بعد انتخاب سلطة موحدة في ليبيا.. كيف خسر حفتر شرعيته المزعومة؟
مساء 5 فبراير/شباط 2021، أسدل الستار أخيرا في جنيف، على ملتقى الحوار السياسي الليبي، بعد انتخاب سلطة تنفيذية موحدة جديدة، لتحمل مسؤولية إدارة البلاد خلال مرحلة انتقالية محددة تنتهي بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية عامة نهاية 2021.
جولة المحادثات استمرت 5 أيام متتالية، بدأت بتقديم العشرات ترشيحهم لشغل مناصب رئيس المجلس الرئاسي وعضويته، ومنصب رئيس الحكومة، ليتم الاختيار من بينهم في جولة أولية للتصويت بشكل فردي على مستوى الأقاليم الثلاثة (طرابلس، برقة، فزان) ومن ثم بالتصويت بنظام القوائم في جولتين.
القائمة التي رشحت عبد الحميد دبيبة (إقليم طرابلس) رئيسا للحكومة، ومحمد المنفي (إقليم برقة) رئيسا للمجلس الرئاسي الجديد، بعضوية كل من عبد الله اللافي (إقليم طرابلس)، وموسى الكوني (إقليم فزان) نجحت في الفوز بعد أن حصلت على 39 صوتا من أصوات أعضاء الملتقى السياسي الـ78.
بينما حصلت القائمة التي رشحت وزير الداخلية الحالي في حكومة الوفاق فتحي باشاغا رئيسا للحكومة، ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح لرئاسة المجلس الرئاسي، بعضوية كل أسامة عبد السلام جويلي، وعبد المجيد غيث سيف النص، على 34 صوتا.
هذه الخطوة التي يعوّل عليها الليبيون لإنهاء الانقسام السياسي والمؤسساتي، ويعوّل عليها المجتمع الدولي لإنهاء الصراع العسكري، تبقى محاطة ببعض الأخطار خاصة بعد خسارة حلفاء اللواء الانقلابي خليفة حفتر في الانتخابات (عقيلة صالح).
قوة حفتر العسكرية، فقدت بهذا التصويت غطاء سياسيا كبيرا، جزء منه من برلمان طبرق الذي يرأسه عقيلة صالح والذي عيّن حفتر قائدا أعلى للقوات المسلحة الليبية، وجزء آخر من الدول الداعمة لحفتر والتي سارعت بدورها لتهنئة الفائزين بالمناصب الجديدة في ليبيا.
دور محوري
بعد أشهر قليلة من انتخاب البرلمان عام 2014، تفجّر خلاف بين الليبيين حول قانونية مقر انعقاده، حيث اختار عقيلة صالح نقله إلى مدينة طبرق (شرق)، قبل صدور حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بطرابلس (غرب) يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
الحكم قضى "بعدم دستورية الفقرة 11 من التعديل الدستوري وما ترتب عليه من آثار"، ما فُسر على أنه يحل مجلس النواب على خلفية "بطلان" تعديل إعلان دستوري مؤقت انتخب المجلس بموجبه.
في نفس الوقت أطلق حفتر ما سمي بـ"عملية الكرامة"، بدعوى مكافحة الإرهاب ممنيا نفسه بالسيطرة على عموم البلاد وإقامة نظام عسكري مشابه لنظام عبد الفتاح السيسي في مصر بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، مدعوما من الإمارات والسعودية.
ومع سيطرة حفتر على أجزاء واسعة من الشرق الليبي، أعلن برلمان طبرق تنصيبه قائدا أعلى للقوات المسلحة، ما أضفى على حفتر ومليشياته شرعية نسبية مدعومة من عدد من الدول المعترفة بحكام المنطقة الشرقية في ليبيا الذين شكلّوا حكومة موازية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس والتي نتجت عن اتفاق الصخيرات بالمغرب وحظيت باعتراف دولي.
