يجبر مستخدميه على قبول انتهاك خصوصيتهم.. هل يهجر الملايين "واتساب"؟

12

طباعة

مشاركة

من جديد، عاد النقاش بقوة حول انتهاك الخصوصية بمواقع التواصل الاجتماعي، إثر إعلان تطبيق المحادثات "واتساب" وقف حسابات مستخدميه الذين يرفضون الموافقة على شروطه الجديدة بدءا من 8 فبراير/ شباط 2021.

يطلب التطبيق من مستخدميه تحديث سياسة الخصوصية التي تسمح بمشاركة بعض بياناتهم مع موقع "فيسبوك"، مالك تطبيق "واتساب" الذي تدعي إدارته أن التحديث هدفه السماح بتخصيص مساحة للتفاعل مع الإعلانات.

ومع إصدار كل تحديث تتعمد مواقع التواصل إرسال تفاصيل كثيرة إلى المستخدم في عدة صفحات بلغة معقدة يصعب قراءتها، حتى يضطر المستخدم إلى كبس زر الموافقة دون تمحيص أو تدقيق.

الأمر نفسه لجأت إليه إدارة "واتساب"، لكن يبدو أن هذه المرة لن يمر التحديث بسلام مثل سابقتها، حيث أثار إعلانها جدلا واسعا، وانتشرت دعوات قوية ومؤثرة إلى هجرة "واتساب" والذهاب إلى تطبيقات أخرى مثل "سينجل" و"بيب" و"تليجرام".

خطوة للوراء

ومع شعور واتساب بخطورة القرار خاصة مع بدء الملايين في الاستعداد للهجرة إلى تطبيقات أخرى، أصدرت الشركة في 12 يناير/كانون الثاني 2020، توضيحا رسميا بخصوص تغيير سياسة الخصوصية.

وصرح المتحدث الرسمي لشركة واتساب، في بيان، بأن الشركة قامت بتحديث سياسة الخصوصية "لتمكين الشركات التي ترغب في تقديم خدماتها عبر تطبيق واتساب، مستقبلاً اختيار تلقي خدمات استضافة آمنة من خلال الشركة الأم فيسبوك بهدف تيسير إدارة تواصل تلك الشركات مع عملائها عبر تطبيق واتساب".

وأضاف أنه "برغم تحديث التطبيق يظل لدى مستخدم واتساب حرية الاختيار ما إذا كان يرغب في التواصل مع إحدى الشركات عبر التطبيق أو لا يرغب في ذلك".

وقال المتحدث: "لا يتسبب هذا التحديث في أي تغيير فيما يتعلق بممارسات مشاركة البيانات عبر واتساب مع فيسبوك، كما لا يؤثر إطلاقًا في خصوصية تواصل المستخدمين مع أصدقائهم أو عائلاتهم في جميع أنحاء العالم، كما تؤكد شركة واتساب التزامها التام بحماية خصوصية مستخدمي التطبيق".

وأكد أن "الشركة تتواصل بصفة مباشرة مع المستخدمين فيما يتعلق بتلك التغييرات حتى يتوفر لهم الوقت الكافي لمراجعة السياسة الجديدة على مدار الشهر المقبل".

وأضاف: "يعمل تطبيق واتساب على مساعدة المستخدمين في إجراء عمليات الشراء بالإضافة إلى الحصول على خدمات الأعمال مباشرة عبر التطبيق كما سبق وأعلنا في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020".

تمييز عنصري

خيّر "واتساب" أكثر من ملياري مستخدم بين الموافقة على الاندماج مع مجموعة تطبيقات فيسبوك الأخرى، ومنح مساحة للتفاعل مع الأنشطة التجارية، وجمع البيانات المالية الخاصة بالمستخدمين، قبل 8 فبراير/شباط 2021، أو حذف الحساب بالكامل.

الغريب أن التحديثات التي أعلن عنها واتساب في 7 يناير/كانون الثاني 2021، لم يفرضها على مستخدميه بدول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وهو ما أثار غضب بعض المستخدمين الذين اعتبروه "تمييزا عنصريا" من قبل إدارة واتساب.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها واتساب بتحديث سياسة الخصوصية، ففي أغسطس/ آب 2016، أجرى "واتساب" تحديثا لها، وفي يناير/ كانون الثاني 2018، أطلقت إدارة "واتساب" تطبيق واتساب للأعمال (WhatsApp Business)، الخاص بالمعاملات التجارية، ووفرت عليه مميزات تجارية إضافية عن النسخة العادية.

