رغم أنه يضع نهاية لمأساة اليمن.. كيف أفشلت الإمارات "اتفاق الرياض"؟

12

طباعة

مشاركة

في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقعت حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، بمبادرة السعودية، "اتفاق الرياض"؛ لإنهاء فترة عدم الاستقرار التي استمرت أكثر من 5 سنوات، غير أن الاتفاق "ظل حبرا على الورق"، بسبب الإمارات.

ونشر مركز "دراسات الشرق الأوسط" التركي (أورسام) مقالا للكاتبين أحمد دوغان ونوربانو أكجان قالا فيه: "كان الهدف من اتفاق الرياض الموقع بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي، إنهاء فترة عدم الاستقرار التي استمرت لأربع سنوات منذ تدخل التحالف العربي عام 2015 وبدء مرحلة جديدة".

ونص الاتفاق على سلسلة من التعديلات فيما يتعلق بالسياسة والاقتصاد والأمن والقضايا العسكرية، ومع ذلك، "يبدو أنه لم يتم اتخاذ أي خطوات ملموسة لضمان السلام والاستقرار في اليمن في المجالات المطلوبة مع أنه قد مر عام على توقيع الاتفاق"، وفق الكاتبين.

ويُعتقد أن السياسة التي تتبعها الإمارات في اليمن لها دور كبير في ذلك بشكل خاص، بالإضافة إلى أنه يمكن القول: إن هناك عوامل داخلية وخارجية أخرى لها تأثير في إعاقة تنفيذ الاتفاق.

واستدرك الكاتبان: "لكن وقبل مناقشة هذه الأمور، من المفيد الاطلاع على ما نص عليه اتفاق الرياض والتطورات المتعلقة بالاتفاق خلال العام الماضي".

أهداف الاتفاقية

يتضمن "اتفاق الرياض"، الموقع في 5 نوفمبر 2019، نتيجة مفاوضات طويلة، على 20 بندا تفصيليا في المجالات المذكورة سابقا.

وقد ذُكرت العديد من القضايا في الاتفاق، مثل عودة حكومة هادي إلى عدن، الذي استولى عليها المجلس الانتقالي الجنوبي في 10 أغسطس/آب 2019، وتشكيل حكومة سياسية، وإلحاق جميع التنظيمات العسكرية بوزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وتبادل الأطراف للأسرى.

وكان من المتوقع أيضا في هذا الإطار، تشكيل حكومة خلال 30 يوما على الأكثر بعد توقيع الاتفاق سياسيا بشكل رسمي، وتسليم 12 وزارة إلى "الانتقالي" والوزارات الـ 12 الأخرى إلى حكومة هادي في الحكومة التي تضم 24 وزارة.

وأيضا تعيين الرئيس هادي لمدير أمن بعدن في غضون 15 يوما، وتعيين محافظ لكل من مدينتي أبين والضالع خلال 30 يوما، وتفعيل الدوائر الحكومية.

كما كان من المخطط أن يتم تحصيل جميع إيرادات اليمن، بما في ذلك عائدات النفط والضرائب والجمارك، في البنك المركزي في عدن، وإعادة تشكيل هيئة مكافحة الفساد وإعادة هيكلة المجلس الاقتصادي الأعلى.

وعسكريا، كان التصور أن تتحد القوات الحكومية وتشكيلات "الانتقالي" تحت إشراف وزارة الدفاع وأن يتم تنظيم الوحدات العسكرية لجميع المحافظات في الجنوب. 

وكما يمكن فهمه من البنود، كان من المتصور تنفيذ الاتفاق بسرعة، "لكن يمكن أن نرى في وضعنا الحالي أن الأطراف فشلت في تنفيذها"، بحسب المعهد التركي.

وفي التقييمات التي تم إجراؤها حول الاتفاق، كانت هناك تعليقات تقول بأن "الانتقالي" اكتسب أرضية شرعية في اليمن باتفاق الرياض وأنه عزز ـ بشكل غير مباشرـ قوة الإمارات الداعمة لها (للانتقالي). ولهذا، فإن الإمارات حققت انتصارا سياسيا في اليمن، بحسب الكاتبين التركيين.

