أميركي لـ"المهمين" وصيني للشعب.. هكذا فضح لقاح كورونا الطبقية بمصر

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

طيلة 7 سنوات من الحكم لم يكتف نظام عبد الفتاح السيسي بتوسيع الهوة بين الطبقات في مصر، فالغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرا والطبقة المتوسطة تكاد تتلاشى.

لدى ظهور جائحة فيروس كورونا بدت الطبقية المقيتة بشكل واضح في مستوى العناية والعلاج بمستشفيات القوات المسلحة والشرطة من ناحية، وباقي المستشفيات التي يرتادها عامة الشعب من ناحية أخرى.

ومع بدء الحديث عن ظهور لقاح للفيروس توقعت تقارير إعلامية عدم التوزيع العادل للقاحات، مشيرة إلى أن طبقة العسكريين وكبار رجال الدولة والمال سيحصلون على اللقاح الأميركي "فايزر- بيونتيك"، بينما سيحصل باقي الشعب على لقاحين صينيين.

الأول يسمى "سينوفارم" والثاني يسمى "كورونا فاك" والاثنان من إنتاج شركة "سينوفارم" الصينية، في ظل تشكيك البعض في مدى فاعلية لقاحات بكين فضلا عن أعراضها الجانبية.

"سينوفارم" الصينية

في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2020، كشف موقع "مدى مصر" عن أن "السيناريو الأقرب للتعامل مع ملف اللقاحات يتمثل في توفير لقاح (فايزرـ بيونتيك)، المملوك لشركة فايزر الأميركية، وشريكتها الألمانية بيونتيك، لكبار الشخصيات والمسؤولين ورجال الأعمال فقط، نظرا لارتفاع تكلفته وتكلفة نقله وتخزينه".

ووفق ما نقل الموقع عن مصادر طبية مقربة من الحكومة المصرية فإن "الاعتماد على اللقاحات الصينية ثم الروسية، سيكون لتطعيم باقي المواطنين لرخص ثمنها وسهولة توافرها".

أما لقاح "مودرنا" الأمريكي فيتوفر خلال الربع الثاني من 2021 للطواقم الطبية وكبار السن وأصحاب الأمراض المناعية الخطيرة، بوصفهم الأكثر تضررا من كورونا"، حسب الموقع. 

المثير للقلق هو أن هناك شبهات تحوم حول شركة "سينوفارم" الصينية ومدى قدرتها على توفير لقاحات آمنة، بعد تورطها عام 2018 في فضيحة بيع أكثر من 400 ألف لقاح به مشاكل.

المخاوف كان مصدرها نتائج التجارب السريرية المتأخرة من لقاح "سينوفارم" والتي أظهرت تباينا في الأرقام المعلنة بين الدول التي جرت فيها هذه التجارب.

نسب متضاربة

من جانبها كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن اللقاح الذي تسعى بكين إلى تصديره للدول النامية من أجل تحسين صورتها بعد الوباء، أظهر معدل فعالية لا يتجاوز 50 في المئة بالتجارب التي أجريت في البرازيل.

فيما كان معدل الفعالية 63.3 في المئة خلال التجارب التي أقيمت في إندونيسيا، و86 في المئة وفقا لما أعلنته الإمارات.

في تركيا، أثبت لقاح "كورونا فاك" فعالية بنسبة 91 في المئة، ورغم أنه واحد من 5 لقاحات صينية، لكنه لم يحصل على الموافقة لاستخدامه على نطاق واسع داخل الصين حتى الآن.

وفق خبراء، فإن الدول النامية فضلت اللقاحات الصينية، بما فيها "كورونا فاك" أنها تعمل بالتقنية التقليدية، وتحفظ في درجة الثلاجة العادية، ما يجعل تكلفته منخفضة وعملية نقله تبدو أكثر سهولة.

وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، تحدث البروفيسور ديل فيشر من جامعة سنغافورة الوطنية لقناة CNBC الأميركية، عن اللقاح الصيني قائلا: "من الطبيعي الانتظار لصدور تحليل بشأن نتائج المرحلة الثالثة من التجارب قبل إعطاء اللقاح إلى عدد واسع من الأشخاص والسماح بترخيص استخدامه بشكل طارئ. هذا سيكون غير مقبول في الدول الغربية".

وفي 12 سبتمبر/ أيلول 2020، دعت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد، 6 آلاف متطوع للمشاركة في التجارب السريرية الخاصة بلقاحين صينيين (سينوفارم وكورونا فاك)، لكن في إعلان للمتحدث الرسمي للوزارة في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أقر بانتهاء التجربة في مصر بناء على رغبة الشركة المنتجة بعد مشاركة 3 آلاف متطوع فقط.

"ناس وناس"

ما بين العسكريين والمدنيين، تتجلى مفارقات طبقية العلاج في مصر، وهو ما أظهرته تقارير حكومية ففي 20 ديسمبر/ كانون الأول 2019 أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) النشرة السنوية لإحصاءات الخدمات الصحية لعام 2018.

