إدراج "الحوثي" على قائمة الإرهاب الأميركية.. لماذا انزعجت منظمات أممية؟
مساء الثلاثاء 19 يناير/كانون الثاني 2021، دخل قرار واشنطن بتصنيف جماعة الحوثيين اليمنية ضمن قائمة الإرهاب حيز التنفيذ، وفق ما جاء في بيان نُشر على موقع وزارة الخزانة (المالية) الأميركية على الإنترنت.
القرار الذي بدأ فعليا عشية تنحي إدارة الرئيس الأميركي الجمهوري المنتهية ولايته دونالد ترامب، وتولي إدارة جديدة يقودها الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، أعفى منظمات الإغاثة والإمدادات الإنسانية من تبعات التصنيف.
وأوضحت وزارة الخزانة أن الإعفاء من إدراج الحوثيين على القائمة السوداء يهدف إلى السماح للمنظمات الإغاثية، ومنها الأمم المتحدة والصليب الأحمر، بدعم المشروعات الإنسانية وبناء الديمقراطية والتعليم وحماية البيئة في اليمن.
وذكرت الوزارة أن استثناء الجانب الإنساني والإغاثي من العقوبات على الحوثيين سيتم عبر إجراءات جديدة (لم تذكرها)، وأصدرت الوزارة كذلك موافقة على تصدير السلع الزراعية والأدوية.
القائمة السوداء
قرار واشنطن الأخير سبقه جدل واسع منذ إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مساء الأحد 10 يناير/كانون الثاني 2021، أن الولايات المتحدة ستصنف جماعة الحوثيين في اليمن على قائمتها السوداء للجماعات الإرهابية.
ورغم ترحيب كثيرين بقرار واشنطن، إلا أن عددا من المنظمات الإنسانية والدولية العاملة في اليمن انزعجت من هذا القرار وقالت إنه سيعطل عملية السلام ويتسبب بعواقب إنسانية وسياسية وخيمة.
بيان الخارجية الأميركية برر القرار بأنه يهدف إلى تعزيز "الردع ضد النشاطات الضارّة التي يقوم بها النظام الإيراني الداعم للحوثيين في مواجهة حكومة الرئيس المعترف به عبد ربه منصور هادي"، وتضم القائمة السوداء الأميركية 3 قياديين حوثيين بينهم زعيمهم عبد الملك الحوثي.
وقال بومبيو: "القرار اتخذ من أجل محاسبة الحوثيين على أعمالهم الإرهابية بما فيها الهجمات العابرة للحدود التي تهدد السكان المدنيين والبنية التحتية والشحن التجاري".
وأوضح بومبيو أن الولايات المتحدة تقر بأن هناك مخاوف بشأن وطأة هذه التصنيفات على الوضع الإنساني في اليمن، مضيفا: "نعتزم اتخاذ تدابير للحد من انعكاساتها على بعض النشاطات والإمدادات الإنسانية".
من جانبها، رحبت الحكومة اليمنية، بالقرار، وقالت وزارة الخارجية في بيان: "الحوثيون يستحقون تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية ليس فقط لأعمالهم الإرهابية ولكن أيضاً لمساعيهم الدائمة لإطالة أمد الصراع والتسبب في أسوأ كارثة إنسانية في العالم".
في المقابل، كان المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك على رأس المنزعجين قائلا إن اعتبار الحوثيين إرهابيين "سيكون له سلبيات على واردات المواد الغذائية الأساسية وجهود استئناف العملية السياسية".
ومثله كان المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث الذي أبدى انزعاجا كبيرا من إدراج الحوثيين بقائمة الإرهاب وحذر عبر إحاطة له بمجلس الأمن في 14 يناير/كانون الثاني 2020، من "إضرار هذا القرار بجهود ومساعي الأمم المتحدة لتسوية النزاع.
وغرد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن على تويتر باللغة العربية قائلا: "إنني قلق للغاية بشأن تأثير قرار الولايات المتحدة تصنيف أنصار الله (الحوثي) كجماعة إرهابية أجنبية. نخشى أن هذا القرار لا بد وسيؤدي إلى تثبيط الجهود المبذولة لجمع الأطراف معًا".
من جانبه، أوضح سكوت باول، مسئول السياسات الإنسانية لدى منظمة أوكسفام الإنسانية الدولية، أن "الموقف الأمريكي يعتبر سياسة خطرة وغير مُجدية، ستُعرّض حياة الأبرياء في اليمن للخطر".
غريفيث لـ #مجلس_الأمن: "إنني قلق للغاية بشأن تأثير قرار الولايات المتحدة تصنيف أنصار الله كجماعة إرهابية أجنبية. نخشى أن هذا القرار لا بد وسيؤدي إلى تثبيط الجهود المبذولة لجمع الأطراف معًا".
