أزمات لا تنتهي.. أسباب فشل إيران في أن تصبح مركزا مهما للطاقة
قالت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، إن إيران فشلت فشلا ذريعا في تنفيذ خطتها التي تهدف لأن تصبح مركزا إقليميا ودوليا للغاز.
وأوضح تقرير للصحيفة، أن مقالا نشرته وكالة أنباء فارس الإيرانية (شبه رسمية)، في 7 فبراير/شباط 2021، كشف أن إيران تمتلك 18 بالمئة من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في العالم، "وهو ما يمكنها من أن تكون في موقع إستراتيجي في السوق".
لكن، راهنت طهران على بناء منشأة غاز بقيمة 200 مليون دولار وخط أنابيب "سلام" مع باكستان، قبل أن يتم "التخلي عن هذا المشروع تماما"، بحسب الوكالة.
وكشف مقال الوكالة الإيرانية، الذي أعده مراسلها الاقتصادي إحسان حسيني، كيف سعت إيران لبناء خطوط أنابيب غاز إلى باكستان وتركيا وأيضا عبر العراق إلى سوريا، وكيف سعت ذات مرة إلى صفقات امتدت من الكويت إلى الهند وأوروبا.
ومع ذلك، انهارت الخطط في السنوات السبع الماضية وعوقبت إيران من قبل جيرانها واضطرت حتى إلى تداول الذهب لتعويض ذلك.
وعلى عكس العديد من الأنظمة الشمولية، فإن الإعلام الإيراني موال للحكومة ولكن لديه أيضا مجال للمناورة بسبب الفصائل المختلفة داخل خيمة النظام.
ويبدو أن الأجندة في هذه المسألة، مثل العديد من المقالات في وكالتي "فارس" و"تسنيم"، تقوض حكومة الرئيس حسن روحاني أو تحثها على فعل المزيد.
ولا تعد هذه المقالة الأولى التي تنتقد الحكومة لسوء الإدارة الاقتصادية، في الوقت الذي يسوق النظام الإيراني صورة شجاعة لطهران في وسائل الإعلام الدعائية باللغة الإنجليزية، مثل Press TV، ويروج لأجندات إيرانية نظامية في أوروبا وأخرى في موسكو.
وتشير الصحيفة العبرية إلى أن المقال المؤلف من 3000 كلمة في وكالة فارس، الذي ينتقد سوء إدارة الحكومة لملف الغاز مثير للاهتمام في هذا الصدد.
ومع ذلك، أشار الكاتب حسيني إلى أنه "يمكن لإيران أن تلعب دورا كواحد من اللاعبين الرئيسين في هذا السوق واستغلال صادرات الغاز الطبيعي والتجارة، لبناء علاقات إستراتيجية طويلة الأمد مع الدول التي لديها طلب على الغاز".
وإضافة إلى الميزة الاقتصادية الكبيرة، يمكن النظر إلى صادرات الغاز الإيرانية من حيث التأثير على المعادلات السياسية للمنطقة والعالم، فضلا عن تحسين الأمن القومي للبلاد، لأن تجارة الطاقة مع الدول الأخرى تتسبب في اعتمادها على إيران ونتيجة لذلك تزيد من القوة السياسية وتعزز الأمن القومي الإيراني.
ويعد المقال اعترافا واضحا من طهران بأن الغاز جزء من المجمع الصناعي العسكري، حيث أن إيران، مثل روسيا والصين وتركيا، تعتبر اقتصادها أحد اللبنات الأساسية لقوة الأمن القومي.
وعلى عكس الدول الغربية التي غالبا ما تكون لديها سياسة عسكرية على خلاف مع الدبلوماسيين وتتعارض مع المصالح التجارية، تتبع إيران أسلوبا يمزج الدبلوماسية والشؤون العسكرية والتجارية في إستراتيجية موحدة.
إستراتيجية فاشلة
ويبدو أن المغزى من مقال فارس هو أن الإستراتيجية الإيرانية في هذه الحالة فشلت، وفق تقدير الصحيفة العبرية.
