لقاح كورونا.. من ورط مسؤولي المغرب في بيع الوهم للمواطنين؟

12

طباعة

مشاركة

بعد تجارب سريرية للقاح الصيني، وبناء على تعليمات ملكية، أعلن المغرب قبل أسابيع أن 65 مليون جرعة في طريقها للرباط، وإطلاق حملة تطعيم "مكثفة" للوقاية من فيروس كورونا.

ورغم التصريحات الرسمية المتتالية بقرب وصول اللقاح، وبعد مرور أكثر من شهرين، وعقب بدء دول عملية التطعيم بالفعل، وجد المغاربة أنفسهم أمام "سراب"، دون الحصول على اللقاح.

ورط مسئولون حكوميون أنفسهم بتصريحات تفاؤلية بأن المغرب سيكون سباقا إلى تطعيم مواطنيه، فيما الصحف والمواقع الإلكترونية ظلت هي الأخرى تبشر على لسان مصادر "مجهولة" بـ"اللقاح الموعود".

سيناريو مزعج

في 20 أغسطس/آب 2020، أعلن المغرب، توقيع اتفاقيتي شراكة مع المختبر الصيني "سينوفارم" في مجال التجارب السريرية حول لقاح مضاد لفيروس كورونا، وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن الديوان الملكي، أن السلطات تستعد لإطلاق عملية مكثفة، للتلقيح "خلال الأسابيع المقبلة".

وفي 24 ديسمبر/كانون الأول، قال وزير الصحة خالد أيت الطالب، إن بلاده "اقتنت 65 مليون جرعة من اللقاحين المعتمدين من طرفها"، دون تحديدهما ولا تاريخ وصولهما.

وقال الباحث السياسي خالد البكاري: إن "السؤال الذي يفر منه كثيرون بخصوص تأخر عملية التلقيح، هو من ورط/وا المؤسسة الملكية في إعلان أن المغرب سيكون من أوائل البلدان في العالم، حتى قبل دول أوروبية متقدمة في استفادة مواطنيه من التلقيح؟".

وأضاف "حين حذر البعض -ولو على استحياء- من هذا الاندفاع في التفاؤل، باعتبار أنه لم تكن يومها قد اتضحت نتائج التجارب السريرية، ولم تكن منظمة الصحة العالمية قد رخصت لأي مختبر، وأنه يستحيل من الناحية اللوجستية حتى مع توافر اللقاح انطلاق العملية في التاريخ الذي كان محددا لها (11 ديسمبر)، كان الجواب: هناك ضمانة ملكية.. وهذا يكفي".

وتابع: "بروباغندا إعلامية كبيرة جعلت حتى قنوات عالمية وسياسيين بأوروبا (خصوصا بإسبانيا وفرنسا) يشيدون بالمغرب ويلومون حكوماتهم، وكنا هنا بالمغرب نتقاسم هذه الأخبار بفائض انتشاء كبير".

واعتبر البكاري في تدوينته، أنه "لا ينفع اليوم لوم وزير الصحة، فالإعلام الذي يحمل الوزير مسئولية تأخر التوصل باللقاح الصيني، هو نفسه الإعلام الذي كان يقول بعد إذاعة البلاغ الذي زف بشرى اللقاح ومكالمة الملك مع الرئيس الصيني، أن وزير الصحة لا دخل له في هذا الإنجاز".

وبلسان الكثيرين تساءل الإعلامي إسماعيل عزام: "أين هو اللقاح الذي روجت له الدولة منذ مدة طويلة قبل الترخيص له في أي دولة؟".

وأضاف: "نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، شرعت 50 دولة في التلقيح، والأكيد أن العدد ارتفع أكثر وأكثر وهناك دول متوسطة الدخل بدأت التلقيح مؤخرا كألبانيا، كما بدأته تركيا وإندونيسيا ودول خليجية كثيرة فضلا عن جل الدول الكبرى".

وتابع: "نحن.. أين نحن ودولتنا أعلنت عن اللقاح وتركت المواطنين يتساءلون دون جواب شاف؟، والمثير أن المغرب رخّص للقاح أسترازينكا-أكسفورد، وهو اللقاح الذي لم يتلق لحد الآن الترخيص في دول الاتحاد الأوروبي، وهناك اقتناع علمي، لحد الآن، أنه أقلّ فعالية من لقاحي فايزر وموديرنا اللذان تم الترخيص لهما أوروبيا".

