مؤسسات أمنية رفعت دعاوى.. هكذا يلاحق المغرب مواطنيه في المهجر
في سابقة هي الأولى من نوعها، تقدمت 3 مؤسسات أمنية في المغرب بشكوى أمام النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية في "الرباط"، ضد "أشخاص يقيمون خارج المملكة"، بتهمة "التشهير".
عقب ذلك، تحدثت وسائل إعلام محلية أنها موجهة بحق مواطنين معارضين ينتقدون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، "سوء تعامل" المؤسسات الأمنية والسياسية، مما "خدش صورتها" وأحرجها أمام المراقبين الحقوقيين في الداخل والخارج.
وشهدت هذه المنصات الإلكترونية خلال الفترة الأخيرة، بث مقاطع مصورة تنتقد المؤسسات الأمنية وطريقة تعاملها مع شخصيات حقوقية، وجدت مصيرها في أقبية السجون وردهات المحاكم، وآخرهم الحقوقي والمؤرخ "المعطي منجب".
ديكتاتورية وقمع
في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020، تقدمت 3 أجهزة أمنية، الشرطة والمخابرات و"مكافحة التجسس"، بشكاية قضائية ضد أشخاص يقطنون خارج المملكة، تتعلق بـ"إهانة موظفين عموميين أثناء مزاولة مهامهم، وإهانة هیئات منظمة والوشاية الكاذبة والتبليغ عن جرائم وهمية، وبث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة والتشهير".
وحسب البيان المشترك للمؤسسات الثلاث، فإن "هذه الشكاية تأتي في إطار ممارسة حق التقاضي المكفول لها، وفي نطاق تفعيل مبدأ حماية الدولة المكفول لموظفي الأمن جراء الاعتداءات اللفظية التي تطالهم".
ولم يشر البيان الصادر إلى أسماء محددة، إلا أن مصادر إعلامية كشفت أن الأمر يتعلق بالصحفي السابق في التلفزيون الرسمي الموجود بفرنسا، "راضي الليلي"، والصحفية "دنيا فيلالي" المقيمة بالصين، والملاكم "زكرياء المومني" المقيم في فرنسا، واليوتيوبر بأميركا "محمد تحفة".
الصحفية "فيلالي" في مقطع مصور وردا على ورود اسمها، قالت: "لا أعرف أين يتجهون بهذه الديكتاتورية والقمع، باعتباري مواطنة من حقي أن أعبر وانتقد بالأدلة بعض أجهزة الدولة والمسؤولين الذين يستخلصون رواتبهم من جيوبنا".
وأضافت: "سأواصل -في احترام للقوانين- انتقادي للمؤسسات والمسؤولين بهدف رفع مستوى معيشة المواطنين، رغم أن أي مواطن يطالب بحقه يتم ترهيبه بالقضاء وإحضاره من بلاد المهجر مع الأسف".
وشددت فيلالي: "فيديوهاتي لا تتضمن أي تشهير أو سب أو شتم، بل مجرد ملاحظات وانتقادات لما يحصل، احترموا الشعب المغربي، وأقول للأجهزة الأمنية، وخاصة عبد اللطيف الحموشي (المدير العام للأمن الوطني)، لماذا لا تتابع المواقع التي شهّرت بشخصي وعائلتي".
وفي تصريح لصحيفة "الاستقلال"، قال الحقوقي المغربي، عبد الله المودن: "على غرار الأفراد الذين من حقهم أن يلجؤوا إلى القضاء عندما يطالهم التشهير، يمكن كذلك للمؤسسات أن تمارس حقها في اللجوء إلى القضاء عندما ترى أنها استهدفت أو ترى أن هناك أفعالا ارتكبت في حقها وتقع تحت طائلة القانون".
واستدرك: "لكن سلوك هذه المؤسسات الأمنية في ظل النسق السياسي والقانوني والاجتماعي المعروف بتبوئها مكانة وصورة تقديسية، وأيضا وجود نوع من التضخم في المشهد الإداري السلطوي، يُطرح السؤال حول مبدأ حرية التعبير المكفولة للناس تجاه من يمارس السلطة".
وأيضا "التمييز ما بين حرية الأفراد في التعبير عن رضاهم أو عدم رضاهم على أداء هذه المؤسسات كيفما كانت، وبين حرية الناس في التعبير وما يعد تشهيرا يقع تحت طائلة القانون، وبالتالي بين التشهير والتعبير خط حساس يجب أن يكون القضاء دقيقا في الحسم بينها"، وفق المودن.