ويشير الكاتب الإيراني إلى أنه و"نظرا لظروف إيران الخاصة في دعم أسعار ناقلات الطاقة، فإن تطوير صادرات الغاز هو أحد السياسات الدافعة لزيادة إنتاج الغاز من حقول النفط وتنفيذ مشاريع التحسين في البلاد".
فلماذا عانت إيران من نقص الغاز؟ لماذا فشلت بينما نجحت روسيا التي تمضي قدما في خط أنابيب نورد ستريم 2 الذي يصل إلى أوروبا؟
ويقول أيضا إن لدى موسكو خطوط أنابيب أخرى تصل إلى أوروبا، مما يجعل القارة العجوز رهينة لدى روسيا.
ويبين مقال الوكالة الإيرانية أنه "على الرغم من أهمية تجارة الغاز، فإن إيران بصفتها الحائز الأول في العالم على موارده، لديها وضع غير موات في سوق الغاز الإقليمي، ووفقا للخبراء، فهي على وشك الاختفاء من السوق الإقليمية".
ويضيف "تريد إيران التصدير لباكستان لكن الصادرات حاليا لا تتطابق مع ما ترغب به طهران". ويوضح أيضا أن "تركيا ليست في حاجة ضرورية للغاز الإيراني لأنه لديها فائض من نظيره الروسي وكذلك من دول أخرى".
ويأتي ذلك في الوقت الذي يبحث فيه العراق تحت الضغط الأميركي عن بدائل للغاز الإيراني، في وقت ظلت فيه صادرات الغاز الإيرانية إلى دول الخليج العربي، بما في ذلك عمان والكويت دون المستوى المأمول، ناهيك أنه حُكم على إيران بدفع تعويضات في قضية تجارة الغاز مع تركمانستان.
وتحدثت وكالة أنباء فارس إلى وزير النفط السابق رستم قاسمي الذي كان مسؤولا من 2011 إلى 2013 والذي أكد أنه "يمكننا (الإيرانيين) أن نجعل الكهرباء المنزلية الباكستانية معتمدة على الغاز الإيراني".
وفي إجابة على مدى تقدم هذا المشروع في عهدته وأسباب توقفه لاحقا، يقول الوزير الإيراني السابق إنه "بصفتنا بلدا رائدا عالميا في احتياطيات الغاز، وبالإضافة إلى تلبية الاحتياجات المحلية، يجب علينا استخدام هذه الموارد للتصدير وتوليد الإيرادات وخلق منافع سياسية واقتصادية للبلاد".
عندما كان قاسمي وزيرا للنفط، وضع برنامجا لتطويره، حيث قال "كان تصدير الغاز فيه أحد الركائز، واستغرقت عملية تطوير هذا البرنامج حوالي سبعة أشهر. وبعد تجهيزه، ذهبت إلى المرشد الأعلى (علي خامنئي) للإبلاغ عن برنامجي الشامل".
ويقول الوزير "وضعنا على جدول الأعمال عدة إجراءات أساسية في مجال الغاز، من بينها إبرام عقد لتصدير الغاز الإيراني إلى باكستان. بعد متابعتنا، أبرمنا عقدا شاملا مع الباكستانيين والذي كان أفضل من سعر الغاز المباع لتركيا".
وبموجب الاتفاق، صدرت إيران في البداية 21 مليون متر مكعب من الغاز يوميا إلى باكستان. كانت إسلام أباد بحاجة إلى الغاز لتزويد محطات توليد الطاقة في ميناء جوادر بالوقود.
ولإبرام هذه الاتفاقية يؤكد الوزير الإيراني "قمت بعدة رحلات إلى باكستان والتقيت برئيس الوزراء الباكستاني (آنذاك) آصف علي زرداري. في اجتماعاتنا مع الجانب الباكستاني تم طرح اقتراح تصدير الغاز".
ويضيف: "مباشرة بعد عودتي إلى طهران، جاء السيد زرداري إلى إيران والتقى بالمرشد الأعلى وتحدث معه بالمصادفة حول تصدير الغاز الإيراني إلى باكستان".
وبحسب التقارير، زار زرداري إيران في عام 2013 للاحتفال بخط الأنابيب، على الرغم من معارضة وانتقادات الولايات المتحدة، ولكنه ألغى أيضا رحلة إلى طهران في ديسمبر/كانون الأول 2012. وكانت الرحلة تهدف لتسليط الضوء على ذلك الخط.