ورغم الشرعية المنقوصة بحسب رؤية حلفاء حفتر، والمنعدمة بحسب معارضيه، استمر زعيم المليشيا التي يطلق عليها "الجيش العربي الليبي" يلعب دورا محوريا في الصراع بشكل مباشر أو عبر واجهته السياسية ممثلة في مجلس نواب طبرق برئاسة عقيلة صالح أو حكومة عبد الله الثني والتي تتخذ من مدينة بنغازي مقرا لها.
تغيّر المعطيات
بعد هزيمة حفتر في المعارك التي دارت لأكثر من عام في محيط العاصمة طرابلس، وإجباره عام 2019 على الانسحاب منها إلى ما وراء خط سرت والجفرة في الشرق الليبي، أعلن عن وقف لإطلاق النار برعاية أممية وإطلاق حوار ليبي ليبي.
أخذ الحوار مسارات متعددة وجولات في دول مختلفة، حتى الوصول إلى محطّة انتخاب سلطة تنفيذية جديدة موحّدة، تنهي حالة الانقسام في إدارة البلاد بين حكومة الثني وحكومة الوفاق، وتتسلم إدارة مؤسسات الدولة على كامل الأراضي الليبية إلى حين تنظيم الانتخابات العامة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.
هذه السلطة الجديدة كان من أبرز المتنافسين عليها، رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، صاحب النفوذ القبلي الكبير في الشرق والواجهة السياسية لمليشيات حفتر.
صالح دخل في تحالف ضمن قائمة مشتركة، مع وزير الداخلية الحالي في حكومة الوفاق فتحي باشاغا ووزير الدفاع السابق في حكومة الدفاع أيضا أسامة الجويلي، وهو أول قائد عسكري من حكومة الوفاق خرج علنا من اليوم الأول لهجوم حفتر وبدأ بتجميع القوات وتشكيل قوس دفاعي إلى حين تكليفه رسميا بقيادة العمليات المشتركة بشكل رسمي والتحاق بقية المقاتلين به.
هذا التحالف كما يراه مراقبون، أسقط الحجج القديمة التي كان يرفعها معسكر حفتر باعتبار أنه يخوض حربا ضد تنظيمات إرهابية تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس وتستغل مؤسسات الدولة لغاياتها.
تأييد دولي
مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز قالت إن المترشحين وقعوا على تعهد باحترام موعد الانتخابات يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، وقَبول نتيجة التصويت والاستقالة من مناصبهم في حال فوزهم.
الاتفاق الجديد حظي بمتابعة ومرافقة عدد كبير من الدول التي عملت على احتضان جولات منه، وصدرت بيانات متتالية لحث الأطراف الليبية على التوصل إلى حل ينهي الصراع العسكري المستمر منذ 10 سنوات.
سارعت تركيا، وعدد من الدول العربية في مقدمتها قطر والسعودية ومصر والإمارات بالترحيب بنتائج الانتخابات، كما رحبت حكومات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بالاتفاق.
المجتمع الدولي اعتبر الاتفاق خطوة حاسمة نحو التوصل إلى حل سياسي تفاوضي وشامل وأنه جاء نتيجة لعملية يقودها الليبيون بصدق.
وأشاد المجتمع الدولي بالالتزام الاستثنائي لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والقائم بأعمال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليامز، معربا عن تطلعه لتقديم الدعم الكامل لعمل المبعوث الخاص يان كوبيتش.
ودعا المجتمع الدولي جميع السلطات والجهات الفاعلة الليبية الحالية إلى ضمان تسليم سلس وبناء لجميع الاختصاصات والواجبات إلى السلطة التنفيذية الموحدة الجديدة.
وفي 16 يناير/كانون الثاني 2021، أعطى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الضوء الأخضر لتعيين المبعوث الحالي للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيتش، لقيادة البعثة الأممية في ليبيا.
ويحل كوبيتش محل المبعوث الأممي لحل النزاع في ليبيا غسان سلامة، الذي استقال في مارس/ آذار 2020، وسط قتال عنيف بين الأطراف الليبية على العاصمة طرابلس.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، وافق مجلس الأمن على تعيين البلغاري نيكولاي ملادينوف، مبعوثا خاصا لها في ليبيا، لكنه اعتذر لأسباب " شخصية وعائلية".