عقبات مختلفة

واعتبر دوغان وأكجان أنه "على الرغم من أن جهات فاعلة مختلفة وجهت دعوات لتنفيذ الاتفاق في العام الماضي، ظلت هذه الدعوات دون إجابة بسبب عدم قدرة أطراف الاتفاق المعنيين على إيجاد أرضية مشتركة".

وقد اتخذ المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن، مارتن غريفيث، خطوات في هذا الاتجاه وحاول إقناع الأطراف بالتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.

ورغم حديث وسائل الإعلام من حين لآخر، عن اتفاق الطرفين على وقف إطلاق النار في اليمن، إلا أن عدم الامتثال لقرارات وقف النار هذه، شكل عقبة كبيرة أمام بدء العملية السياسية.

ولفت الكاتبان إلى أنه "عند هذه النقطة يجب التركيز على موقف المجلس الانتقالي البعيد عن التسوية، حيث أدى التأكيد المتكرر من قبل المجلس على ضرورة فصل جنوب اليمن عن شماله إلى خلق شعور بأن الانتقالي ليس صادقا بشأن تنفيذ اتفاق الرياض".

وبعبارة أخرى، يمكن القول: إن "إصرار المجلس على هذا الموقف غير القابل للتوفيق والإصلاح يرتبط ارتباطا وثيقا بسياسة الإمارات في المنطقة".

وفي الواقع، وكحقيقة يكررها الخبراء الذين يتابعون المنطقة، ترغب الإمارات في إقامة نظام في اليمن وفقا لمصالحها من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي، بحسب الكاتبين.

وشرحا ذلك بالقول: "عند هذه النقطة تبرز الأهمية الجيوسياسية لليمن، وتستخدم الإمارات التي تريد الهيمنة على اليمن؛ لتمتعها بموقع مهم في تجارة الطاقة العالمية مثل مضيق باب مندب والبحر الأحمر، المجلس الانتقالي الجنوبي لتحقيق هذه الأهداف".

وأضافا: "يمكن تقييم إعلان المجلس في 26 أبريل/نيسان 2020 لما يسمى بالحكم الذاتي في المحافظات الجنوبية لليمن بهذا الاتجاه".

وأردفا: "مع أن إعلان الحكم الذاتي الصادر عن المجلس الانتقالي قد قوبل بردود فعل من مجموعات عديدة، بما في ذلك المقاطعات الجنوبية، إلا أنه لم يتخل عن الإعلان وأرسل قواته إلى جزيرة سقطرى، التي تقع في نقطة إستراتيجية بسبب موقعها الجغرافي".

وقد لوحظت زيادة الأنشطة في سقطرى بعد موافقة الإمارات على تطبيع العلاقات مع إسرائيل (في 13 أغسطس/آب 2020)، وظهرت تسريبات إعلامية تفيد ببدء إنشاء معسكرين في الجزيرة.

ولهذا يمكن القول: إن الإمارات ترى في الهيكل المجزأ في اليمن بيئة أكثر ملاءمة لمصالحها الخاصة وتريد الحفاظ على هذا الوضع وحتى تعميقه إن أمكن ذلك.

من ناحية أخرى، كانت هناك بعض التطورات بشأن الاتفاقية خلال العام الجاري، فقد بدأت السعودية، التي لم تستطع أن تحقق ما ترغب به في الحرب التي استمرت لسنوات عديدة، بالبحث عن طرق للانسحاب من اليمن دون مزيد من الأضرار؛ بسبب أزمة النفط مع روسيا والأضرار التي سببها فيروس كورونا في المرحلة التي تليها، وفقا للكاتبين.

وأشار الكاتبان التركيان إلى أنه يمكن تقييم الخطة الجديدة التي قدمتها السعودية في 29 يوليو/تموز 2020 إلى أطراف "اتفاق الرياض" للإسراع في تنفيذ الاتفاق، في نفس الاتجاه.