وخلال الاجتماع الذي يتذكره الوزير، أدلى المرشد الأعلى بتصريح أشار فيه إلى أن "وجود خط أنابيب لنقل الغاز أمر حيوي للغاية للبلدين"، خاصة وأن الوقود السائل الذي تستخدمه باكستان في محطات توليد الكهرباء لديها أغلى بثلاث مرات على الأقل من وقود الغاز.
وبهذا العقد يمكن لإسلام آباد شراء وقود رخيص، فيما ستكسب إيران أيضا مصالحا اقتصادية وسياسية.
ويشير الوزير الإيراني "لقد حققنا أيضا الكثير من الإيرادات والمزايا السياسية. في رأيي، وبغض النظر عن المسألة الاقتصادية، فإن الأهم في عقد تصدير الغاز هو خلق الأمن بين البلدين".
وكانت كلمة السر الأساسية لإيران في هذه الصفقة جعل باكستان "تابعة لها"، ذلك أنه ولطالما كانت طهران بارعة جدا في جعل الدول تعتمد عليها، ومن الأمثلة على ذلك العراق وسوريا واليمن ولبنان، حيث تستخدم هناك مزيجا من المليشيات.
وليس الأمر كما لو أن إيران تخفي هذا الأمر، فمن الواضح أن وكالة فارس الإخبارية تدافع عن هذه الإستراتيجية.
ومع ذلك، حدث خطب ما، فبعد التفاعل مع الجانب الباكستاني بين عامي 2011 و2013، "قررنا عقد انطلاق المشروع وكان من المفترض أن تقدم إيران قرضا لإسلام أباد لبناء قاعدة خاتم الأنبياء في باكستان".
ثم يُسدد القرض من خلال سعر الغاز المصدّر إلى باكستان. ومع ذلك، توقفت إسلام أباد عن الدفع لإيران، وفق الوزير.
وشدد وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه في عام 2014 على أن صفقات خطوط الأنابيب والغاز لن تؤدي إلى تعليق عقود التصدير، على الرغم من المشاكل.
وبعد أن أصبح فيما بعد نائب حاكم مقاطعة سيستان وبلوشستان الجنوبية الشرقية، انتقد في أكتوبر/تشرين الأول 2020، لجنة التجارة الحدودية الباكستانية الإيرانية المشتركة.
وأكد للصحفيين أن نيودلهي وإسلام أباد لن تذعنا للضغوط الأميركية بشأن هذه الصفقة، حتى أنه ذهب إلى كويتا في باكستان واستمتع بوقته هناك.
دفع الثمن
ويقول قاسمي إن اتفاقية تصدير الغاز الإيراني إلى باكستان دولية ولا يمكن للباكستانيين إلغائها لأنهم وقعوا عليها. وإذا لم يحصلوا على الغاز ، فسيتعين عليهم دفع الثمن.
وأضاف "لا أتذكر أن الباكستانيين عارضوا هذا الاتفاق بل إنهم أصروا على تسريع المشروع في كل مفاوضاتهم معنا".
وكان من المفترض أن تقرض إيران 200 مليون دولار لباكستان ولكن تم تعليق الخطط عندما تولى روحاني السلطة في عام 2013.
ويقول الوزير السابق: "أما بالنسبة لمن يقول إن باكستان ليس لديها أموال وأنها فقيرة، دعني أخبرك أن الباكستانيين يشترون بالفعل الوقود المسال لتشغيل محطات الطاقة الخاصة بهم، رغم أن سعره أضعاف سعر الغاز المستورد من إيران".
ويقول إن هذا الاتفاق كان في مصلحة باكستان التي للأسف لم تحترمه. وتتساءل وكالة أنباء فارس عما إذا كانت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تضغطان على باكستان في هذا الملف.
ويشير المقال إلى أن "باكستان تعرضت لضغوط لبناء محطة غاز طبيعي مسال أو لتلقي شحنات من قطر".
