رغم دعم أميركا وفرنسا.. كيف هزمت جماعات مسلحة جيوش الساحل الإفريقي؟

12

طباعة

مشاركة

تكاد جيوش مالي والنيجر وبوركينا فاسو تفقد السيطرة على منطقة الحدود الثلاثة المشتركة، أمام تنامي نشاط الجماعات المسلحة، وإخفاق الجيش الفرنسي في استعادة الأمن بمنطقة الساحل الإفريقي.

فمع مطلع عام 2021، وقعت مجزرتان كبيرتان في كل من مالي والنيجر، راح ضحيتهما أكثر من 200 شخص، خلال يومين فقط.

في 2 يناير/كانون الثاني 2021، قتلت مجموعة مسلحة يُعتقد أنها تابعة لتنظيم الدولة في الصحراء الكبرى، 100 شخص في قريتين بمنطقة تيلابيري غربي النيجر، بمنطقة الحدود الثلاثة.

وفي اليوم التالي، قتل أكثر من 100 شخص كانوا في حفل زفاف وسط مالي، إثر غارة جوية يعتقد أنها فرنسية.

هذا الوضع الأمني الهش في منطقة الساحل يدعو للتساؤل عن سبب عجز جيوش الساحل المدعومة فرنسيا وأميركيا على مواجهة التنظيمات المسلحة؟

حرب بلا قاع

تقول الصحفية إليز فنسنت، في جريدة لوموند الفرنسية، إن باريس "تفكر بشكل أكثر جدية في بدء خروج قواتها البالغ قوامها 5100 جندي في منطقة الساحل، من حرب بدأت خلال 8 سنوات، تبدو وكأنها بئر بلا قاع".

وهذا ما أشارت إليه وزيرة الدفاع الفرنسي فلورنس بارلي، في مقابلة مع صحيفة "لو باريزيان" المحلية، في 4 يناير/كانون الثاني 2021، إن فرنسا ستخفض "على الأرجح" عدد قواتها في منطقة الساحل كجزء من عملية برخان (لمكافحة التمرد منذ 1 أغسطس/آب 2014، وتتألف من 3000 إلى 4500 جندي فرنسي).

وخلال زيارته لبلدة هومبوري بمالي، نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن رئيس أركان الجيوش الفرنسية الجنرال فرانسوا لوكوانتر، أن بلاده تفكر "بجدية" في سحب قواتها من منطقة الساحل الإفريقي.

وحول طرق هذا الانسحاب المحتمل، قال لوكوانتر، في مقابلة مع صحيفة لوموند: "لا أعرف بأي وتيرة، ولا تحت أي إجراءات سيحدث هذا التطور، لكنه سيكون مستداما".

وحسب موقع "فرنس24"، فإن فرنسا ستعيد قريبا 600 جندي منتشرين في منطقة الساحل، منذ عام، كجزء من "عملية برخان".

فيما يعتبر المحلل السياسي خطاب أبو دياب، في حديث مع إذاعة "مونتي كارلو" الفرنسية، أن "هناك استنزافا للقوات الفرنسية" في منطقة الساحل.

ويضيف أن "فرنسا تدخلت في 2013 بمالي لمنع سقوط الحكم في يد التنظيمات المتشددة، والتي انطلقت نحو العاصمة باماكو".

واختصر أبو دياب، الوضع الأمني الحالي في منطقة الساحل، بأنه "مأزق يتنقل في مالي ودول الجوار".

بينما يرى رئيس المركز الأوروبي للدراسات ومكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد، في حديث مع مونتي كارلو، أن "حجم الإرهاب الموجود في منطقة الساحل أكبر من قدرة القوات الفرنسية والأوروبية والإفريقية".

ويشير جاسم، إلى أن الاتحاد الأوروبي أرسل 650 جنديا إلى منطقة الساحل بالإضافة إلى 1200 عسكري من ألمانيا والمئات من الجنود البريطانيين والدنماركيين.

لكنه يستدرك أن الانخراط الأوروبي في مكافحة الإرهاب بالساحل ضعيف جدا، لأن بعض البرلمانات الأوروبية أثير بداخلها جدل من بعض الأحزاب حول جدوى إرسال قوات بلدانها إلى المنطقة.

قلة التمويل

في يناير 2013، أطلقت فرنسا عملية "سيرفال" ضد الجماعات الإرهابية شمال مالي، وفي 2014، حلّت عملية "برخان" محلّها بهدف تقديم "دعم أوسع من القوات الفرنسيّة لدول المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل"، حسب موقع الدبلوماسية الفرنسية.

وفي 2017، أعلن رؤساء بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد بصفة رسمية، في باماكو، تشكيل القوة المشتركة العابرة للحدود، المشكّلة من 5 آلاف جندي وضابط والمقسمة على 7 كتائب وثلاث مناطق (غرب، وسط، شرق).

والتزم المؤتمر المعنيّ بتمويل القوة المشتركة التابعة للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، في 2018، بجمع مساهمات مالية دولية بقيمة 414 مليون يورو، وفق موقع الدبلوماسية الفرنسية.

لكن المحلل السياسي دياب أبو خطاب، يلفت إلى أن السعودية وعدت بدفع 100 مليون دولار للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل "إلا أنها لم تفِ بذلك".

مجلة "جون أفريك" الفرنسية، من جهتها، أوضحت أن نقص تمويل المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، دفعت الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز إلى سحب الفريق حننا ولد سيدي من قيادة قوة المجموعة. 

ففي 21 يوليو/تموز 2019، قال الرئيس ولد عبد العزيز، قبل انتهاء ولايته الرئاسية الثانية: "لقد طلبنا 560 مليون يورو للبدء، و130 مليونا سنويا للعمل، لكننا لم نتلق شيئا حتى الآن".