— @OSE_Yemen (@OSE_Yemen) January 14, 2021
قرار سياسي
من وجهة نظر تلك المنظمات، فإن إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب سوف يجعل التعامل معها تعاملا مع منظمة إرهابية، وبالتالي يصعب التفاهم معها كطرف نزاع، خصوصا أن تلك المنظمات تتعامل مع الحوثيين كسلطة أمر واقع يحكمون قبضتهم على صنعاء وعدد من المدن اليمنية.
علاوة على ذلك، فإن تصنيفها كجماعة إرهابية، سوف يجعل من الصعب إجراء أي محادثات معها، الأمر الذي يعرقل التوصل لحل سياسي للأزمة اليمنية، حد قولهم.
وحسب رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات في جنيف توفيق الحميدي فإن تصنيف جماعة الحوثي "يعد قرارا سياسيا أميركيا، بناء على مبررات ساقها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وعلى رأسها انتهاك حقوق الإنسان".
يضيف الحميدي في حديثه لـ"الاستقلال": "الوضع الإنساني والتحذير من الكارثة الإنسانية قد سبق هذا القرار، بسبب توقف أو قلة التمويل للبرامج الأممية من قبل الدول، مما حدا بمنسق الشؤون الإنسانية إلى التهديد بإيقاف 32 برنامجا".
يتابع رئيس منظمة سام الحقوقية: "مازال غريفيث يأمل في تحقيق شيء يضاف إلى سجله في اليمن، لكن يبدو أن الوقت مضى، وحان الوقت لتغيير آلية التعامل مع الملف اليمني بروح المسئولية، ويبقى التحدي قائم في قدرة الحكومة الشرعية على خلق بدائل فاعلة على الأرض".
ورغم انزعاج الوكالات الأممية من إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب، إلا أنها تدرك تماما أن الحوثيين كانوا من أكبر المعرقلين لوصول المساعدات الإنسانية إلى المستحقين.
هذا ما يؤكده الحميدي بقوله: تقارير أممية تحدثت عن منع جماعة الحوثي لوصول المساعدات الإنسانية، حيث أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا بعنوان "عواقب وخيمة" تحدثت فيه عن هذا الأمر.
مضيفا: "كما أن برنامج الغذاء العالمي اتهم في مطلع العام 2019، جماعة الحوثي بنهب المساعدات الإنسانية، وتحدثت تقارير للأمم المتحدة عن السوق السوداء والثراء غير المشروع لجماعة الحوثي، مقابل انتشار الفقر بين اليمنيين وانقطاع الرواتب".
تواطؤ دولي
في الطرف المقابل، يرى آخرون أن المنظمات الأممية كانت جزءا من المشكلة في اليمن، وليست جزءا من الحل، وبالتالي فإن انزعاجها من إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب ينسجم مع الدور المشبوه الذي تلعبه لصالح الحوثي، والذي يقوم به على وجه الخصوص المبعوث الأممي مارتن غريفيث.
من جانبها، توجه الحكومة اليمنية اتهامات إلى غريفث بالتواطؤ مع جماعة الحوثي، وعدم إفصاحه عن الطرف المعرقل لتنفيذ الاتفاقات التي انبثقت عن محادثات ستوكهولهم في ديسمبر/كانون الأول 2018.
كان المتحدث الرسمي باسم الحكومة راجح بادي قد طالب غريفيث بالإفصاح عن الطرف المعرقل للاتفاقات سواء كانت الحكومة الشرعية أو جماعة الحوثي، وقال بادي إن "مارتن غريفيث لم يعد نزيها ولا محايدا في أداء المهمة الموكلة إليه وفقا للقرارات الدولية، وأنه انحرف عن مسار المهمة الموكلة إليه".
وفق خبراء، لا يحظى الرجل بسمعة طيبة عند كثير من اليمنيين، جراء الدور المشبوه الذي يقوم به منذ تعيينه مبعوثا أمميا في فبراير/شباط 2018، حيث عمل منذ تلك الفترة على تعزيز موقف جماعة الحوثي وتحويلها من جماعة مسلحة غير شرعية إلى طرف يمثل سلطة الأمر الواقع.
وسبق أن وجه الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور رسالة إلى أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ضمنها جملة من الاتهامات ضد غريفيث بارتكاب تجاوزات وصفت بغير المسبوقة، ومنها أنه "يصر على التعامل مع الانقلابيين كحكومة أمر واقع ومساواتها بالحكومة الشرعية".
