"حرب حقيقية".. صحيفة فرنسية: الحجر والاقتصاد يعصفان بطرابلس اللبنانية
سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية، الضوء على مدينة طرابلس اللبنانية، بعد تحول المظاهرات اليومية فيها إلى اشتباكات مع قوات الأمن، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة العشرات، إضافة إلى أضرار مادية في بعض المباني الرسمية.
وأوضحت الصحيفة أن "الاحتجاجات التي بدأت منذ الأسبوع الماضي، تأتي رفضا للأوضاع الاقتصادية والمعيشية واستمرار حظر التجوال المفروض بسبب مكافحة فيروس كورونا".
ونقلت الصحيفة عن المحامي فهمي كرامي، قوله، إن "هناك مشاهد لحرب حقيقية في عدة مناسبات، وقد توفي عقب ذلك شاب متأثرا بجراحه التي أصيب بها، ومن غير المقبول أن تطلق الشرطة الذخيرة الحية".
مدينة رماد
في صباح 29 يناير/كانون الثاني 2021، كان المحامي كرامي يحاول تحديد عدد الأشخاص الذين اعتقلهم الجيش منذ بداية اندلاع الغضب قبل أيام، فيما "قلبه مثقل" بعد أن أحرق المتظاهرون مبنى بلدية طرابلس قرب مكتبه في اليوم السابق، معلقا "هذا يحزنني، هذا المكان هو رمز لتاريخنا".
وذكرت الصحيفة أن "بعض سكان طرابلس لاحظوا في حالة صدمة الضرر داخل المبنى، حيث تحولت الجدران لسواد، والأسلاك الكهربائية معلقة، وقد تحولت المعدات إلى رماد".
وأوضحت أن "قنابل المولوتوف استهدفت مبان عامة أخرى منذ أسبوع، حيث بدأت طرابلس -ثاني مدن البلاد- تشعر بالترنح".
وتتساءلت لوموند: "هل تعتبر أيام الشغب هذه مقدمة لمزيد من الفوضى وسط أزمة اجتماعية واقتصادية خطيرة؟"، موضحة أن "هذا الغضب اندلع على حين غرة، وقد تصاعدت التوترات في المدينة، وهكذا، تضاعفت العقبات بين الشرطة والسكان الذين تم تغريمهم لعدم احترامهم للحجر الصارم".
وأوضحت الصحيفة أن " الحجر المفروض -على الورق- منذ الخميس 14 يناير/كانون الثاني الماضي، يلزم بالحصول على إذن لمغادرة المنزل، وتقليل النشاط إلى الحد الأدنى".
واعتبرت أن "هذه التدابير لا تطاق، فالانهيار الاقتصادي الذي يطال البلد بأسره أكثر حدة في المدينة الأفقر بلبنان والتي أهملتها السلطات لفترة طويلة".
وأشارت لوموند إلى أن "طرابلس قد قاومت بالفعل الحجر الأول، بدافع الضرورة والمصير في نفس الوقت".
على بعد مسافة قصيرة، في ساحة النور، مركز احتجاجات طرابلس، ينتشر الجيش بالدروع في مشهد بالكاد يمكن تصديقه، في مقابل حشد صغير جدا من المواطنين، منهم شاب يدعى موسى، (19 عاما)، قال بغضب: "لا يمكنني تحمل حياة أبناء السياسيين حتى تكون سهلة للغاية عندما تكون حياتنا كفاحا".
وأكدت لوموند أنه "بقدر ما يصدم هذا التفاعل الأمني النشطاء فإنهم أيضا مصدومون من أعمال التخريب".
انتشار البؤس
مراد عياش، ناشط اجتماعي يراقب التظاهرات كل مساء، قال في هذا السياق: "لا نفهم ما يجري في طرابلس منذ أسبوع، من المحزن رؤية مدينتك تحترق، ورؤية أولئك الذين يعيشون هناك جائعين، غاضبين، حزينين، ذلك يحزنني".
وأضاف "لكننا قلقون أيضا: ما هو الغرض من أعمال الفوضى، من المستفيد منها؟ وهل نتجه نحو مزيد من عسكرة المدينة؟"
مثل الآخرين، يرى عياش أن وراء أعمال الشغب مزيج من المعاناة الحقيقية و"ليس الغضب البريء"، وطرابلس كثيرا ما "استخدمت" كصندوق رسائل "من قبل فصائل سياسية متعددة".
تكثر الإشاعات، وتختلف السيناريوهات المطروحة حول ما سيكون على المحك حسب التوجهات السياسية: معركة على زعامة طرابلس، صراع داخلي على السلطة داخل عائلة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، شوشرة دبرتها الفصائل المقربة من "حزب الله"، التنافس بين الأجهزة الأمنية، وفق لوموند.
وقال المحامي كرامي: "دع السلطات تخبرنا من هم مثيرو الشغب! ودعونا نواجه مشاكل طرابلس: الفقر".
ويتساءل، وهو الذي لديه تحفظات على الاحتجاجات المستمرة، أنه "إذا كان الناس يعيشون في طرابلس بشكل جيد، إذا كانت حقوقهم الأساسية مضمونة، هل سينزلون إلى الشوارع"؟
لفت كرامي إلى أن "سياسيين ألقوا باللوم على بعضهم البعض في الفوضى في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، ودعوا إلى إجراء تحقيق، لكن من يستطيع أن يصدق نتائجه، عندما تم طمس الحقيقة في العديد من الأحداث المثيرة للجدل في المدينة، مما يثير الشك باستمرار؟".
وأضاف أن "الصمت كان يصمّ الآذان عن المشكل الأساسي: الغضب الشعبي، فيما قرب أسواق المدينة، لا يزال السياسيون يبتسمون على الملصقات الباهتة، وأصبحت الخدمات التي وزعوها مقابل الولاء الانتخابي نادرة".
وخلصت الصحيفة الفرنسية إلى التأكيد بأن "الجمعيات المحلية تحاول تلبية الاحتياجات، بدعم مالي من الشتات الملحق بمدينتهم، لكن هذا بديل مؤقت، وليس خطة شاملة للتعامل مع الأزمة، وينطوي انتشار البؤس على مخاطر اندلاع المزيد من أعمال الشغب واستغلالها المُحتمل".