تشاد، من جهتها، رفضت إرسال كتيبة وعدت بها في إطار القوة المشتركة لمجموعة الخمسة ساحل، بعد مقتل 92 من جنودها، في مارس/ آذار 2020، في اشتباكات مع مسلحي جماعة بوكو حرام، في منطقة بوما بإقليم بحيرة تشاد.

وخلال إشرافه على تطهير بوما من عناصر بوكو حرام في أبريل/نيسان من ذات العام، قال الرئيس التشادي إدريس ديبي: "يموت جنودنا من أجل بحيرة تشاد والساحل. اعتباراً من اليوم لن يشارك أي جندي تشادي في عملية عسكرية خارج تشاد".

ورغم أن الجيش التشادي أعلن أنه قضى على عنصر من بوكو حرام غربي البلاد، مقابل خسارته لـ52 من جنوده، إلا أن ذلك يعني نجاح التنظيمات الإرهابية الناشطة في المنطقة من إخراج أقوى جيش بين دول الساحل الخمسة من ميدان المعركة، بحسب مراقبين.

فانسحاب تشاد من القوة المشتركة لمجموعة الخمسة ساحل، وتراجع موريتانيا عن قيادة القوة، وقرار فرنسا الانسحاب تدريجيا من مستنقع الصحراء الكبرى، يضع الثقل الرئيس للمعركة على عاتق كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو التي تمتلك أضعف الجيوش.

قوات متواضعة

باستثناء تشاد التي تملك أكثر من 30 ألف عسكري و35 طائرة و60 دبابة و372 مدرعة، وتحتل المرتبة 14 بين 35 دولة إفريقية، بحسب مؤشر "غلوبال فاير باور" الأميركي، فإن بقية دول الساحل أضعف من ذلك بكثير.

فالجيش المالي الذي يحتل المرتبة 17 إفريقيا، لا يتعدى قوام جيشه 10 آلاف عسكري، مزود بـ29 طائرة و80 دبابة و248 مدرعة.

أما بوركينا فاسو فتحتل المرتبة 18 إفريقيا، بجيش قوامه 11.5 آلاف عسكري، و16 طائرة و248 مدرعة وبدون أي دبابة.

ويعد جيش النيجر، من أضعف الجيوش في المنطقة ويحتل المرتبة 20 إفريقيا، إذ لا يتجاوز عدد جنوده 5300 عنصر، ويمتلك 16 طائرة و248 مدرعة وبدون دبابات.

وفي المرتبة الأخيرة بين دول الساحل، يأتي الجيش الموريتاني، في ترتيب لا يليق بسمعته، خاصة بعد أن هزم تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب، ما بين 2008 و2010، فمنذ 2011 لم تتعرض البلاد إلى أي هجوم إرهابي.

ويبلغ قوام الجيش الموريتاني 16 ألف مقاتل، ويملك 28 طائرة و35 دبابة و95 مدرعة، بالإضافة إلى 5 قطع بحرية، باعتباره الوحيد بين دول الساحل الذي يطل على البحر (المحيط الأطلسي).

بالمقابل، لا توجد إحصاءات دقيقة حول حجم القوة التي تملكها الجماعات الإرهابية الناشطة في منطقتي الساحل وغرب إفريقيا، لكن مؤشر الإرهاب العالمي يقدرها بالآلاف.

فجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المقربة من القاعدة، والتي تعتبر ائتلافا لأربع مجموعات مسلحة، تتمثل في: القاعدة ببلاد المغرب، وكتيبة المرابطين، وأنصار الدين، وجماعة ماسينا، تتمركز في شمال مالي بمناطق الطوارق وأيضا بوسط مالي حول منطقة موبتي معقل قبائل الفولاني، وعناصرها يقدرون بنحو 2000.

أخطر جماعة في الساحل تتمثل في تنظيم الدولة بالصحراء الكبرى، وعدد عناصره غير معروف، لكن مراقبين يعتقدون أن المئات وربما الآلاف من عناصر تنظيم الدولة في ليبيا انضموا إليهم بعد انهيارهم نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016.

ويتمركز تنظيم الدولة الصحراء في منطقة الحدود الثلاثة المشتركة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ويتهم بأنه وراء إحدى أكبر المجازر المرتكبة في غرب النيجر، مطلع 2021.

بوكو حرام، ويقدر عدد عناصرها، بحسب مؤشر الإرهاب العالمي بنحو 2000 عنصر، وتنشط في شمال شرق نيجيريا، لكن ذلك لم يمنعها من استهداف دول الساحل وخاصة النيجر وتشاد.

"تنظيم الدولة" غرب إفريقيا، ويبلغ تعداده نحو 5 آلاف عنصر، ويتمركز أيضا في شمال شرق نيجيريا، ويستهدف دول المطلة على بحيرة تشاد مثل الكاميرون وبنين وتشاد والنيجر. 

ومجموع هذه الجماعات الإرهابية لا يقل عن 10 آلاف مسلح، أي ما يعادل ضعف تعداد جيش النيجر، وما يوازي قوات مالي وبوركينا فاسو، وثلثي قوات موريتانيا وثلث جيش تشاد، ما يجعل تهديد هذه الجماعات لدول الساحل وجوديا.

وتشكل كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو نقطة الضعف الرئيسة في المنطقة، بحسب مراقبين، وعدم دعمها بالتدريب والسلاح، قد يؤدي إلى انهيار هذه الدول، وقيام إمارة لتنظيم الدولة والقاعدة، على غرار ما كان عليه الحال في العراق وسوريا.