وأوضح التقرير تراجع عدد الأسرة بالمستشفيات الحكومية إلى 95 ألفا و683 سريرا، مقابل 96 ألفا و111 سريرا عام 2017 بانخفاض بلغت نسبته 0.4%، بالإضافة إلى انخفاض عدد الأسرة بالمستشفيات الخاصة بنحو 661 سريرا ما بين عامي 2018 و2017 بانخفاض بلغت نسبته 1.8%.

وفي تقدير آخر صدر عن منظمة الصحة العالمية لعام 2020، انخفض معدل عدد الأسرّة في مصر من 22 سريرا لكل 10 آلاف فرد عام 2005 إلى 5.2 أسرة فقط 2011، قبل أن يرتفع تدريجيًا إلى 13.5 سريرا عام 2019.

كما تم رصد تراجع عدد مراكز الإسعاف، إذ بلغ إجمالي عدد مراكز الإسعاف 1464 مركزا عام 2018، مقابل 1774 عام 2017 بانخفاض بلغت نسبته 17.5%.

لكن أخطر ما يتعلق بالأمر، هو عدم الشفافية في الإعلان بدقة عن عدد أجهزة التنفس الصناعي، وهي الحلقة الأخطر في مواجهة الفيروس، إذ أن حياة الأفراد تتوقف على وجود تلك الأجهزة الناقصة في مصر.

مصادر طبية مصرية كشفت لعدد من وسائل الإعلام أن أجهزة التنفس الصناعي، تقدر في مستشفيات وزارة الصحة بـ 889 جهازا، ومثلها في المستشفيات الجامعية والخاصة، وهو رقم ضئيل للغاية أمام تعداد السكان. 

على الجانب الآخر، يقبع العسكريون في المنطقة الآمنة، حيث يمتلك الجيش نحو 56 مستشفى ومركزا طبيا وعيادة، في 16 محافظة، معظمها في القاهرة، وتشرف عليها إدارة الخدمات الطبية للقوات المسلحة، وهي إحدى الإدارات التابعة لهيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة، وفق ما ذكر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع.

من بين تلك المستشفيات، المعادي العسكري، والجوي التخصصي، وكوبري القبة، والجلاء، ومركز الطب العالمي، ومصطفى كامل بالإسكندرية، والنوبة، والسلوم، ومستشفى وادي النيل، بالإضافة لمستشفيات شرم الشيخ الدولي، وزايد التخصصي، ودار الشفاء، والأقصر الدولي، وأرمنت، وأسوان، ومركز أورام أسوان.

وفي 30 مايو/ آيار 2020، دعت حملة باطل (معارضة) إلى تخصيص مستشفيات وفنادق القوات المسلحة، والقصور الرئاسية، لعلاج مصابي فيروس كورونا، خاصة الكوادر الطبية منهم.

لكن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، شدد في يونيو/ حزيران 2020، عن عدم دخول المستشفيات التابعة للقوات المسلحة وجهاز الشرطة، في منظومة علاج المرضى بفيروس كورونا.

طبقية مقيتة

طبيب مصري يعمل في الخارج، تحفظ على ذكر اسمه، قال لـ"الاستقلال":  "الموجة الأولى للجائحة في مصر، تسببت في وفاة الكثير من الأطباء والممرضين، بالإضافة إلى أعداد هائلة من المواطنين، وكنت شاهدا عليها".

وأرجع الطبيب السبب إلى "الرعونة التي تعاملت بها الوزارة، وعدم الشفافية، وعدم تأمين الأطقم الطبية، وغياب المستلزمات الأساسية".

مضيفا: "الأطقم الطبية ظلت لشهور طويلة تعمل دون الخضوع لتحليل (PCR) الأساسي للكشف عن الفيروس، وكذلك المصابين لم يخضعوا لذلك التحليل أبدا، ما أدى إلى زيادة الحالات، وتفاقم وضعها الصحي، وتسبب في موت كثير من الأطباء والمواطنين".

وتابع: "بعد ذلك استطعت الخروج من مصر والذهاب إلى دولة أخرى، كان الوضع فيها مختلفا تماما من حيث وفرة التحاليل والأجهزة، وجودة أماكن العزل والرعاية".

وأكد المصدر أن "أعدادا كبيرة من الأطباء غادرت مصر خلال السنة الماضية، إلى كثير من الدول العربية والأوروبية، في ظل الطلب المكثف على الأطباء بالخارج، وعدم وجود الإمكانيات والحماية والتقدير في مصر".

وأردف الطبيب المصري: "هناك ملحوظة مهمة بشأن أمصال كورونا، منذ البداية كان هناك حديث عالمي عن تخوفات من عدم عدالة التوزيع، وأن الدول المتقدمة والغنية ستكون أول من يحصل على اللقاح، ثم الدول الأقل فالأقل".

مضيفا: "هذه أزمة أخلاقية كبرى ستدفع الدول النامية ثمنها، لكن الأهم في مصر، وجود مجتمعات موازية، بمعنى أن طبقة العامة والفقراء سيكون شأنهم شأن الدول النامية".

وتابع: "وهناك طبقة أخرى من أصحاب السلطة والنفوذ والمال ستعامل بشكل مختلف، وستحصل على اللقاح، تحت أي ظرف، وهذه ازدواجية أشد من الازدواجية العالمية القائمة، فكيف لبلد أن تكون هناك بداخله تفرقة في حق العلاج والحياة؟".