عودة الحياة للمشاريع القطرية في مصر.. لماذا تزعج الإمارات والسعودية؟

12

طباعة

مشاركة

على مدار عقد كامل، شهدت العلاقات المصرية القطرية، حالة من عدم الثبات، فبين توتر خلال الفترة الأخيرة من عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، إلى تقارب إثر ثورة يناير/كانون الثاني 2011، تبعه توافق خلال عام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي (2012- 2013).

غير أنه مع الانقلاب العسكري لوزير الدفاع (حينها) عبد الفتاح السيسي منتصف 2013، ساءت العلاقات مجددا، لكن مع بداية العام 2021، انعطفت نحو تقارب جديد، لكنه حذر.

هذا التقارب يأتي على خلفية المصالحة الخليجية التي تمت بمدينة "العلا" السعودية، في 5 يناير/ كانون الثاني 2021، بين قطر ودول رباعي الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، بعد مقاطعة العواصم الأربع للدوحة منذ 5 يونيو/حزيران 2017.

انفراجة المصالحة

وعن التأثير الإيجابي لتلك المصالحة اقتصاديا على أطرافها، قالت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني، في 10 يناير/كانون الثاني 2021، إن "إعادة العلاقات بين قطر والدول الأربع ستؤدي لتحسين بيئة الأعمال والاستثمار بالمنطقة وخاصة قطاعات السفر والسياحة والعقارات".

موقف لافت وخطوة ثمنها مراقبون نحو استعادة العلاقات المصرية القطرية والاقتصادية منها بشكل خاص، وفي أولى نتائج المصالحة الخليجية؛ وافقت القاهرة على استئناف العمل بمشروع "سيتي جيت" إحدى أهم المشروعات القطرية بمصر والمتوقف منذ 2016.

"هيئة المجتمعات العمرانية" بمصر، وفي 9 يناير/ كانون الثاني 2020، قبلت استئناف العمل بمشروع "سيتي جيت" المملوك لشركة "بوابة الشرق القاهرة الجديدة للاستثمار العقاري" إحدى شركات "الديار القطرية"، التي تملك 4 مشاريع كبرى في مصر تم إنجاز واحدة منها وتوقفت الثلاثة الأخرى، ما اعتبره مراقبون خطوة لإحياء المشروعات القطرية في مصر.

ذلك القرار، يأتي بعد أيام من خطوة أخرى لافتة لاستعادة علاقات الدوحة والقاهرة بافتتاح وزيرا المالية القطري علي شريف العمادي والمصري محمد معيط، 6 يناير/كانون الثاني 2021، فندق "سانت ريجينس" على نيل القاهرة والمملوك للديار القطرية باستثمارات 1.3 مليار دولار، في زيارة هي الأولى لمسؤول قطري لمصر قبل نحو 4 سنوات.

وبمطالعة موقع "الديار" عبر الإنترنت، فإن الشركة تُعَرِّف مشروع "سيتي جيت" القائم بمنطقة التجمع الخامس شرق القاهرة، بأنها مدينة "مكتفية ذاتيا فيها مساحات مختلفة من الفيلات والشقق" التي تطل على ملعب للغولف ومساحات خضراء وحدائق بمساحة نحو 8 ملايين متر مربع (2020 فدانا).

وتبعد المدينة 30 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من القاهرة، وتضم 720 ألف متر مربع للأغراض التجارية، و3 مدارس دولية، و4 فنادق عالمية، وناديا رياضيا، وملعب غولف، و300 ألف متر مربع وحدات ترفيهية وتجارية.

بداية "سيتي جيت" مع فوز شركة "بروة" القطرية بأرض المشروع 1980 فدانا مقابل 6.1 مليارات جنيه بواقع 733.5 جنيه للمتر في مزاد عام 2007، واشترت أرضا إضافية ليصل إجمالي المساحة 2020 فدانا، قبل أن تنتقل ملكيته لشركة "الديار" التابعة لجهاز قطر للاستثمار عام 2012، والتي توافقت مع حكومة الرئيس الراحل مرسي، لمد أجل تنفيذ المشروع 6 سنوات.

الانفراجة الجديدة بالمشروع دفعت "الديار" إلى السعي للحصول على عروض شركات مقاولات مصرية محلية لاستئناف العمل بـ"سيتى جيت"، التي كانت قد رصدت لها الشركة القطرية مليار جنيه مصري، وقت التعاقد عام 2012.

كما بلغت تعاقدات "الديار" نحو 700 وحدة مطلع 2015، وكان من المفترض تسليم 400 عميل وحداتهم في مايو/أيار 2018، ولكن واجهت الشركة القطرية أزمات عديدة أدت لتوقف المشروع.

