، أنها "حصلت على نسخة من وثيقة قدمها معارضون وتضمنت اقتراحا بتشكيل مجلس عسكري خلال مرحلة انتقالية يتم الاتفاق حول مدتها".

وقالت الصحيفة: إن المجلس المذكور يتشكل من ثلاثة أطراف، هم متقاعدون خدموا في حقبة رئيس النظام حافظ الأسد ممن كان لهم وزن عسكري واجتماعي مرموق، وضباط ما زالوا في الخدمة، وضباط منشقين لم يتورطوا في الصراع المسلح ولم يكن لهم دور في تشكيل الجماعات المسلحة. 

ويتزامن طرح جمال سليمان، مع حملات سياسية وإعلامية عربية، خاصة في الفضائيات المصرية عن إعادة البريق والهيبة لجيش النظام السوري باعتباره "ركيزة الاستقرار والبناء الوطني وحامي السلم الأهلي".، بالإضافة إلى تركيز واضح على اسم العميد "مناف طلاس"، أحد أبرز المنشقين عن النظام.

وكانت صحيفة، "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، قد نشرت خلال فبراير/شباط 2021 مقالا للصحفي السوري المعارض ياسر بدوي، يدعو أيضا إلى تشكيل مجلس عسكري بالتوافق بين الأطراف الفاعلة في سوريا، وعلى رأسها روسيا.

جاء في المقال: "هناك العديد من البيانات من ممثلي العشائر والناشطين والسياسيين العرب، الذين يدعون إلى رئاسة هذه الهيكلية من اللواء مناف طلاس، نجل وزير الدفاع السوري الأسبق، اللواء مصطفى طلاس".

ولا تعمل مصر التي تستضيف طيفا من المعارضة السورية بمعزل عن تلك المقترحات والتداولات، التي تصب في اتجاه استمرار حكم بشار الأسد لسوريا، وعدم وجود حكومة انتقالية مدنية تعمل على تغيير شكل الحكم نهائيا بعد سنوات من الحرب. 

أولويات السيسي

وانطلاقا من مقترحات جمال سليمان، فإنها تأتي في سياق متناسق مع المنهج السياسي للنظام المصري القائم على دعم النظم العسكرية إقليميا.

 وفي سوريا تحديدا كانت العلاقات مع نظام بشار الأسد متواصلة على خطوط دبلوماسية واستخباراتية، ولم يتوقف السيسي منذ صعوده إلى سدة الحكم عن إقرار تلك الإستراتيجية.

وهو ما ظهر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، عندما أدلى بتصريحات على هامش زيارته للبرتغال، أكد فيها أن "الأولوية الأولى لنا أن ندعم الجيش الوطني في سوريا (قوات الأسد)".

وفي 14 فبراير/ شباط 2017، نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية مقالا للمعلق أرون كيسلر، يتحدث فيه عن العلاقة المتطورة بين مصر وسوريا، قائلا: "السيسي هو أحد القادة العرب القلائل الذين لم يخفوا دعمهم الواضح لدمشق، التي علقت الجامعة العربية عضويتها منذ عام 2011".

وبين أن "مصر أعادت العلاقات مع سوريا بعد الانقلاب على (الرئيس المصري الراحل محمد) مرسي، الذي قام بقطعها، واتخذ موقفا متشددا من النظام السوري".

ويذكر أنه في مارس/آذار 2015، أثناء عقد القمة العربية بمدينة شرم الشيخ المصرية، أعيد وضع علم النظام السوري مرة أخرى على مقعدهم الشاغر، في خطوة ألغت أحقية المعارضة بمقعد جامعة الدول العربية، بعد أن تسلمته عام 2013.

وفي 28 سبتمبر/ أيلول 2019، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر لحظة لقاء الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط (المقرب من السيسي) بوفد حكومة النظام السوري في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

ويبدو في الشريط المصور، أبو الغيط وهو يقترب مندهشا من الوفد السوري الذي ضم وزير الخارجية وقتها وليد المعلم، ونائبه فيصل المقداد، والمبعوث السوري إلى الأمم المتحدة بشار الجعفري.

وقال أبو الغيط مخاطبا الوفد: "قولوا لي يا أخي مساء الخير يعني مش معقول، فرد عليه وليد المعلم بكلمة ليه؟، ليتقدم أبو الغيط مصافحا المعلم، ونائبه وقتها فيصل المقداد، قائلا: أنا بفرح جدا لما بشوفكم".