وتساءل "هل عندنا قضاء مستقل بالدرجة التي يمكنه أن يفصل بين مؤسسة أمنية أو استخباراتية، وبين مواطنين سواء كانوا داخل المغرب أو خارجه، عبروا عن آرائهم سواء كانت تقع تحت طائلة القانون أم لا".
وأجاب: "هذا امتحان حقيقي لاستقلالية القضاء، ونحن نعرف أن هذا السؤال لا زال مطروحا بشدة في المغرب خصوصا بعد مجموعة من المحاكمات التي طالت ناشطين وصحفيين. نعم في كثير من هذه القضايا طُرح سؤال استقلالية القضاء بإلحاح".
وضمن هذا السياق، قال المودن "في حال أقدمت هذه المؤسسات على متابعة هؤلاء الأشخاص، هل سيكون القضاء مستقلا بالقدر الذي يمكن أن ينصف الطرفين بنص الدستور والاحتكام للقانون وحده وليس إلى تخومه وتفسيره على هوى الحاكم".
استدعاء الإنتربول
وتعليقا على هذا الجدل، قال الخبير في القانون الجنائي عبد اللطيف أوعمو: "شكاية الأجهزة الأمنية تدخل في إطار الحق العام لكل متضرر من تصرف يحمل أوصافا جنائية، أن يلجأ إلى القضاء، سواء كان المشتكى به داخل التراب الوطني أو خارجه".
واعتبر أن "الشكاية جاءت لكون هذه المؤسسات كانت ضحية اعتداء بتصرفات يعاقب عليها القانون، فوضعت شكاية لدى السلطات القضائية بالرباط، وربما قد يتم فتح تحقيق في الموضوع، وطلب إلقاء القبض وتسلم المتهمين من الدول الموجودين فيها، حسب العلاقات معها".
وأوضح "أوعمو" في تصريح لصحيفة "أخبار اليوم" (خاصة) أن "التطور الحاصل في العالم حاليا هو أن الأفعال الإجرامية لم تعد تحدها الحدود، حيث صار المواطنون يلجؤون إلى دول خارجية لرفع الدعاوى ووضع الشكايات ضد رجال نافذين في السلطة ببلادهم".
واستشهد "بما حصل في قضية المدير العام للأمن الوطني، "الحموشي" والذي كان على وشك إلقاء القبض عليه على خلفية شكاية (في فرنسا عام 2014)، وهي قضايا ترفع في محاكم مختلفة كبلجيكا بالخصوص، وإسبانيا وفرنسا وغيرها من الدول التي تتوفر على قانون يسمح بهذا النوع من الإجراءات".
وأضاف الخبير القانوني أنه "قد تصدر السلطات القضائية أمرا دوليا لإيقاف المتهمين، والإنتربول قد يتدخل أيضا، لكونه يتوفر على هامش من الملاءمة والتقدير في مثل هذه القضايا، حسب الدرجات ونظام الأمن الدولي في مجال تعقب المجرمين، وهو يخضع إلى معايير خاصة، لا يكفي وضع الشكاية فقط لتفعيله".
وتابع أوعمو: "أما بالنسبة للعلاقات الثنائية بين الدول فتخضع للاتفاقيات المبرمة بين الطرفين، مذكرا بالاتفاقية القضائية بين الرباط وباريس، والتي يستطيع المغرب بموجبها المطالبة بتسليمه المشتكى به الذي ارتكب جريمة ما، وهذا لا يتم في إطار الإنتربول وإنما في إطار العلاقات الثنائية".
الصحفية "فيلالي" استغربت من إقحام "الإنتروبول" في "شكاية" المؤسسات الأمنية، قائلة: "ما نقوم به يكون بوجه واضح ومكشوف، عن وطن نأمل في إصلاح أعطابه، أما الحديث عن الإنتربول فهو يخيّل للناس أننا نقوم بأعمال إرهابية وهذا لا يستقيم".
وأوضحت "هناك صفقات اقتصادية من تحت الطاولة لمسؤولين مغاربة تورطوا في ملفات فساد، ويحاولون تغطية ذلك بالقول: إن هناك مذكرة بحث دولية لإعادة هؤلاء الأشخاص لبلدهم، وبترهيبنا حتى نتوقف عن فضح هذه الملفات".
من جهته، انتقد الملاكم السابق، المومني، بشدة، المدير العام للأمن الحموشي قائلا: "الكل رأى مسرحية الحموشي، الجلاد الذي شاهدته بعيني في غرفة التعذيب حين تم توقيفي سابقا في المغرب، والقضاء الفرنسي تابعه على ذلك".