أولى تلك الأزمات هي قيام مسلحين، في مايو/ أيار 2015، بوضع يدهم على أرض المشروع وطرد العمال وسرقة المعدات، مما أدى إلى توقفه، وتسريح شركة "الديار" العاملين بشركة "الشرق" وتعويضهم ماديا.

وفي أزمة ثانية عرقلت استئناف العمل؛ نشب نزاع بين الشركة القطرية و"هيئة المجتمعات العمرانية" التي طالبت الشركة في يونيو/حزيران 2016، بسداد 1.379 مليار جنيه رسوما نظير تعديل هيكل المساهمين بالشركة، ما دفعها لإقامة دعوى قضائية بمجلس الدولة.

وفي منتصف 2020، تم الحكم لصالح الشركة القطرية، التي خاطبت الهيئة لاستئناف العمل بالمشروع في أغسطس/آب 2020.

الأزمة الخليجة، مثلت عائقا ثالثا للمشاريع القطرية وبينها "سيتي جيت"، ففي ديسمبر/كانون الأول 2017 تم تجميد استثماراتها بمصر خاصة العقارية، والتي تتعلق جميعها بشركة "الديار" التي تستثمر في 40 مليون متر مربع بالقاهرة الجديدة و6 أكتوبر والبحر الأحمر، ما دفع الشركة القطرية إلى اللجوء للجنة فض المنازعات والتهديد باللجوء للتحكيم الدولي.

إحدى الحلول لإنقاذ مشروع "سيتي جيت"، جاء في فبراير/شباط 2020، وقبل 6 أشهر من الحكم القضائي لصالح "الديار"، عبر عرض شركة "أوراسكوم للاستثمار" المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، الاستحواذ على حصة 60 بالمئة بشركة "بوابة الشرق"، مقابل 658 مليون دولار.

لكن الصفقة تم التراجع عنها لاحقا، حيث عجزت "أوراسكوم للاستثمار" عن أخذ الموافقات اللازمة من السلطات المصرية.

وفي محاولة منها لحل الأزمة مع المتعاقدين على الوحدات بـ"سيتي جيت"، وفي سبتمبر/أيلول 2020 عرضت "الديار" تنازل العملاء عن الدعاوى القضائية ضدها مقابل تسليم الوحدات خلال 3 سنوات.

مشاريع "الديار"

وتمتلك "الديار" القطرية -تأسست عام 2005، كإحدى شركات جهاز قطر للاستثمار- عدة مشاريع في السوق المصرية، لم ينفذ منها سوى مشروع فندق "سانت ريجيس"، ومع الانفراجة في "سيتى جيت"، تشير توقعات المراقبين إلى استئناف المشروعات القطرية المتوقفة الأخرى.

فندق "سانت ريجيس"، المشيد على كورنيش النيل بالقاهرة عبر مبنيين قرب مركز التجارة العالمي والذي افتتحه الوزير القطري قبل أيام؛ يضم 515 وحدة ما بين غرف وشقق فندقية وسكنية، بمساحة 9360 مترا مربعا وبتكلفة إجمالية بلغت مليار دولار،  وأماكن مخصصة للاجتماعات كأحد أهم معالم الضيافة الفخمة والمجمعات السكنية بمصر.

فيما تعرضت أيضا أعمال "سانت ريجيس"، لعقبات من السلطات والجهات الإدارية المصرية، بينها تعطل إدخال الكهرباء للفندق، وفرض محافظة القاهرة رسوما بقيمة 5 ملايين جنيه على الفندق. 

لـ"الديار" القطرية مشروع آخر بمدينة شرم الشيخ بمساحة 300 ألف متر مربع، بجانب مشروع الغردقة أكبر استثمارات الشركة بمصر بمساحة 30 مليون متر مربع، بين خليج "سوما باي" وخليج "ماكادي باي" على طريق الغردقة- سفاجا.

الشركة، تمتلك كذلك مشروع "نيو جيزا" أو "الجيزة الجديدة" والذي يمتد على مساحة 1500 فدان، 6 ملايين و300 ألف متر مربع، غرب القاهرة قرب مدينة 6 أكتوبر، والذي تضخ فيه "الديار" استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار، ويشمل 10 أحياء على طريقة أحياء الزمالك وجاردن سيتي الراقية بالجيزة.

ومن أهم مشاريع قطر في مصر والتي لم تتوقف منذ بدايتها عام 2012، رغم العلاقات السيئة والحصار والتلاسن الإعلامي؛ مشروع مصفاة "مسطرد" الواقع شمالي القاهرة، بتكلفة حوالي 4.4 مليارات دولار، وتم افتتاحه في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، فيما تمتلك فيه "قطر للبترول" حصة استثمارية هي الأكبر بين مشاريعها العربية والإفريقية.

