من تكنوقراط إلى حزبية.. هل ينجح المشيشي في تعديل حكومة تونس؟
على الرغم من توليها ملف إدارة شؤون البلاد منذ أقل من 3 أشهر، فإن حكومة هشام المشيشي تواجه موجة من الانتقادات من قبل عدد من النواب من مختلف الكتل، في حين عبّر آخرون عن دعوتهم لإدخال تعديلات على الحكومة من أجل تدعيم موقفها السياسي.
ولا تزال الحكومة التي رفعت شعار الاستقلالية منذ تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيّد لرئيسها بعد استقالة رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ، متهمة بتحولها إلى حكومة حزبية من قبل تحالف ثلاثي يضم أحزاب النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة.
وهذه الأحزاب هي التي منحت الثقة للحكومة في البرلمان، ولا يزال يعتمد عليها رئيس الحكومة التونسية في تمرير قوانينه والمصادقة عليها في مجلس نواب الشعب.
إلا أن هذه الأحزاب ترى أيضا أن بقاء الحكومة، باعتمادها فقط في تركيبتها على شخصيات مستقلة، يبقيها ضعيفة وغير قادرة على معالجة الوضع المتأزم في البلاد والحفاظ على استمراريتها خلال هذه المرحلة.
تحوير منتظر
وعلى إثر ذلك، بادر حزب قلب تونس الذي منحت كتلته النيابية الثقة لحكومة المشيشي في الأول من سبتمبر/ أيلول 2020، إلى التعبير عن تأييده لإدخال تحوير وزاري، يغير شكل الحكومة وطبيعتها، من كفاءات وطنية مستقلة "تكنوقراط" إلى حكومة سياسية تضم كفاءات من داخل الأحزاب.
وصرح رئيس كتلة قلب تونس في البرلمان أسامة الخليفي لوسائل الإعلام، إثر الجلسة الذي قدم فيها رئيس الحكومة هشام المشيشي بيان حكومته، يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قائلا: إن "التحوير الوزاري، إن تم إقراره من قبل المشيشي، يجب أن يكون بعد تقييم أداء وزرائه والتشاور مع الأحزاب المكونة للحزام السياسي للحكومة".
وأضاف: أن التحوير يجب أن يضمن تشريك الأحزاب والكفاءات الحزبية أو القريبة من الأحزاب لتطبيق برنامج واضح "وقلب تونس متمسك بتطبيق برنامج واضح"، بحسب تعبيره.
ولم تكن الأطراف السياسية المساندة لها الآن مؤيدة لفكرة تشكيل حكومة مستقلة بعد استقالة حكومة الفخفاخ، وكانت تحبذ المشاركة بوزراء من أحزابها في هذه الحكومة، إلا أن اختيار رئيس الجمهورية لشخصية من خارج مقترحات الأحزاب جعل من هذا الأمر مستحيلا.
وبعد مرور قرابة 3 أشهر على منح الثقة لها، تبدو حكومة المشيشي في امتحان عسير بمناسبة نقاش الميزانية المحدد بآجال دستورية لا يمكن تجاوزها.
حكومة الكفاءات غير المتحزبة، التي رفع رئيس الجمهورية دعمه لها قبل أن تنال ثقة البرلمان، لم تعلن أي من الأحزاب التي دعمتها تبنيها، بالإضافة إلى إعلان كتلة ائتلاف الكرامة سحب دعمها لها وتصويتها ضد مشروع الميزانية التكميلي للعام 2020، وضد مشروع ميزانية العام 2021.
كما أظهر كثير من أعضاء الحكومة ضعفا واضحا في أدائهم، وهو ما عبّر عنه النواب من مختلف الانتماءات عنه في جلسات نقاش ميزانيات الوزراء.
هذا بالإضافة إلى وقوع إقالات في وقت مبكر من عمر الحكومة كما حصل مع وزير الثقافة، وتوتر علاقة بعض الوزراء مع موظفيهم على غرار الأزمة المتفاقمة بين وزارة العدل والقضاة الذين يواصلون إضرابهم منذ يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى اليوم.
وقال المحلل السياسي التونسي الحبيب بوعجيلة: "توجد اليوم دعوات لإنجاز حوار وطني كبير من أجل الخروج من الأزمة السياسية، ويبدو أنها لا تمثل حلا لها، ولكن أعتقد أن الأمر يتطلب حلولا مستعجلة وخاصة من قبل القوى السياسية في مراكز السلطة الأساسية في البلاد".
وتابع لـ"الاستقلال": "ففي باردو (البرلمان) يجب تشكيل جبهة قوية تتوسع نحو حكومة وحدة وطنية وعلى الأقل في اتجاه حكومة سياسية تحمل برنامجا واضحا وتحضى بحزام سياسي قوي".