وشدد عزام على أن "صعوبات الحصول على اللقاح وسط التنافس العالمي أمر عادي جدا وهناك فعلا ضغوط كبيرة على الحكومة المغربية، لكن المشكلة في الدعاية الكبيرة التي قامت بها الدولة لعملية التلقيح قبل أن تبدأ العملية في أي دولة في العالم".

وختم تدوينته على فيسبوك بالقول: "عموما كان يمكن التوقف عن تعميم السراب في وقت مبكر، ففي نهاية الأمر سنتوصل باللقاح ولو كان ذلك عبر مبادرة (كوفاكس) التي تشرف عليها  منظمة الصحة العالمية، والتي تضم الكثير من الدول عبر العالم بينها الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل، والأكيد أن بينها الدول التي لا تنتج شيئا ومع ذلك تغالي في التباهي".

المضاربة العالمية

بعد الجدل المتصاعد والمتواصل داخليا والاتهامات للحكومة بـ"بيع الوهم" للشعب وتهربها من المسئولية بتقديم التوضيحات، أكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، في كلمة أمام الغرفة الثانية للبرلمان في 19 يناير/كانون الثاني 2021، أن ملف اللقاح يحظى باهتمام المؤسسة الملكية، وأرجع تأخر "الفرج" إلى "المضاربة" العالمية.

وقال العثماني: "لا يخفى عليكم أن هذا الموضوع يحظى بعناية كريمة من قبل جلالة الملك محمد السادس منذ 9 نوفمبر الماضي خلال جلسة عمل خُصِّصَت لإستراتيجية التلقيح ضد كورونا، حين أعطى فيها تعليماته لإطلاق عملية تلقيح واسعة النطاق بالمجان".

وشدد على أن "القدرة الإنتاجية للقاح في العالم محدودة، مقابل حجم الطلب الكبير، ورغم تطوير اللقاحات في وقت قياسي، فالشركات المصنعة تسارع الزمن لتلبية الطلب العالمي الذي يصل إلى 10 مليارات جرعة".

وأضاف العثماني: "من الطبيعي أن تقوم الدول المطورة للقاحات باقتناء أولى الجرعات المنتجة لنفسها، كما أن البعض لجأ إلى المضاربة من أجل شراء اللقاحات بأثمنة تتجاوز ضعفها بخمس مرات، أو أكثر. هذه ظروف ندرة عالمية تشكو منها جل الدول".

لكن حزب الاستقلال (معارض) أعرب عن أسفه لـ"الضعف الواضح للحكومة في تدبير ملف التلقيح الموسوم بالارتباك والغموض في ظل غياب رؤية واضحة بأجندة زمنية محددة وقابلة للتنفيذ فيما يتعلق بعملية اقتناء اللقاحات وتوريدها، والشروع في تطعيم المواطنين بها".

كما تأسف في بيان لـ"عدم قدرة الحكومة على الوفاء بوعودها، حيث تأخرت عملية تسلم اللقاحات التي وعدت بها الحكومة منذ بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي".

واعتبر الحزب أن "تدبير صفقة اللقاحات عرف اختلالا كبيرا بفعل الارتهان في البداية لجهة واحدة، وعدم اللجوء إلى البحث عن فاعلين آخرين واختيارات للقاحات مماثلة إلا في وقت متأخر".

وحمّل الحكومة المسئولية الكاملة إزاء سوء تدبير هذا الملف والغموض التام الذي يتصل بوقت تسلم اللقاحات من الشركات التي تعاقدت معها، وما أفرزه كل ذلك من توجس قوي لدى المواطنات والمواطنين، وتناسل الشائعات والتأويلات والمغالطات، تهدد ما تبقى من رصيد الثقة لدى المغاربة، لا سيما في هذه المحطة الحاسمة في مواجهة الوباء.

وطالب الحزب الحكومة بـ"اعتماد تواصل مسئول وشفاف مع الرأي العام الوطني بخصوص تأخر عملية التلقيح الموعود، ينهي الجدل ويشيع الطمأنينية، ويحترم ذكاء المغاربة واعتبارهم، ويقطع مع منطق الغموض والضبابية الذي تنتهجه الحكومة". 

