تبرئة رجال بوتفليقة.. هل عقدوا صفقة مع النظام الجديد في الجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

عقب 4 أيام فقط من عودة الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" إلى البلاد في 29 ديسمبر/كانون الأول 2020، بعد رحلة علاجية إلى ألمانيا استمرت أسابيع، صدرت أحكام قضائية بتبرئة عدد من رموز النظام السابق.

الأحكام أثارت سخطا شعبيا واسعا، ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبّر ناشطون عن رفضهم لها، وتحدثوا عن عقد "صفقة" بين النظام الجديد ورموز الدولة العميقة، فيما ذهب آخرون إلى اعتبار أن هذه الأحكام تضع نهاية للحراك الشعبي المندلع منذ 22 فبراير/شباط 2019.

تهمة "التآمر"

في 2 يناير/كانون الثاني 2020، أصدرت محكمة الاستئناف العسكرية في البليدة، غرب الجزائر العاصمة، حكما بالبراءة من تهمة "التآمر على الجيش والدولة" بحق كلّ من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ومستشاره الخاص، والمديرين السابقين للاستخبارات، وبشير طرطاق (يعرف أيضا بعثمان طرطاق)، ومحمد مدين الملقب بـ"الجنرال توفيق".

إثر الحكم، أطلقت المحكمة سراح "مدين"، الذي كان يتمتع بنفوذ واسع كرئيس للمخابرات في عهد "بوتفليقة"، فيما نُقل السعيد بوتفليقة وطرطاق إلى سجن "الحراش" المدني، بانتظار محاكمتهما في قضايا أخرى تتعلق بالفساد.

الحكم الجديد ألغى حكما صدر في 10 فبراير/شباط 2020، كان يؤيد الأحكام الابتدائية القاضية بالسجن 15 عاما بحق "بوتفليقة ومدين وطرطاق"، الذين كانوا يشكلون رؤوس النظام القديم في الجزائر، وكان اعتقالهم حينها ضربة من قيادة الجيش لأعمدة النظام.

ووفق تصريحات لقائد الجيش الراحل "أحمد قايد صالح"، فإن توقيفهم كان بعد إحباط مخطط لهم كان يهدف لتنحية قائد الجيش خلال الاحتجاجات الشعبية، وتنصيب رئيس انتقالي للبلاد وحل البرلمان.

لكن المتهمين ودفاعهم طالما نفوا خلال جلسات المحاكمة هذه التهم، واعتبروها "سياسية وبدون أدلة قطعية تدينهم".

ونفى الجنرال "توفيق"، تماما مشاركته في التآمر على الجيش، خلال اللقاء الشهير الذي جمعه بشقيق الرئيس وزعيمة حزب العمال "لويزة حنون"، الذي تم على أساسه تكييف التهم.

جرى هذا اللقاء تحديدا في 27 آذار /مارس 2019، أي قبل 6 أيام من استقالة الرئيس "بوتفليقة"، بحيث اتهم من حضروا الاجتماع بمحاولة تنفيذ "مؤامرة" لإزاحة رئيس أركان الجيش من منصبه، بعد أن دعا الأخير إلى إعلان شغور منصب الرئيس.

ولم ينف الرجل القوي في النظام سابقا، أنه عرض خلال اللقاء فكرة تسيير المرحلة الانتقالية على الرئيس الأسبق "اليمين زروال"، في حين قال إنه لم يكن يهدف للإطاحة برئيس أركان الجيش.

وقال الجنرال "توفيق" للقاضي، إن حضوره الاجتماع مع السعيد بوتفليقة، "كان بدافع محاولة إنقاذ البلاد في تلك الفترة مثل أي مواطن حريص على بلده".

"رائحة صفقة"

بعد وفاة "قايد صالح"، في 23 ديسمبر/كانون الأول 2019، الذي اعتُبر الحاكم الفعلي للبلاد في الفترة بين استقالة "بوتفليقة" وانتخاب الرئيس "عبد المجيد تبون" في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، توقع المحامون بأن تتغير "المعطيات" ويعيد القضاء النظر في "الأحكام القاسية".

وأفادت صحيفة "الوطن" المحلية، المقربة من مصادر القرار، بأن اللواء المتقاعد، خالد نزار، عاد إلى الجزائر يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، تزامنا مع صدور أحكام البراءة بحق الرموز الثلاثة.

السرعة التي أعيدت بها المحاكمة، خلافا لما تعرفه هذه القضايا عادة، جعل  بعض المراقبين يستقرؤون في هذه التطورات مؤشرا لافتا على وجود تسويات على مستوى هرم السلطة، للسماح بعودة وجوه من منظومة الحكم القديمة.

