"الانتقالي" اليمني يروج مجددا لانفصال الجنوب.. لماذا بدأ من موسكو؟

12

طباعة

مشاركة

بعد فشله في محاولة إقناع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بدعم مشروعه الانفصالي جنوبي اليمن، توجه "المجلس الانتقالي" إلى روسيا، محاولا إقناعها بدعم مشروعه، مقابل امتيازات إستراتيجية تحصل عليها موسكو.

ورغم توقيع المجلس المدعوم إماراتيا، على "اتفاق الرياض"، وبدء مرحلة جديدة يكون فيها شريكا أساسيا في الحكومة، يصر "الانتقالي" على التصرف على نحو يتناقض مع تلك الاتفاقية التي رعتها السعودية بينه وبين الحكومة الشرعية، ضاربا بها وبنودها عرض الحائط.

زيارة موسكو

في 31 يناير/كانون الثاني 2021، توجه أعضاء المجلس الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي رئيس المجلس إلى موسكو، في زيارة رسمية، تلبية لدعوة وجهت لهم من الحكومة الروسية، قابل خلالها الوفد عددا من المسؤولين الروس في الحكومة ومجلسي الشيوخ والنواب "الدوما".

وعقب وصوله إلى العاصمة الروسية موسكو، نقلت قناة عدن المستقلة التابعة لـ"الانتقالي"، تصريحا عن الزبيدي، جدد فيه تمسك المجلس بخيار انفصال جنوب اليمن عن شماله.

الزبيدي قال: "نحن اليوم في روسيا، للتباحث حول قضية شعب الجنوب، وما يتعلق باستعادة دولته"، في إشارة إلى الشطر الجنوبي لليمن قبل تحقيق الوحدة في 22 مايو/أيار 1990.

وأضاف الزبيدي: "سنبحث مع وزارة الخارجية الروسية ومجلس الدوما (البرلمان) ومجلس الدراسات الإستراتيجية العديد من القضايا المتعلقة بقضية الجنوب وشعبه".

وقتها أبدى الزبيدي تفائله بأن تكون مباحثاته "إيجابية ومثمرة وتصب في مصلحة القضية الجنوبية. وموجها في ذات الوقت رسالة إلى "الشعب الجنوبي" قال فيها: "إنه يسير في طريق آمن نحو تحرير أرضه، واستعادة دولته".

محاولات سابقة

زيارة موسكو لم تكن الأولى في مساعي "الانتقالي" لتسويق خطة الانفصال، بل سبقها محاولات أخرى إلى عدد من الدول الأوروبية، حاول خلالها إقناع تلك الدول بمشروع انفصال الجنوب عن اليمن، معتمدا على فكرة تسويق مظلومية الجنوبيين من قبل الحكومة المركزية في صنعاء.

ففي زيارته لبريطانيا في مارس/أيار 2019، قال عيدروس الزبيدي إن بريطانيا كانت شريكا لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، رغم أنها كانت تخضع للاستعمار والاحتلال خلال تلك الفترة.

وأضاف الزبيدي، أمام لجنة التعاون والتنمية في مجلس العموم البريطاني: "بريطانيا لها تأثير إيجابي على شعب الجنوب، وبحكم الشراكة القديمة والوجود البريطاني في السابق وما حققه من إرث ثقافي وحضاري وتقدم في النظام والقانون، أردنا أن تكون أول زيارة لبريطانيا باعتبارها كانت شريكا، والشعب الجنوبي له إرث طويل معها" على حد قوله.

وفي يونيو/حزيران 2020، طلب المجلس الانتقالي من ممثليه في الولايات المتحدة الأميركية العمل على الحصول على دعم واشنطن للإدارة الذاتية التي أعلن عنها المجلس في 26 أبريل/نيسان 2020.

لكن الولايات المتحدة عارضت مشروع الانفصال، وهو ما بدا واضحا في تصريحات السفير الأميركي في اليمن ماثيو تولر أثناء زيارته إلى عدن في مارس/آذار 2019، هي الأولى له منذ الانقلاب في عدن.