وضعية معقدة

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الخبير الإستراتيجي عبد الصمد العربي: إن "المسئولين المغاربة تيقنوا بعد الوصول لمرحلة الجد أنهم أمام أخطبوط دولي لا يرحم، استطاع بموارده المالية الحصول على اللقاح، بعيدا عن التصريحات التفاؤلية أو أسبقية الدول المشاركة في التجارب السريرية".

وأشار إلى أن "الحكومة مع الإعلام، أطلقوا جرعة عالية من النجاح وكسب الرهان، دون معرفة أن لغة المال هي الفيصل في التخطيط الجيوسراتيجي، ومن أولوياته الوصول إلى كمية من لقاحات كورونا".

فيما أرجع عضو اللجنة العلمية للتلقيح ضد "كوفيد19"، البروفيسور عزالدين الإبراهيمي، السبب الرئيس في تأخر وصول اللقاح إلى "الضغط العالمي الكبير على اللقاحات نظرا للتفاوت بين العرض والقدرة العالمية المحدودة للتصنيع، مبرزا أنه "يجب أن تكون ثقتنا كبيرة في مدبري الشأن العمومي".

ووفق ما نقل عنه موقع "الدار" (خاص)، قال الإبراهيمي: "في مواجهة الغموض الذي يلف ما تحصل من تأخير في وصول اللقاح وإيمانا بوجوب تفعيل التواصل حول ذلك واعتماد شفافية أكثر حتى لا نقيم في الغموض ونشكك في بعضنا، أود أن أتقاسم معكم نظرتي التفاؤلية والمبنية بجدية ما يقوم به المغرب في مواجهة هذه الوضعية العالمية المعقدة".

من جهتها، ذكرت “أخبار اليوم”، نسبة إلى مصدر بوزارة الصحة، أن الوزير خالد آيت الطالب لا يعرف الموعد الرسمي لوصول لقاح “كورونا”، ولا موعد انطلاق حملة التطعيم الكبرى، مضيفة أن الموضوع رهين بالتراخيص وبعملية التصنيع التي عرقلت الأمر منذ أشهر.

وتساءل الباحث البكاري: "من هم أصحاب ضمانة أن التلقيح كان سيبدأ أوائل ديسمبر/كانون الثاني؟ لماذا لم يخرجوا ليشرحوا للمغاربة ما الضمانات التي كانت عندهم؟ وماذا حصل حتى أصبح الجميع محرجا من حكاية اللقاح الصيني الذي تم تجريبه سريريا على 600 مواطن؟".

وقال "الحقيقة هي أننا لسنا من الدول التي كانت الأولى في تلقيح مواطنيها، وأنه لا وجود لضمانات بأننا سنكون من الدول التي ستلقح مواطنيها على المدى المتوسط، وأن التاريخ الذي قدم سابقا على أنه سيكون نهاية عملية التلقيح، وهو بداية مارس/آذار المقبل (على أساس أن التلقيح يفترض أن ينطلق في ديسمبر)، ربما لن يكون حتى تاريخ الانطلاق".

وأضاف "ألا يتطلب الأمر فتح تحقيق في هذه النازلة؟، هناك من يسوقون أن المغرب بلد كبير، وله وزن كبير في السياسات الدولية، وأن القوى العظمى تخطب وده، نحب وطننا، لأنه وطننا وفقط، ولا نحتاج لأوهام لكي نحبه".

إلا أن عضو اللجنة العلمية والتقنية للتلقيح، البروفيسور سعيد عفيف، برر تأخر لقاح "سينوفارم" الصيني، الذي كان موضوع اتفاقية مشتركة وقعها المغرب أغسطس/آب الماضي، بعدم استكمال بعض الوثائق الخاصة باللقاح والترخيص له"، وفق صحيفة "القناة".

وختم عفيف تصريحه بالقول: "كان من المنتظر أن يصل اللقاح (أسترازينيكا) يوم 16 يناير/كانون الثاني 2021، غير أن الطائرة التي كان يفترض أن تذهب لجلبه (من الهند) تأخرت ووقع مشكل مرتبط ببرمجة الرحلة، لهذا نقول الأسبوع المقبل، وكلنا مستعدون، ولا ننتظر سوى قدوم اللقاح المنتظر".