وعن إمكانية تأثير الضغوط الخارجية على صفقات شراء الغاز الإيراني، قال الوزير السابق "لا، لم أسمع على الإطلاق أن الباكستانيين يفكرون في ذلك.. لم أرَ حتى خطابا مكتوبا منهم يقول إن باكستان لا تريد استيراد الغاز من إيران".
إذا كان هناك ضغط على هذا البلد، فلا يزالون غير قادرين على الاستشهاد بهذا العذر، لأن العقد نص على أنهم إذا لم يستلموا الغاز الإيراني، فسيتعين عليهم دفع 85 بالمئة من سعر الغاز، يقول المسؤول الإيراني.
أما بالنسبة لسبب التوقف، فقد أعلنت الحكومة الإيرانية أن باكستان دولة فقيرة، ولا يمكنها دفع ثمن الغاز، "ونتيجة لذلك أوقفنا المشروع".وهذا يدل على أن المشكلة الحقيقية لم تكن واشنطن بل إيران، التي يبدو أنها أرادت نقل الغاز الطبيعي المسال على الرغم من سهولة إدارة خطوط الأنابيب، مع أنه خيار أكثر استقرارا وأرخص تكلفة بالنسبة لطهران وباكستان على حد سواء.
ويتوقع الوزير السابق إمكانية إحياء خط الأنابيب، قائلا ليس للباكستانيين علاقة سيئة معنا في الوقت الحالي، لذا فإن ذلك ممكن.
تتمثل إحدى المشكلات في وجود خط أنابيب باسم تركمانستان - أفغانستان - باكستان - الهند (TAPI) الموجود بالفعل.
يمر خط أنابيب TAPI عبر مناطق غير آمنة للغاية في باكستان وأفغانستان، وتعمل الهند أيضا على هذا الخط. والسؤال المطروح الآن هو، لماذا لم تعمل نيودلهي على خط أنابيب السلام على الرغم من انخفاض المخاطر؟
ويتذكر الوزير أنه في اجتماعاته في نيودلهي، أعرب الهنود عن اهتمامهم بالغاز لكنهم أرادوا قناة غير باكستانية للقيام بذلك. كما كان هناك حديث عن خط أنابيب للنقل البحري.
وبالطبع، في ذلك الاجتماع، يقول: "أخبرني المسؤولون الهنود أخيرا أنه إذا تم بناء خط أنابيب سلام لباكستان، فسيكون أفضل وسيلة فعالة من حيث التكلفة للهنود لتزويد خط أنابيب السلام هذا بالغاز".
وناقشت الهند وإيران حقلي الغاز فرزاد A و B في الخليج العربي اللذان تدعي طهران أنهما تحت سيطرتها.
وفي هذا السياق يقول الوزير السابق "تحدثنا مع الهنود حول فرزاد أ وب، وهما حقلا غاز مشتركان بيننا وبين السعودية، وشديدا الحموضة من حيث خصائص نوع الغاز، ولهذا السبب، يتطلب تطوير هذا الحقل تقنيات خاصة".
وأوضح الوزير الذي ذهب لرؤية الحقول بطائرة هليكوبتر إنه وجد سعوديين هناك في فرزاد أ مع حفارات. ولذلك "تفاوضت مع الهنود لتطوير هذا الحقل وقلت: دعونا نطور حقلي الغاز المشتركين مع السعودية" وفق تغييره.
الصادرات مع تركيا
وعن سؤال يخص صادرات الغاز إلى تركيا؟ أكد الوزير السابق "قبل دخولي إلى وزارة النفط، كان لدينا عقد لتصدير الغاز مع أنقرة.
وبحسب هذه الاتفاقية، يجب تصدير 30 مليون متر مكعب من الغاز إلى تركيا يوميًا. وبالإضافة إلى العقد مع إيران، أبرمت أنقرة عقدين آخرين مع روسيا، "أحدهما بسعر غاز أعلى من سعرنا والآخر أقل".
ويقول "لطالما أراد الأتراك منا خفض أسعار الغاز المصدّر لهم. أخبرناهم أن لديهم عقدا أغلى من عقدنا، لذا فإن اعتراضهم ليس منطقيا".