تلاقي العسكر

أما الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية المصرية بقيادة السيسي، في دعم جيش النظام السوري، أبعد من الدبلوماسية، إلى نقاط أكثر خطورة بحسب وسائل إعلام كشفت عن تورط ضباط مصريين شاركوا قوات الأسد عملياتهم العسكرية.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، كشفت صحيفة "السفير" اللبنانية المقربة من حزب الله أن "18 طيارا مصريا، انضموا مؤخرا إلى قاعدة حماة الجوية السورية، وأنه لم يعرف إن كان هؤلاء الطيارين قد شاركوا بالفعل في عمليات عسكرية".

وأكدت الصحيفة اللبنانية أنه "في مقر الأركان السورية في دمشق، يعمل منذ شهر ضابطان مصريان برتبة لواء، على مقربة من غرف العمليات ويقومان بجولات استطلاعية على الجبهات السورية، منذ وصولهما إلى دمشق".

وفي 28 فبراير/ شباط 2017، حصل موقع "أورينت نت" السوري المعارض، على تسجيلات صوتية مسربة تؤكد مشاركة طيارين مصريين في عمليات القصف الجوي التي تستهدف مناطق في سوريا، ولا سيما في ريف دمشق ودرعا، وذلك في تأكيد جديد على وجود عسكريين مصريين لدعم نظام الأسد.

كما وثق "مرصد الجنوب" العامل في درعا مؤخرا، محادثات صوتية مقتضبة باللهجة المصرية، حيث كان قائد الطائرة (مصري) يتلقى تعليماته من مركز قيادة الملاحة الجوية في مطار السين بريف دمشق، لاستهداف مناطق في ريف دمشق ودرعا.

الصحفي السوري سعيد محمود، يرى أن "الفنان السوري جمال سليمان لا يتحرك بمعزل عن تنسيق الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية في مصر، ومقترحه ببديل عسكري لبشار الأسد، هو نتاج سياسة واضحة حيث ترتبط الجيوش العربية أمنيا فيما بينها، في مصر وسوريا ولبنان والسودان وسائر الأقطار، وجميعهم أبناء غير شرعيين للمستعمرين القدامى".

وأضاف محمود لـ"الاستقلال": "جمال سليمان والمؤيدون لمقترح مجلس عسكري يحكم سوريا عقب بشار، اقترحوا (مناف طلاس) وهو من الأصدقاء المقربين لبشار، ومسألة انفصاله عن النظام (شكلية) وبتنسيق من المخابرات الفرنسية، التي تلعب دورا بارزا في الأزمة السورية".

وأكد أن: "مقترح جمال سليمان ومن على شاكلته، هدفه فقط تغيير وجه النظام وصورته الخارجية، طلاس يحل محل بشار، وسيبقى الوضع على ما هو عليه وستستمر القبضة الأمنية الحديدية، وهي لعبة مرفوضة من جميع الثوار والمناهضين لحكم عائلة الأسد، ويعرفون مغزاها جيدا". 

وأردف: "لا شك أنه بعد قدوم إدارة أميركية جديدة بقيادة جو بايدن، حملت نهجا مختلفا، يريد البعض أن يتجاوز بشار كشخص، لا النظام السوري بمفاصله وجذوره، فكانت فكرة وجود بديل ومجلس عسكري جاهزة ومطروحة على الطاولة، وهو ما بدأ من خلال بعض المظاهر على الأرض للضغط على النظام".

فمثلا في مدينة الحسكة بشرق سوريا، كان هناك توافق كبير بين جيش بشار، والأكراد ممثلين في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبعد قدوم بايدن، بدأت قسد (المدعومة أميركيا) تتحرك وتحاصر الأحياء وتشدد قبضتها على الجيش، وهو ما أعطى انطباعا بأن هناك محاولات تغيير قادمة في الجزء المتعلق بالأسد واستمرار حكمه.

وهذا الأمر تلاقى مع مقترحات الفنان السوري جمال سليمان، التي لاقت رواجا إعلاميا واسعا، ولا يغيب عنها أجندة إقليمية داعمة لترسيخ الجيش النظامي، ولكنها مرفوضة شكلا ومضمونا لأنها لا تصب في مصلحة الشعب السوري بمختلف طوائفه وفصائله، وأولئك الذين دفعوا ثمنا فادحا لحكم المؤسسة العسكرية السورية، يقول الصحفي السوري.