وقرر مجلس الأمن الدولي في سبتمبر / أيلول الماضي تقسيم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وتعيين ممثل خاص لتنفيذ العملية السياسية والمفاوضات الدولية (وليامز)، ومنسق منفصل للقيام بالأنشطة اليومية للبعثة (كوبيتش).
شرعية جديدة
وحسب خارطة الطريق المتفق عليها في ملتقى الحوار السياسي، فإن رئيس الحكومة المنتخب مطالب بتشكيل حكومة جديدة خلال الأيام القادمة، كما يجب أن تنال ثقة البرلمان في مدة لا تتجاوز 21 يوما، وفي صورة تجاوز هذه المدة يتم المصادقة عليها من قبل أعضاء ملتقى الحوار السياسي.
سلطة ملتقى الحوار السياسي تحوّلت لسلطة أكبر من سلطة البرلمان الليبي موحدا بشقيه في طرابلس وطبرق، حيث أن رئيس الحكومة صار منتخبا منه ولا تمتلك أي جهة أخرى الحد من اختصاصاته المحددة بالاتفاق السياسي.
وأمام هذا الوضع الجديد، فإن البرلمان الليبي الذي كان يستمد منه حفتر شرعيته الوحيدة، قد انتهى أي دور له خلال المرحلة المقبلة، وهو في حالة انتظار فقط لإنجاز الانتخابات وتسليم العهدة للبرلمان الجديد بعد الاستفتاء على دستور البلاد.
المحلل السياسي الليبي عصام الزبير يرى أن الليبيين يجب أن يلتفوا حول هذه الحكومة الجديدة، وأن يدعموها مستفيدين من دعم المجتمع الدولي لها، "لإخراج البلاد من الأزمات المتراكمة في قطاعات الصحة والكهرباء، وأيضا من أجل إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة وضبط الأمن في عموم ليبيا وتوحد المؤسسات".
الزبير قال في حديثه مع "الإستقلال": "عقيلة صالح، وبعد خسارته، لم يعد له وجود في الواقع السياسي، وهو سبب رئيس في خسارة القائمة التي ضمت فتحي باشاغا وأسامة الجويلي وسميت بقائمة الصقور، لأن يد عقيلة صالح ملطخة بالدماء ومتوّرط في دعم العدوان على طرابلس والغرب وما رافقه من جرائم".
واعتبر المحلل السياسي الليبي أن "صالح اليوم معزول سياسيا فالبرلمان الذي ينصب نفسه رئيسا عليه في طبرق، لم يبق فيه سوى أقل من 30 نائبا وبقية النواب انتقلوا إلى طرابلس وسيلتحق بهم آخرون، مع تغيّر المعطيات السياسية الجديدة".
أما بالنسبة لحفتر، فيرى عصام الزبير أن "الموقف الدولي بدأ يتغيّر تجاهه منذ استقدامه للمرتزقة الروس (الفاغنر) للقتال في صفوفه، وفتح المجال أمام الروس للتدخل في المشهد الليبي".
مضيفا: "الآن تغير الوضع على مستوى دولي بعد وصول بايدن لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، والذي بدأت إدارته تتخذ جملة من القرارات الساعية للحد من الصراعات والحروب في العالم وآخرها موقفها من اليمن وقرارها بوقف الدعم للحرب السعودية الإماراتية، وهو ما سيؤثر بالفعل على الدعم الإماراتي له وبقية الدول الداعمة له".
الزبير أكّد أن حفتر أصبح وحده في المشهد، وبعد أن كان مدعوما من عدد من الأطراف الدولية التي راهنت عليه لخوض الحرب بزعم تطهير البلاد من المليشيات، إلا أن كل ذلك كان مجرد وهم".
وختم الزبير حديثه بالقول: "الجميع اتجه حاليا لدعم المنتخبين الجدد ودعم العملية الديمقراطية والانتخابات، وهو ما دفع حفتر للخروج على لسان الناطق الرسمي باسم مليشياته أحمد المسماري ليعلن دعمه للسلطة التنفيذية الجديدة وخارطة طريق الحل السياسي".