وبعد ذلك، وقعت أنقرة عقدا جديدا مع موسكو بمرور الوقت لشراء غاز أرخص. وكان ذلك على الأرجح عندما كانت تركيا وروسيا تتطلعان إلى بناء خط أنابيب ترك ستريم عبر البحر الأسود.
وفي هذا السياق يتذكر الوزير الإيراني السابق "نحن نعلم الآن أن روسيا باعت تركيا أيضا صواريخ إس -400. دعمت أنقرة صفقة إيران مع الولايات المتحدة واقتربت من طهران في السنوات الأخيرة".
ويقول: "بمجرد أن أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه القضية مع المرشد الأعلى، قال لي مسؤول إيراني أن أبحث في قضية الغاز لمعرفة ما إذا كانت هناك طريقة للتفاعل مع أردوغان بشأن هذه المسألة".
وتم إرسال الوزير للتفاوض مع الأتراك وإبرام عقدين، وحصلت تركيا على خصم بنسبة 7 بالمئة على سعر الغاز المصدّر، حيث أوضح "كان لي لقاء أو اجتماعين مع أردوغان وفي اللقاءات التي أجريتها قلت إننا سنعطيك خصما بنسبة 5 بالمئة، بشرط أن يكون عقد تصدير الغاز عبر خط الأنابيب الثاني أيضا".
وكان من المقرر تصدير 25 مليون متر مكعب من الغاز الجديد إلى أنقرة بسعر مخفض. ويقول الوزير: "هدفنا في نقل الغاز عبر خط الأنابيب الثاني إلى تركيا لم يقتصر على هذا البلد".
فبالإضافة إلى تركيا، "سعينا أيضا لتصدير الغاز إلى أوروبا، وفي هذا الصدد، أجريت مفاوضات مع اليونان".
وجرى إنشاء شركة تركية لتحمل المسؤولية عن خط الأنابيب، كما تم اتخاذ بعض الإجراءات لبناء هذا الخط. وكان هذا الخط يبلغ 56 بوصة، وتم بناؤه حتى دهغولان في إيران.
وفي هذا السياق يقول الوزير السابق "كان من المفترض أيضا أن تمول تركيا وتستمر في بناء خط الأنابيب هذا، لكن تم إلغاؤه عمليا".
ومرة أخرى، أدى تغيير خطط الحكومة الإيرانية إلى التخلي عن خط الأنابيب. وطالبت تركيا بالتحكيم في القضية، قائلة إن إيران لم تلتزم بالاتفاق الثنائي.
ونتيجة لشكوى تركيا، حُكم على إيران أولا بدفع ما يعادل 2 مليار دولار من الغاز المجاني للأتراك عن التأخير في السداد في السنوات السابقة.
وفقا للحكم يقول الوزير السابق: "كنا مجبرين على خفض سعر الغاز بنسبة 13 بالمئة بنهاية العقد الذي تبلغ مدته 25 عاما. تسببت هذه الحادثة بحوالي 3 إلى 4 مليارات دولار من الخسائر للبلاد سنويا".
كما منيت إيران بإخفاقات أخرى في هذه المسألة، حيث كان من المفترض أن تنقل الغاز إلى أوروبا عبر مد خطوط أنابيب من العراق وسوريا والبحر المتوسط.
ويقول: "ربما يكون خط الأنابيب هذا بديلا عن خط أنابيب التصدير الثاني إلى تركيا. عندما كنت في وزارة النفط، وقعنا ونفذنا عقدا لتصدير الغاز إلى بغداد. كان هذا في السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية".
وبحلول عام 2013، كان تنظيم الدولة نشطا في العراق وسوريا، وكان من المحتمل أن يقطع أي قدرة على بناء خط الأنابيب، ولم تستقر المناطق التي يمر منها الخط حتى عام 2019.
ويضيف المسؤول السابق "كان من المفترض أن يتجه الغاز إلى البصرة، حيث تذهب معظم تجارة الطاقة في العراق بما يصل الى 50 مليون متر مكعب في اليوم".
ويتابع: "كانت نيتنا تسليم الغاز الإيراني إلى سوريا في الخطوة التالية، لكن السوريون واجهوا صعوبة في تمويل المشروع، بيد أن المفاوضات بقيت جارية".