وأضاف في مقطع مصور أن "الحموشي متابع من طرف الإنتربول ولولا تدخل العاهل المغربي محمد السادس لكان الآن في السجن، لكن ثقافة الإفلات من العقاب يجب ألا تكون سائدة في بلدنا، لأننا نحبه ولسنا بأعداء الوطن، وما يدفعنا لكشف العورات إلا أملا في إصلاحها".
وفي 20 فبراير/شباط 2014، طلب "أمنيون فرنسيون" -وفق أمر قضائي- الاستماع إلى "الحموشي" الذي كان في زيارة لفرنسا، إثر شكاوى ضده بتهمة التعذيب رفعها 4 مغاربة يحملون الجنسية الفرنسية، بينهم البطل العالمي "المومني"، لكن مباحثات بين مسؤولي البلدين فتحت المجال لعودة "الحموشي" إلى المغرب دون توقيفه، حسب صحف محلية.
معاقبة الخصوم
المحامي "عبد اللطيف أوعمو" كان واضحا في تفسير خيوط هذا الملف بالقول إن "مؤسسات الدولة حين تقرر التحرك بهذا الشكل، فإنها تسخّر موقعها في مواجهة شخص يخالفها الرأي، وهو ما يؤدي إلى تعبئة أدواتها كالنيابة العامة وأجهزة الشرطة وعلاقاتها مع أجهزة خارجية، من أجل إلقاء القبض ومحاكمة ومعاقبة خصومها".
وأضاف: "هذه التحركات جاءت في سياق دولي مرتبط بالوحدة الترابية (إقليم الصحراء)، فعندما يأتي شخص ويهاجم المغرب، بالطبع لن يتقبل المواطن العادي الأمر، وبالتالي الدولة مطالبة أن تحمي المكتسبات لأنها تتعلق بالمغاربة بأكملهم"، معتبرا أن الأشخاص الذين وجهت ضدهم الشكاية "هم مرتزقة لأنهم تعدوا حدود المعقول".
هذه المكتسبات، هي إعلان الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" اعتراف بلاده بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة "البوليساريو" في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، واستئناف الرباط علاقتها الرسمية مع إسرائيل التي بدأت عام 1993، وتم تجميدها في 2002.
فيما "المرتزقة" الذين يقصدهم "أوعمو"، بحسب مراقبين، فهم الأسماء الأربعة وأبرزهم، الصحفي المغربي "راضي الليلي" المقيم في فرنسا، الذي ينحدر من إقليم الصحراء، وأحد أبرز الوجوه البارزة التي انتقدت القرار الأميركي بمغربية الصحراء، واعتبر هذه الخطوة "احتلالا"، فيما أعرب مسؤولون مغاربة عن انزعاجهم من تصريحات "الليلي".
من جانبه، قال "محمد السكتاوي" الناشط الحقوقي وعضو منظمة العفو الدولية: "أي مواطن أو مؤسسة لها الحق في اللجوء إلى التقاضي في شأن ما تعدُّه مساسا بكرامتها أو بشرف مهنتها، وهو حق يضمنه الدستور للجميع".
واستدرك قائلا: "لكن ما يجب أن يكون هو المأسسة لدولة الحق والقانون وأن يصبح القانون بأحكامه يسري على الجميع بدون انتقائية، متمنيا أن يكون للقضاء استقلاليته، وأن يصير أداة فصل في النزاعات وقضايا حقوق الإنسان، وأن يساهم الجميع في بناء دولة الحق والقانون".
ودعا "السكتاوي"، في تصريح لـ"أخبار اليوم"، إلى عدم تحويل القضاء إلى "أسلوب لتصفية بعض القضايا التي تكون ذات طابع يتعلق بحرية الرأي وممارسة الحقوق، مفصلا أنه إذا كان الشخص يعبر عن رأيه دون تحريض على العنف، ودون المساس بالنظام العام، فمن حقه أن يمارس بكل حرية ما يراه وما يقتنع به".
وختم "السكتاوي" تصريحه بالقول: "إذا كان هناك تقدير آخر من طرف أية مؤسسة أنها مست في حقوقها فلها الحق في اللجوء إلى القضاء في دولة الحق والقانون، على أن تنفصل المؤسسات عن بعضها، أي يكون لكل مؤسسة اعتبارها وقوتها وسلطتها، وعلى هذا المنوال يجب أن يكون للقضاء القول الفصل بحياد واستقلالية تطبيقا للقانون".