في السنوات الثلاثة الماضية، وصل عدد مستخدمي  النسخة الجديدة من واتساب إلى أكثر من 50 مليونا، ولزيادة هذا الرقم ستسمح واتساب للشركات بإضافة خدمات أخرى إلى التطبيق.

وتقول شركة فيسبوك، إنها "تعمل مع الشركات التجارية التي تستخدم فيسبوك -أو أي طرف آخر- للمساعدة في تخزين اتصالاتهم معك عبر واتساب وإدارتها بشكل أفضل".

بيانات خاصة

تقارير فندت الشروط الجديدة لـ"واتساب"، ذهبت إلى حد القول، إن "تطبيقات شركاء الشركات التي يتعامل معها فيسبوك، قد تتمكن من قراءة رسائل المستخدمين".

وأشارت التحليلات إلى أن هذه الجهات الخارجية يمكنها الحصول على بعض معلومات المستخدمين، فقد يعرف مشغل الفيديو داخل التطبيق عنوان "آي بي" الخاص بالمستخدم.

وتنص الشروط الجديدة على جمع المعلومات ومشاركتها مع شركات "فيسبوك" الأخرى كرقم الهاتف، وصورة الحساب، ونشاطات المستخدم على التطبيق إضافة لتحديد المعرف الرقمي (IP) لجهاز الحاسوب أو هاتف المستخدم وموقعه ولغته.

كما تشمل أيضا جمع معلومات حول معاملات الدفع والبيانات المالية الخاصة بالمستخدمين.

وفق شركة فيسبوك فإنها تهدف من خلال التحديث الجديد إلى "تطوير خدمات البيع والكسب عبر السماح للمعلنين بالتواصل مع زبائنها عن طريق واتساب، أو حتى بيع منتجاتهم مباشرة عبر المنصة"، بحسب بيان للشركة نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.

وقالت إدارة "واتساب"، إن "البيانات التي قد تجري مشاركتها بين التطبيق وباقي تطبيقات الشركة، لن تشمل مضمون الرسائل التي تبقى مشفرة".

وتدخل المعلومات التي تحصل عليها إدارة التطبيق ضمن عملية التكامل التي تقوم بها شركة "فيسبوك" بين خدماتها ومنتجاتها المتنوعة لتحسين استهداف الإعلانات.

وقد تتضمن التحديثات الحصول على معلومات أخرى محددة في قسم سياسة الخصوصية بعنوان "المعلومات التي يتم جمعها" أو "التي تم الحصول عليها بناء على إشعار لك أو بناء على موافقتك".

بعد التحديث، تُرسل الشركة مواد تسويقية حول شركات فيسبوك، وتستخدم بيانات المستخدم، التي تم جمعها، لتقديم الإعلانات المناسبة لكل مستخدم بحسب احتياجاته واهتماماته.

"سيجنال" و"بيب"

تغريدة من كلمتين للملياردير، إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "تيسلا" للسيارات الكهربائية، كانت كافية لجعل أزيد من 100 ألف مستخدم لواتساب يقبلون على تحميل تطبيق "سيجنال" على أجهزتهم، في حين تم تحميل "تيليجرام" حوالي مليوني مرة، وفقا لشركة تحليل البيانات "سينسور تاور".

بدورها أعلنت شركة سيجنال عن وجود ضغط شديد على منصتها، وقال ماسك في تغريدته "استخدموا سيجنال"، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يعبر فيها -ثاني أغنى رجل في العالم- عن غضبه من فيسبوك.

وفي عام 2018، حذف ماسك صفحات فيسبوك الخاصة بشركاته، وفسر خطوته بالقول: "هذا ليس موقفا سياسيا، ولم يدفعني شخص ما إلى ذلك، فقط لا أحب فيسبوك".

طُرح تطبيق "سيجنال" في 2014، وتتلقى الشركة المالكة له تمويلا من منظمات غير ربحية، تُنعى بضمان حرية التعبير، وهو تطبيق شائع الاستخدام بين الصحفيين والناشطين السياسيين.

وتفيد شبكة "بي بي سي" البريطانية، في تعريفها للتطبيق، أنه "يُعتقد أنه من الصعب على طرف ثالث اختراق محادثات سيجنال".

وكذبت الشركة ما راج عنها في الشهور الأخيرة من 2020، حول نجاح إحدى شركات التجسس في اختراق التطبيق، بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.