وأردف: "كما دخل الكويتيون معنا في مفاوضات للتمكن من استقبال الغاز الإيراني عبر خط البصرة، وفي هذا الصدد عقد اجتماع مشترك بين إيران والعراق والكويت".
فشل مع تركمانستان
بالإضافة إلى ذلك، فشلت إدارة روحاني على ما يبدو في تطوير صفقة مع تركمانستان لتنقية الغاز الإيراني.
من خلال استيراد الغاز من تركمانستان وتصديره ، يمكننا اتخاذ خطوات لنصبح مركزا للغاز في المنطقة وتقوية العلاقات السياسية وجعل هذه البلاد تعتمد على إيران، وفق قوله.
لماذا لم يتسع الاتصال مع تركمانستان؟ لماذا لم نأخذ الغاز التركماني لمنحه لعملائنا ونبقي هذا البلد معتمدا علينا ونسمح للصين باستبدال إيران؟، يتساءل الوزير السابق.
وحول عدم شراء الغاز التركماني لجعل هذا البلد معتمدا على طهران، قال الوزير "صحيح أننا لا نحتاج إلى ذلك الغاز لتلبية الطلب المحلي الآن، لكن له مزايا لإيران".
كان الغاز التركماني رخيصا وكان لشرائه مبررات اقتصادية. ويقول: "لنا أن نستهلك هذا الغاز في شمال البلاد ونصدر غازنا المكافئ إلى الدول المجاورة بسعر أعلى".
وكانت إيران تخضع لعقوبات من الولايات المتحدة ولا يمكنها أيضا استخدام SWIFT وهي شبكة خارج الاتصالات المالية بين البنوك في جميع أنحاء العالم تحت سلطة الاتحاد الأوروبي.
وكانت سويفت تمتثل للعقوبات الأميركية في ذلك الوقت. و"نظرا لعدم إمكانية الوصول إلى نظام SWIFT، تم تقييد مبادلاتنا المالية مع تركمانستان وأصبحنا مدينين لذلك البلد".
ويقول الوزير السابق: "في ذلك الوقت ، قمت بزيارتين إلى تركمانستان والتقيت برئيس هذا البلد. في تلك الاجتماعات، تفاوضت مع التركمان واقترحت أخيرا تسوية ديون إيران لتركمانستان عن طريق البضائع".
لذلك، كان الاقتراح النهائي أن يشتري التركمان من إيران البضائع التي يحتاجون إليها لاستيرادها من دول أخرى وقد قبلوا، وفق ما أكد الوزير.
وشملت "البضائع" التي ستدفع عينية أشياء مثل ألف حافلة وخطوط أنابيب ومنتجات بتروكيماوية. و"تم الاتفاق على هذه البضائع والمعدات، وبعد ذلك اتفق مسؤولو البلدين أيضا على أسعارها".
كانت العملية أن إيران ستشتري البضائع من الشركات الإيرانية، وستدفع شركة الغاز الوطنية ثمنها، "وثم نحسبها بالدولار بدلا من مطالبات الغاز لتركمانستان ونرسل البضائع إليها".
كان الاتفاق في مصلحة البلدين، حيث تم دفع ثمن الغاز التركماني ودعم المنتجين الإيرانيين وفقا للوزير.
وذهبت إيران في هذا السياق إلى خطوات أكثر إثارة للاهتمام، ذلك أنه وفي بعض الحالات، بدلا من تسليم البضائع إلى تركمانستان ، قايضتها بالذهب.
يستدرك الوزير السابق: "كانت الأمور تسير إلى الأمام وكنا نستورد الغاز الرخيص من تركمانستان ونصدر البضائع الإيرانية إلى هذا البلد".
لكن لاحقا، في عهد روحاني، انهارت الأمور، حيث اشتكى التركمان كثيرا. ولهذا السبب، سافر وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه إلى هناك ووافق على سداد ديون إيران لتركمانستان كقرض بفائدة 5 بالمئة.
ويبدو أن حجم الديون زاد كثيرا في وقت لاحق، حتى رفع التركمان قضية ضدنا إلى التحكيم الدولي، "وبقدر ما أعلم ، فرض علينا التركمان غرامة وأدانونا"، وفق قوله.