لم تتعاف من الحروب السابقة.. هل تشن إسرائيل عدوانا جديدا على غزة؟

12

طباعة

مشاركة

يثير تصاعد الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة لقطاع غزة وفشل الجهود الأممية المتواصل في تحسين الأوضاع المعيشية لدى نحو مليوني نسمة، احتمالات حدوث انفجار وشيك قد يتطور إلى عدوان رابع.

كان آخر تلك الاستهدافات في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حيث شنت طائرات ومدفعية الاحتلال الإسرائيلي غارات على مواقع للمقاومة الفلسطينية، عقب إطلاق الأخيرة صاروخين تجاه الأراضي المحتلة.

وسقط أحد الصاروخين على أحياء تقع جنوبي مدينة تل أبيب التي تعتبر من محرمات الأمن الإسرائيلي كونها المركز الحيوي الأكبر في إسرائيل.

على صفيح ساخن

تنطلق نذر الحرب من ممارسة إسرائيل سياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، الذي بات يعيش ظروفا اقتصادية واجتماعية وأمنية غاية في الصعوبة. 

بحسب آخر إحصاءات نشرتها وزارة التنمية الاجتماعية في غزة، فإن 33,8 بالمئة يعيشون تحت خط الفقر المدقع، كما بلغت نسبة البطالة قرابة الـ 49 بالمئة بعدد عاطلين عن العمل بلغ 203.2 آلاف فرد، وهو ما جعل المساعدات الدولية مصدر دخل أساسي لعدد كبير من السكان، في حين يواصل الاحتلال فرض الحصار المشدد على قطاع غزة منذ 14 عاما.

ودفعت الظروف الإنسانية المأساوية فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة لإمهال الاحتلال شهرين منذ سبتمبر/أيلول 2020 لرفع الحصار وتنفيذ التفاهمات الأخيرة التي تم التوصل لها في مارس/ آذار عام 2019 برعاية قطرية ومصرية.

نصت التفاهمات على تخفيف الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إليها، وإقامة منطقتين صناعيتين، بجانب تسهيلات في الجانب الصحي كإدخال المساعدات الطبية، وحل أزمة الكهرباء، وغيرها من التسهيلات المعيشية، إضافة إلى وقف المضايقات التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين.

وقد أدى تفجر الأوضاع الأمنية الناجم عن تدهور الأوضاع الاقتصادية نتاج عدم وفاء إسرائيل بتطبيق التفاهمات غير المباشرة مع فصائل المقاومة إلى اندلاع جولات تصعيد تخللها غارات شنها جيش الاحتلال قوبلت بإطلاق المقاومة الصواريخ على العمق الإسرائيلي والتي كان آخرها في منتصف نوفمبر / تشرين الثاني. 

وحسب مراقبين، فقد باتت الأوضاع الراهنة مهيأة تماما للاشتعال وهي ذات الظروف التي سبقت عدوان عام 2014 على غزة، والتي تواصلت على مدى 51 يوما، وخلفت  2300 شهيد وإصابة 10 آلاف آخرين، ومقتل 72 إسرائيليا جلهم من الجنود الذين دخلوا القطاع و720 جريحا آخر، حسب ما أقر به الاحتلال الإسرائيلي.

إسرائيل تحت الضغط

عجزت إسرائيل في الحرب الأخيرة عام 2014 بأن تخرج بصورة المنتصر، خصوصا بعد توجيه المقاومة الفلسطينية ضربات مؤلمة أضرت بصورة جيشها التي سوقت له على مدار سنين بأنه "لا يهزم".

وظهر جنودها في الحرب الأخيرة يفرون من أمام مقاتلي كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أثناء اقتحامهم مواقع إسرائيلية متاخمة لقطاع غزة، وهو ما قد يبرر التردد في اتخاذ قرار الحرب.

وإلى جانب هذه الحرب، شنت إسرائيل عدوانين آخرين في 2008 و2012 على قطاع غزة، وقالت تقديرات إسرائيلية: إنها جميعها لم تنجح في تحقيق أهدافها بردع المقاومة الفلسطينية.

وقد يدفع الضغط الشعبي الكبير في "تل أبيب" الناتج عن استمرار سقوط الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للتحرك لوقف التصعيد في الجبهة الجنوبية إما باتفاق يفضي لرفع الحصار وهو ما يرفضه باعتباره رضوخا لمنظمات يطلق عليها "ارهابية" وإما بشن عدوان يفضي لعدة أعوام من الهدوء.

وفي الوقت الذي تتواصل فيه الاحتجاجات الجماهيرية في أرجاء إسرائيل المطالبة باستقالة نتنياهو بسبب تورطه في قضايا الفساد وفشله في مواجهة تبعات تفشي وباء كورونا وما نجم عن ذلك من تدهور الأوضاع الاقتصادية وتعاظم مستويات البطالة، فإن هذا الواقع قد يحول أي تصعيد مع المقاومة إلى مواجهة شاملة.

وينبع هذا الرأي من اعتبار أن رئيس الوزراء الإسرائيلي غير معني بتوفير مسوغات لخصومه في الداخل لمهاجمته وانتقاد إدارته للدولة.

فقد هاجم الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلي الإسرائيلي “الشاباك”، كرمي غيلون في يوليو / تموز 2020، نتنياهو قائلا: “إنه شخص جبان ولا يتخذ قرارات حاسمة في جميع الأوضاع، مثل التعامل مع حماس، على الرغم من أن الجميع يضغط عليه من أجل تجريد غزة من السلاح، ولكنه يخاف من اتخاذ قرارات صعبة"، على حد قوله.