وأضاف بوعجيلة: أن "المشيشي يجب أن يحسم أمره في اتجاه حكومة سياسية بمن أراد المشاركة فيها، وببرنامج واضح لإصلاحات عاجلة، كما على رئيس الجمهورية أيضا أن يحسم أمره نهائيا ويظهر أنه رئيس لكل التونسيين وضامن لوحدة الدولة ويدفع في اتجاه أن تقوم الحكومة بدورها، وأن يدفع البرلمان لاستكمال مهامه المؤجلة".
التمسك بالاستقلالية
في الوقت نفسه، ترى كتل برلمانية ضرورة إحداث تعديلات في تركيبة الحكومة وسد الشغورات فيها ولكن دون المس باستقلاليتها باعتبارها شرطا من شروط مساندتهم لها.
ودافع رئيس كتلة الإصلاح بمجلس نواب الشعب حسونة الناصفي عن توجه حكومة المشيشي، معتبرا بيانه الخاص بمشروع قانون المالية، خطابا واقعيا لا يحتوي لا مغالطات ولا وعودا زائفة.
ودعا إلى عدم تحميل الحكومة مسؤولية كل ما يحدث في الدولة من وضعية كارثية أو احتجاحات في ظل الأزمة السياسية، معتبرا أن المسؤولية مشتركة وتتطلب تغليب المصلحة الوطنية.
وأضاف الناصفي في تصريح للصحفيين يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على هامش جلسات البرلمان لنقاش الميزانية: أن كتلته "ترفض الانخراط في مساندة أي تحوير وزاري يحول هذه الحكومة إلى سياسية أو حزبية".
وبيّن أن الكتلة لا تعارض القيام بتحوير وزاري فمن حق رئيس الحكومة تقييم وزرائه وإدخال تحوير على حكومته، ولكن يجب المحافظة على مبدأ حكومة كفاءات مستقلة عن الأحزاب والتي على أساس ذلك تم منحها الثقة في البرلمان، وفق قوله.
هذا الموقف الذي عبرت عنه كتلة الإصلاح (10 نواب)، يقترب من موقف مشابه لكتلة تحيا تونس (15 نائبا)، والتي أكد النائب عنها وليد جلاد يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وجود حديث في الكواليس يتعلق بإجراء تحوير وزاري خلال أسبوعين.
ودعا في مداخلته خلال الجلسة العامة المخصصة للنظر في مشروع قانون المالية، رئيس الحكومة إلى الانتباه وضرورة مصارحة الشعب التونسي، مبينا أنه وقع في منزلة بين المنزلتين، إما إجراء تحوير وزاري وتتحول الحكومة إلى حكومة أحزاب أو أن تكون فوق الأحزاب.
ومع تصلب مواقف حزبي حركة الشعب والتيار الديمقراطي واستمرار الحزب الدستوري الحر على نفس المواقف بعدم دعم أي حكومة تضم الإسلاميين، يبدو أن رهان المشيشي على البرلمان من أجل تمرير أي تعديل حكومي بات صعبا.
خاصة أن التحالف البرلماني الذي يضم النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، فشل مؤخرا في تمرير تعديلات على المرسوم عدد 116 الخاص بتنظيم قطاع الإعلام، وهو الذي يعتبر أول اختبار لهم بعد منح الثقة لحكومة المشيشي.
ويرى عدد من المتابعين للشأن التونسي أن خيار التحوير يبقى ممكنا في صورة مراجعة بعض الكتل لمواقفها، خاصة وأن حركة تحيا تونس والتي يترأسها رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد أصبحت تشارك في الاجتماعات التشاورية الخاصة بالأحزاب المساندة لحكومة المشيشي.
كما لا يزال عدد كبير من المسؤولين المحسوبين على الحكومة يضطلعون بمهام سياسية على المستوى المركزي والمناطقي لم يتم تغييرهم منذ مغادرة يوسف الشاهد لمنصبه نهاية شهر فبراير /شباط 2020.
المصادر
- تعيش تونس منذ أيام على ضوء نقاش ميزانية البلاد للعام 2021 ، في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة وتصاعد احتجاجات في عدد من المناطق اتخذت في بعض الأحيان أساليب جديدة وصلت إلى حد وقف الإنتاج في مناطق صناعية جنوب البلاد . وتلقت حكومة هشام المشيشي على الرغم من مسكها لملف إدارة شؤون البلاد منذ أقل من 3 أشهر ، لموجة من الانتقادات من قبل عدد من النواب من مختلف الكتل ، في حين عبّر آخرون عن دعوتهم لإدخال تعديلات على الحكومة من أجل تدعيم حزامها السياسي . ولاتزال الحكومة التي رفعت شعار الاستقلالية منذ تكليف رئي
- حكومة المشيشي في امتحان الميزانية.. إمّا الإصلاح .. وإمّا الانصراف..
- الخليفي: هذا المطلوب من المشيشي إذا قرّر تحويرا وزاريّا... (فيديو)
- موقف متباينة حول تعديل وزاري منتظر