وقتها أكد تولر أن واشنطن "لا تدعم الجماعات التي تسعى لتقسيم اليمن، وأن أميركا والعالم كله يدركون أن مصلحتهم تكمن في يمن موحد آمن ومستقر"، مضيفا: "ندرك أهمية عدن، ونعمل مع الحكومة على إعادة بناء المؤسسات، ولقاءاتنا هنا تبحث تعزيز التعاون في مختلف المجالات".

وفي طريق خطته الساعية للبحث عن داعمين في الخارج لمشروعه الانفصالي، وصل الأمر بالمجلس الانتقالي أن عرض نفسه على إسرائيل مبديا استعداده للتطبيع معها مقابل الاعتراف بدولة الجنوب.

وكشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن الشيخ السلفي هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي رحب بإعلان التطبيع مع إسرائيل، وأن هناك بعض المؤشرات الإيجابية بشأن مواقف الانتقالي تجاه إسرائيل، رغم عدم وجود علاقة دبلوماسية رسمية معه حتى الآن.

أطماع روسية

في مارس/آذار 2019، دعا المجلس الانتقالي، موسكو للقيام بدور فعال جنوب اليمن، وذلك أثناء زيارة قام بها السفير الروسي في اليمن فلاديمير ديدوشكين إلى عدن، امتدح فيها الزبيدي دور موسكو في جنوب اليمن، قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، من خلال دعم الحزب الشيوعي الذي كان حاكما لعدن حينذاك.

غير أن رياح الموقف الرسمي لروسيا حينها قد أتت بما لا تشتهي سفن الانتقالي حيث صرح السفير الروسي في زيارته أنه لا يرحب بتقسيم البلاد، ولا بالإجراءات الانفصالية، وأن موقف روسيا في هذا الشأن معروف وواضح، وهو يدعم يمنا واحدا وموحدا، حسب قوله.

ومع هذا الموقف الرافض للانفصال إلا أن روسيا تطمح لأن يكون لها نفوذ في هذه المنطقة الإستراتيجية، وهو ما دلل عليه الصحفي اليمني شاكر خالد بقوله: "زيارة السفير الأمريكي لعدن بعد يوم واحد من زيارة مماثلة للسفير الروسي في مارس/آذار 2019، يؤكد أن هناك تنافسا لتعزيز النفوذ في هذه المنطقة الإستراتيجية":

شاكر أضاف في حديثه مع "الاستقلال" أن "التنافس بين روسيا والولايات المتحدة غير معلن، ولم يصل بعد إلى درجة الاحتكاك والتصادم، ولا أعتقد أنه سيكون كذلك، لكن كل دولة تسعى لتعزيز نفوذها، وضمان الحصول على موطئ قدم في بلد أصبح قراره الوطني مختطفا، وصار مصيره في مهب ريح التنازعات الإقليمية".

وفي تقرير له بعنوان "روسيا ودور الوساطة في اليمن" أكد مركز كارينجي للسلام أن "موسكو تحاول ردم الهوة بين دعم حكومة هادي لدولة وحدوية وبين رغبات حلفائه في الائتلاف، بتوسيع مشاركة جنوب اليمن في عملية تسوية النزاع".

وأضاف كاتب التقرير صامويل راماني أن روسيا تقدم نفسها في صورة الوسيط الذي يتمتع بالمصداقية في هذا النزاع، فيما تبقي على علاقات وثيقة مع المسؤولين في حكومة هادي، وتحتفظ بالعلاقات غير النظامية التي بنتها خلال الحرب الباردة مع السياسيين اليساريين في جنوب اليمن".

قاعدة عسكرية

وأوضح أن التطلعات الروسية في البحر الأحمر كانت موضوع نقاش علني لأول مرة في يناير/ كانون الثاني 2009، عندما أعرب مسؤول عسكري روسي عن اهتمام بلاده بإنشاء قاعدة عسكرية على مقربة من مضيق باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية، والذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن.

وتابع أن الحديث يتجدّد عن بناء هذه القاعدة بصورة دورية باعتبارها هدفا إستراتيجيا روسيا بعيد المدى في اليمن، حيث دعا القائد السابق لسلاح البحرية الروسي فليكس غروموف إلى إنشاء قاعدة بحرية روسية على مقربة من الطرقات التجارية في خليج عدن في آب/أغسطس 2017.