ورأى ناشطون، أن النظام لم يتغير، بل شهد نوعا من التجاذبات الداخلية فقط بين أجنحته، فيما ذهب آخرون إلى القول إنها "العهدة الخامسة" لبوتفليقة، فقط الوجوه التي تغيرت. 

ويميل بعض المراقبين، حسب صحيفة "لوبوان" الفرنسية، إلى تحليل أحكام البراءة هذه في ضوء "الأوقات السياسية الجديدة"، على حد تعبير أحدهم، بما في ذلك داخل الجيش، في 3 نقاط.

يعود السبب الأول إلى 5 يوليو/تموز 2020، عندما دعا رئيس أركان الجيش الجديد "سعيد شنقريحة"، الجنرال السابق "حسين بن حديد"، إلى احتفالات عيد الاستقلال.

"حسين بن حديد" قضى عدة أشهر في السجن بتهمة "النيل من الروح المعنوية للجيش"، قبل أن تتم تبرئته في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. واهتمام الجيش برعايته في فرنسا: "نوع من إعادة تأهيل هذا الضابط القوي".

الدليل الثاني، عودة وزير الدفاع السابق "خالد نزار" من منفاه الاخيتاري في إسبانيا إلى الجزائر على متن طائرة رئاسية، بعد أن كان هاربا منذ يوليو/تموز 2019، من حكم بالسجن 20 عاما بتهمة "التآمر".

كما تشير معلومات إلى إسقاط المحكمة تهمة "زعزعة استقرار الجيش" عن الجنرال السابق "علي غديري"، المسجون منذ يونيو/حزيران 2019. (في انتظار الحكم) والذي أراد الترشح للانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان 2019.

موازين قوى

أحد مؤسسي حركة "عزم" الشبابية المنظمة للحراك في الجزائر، الدكتور "حمزة حسام"، قال: إن الأحكام الصادرة مؤخرا "مرتبطة بصفقة، لكن ليس مع الجميع، بل تحديدا مع الجنرال توفيق، الذي يعتبر الوحيد الذي تم إطلاق سراحه، في حين حُوّل طرطاق والسعيد إلى سجن الحراش المدني باعتبارهما متابعين في قضايا أخرى مدنية".

وأفاد المحلل السياسي في حديث مع "الاستقلال"، أن الصفقة مع الجنرال "توفيق" تمت بالنظر إلى متغيرين أساسيين، أولهما هو تغير قيادة الجيش والرئاسة، فالقيادة العسكرية السابقة الممثلة في القايد "صالح المعروف" كان معروفا عدائها الشديد لـ"توفيق" وتياره داخل الجهاز العسكري والأمني والاستخباراتي.

يرى "حمزة" أن تغير هذه القيادات العسكرية، أدى إلى تغير طريقة التعامل مع الجنرالات الموقوفين وأنصارهم، وهو ما اتضح منذ إطلاق سراح رجل الأعمال "يسعد ربرات"، الذي كان يحسب على الجنرال "توفيق".

وذهب المتحدث إلى المؤشر الثاني، قائلا، إن الجنرال طيلة 25 سنة كان قائدا لجهاز الأمن والاستعلام، وقبلها قائدا لجهاز الأمن العسكري، وبالتالي فحجم الملفات والمعلومات التي يحوزها، وإطلاعه على كيفية سير شؤون الدولة وعلاقاته الخارجية، وأيضا مع عدة أطراف سياسية، تعطيه نوعا من القوة والأفضلية، قد تكون الطبقة الحاكمة والجيش نفسه والرئاسة بحاجة إليها.

في المقابل، هذا لا ينفي وجود غلبة لتيار جديد، بحسب حسام حمزة، "التيار الذي هُزم خلال الحراك وفي عهد أحمد قايد صالح، وهو الآن يعود بقوة إلى الواجهة بقياداته وتوجهاته في كل المؤسسات المدنية وحتى العسكرية".

لا يعتقد "حمزة" أن غياب "تبون" لفترة عن البلاد أثناء العلاج بألمانيا كان له تأثير على هذه القرارات، قائلا: "مثل هذه القرارات لا يمكن أن تأخذ بمعزل عن رئاسة الجمهورية، وبالتالي فمن الضرورة وجود تنسيق، إذ لا يتعلق الأمر بشخص عادي، بل باسم كان يسيطر على جهاز الدولة، وكان مؤسسا لما يسمى بالدولة العميقة".

لم يستبعد المحلل موافقة الرئيس "تبون" أو حتى وجوده في هذه "الصفقة"، والمؤشرات ظهرت منذ أشهر مع الحديث عن إعادة محاكمة "توفيق" وتبرئته، قبل حتى مرض الرئيس.

وذهب المتحدث إلى حد القول: "تلك الأنباء كانت تحضيرا نفسيا للجماهير لقبول مثل هذه القرارات، فالأمر محسوم منذ مدة".