الشركة القطرية تمتلك 38.1 بالمئة، بشركة التكرير العربية، التي تمتلك بدورها 66.6 بالمئة بالشركة المصرية للتكرير، فيما يمثل المشروع أهمية اقتصادية كبيرة لمصر، حيث يقلل اعتمادها على المنتجات البترولية المستوردة، بمعالجة وتكرير 4.7 ملايين طن سنويا من الرواسب النفطية الثقيلة لمصفاة نفط القاهرة، بجانب خلق فرص عمل جديدة.

قلق إماراتي

وفي توقعاته لمستقبل الشركات القطرية في مصر بعد المصالحة الخليجية، قال الخبير الاقتصادي المصري، عبد النبي عبد المطلب: إن "السوق المصري كبير جدا؛ بل ربما أكبر أسواق الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وهناك العديد والعديد من الفرص الاستثمارية الواعدة".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، توقع  عبد المطلب أن "تستعيد الشركات القطرية أدوارها للعمل بقطاعات التشييد والبناء بمصر كسابق عهدها".

وأوضح أن "عودة الشركات القطرية، خاصة العاملة بمجال العقارات لن تتسبب بأية خسائر للشركات السعودية والإماراتية والمصرية التي تعمل في مجال البناء والإنشاءات وإقامة المنتجعات السياحية والتجمعات السكانية".

وتوقع عبد المطلب أن "تؤدي عودة هذه الشركات لزيادة الاستثمارات وتوسيع قاعدة الإنتاج بسوق العقار"، مشيرا أن "السوق المصري ما زال حتى اليوم بحاجة للمزيد من العقارات والمنشآت السياحية".

ويرى أن "العودة القطرية السريعة للسوق المصري ستسبب بالتأكيد قلقا لكافة الشركات العاملة بمصر، وبينها الإمارات التي تسيطر على قطاعات عديدة في ظل غياب القطريين، ملمحا إلى أنها "ستزيد من حدة المنافسة، وستجبر كافة الشركات على تجويد الإنتاج وتقليل الأسعار، وهذا بلا شك يصب في مصلحة الاقتصاد المصري".

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، ورئيس جامعة "كامبريدج المؤسسية"، حسام الشاذلي، في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "المصالحة الخليجية تفتح أبوابا كبرى لاستثمارات قطرية جديدة بمصر خاصة مع وجود علاقات تجارية واستثمارية تاريخية بين الشقيقتين".

وأضاف الشاذلي أن "الاستثمارات العقارية بمنطقة الخليج والشرق الأوسط لها موازين تحكمها منذ القدم؛ يأتي على رأسها كون مصر أكبر تلك الأسواق بسبب عدد السكان ومساحة الأراضي وحجم السوق السياحي وتكلفة الأيدي العاملة وتوافر البنية التحتية البشرية والتقنية لتلك المشاريع وغيرها".

رئيس جامعة "كامبريدج المؤسسية"، جزم بالقول: "وعليه تبقى مصر دائما السوق الأفضل للشركات الخليجية التي تعاني من تشبع السوق وغياب الفرص الربحية الحقيقية علي أرضها؛ ولذلك أعتقد أن  الشركات القطرية ستزيد من حجم استثماراتها بالسوق المصرية بصورة مطردة الفترة المقبلة".

لكن الشاذي، لا يعتقد أن يكون ذلك بصورة سريعة، "نظرا لوجود نوع من الترقب والحذر بسبب مستوى العداء المعلن من قبل والذي ساهم فيه الإعلام المصري الموظف استخباراتيا بصورة كبيرة، والذي لا يمكن محو أثره ولا مفراداته من ذاكرة المستثمرين القطريين ولا الشركاء المصريين بسهولة". 

لذلك توقع أن "يبقى الحذر حاجزا نحو انطلاق الاستثمارات القطرية في مصر وحجمها لفترة قادمة؛ وقد تلعب الوساطات الدولية وخاصة مع قدوم الرئيس الأميركي جو بايدن للبيت الأبيض دورا واضحا في حجم تلك الاستثمارات ونوعها على المديين القريب والمتوسط". 

وجزم بأن عودة الشركات القطرية للسوق المصري "تمثل منافسة قوية للشركات السعودية والإماراتية والذين تمتعوا بنوع من الاحتكار في السوق المصري خلال فترة المقاطعة؛ ولكن توتر العلاقات المصرية الإماراتية والطبيعة الانتهازية لنظام الحكم المصري الحالي ستحول السوق لكارت آخر من كروت اللعبة السياسية في المنطقة".

ولم يستبعد الشاذلي، في ختام تصريحه أن "تلعب إسرائيل في السوق المصري دورا جديدا بحكم علاقاتها التطبيعية المتميزة مع الإمارات والتي لن تدخر جهدا في إيقاف زحف الاستثمارات القطرية إلى مصر، خاصة وأن النظام الإماراتي لا يملك كروت سياسية أخرى  إلا المال لتدخل بشؤون الدول الأخرى كما بات مؤكدا بالسنوات الأخيرة".