أمهات المختطفين
مازالت جماعة الحوثي مستمرة في اختطاف المدنيين وتعذيبهم، ومع المطالبات المتكررة للحكومة الشرعية من غريفيث بالضغط على جماعة الحوثي لإيقاف حملات الاختطاف والتعذيب التي تنفذها ضد اليمنيين فإن المبعوث الأممي لم يقم بأي دور إيجابي في هذا الصدد.
مطلع يناير/كانون الثاني 2019، رفض غريفيث طلبا لأمهات المختطفين بلقائه في صنعاء، من أجل الضغط على جماعة الحوثي والإفراج عن أبنائهن.
وحسب أمة السلام الحاج رئيسة رابطة أمهات المختطفين، فإن "مارتن قد رفض مقابلة الأمهات، وأجاب عليهن: من أنتم؟ ولم يسجل للمبعوث الأممي أي جهود حقيقية للإفراج عن المختطفين في سجون ميليشيا الحوثي، كما لم يمارس أي ضغوط عليهم، من أجل إيقاف حملات الاختطاف المستمرة حتى اليوم".
الدور المشبوه في خدمة جماعة الحوثي، مارسه أيضا المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر، الذي رفع إحاطة لمجلس الأمن، إبان هجوم الحوثيين على اللواء 310، قبيل انقلاب الحوثي على النظام السياسي في اليمن، وقتلهم للواء أحمد القشيبي.
ابن عمر قال في إحاطته وقتها: "ما يحصل في مدينة عمران اليمنية هو صراع بين أطراف قبلية، (أي ليس بين ميليشيا مسلحة ومؤسسات الدولة الرسمية)، وهو الأمر الذي أسهم بشكل من الأشكال في خدمة الحوثيين في ذلك الوقت الحساس من صراع الدولة مع ميليشيا الحوثي.
عرقلة التمويل
البعض يرجع سبب انزعاج المنظمات الأممية من قرار واشنطن إلى التعقيدات التي ستطرأ على عملية تحويل الأموال إلى اليمن لتمويل المشاريع الأممية، وتسبب ذلك القرار بتقليص فرص الحصول على تمويلات إضافية للوكالات.
الناشط الحقوقي اليمني محمد الأحمدي أكد ذلك في حديثه مع "الاستقلال" قائلا: "لا شك أن المبعوث الأممي والوكالات التابعة للأمم المتحدة العاملة في اليمن تتلقى أموالا طائلة للعمليات الإنسانية والإغاثية في البلاد، وبالتالي فتصنيف الحوثيين كمنظمات إرهابية سيضعها أمام تحديات كبيرة في مسألة التحويلات المالية لمشاريع هذه المنظمات".
يتابع الأحمدي: "في نفس الوقت سيقلص هذا القرار من فرص الحصول على تمويلات إضافية للوكالات الإنسانية ولمكتب المبعوث الأممي تحديدا، رغم أن هذه الوكالات كانت تشكو طوال السنوات الماضية من العراقيل التي تقوم بها ميليشيات الحوثي أمام وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، من ضمنها برنامج الغذاء العالمي الذي أصدر بيانا أكد فيه أن ميليشيا الحوثي تسرق اللقمة من أفواه الجياع".
يضيف الناشط الحقوقي: "تقدم المنظمات الإغاثية والإنسانية العاملة في اليمن جهودا مشكورة للتخفيف من وطأة التداعيات الكارثية للحرب، إلا أنه ورغم التمويلات الضخمة للمشاريع الإنسانية والإغاثية في اليمن، لم يشهد الوضع الإنساني والمعيشي تحسنا".
مضيفا: "بل على العكس من ذلك هناك اتساع في رقعة الفقر، وغياب الأمن الغذائي، وتدني المستوى المعيشي والإنساني، حتى بالنسبة للنازحين داخليا في اليمن، يعانون جراء غياب أي نشاط ملموس للمنظمات الأممية والوكالات الإنسانية والإغاثية".
المصادر
- مسؤول أممي رفيع سيدعو واشنطن للتراجع عن إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب
- ردود أفعال متباينة حول عزم واشنطن تصنيف الحوثي "إرهابية"
- اليمن: هل تتراجع آمال السلام بعد التصنيف الأمريكي للحوثيين كجماعة إرهابية؟
- تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية.. مشرعون أميركيون يعارضون وتحذير أممي من تداعيات القرار
- رغم المخاوف الإنسانية.. واشنطن تصنف الحوثيين جماعة "إرهابية"
- اليمن: إيران كشفت "وجعها الشديد" من تصنيف الحوثي "منظمة إرهابية"
- أميركا تعفي المنظمات الإغاثية من تبعات إدراج الحوثيين بلائحة الإرهاب