وقد قابل الطرفان، "بشكل إيجابي في البداية"، الخطة التي تقترح وقفا دائما لإطلاق النار بين الأطراف، وتخلي المجلس الانتقالي الجنوبي عن الإدارة المستقلة، وتعيين محافظ ومدير أمن من قبل حكومة هادي في عدن، وتشكيل حكومة تكنوقراطية شاملة خلال 30 يوما تضم جميع الفاعلين السياسيين باليمن، كما جاء في اتفاق الرياض.

ووضحا ذلك قائلين: إن "الانتقالي أعلن تخليه عما يسمى بالحكم الذاتي الذي أعلنه سابقا بعد ذلك، ومباشرة بعد هذا الإعلان، كلف الرئيس هادي، معين عبد الملك بمهمة تشكيل الحكومة وتعيين محافظ ومدير أمن في عدن".

مع هذه التطورات، وبعد أن تجددت الآمال في تنفيذ "اتفاق الرياض" حل التشاؤم من جديد بعد استمرار اعتراض "الانتقالي" وبعض الأحزاب السياسية على القوائم الوزارية وإعاقة الخطوات التي اتخذها عبد الملك لتشكيل حكومة جديدة ومنع مدير الأمن المكلف في عدن من تولي منصبه بأعذار مختلفة.

نزاع جيوسياسي

وذكر دوغان وأكجان أنه "كانت هناك توقعات بحدوث تغييرات جذرية لإنهاء الأزمة في اليمن عندما تم توقيع اتفاق الرياض عام 2019، لكن يمكن أن نرى في هذه المرحلة، أن الاتفاق أصبح مفرغا بلا معنى بسبب عوامل داخلية وخارجية".

وتابعا: "وكمثال على العوامل الداخلية، يمكن أن نذكر أن مطالبة الجهات الفاعلة الرئيسية في الحياة السياسية اليمنية، مثل المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح بتمثيل أوسع، تعطل جهود تشكيل الحكومة في إطار مقترح تشكيل حكومة شاملة في الخطة التي أعدتها السعودية في يوليو 2020".

أما بالنظر إلى العوامل الخارجية، فإن الاختلافات السياسية بين السعودية والإمارات بشأن اليمن تشكل أحد أكبر العوامل التي تمنع التوصل إلى نتيجة مشتركة، برأي الكاتبين التركيين.

في الواقع، بينما تريد السعودية هزيمة "الحوثيين" وجعل حكومة هادي الممثل الوحيد لليمن مرة أخرى، ترى الإمارات أن تقسيم البلاد إلى شمال وجنوب هو السيناريو الأنسب لمصالحها. 

ومن ناحية أخرى، وبينما تعمل إيران على تعميق نفوذها في اليمن من خلال الحوثيين، فإن أولوية الجهات الفاعلة الأخرى، مثل إسرائيل والولايات المتحدة، المهتمين بالمنطقة، هي منع إيران من التأثير في البحر الأحمر ومحيطه، وبالتالي ضمان أمن طرق تجارة الطاقة"، وفق دوغان وأكجان.

ومن وجهة النظر هذه، يمكن القول: إن اليمن على جدول الأعمال الدولي بسبب موقعها الجيوسياسي بدلا من كونها دولة تشهد إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.

وأكد الكاتبان على أن "الفاعلين العالميين لا يمارسون ضغطا كافيا على الأطراف في النزاع من أجل الوصول إلى حل سياسي وإقرار وقف دائم للنار، لذلك، لا يبدو أنه من الممكن حل هذه الأزمة في المستقبل القريب دون إعطاء الأولوية لاحتياجات اليمن واليمنيين".

وخلص دوغان وأكجان في مقالهما إلى أنه: "إذا استمر الأمر على هذا النحو، فيمكن أن نقيم أن اتفاق الرياض سيأخذ مكانه في التاريخ كواحدة من عمليات السلام التي فشلت في تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في البلاد التي استمرت فيها الحرب نحو 10 سنوات".