ويستخدم "سيجنال" كما "واتساب" تقنية التشفير "طرف إلى طرف"، لكن الأول يستخدم نظام تشفير خاص مفتوح المصدر يتيح للخبراء فرصة فحص الكود الأساسي في أي وقت، في حين لا يسمح تطبيق "واتساب" بفحص الكود الخاص به.

وبينما يُخزن "واتساب" كمّا هائلا من البيانات المتعلقة بالمستخدم ونشاطاته، لا يحتفظ "سيجنال" بالمعلومات ولا يشاركها مع طرف ثالث، وينفي القائمون على التطبيق وجود خطة لتضمين الإعلانات.

أيضا شهد تطبيق المراسلة التركي "بيب"، إقبالاً كبيراً في الأيام الأخيرة، وأفاد بيان صادر عن شركة "تورك سيل" التركية للاتصالات، في 11 يناير/كانون الثاني الجاري أن الأيام الثلاثة الأخيرة، شهدت اشتراك 4.6 ملايين مستخدم جديد بتطبيق "بيب" (BiP) المطور محلياً.

وأوضح البيان أن "بيب" يتصدر منافسيه حول العالم عبر تطويره للعديد من الميزات قبل منافسيه، مبيناً أن جميع البيانات ذات الصلة تخزّن عبر معايير أمنية عالية في مراكز حفظ بيانات تابعة لـ"تورك سيل" في تركيا.

وأضاف أن التطبيق المتاح للاستخدام في 192 دولة حول العالم، يوفر خدمات المراسلة، والمكالمات الصوتية والمرئية، وإمكانية التواصل بشكل آمن ودون انقطاع.

ونقل البيان عن أتاج تانسوغ، نائب المدير العام المسؤول عن الخدمات الرقمية وحلولها لدى "تورك سيل"، قوله إن تطبيق "بيب" لا يلزم المستخدم بالموافقة على مشاركة بياناته مع أطراف أخرى.

وأضاف أن التطبيق المطور من قبل مهندسين أتراك عام 2013، لا يسمح بالوصول إلى البيانات الشخصية للمستخدمين، دون الحصول على إذن مسبق منهم.

إشكالية "الأمان"

خبير الإعلام الجديد هيثم سعد، قال لصحيفة "الاستقلال"، إن لجوء المستخدمين لتطبيق واتساب باعتباره الأكثر احتراما للخصوصية، سيصبح جزءا من الماضي بعد تمكن فيسبوك من استخدام بيانات مستخدمي التطبيق وتحليلها. 

وذهب هيثم إلى حد القول، إن واتساب يصبح بهذه الخطوة أسوأ من تطبيق المحادثات الخاص بفيسبوك "ماسنجر"، من حيث الخصوصية.

ورأى المتحدث أن إقبال المستخدمين بشكل كبير على سيجنال وتليجرام في الفترة المقبلة هو أمر متوقع وطبيعي، خصوصا وأن هذه الشركات تقوم بحملة ترويجية واسعة، تؤكد فيها أنها لا تخترق بيانات المستخدمين.

ويعتقد متخصص الإعلام الجديد، أن الجزم بأن عدد المهاجرين من واتساب إلى سيجنال وتليجرام سيكون بأعداد مهولة، هو افتراض غير دقيق، في حين توقع أن نشهد هجرة جماعية لكنها ستقتصر على أوساط النخبة والناشطين، الذين قد يمارسوا الضغط على فيسبوك للتراجع عن خطوته، قبل أن يزيد "وإن كنت لا أظن ذلك".

وبالتالي لا يتوقع هيثم سعد أن يحدث نزيف داخل شركة واتساب بسبب فقدان عدد المستخدمين.

تحدث الخبير عن إشكالية "الأمان"، وقال إن الشروط الجديدة قد لا تدفع إدارة الشركة إلى اختراق أجهزة المستخدمين وسحب بياناتهم، لكن التحديث الجديد يسمح له بقراءة أوسع لسلوكيات المستخدم والتي تمثل بالنسبة له معلومات يبيعها للمعلنين.

ويرى المتحدث للاستقلال، أن فيسبوك سيفعّل الإعلانات على محادثات واتساب قريبا، كما يحدث على الصفحة الرئيسة على الموقع الأزرق. 

لكن متخصص الإعلام الجديد، هيثم سعد، لفت إلى أن التحديث الجديد لواتساب يسمح للأنظمة المستبدة باختراق هواتف المستخدمين عبر تطبيق واتساب، الذي سيلغي الخصوصية.