وقد أدت هذه الانتقادات إلى إصدار نتنياهو في الخامس عشر من نوفمبر / تشرين الثاني 2020 تهديدات بشن عمل عسكري، قائلا: "أحذر المنظمات الإرهابية في غزة ألا يمتحنونا. لن أفصح عن تفاصيل خطتنا العسكرية، فثمن استمرار العدوان سيكون باهظا جدا"، وفق تعبيره.

وفي ذات الوقت هدد وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس قطاع غزة قائلا: "لدينا العديد من الخطط العسكرية للدفاع عن سكان الجنوب، وإذا ما تواصلت أعمال المساس بسيادتنا والإضرار بأمننا، فإن حركة حماس وسكان غزة سيواجهون هذه الخطط قريبا وعن قرب، أنصحهم بعدم فعل ذلك".

بيئة مناسبة

بدوره، يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور صالح النعامي: إنه في حال لم يحدث تحسن وتحول جذري للأوضاع المعيشية في قطاع غزة، فإن هذا سيوفر بيئة مناسبة لانفجار الأوضاع الأمنية مجددا، وهو ما قد يدفع لمواجهة عسكرية شاملة، خصوصا أن القطاع لم يعد يحتمل مزيدا من الحصار والضغط.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": أن "الظروف الاقتصادية والإنسانية في غزة ستتحكم بقرار الحرب وهي التي ستحدد ما إذا كنا سنعيش جولة جديدة من القتال أم لا".

 وأكد النعامي أن اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في نوفمبر /تشرين الثاني، سيؤثر في القرار الإسرائيلي المحتمل بشن الهجوم، حيث يتخوف الاحتلال من تصعيد محتمل في الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني وإيران وهو ما لا يجعل غزة أولوية ملحة حاليا.

من جانبه، قال المحلل السياسي زكريا أبو سليسل: إن "الجميع يدرك أن قطاع غزة ينتظر حربا كبيرة مع الاحتلال الإسرائيلي وأن المعركة القادمة ستكون مختلفة تماما عن سابقاتها، خصوصا بعد انهيار معادلة الردع التي ادعى الجيش الإسرائيلي أنه بناها بعد الحرب الأخيرة".

وتوقع في حديث لـ "الاستقلال"  أن  تتسم الحرب بدموية أكبر من الجانب الإسرائيلي الذي سيحاول إلحاق أكبر ضرر بالمقاومة الفلسطينية وكذلك بالمدنيين والمرافق المدنية في محاولة لصياغة معادلة ردع جديدة تحقق هدوءا لأطول مدة ممكنة، وأن نتنياهو سيعمل جاهدا على الخروج بصورة المنتصر منها.

ويمثل قرار الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي في الأول من ديسمبر/كانون الأول، حل نفسه وإجراء انتخابات مبكرة، يرجح أن تنظم في مارس/آذار القادم بيئة مناسبة للتصعيد ضد قطاع غزة.

ينبع ذلك من أن الأحزاب التي تشكل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم ستكون أكثر حساسية لأي عمل عسكري ينطلق من القطاع، مثل إطلاق الصواريخ وحتى إطلاق البالونات الحارقة، مما يعزز فرص التصعيد.

التطبيع يشجع إسرائيل 

ويبدو الظرف الإقليمي الراهن في نظر دولة الاحتلال مثاليا لشن الحرب على قطاع غزة، بعد تطبيع دول عربية جديدة كالإمارات والبحرين والسودان، التي قد تكسب هذه المرة تأييدا عربيا إضافيا، بزيادة الأنظمة الموالية والمساندة لها.

ومن المتوقع أيضا أن تدعم الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع الدول العربية المطبعة الاقتصاد الإسرائيلي الذي يتضرر بشكل هائل جراء الحروب مع غزة. 

وحتى في نظر النخب الإسرائيلية، فإن الظروف الإقليمية السائدة، لا سيما في أعقاب التوقيع على اتفاقات التطبيع مع كل من الإمارات والبحرين والسودان، والتي أطلق عليها اتفاقات "أبراهام" توفر بيئة مناسبة لإسرائيل لخوض تصعيد ضد المقاومة في قطاع غزة. 

فبحسب "المركز اليروشلمي لدراسة المجتمع والدولة"، ومركز تفكير يميني إسرائيلي وثيق الصلة بدوائر الحكم في تل أبيب، يديره مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق دوري غولد، فإن اتفاقات التطبيع تعزز من قدرة إسرائيل على مواجهة التحديات التي تمثلها المقاومة في قطاع غزة من خلال التعاون الوثيق بين تل أبيب وتحديدا مع دولة الإمارات.

ووفق تقرير أعده المستشرق الإسرائيلي يوني بن مناحيم  في 26 أغسطس/ آب 2020 فإن حركة حماس في قطاع غزة تعد إحدى الجهات التي يستهدفها التعاون الأمني القائم منذ وقت طويل بين إسرائيل والإمارات.

وأضاف بن مناحيم قائلا: "الإمارات ترتبط بعلاقات أمنية وثيقة بإسرائيل وتشن حربا منذ سنين طويلة على حركة حماس".

وعسكريا، من المتوقع أن تثمر جهود النظام الإماراتي المساند لإسرائيل، في منع وصول السلاح لحركات المقاومة في غزة عبر القاعدة العسكرية المصرية (برنيس)، والتي كشفت تقارير صحافية أنها وضعت في طريق التهريب من إيران إلى القطاع.

وهذه الخطوة من شأنها أن تؤثر على الإمدادات العسكرية الإيرانية، وترسانة السلاح المستورد كالصواريخ الموجهة المضادة للدروع.