ووصفَ معهد الدراسات الشرقية (مقره موسكو) جزيرة سقطرى بأنها المكان المثالي لبناء قاعدة روسية في اليمن، فيما أكدت وكالة "إيتار تاس" الروسية، أن موسكو لديها تطلعات أعلنت عنها في 2009، تقضي بإقامة قواعد بحرية في ليبيا وسوريا واليمن في غضون سنوات.

ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم البحرية الروسية، أنه "من الصعب تحديد مقدار الوقت الذي يستغرقه إنشاء قواعد للأسطول الروسي في هذه البلدان، لكن ذلك سيحدث دون شك في غضون سنوات قليلة، والقرار السياسي بشأن هذه القواعد قد تم اتخاذه، ضمن مساعي الكرملين إلى توسيع النفوذ وتعزيز حضورها في المنطقة العربية".

ونقل موقع الرسمي لقناة "برس تي في" الإيرانية، عن القائد الأعلى السابق للقوات البحرية الروسية، الأدميرال فيليكس جروموف، قوله: "إنشاء قاعدة عسكرية في اليمن له أهمية إستراتيجية، وخليج عدن نقطة التقاء الطرق التجارية الرئيسة".

وأوضح الموقع أن "بعض الدوائر الروسية عبرت عن استعداد روسيا لإنشاء قاعدة عسكرية على الأراضي اليمنية، نظرا لأهمية الموقع الجغرافي الإستراتيجي للبلاد في خليج عدن والبحر الأحمر".

وأضاف الجنرال الروسي: "يعتقد الخبراء أن مشروع بناء قاعدة بحرية في اليمن يتبع هدفا إستراتيجيا، لأنه يسمح لروسيا بتمديد وجودها إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر في خليج عدن".

دور إماراتي

شهدت السنوات الأخيرة، انفتاحا من قبل النظام الحاكم بأبوظبي على روسيا، وأكد الرئيس فلاديمير بوتين قد أكد في مقابلة له نقلتها روسيا اليوم أن بلاده ترى أن الإمارات واحدة من شركاء روسيا المقربين والواعدين.

وبموجب معاهدات تنسيق أمنية وسياسية تم توقيعها بين أبوظبي وموسكو عام 2018، سعت الإمارات إلى تعزيز الوجود الروسي في عدد من الدول العربية، مقابل أن تدعم روسيا الإمارات في سياستها الإقليمية بالمنطقة.

وفي دراسة نشرها مركز أبعاد للدراسات والبحوث (يمني) في مارس/آذار 2020، قال إن الإمارات العربية المتحدة تدعم بناء قاعدة عسكرية روسية في اليمن، مقابل دعم سياسة أبوظبي الإقليمية كقوة مؤثرة في المنطقة. 

وأضاف المركز أنه حصل على معلومات تفيد بأن أبوظبي عرضت على موسكو قاعدة عسكرية بحرية في عدن أو سقطرى أو ميناء الشحر في حضرموت أو في ميناء المخا التابع لتعز غربي البلاد، مقابل المضي قدما في تحقيق الخطة الإماراتية على الأرض، ودعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وعائلة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح التي تتمركز في الساحل الغربي لليمن.

وحسب المركز، فإن عودة الدب الروسي إلى مكان تأثيره السابق إبان حقبة الاتحاد السوفيتي بالقرب من باب المندب والقرن الإفريقي وبالقرب من ممرات التجارة الدولية وخطوط نقل الطاقة لم يعد حلما، بل إستراتيجية تسعى موسكو إلى تحقيقها بأقل كلفة.

وأشار المركز إلى مجموعة محددات تجعل من روسيا فاعلاً متوقعا في اليمن خلال المرحلة القادمة، منها أن اليمن يعتبر عنصرا لا غنى عنه في طموحات الكرملين المتنامية في جميع أنحاء منطقة الساحل، عبر البحر الأحمر.

واعتبر المركز أن عودة موسكو إلى جزيرة سقطرى، سيكون مقرونا بإمكانية إنشاء قاعدة بحرية منفصلة في السودان، ويمكن لهذا التوجه أن يفسر تحركات "الانتقالي" وتوجهه إلى موسكو، خصوصا أن الانتقالي لا يتحرك إلا وفق توجيهات أبوظبي الذي تدعمه منذ دخولها عدن في صيف 2015، وفق مراقبين.