انتصار السيسي.. كيف حاولت المخابرات رسم صورتها في مخيلة المصريين؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة منذ وصول زوجها للحكم قبل نحو 6 أعوام، تظهر السيدة انتصار عامر، زوجة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، في لقاء إعلامي مطول، للحديث عن حياتها الأسرية، وذكرياتها مع زوجها وأبنائها، باعتبارها ربة منزل مصرية بسيطة ومتواضعة.

ورغم الصورة غير المتكلفة التي حاولت السيدة انتصار أن ترسمها أمام الجمهور وتحفرها في مخيلة الشعب، إلا أن غالبية المصريين لم ينسوا حديث المال والثروة وحياة البذخ والترف التي تحياها زوجة الرئيس الانقلابي، والتي كشف عنها المقاول المصري محمد علي في ظهوره قبل نحو عامين، ما تسبب في موجة غضب عارمة وخروج مظاهرات مثلت حرجا بالغا لرأس النظام.

كسر التابوه

من خلال قناة "dmc" التابعة لجهاز المخابرات، خرجت السيدة انتصار عامر، حرم السيسي، لتخاطب المصريين في حوار مفتوح مع الإعلامية والفنانة إسعاد يونس.

تحدثت انتصار السيسي عن دراستها في كلية التجارة، وبداية التعارف والزواج من السيسي، قائلة: "بعد ما اتجوزنا كنت أنا خلصت الكلية وهو مكنش عنده وقت لشهر العسل خالص، واتجوزنا يوم الخميس وكان يوم الأحد في الشغل".

ثم تحدثت عن مآثر زوجها وما وصفته بـ "حنيته" و"طيبة قلبه" وعن طبيعة المأكولات والأشياء المحببة له ولأولاده، مثل سائر الأسر المصرية.

حديث انتصار لم يمر بسهولة، فتساءل ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، عن قيمة المجوهرات التي ترتديها السيدة "انتصار السيسي"، في وقت يعيش فيه قطاع عريض من المصريين تحت خط الفقر والعوز.

فيما تساءل البعض، أين تتموضع انتصار السيسي مقارنة بزوجات حكام مصر السابقين؟ هل فشلت أن تكون سيدة مجتمع ضاربة في أعماق السياسة مثل جيهان السادات وسوزان مبارك، فاتجهت إلى دور تحية عبد الناصر كربة منزل تختفي عن الأنظار، لتلعب دورا ما في جوانب أخرى؟.

هل انتصار السيسي، ربة منزل مصرية بالفعل، جاءت من الطبقة الوسطى لتكون السيدة الأولى؟ أم أنها زوجة جنرال انقلابي صعدت معه تحت سطوة السلطة والنفوذ إلى أعلى هرم الثراء داخل الدولة المصرية؟.

 

"الهانم الجديدة"

الفيديو الشهير للمقاول المصري "محمد علي" في سبتمبر/ أيلول 2019، سيظل علامة تأريخ وتوثيق لارتباط اسم انتصار السيسي بملف الاستراحات والقصور الرئاسية، التي كشفت عن سطوتها ونفوذها المباشر، فضلا عن فسادها داخل أجهزة الدولة المصرية.

علي قال: "شركتي وقعت عقد تنفيذ مشروع استراحة رئاسية جديدة (قصر) للسيسي وزوجته انتصار على شاطئ البحر بمنطقة المنتزه بمحافظة الإسكندرية (شمالا) لقضاء عطلة عيد الأضحى فيها، رغم وجود قصر رئاسي على بعد أمتار من هذه الاستراحة".

وأضاف: "انتصار السيسي، رفضت قضاء عطلة العيد في نفس القصر الرئاسي الذي كانت تقضي فيه سوزان مبارك عطلاتها، وأمرت ببناء استراحة رئاسية جديدة بلغت تكلفة إنشائها فقط 250 مليون جنيه، غير ثمن الأرض وتكلفة التأسيس والديكورات، ثم طلبت تعديلات بلغت تكلفتها 25 مليون جنيه".

مقطع المقاول المصري "محمد علي" لم يكن أول حديث عن "انتصار السيسي" وثروتها الطائلة، ففي 24 مارس/ آذار 2017، بحسب تقرير صحيفة القدس العربي، فإن انتصار السيسي، ظهرت في احتفالية بعيد الأم بملابس من ماركات شهيرة.

هالة البنا مديرة مبادرة الرئاسة 2018، التي دعا لها العالم المصري المعارض عصام حجي، علقت على الصورة قائلة: الجاكيت الذي ترتديه انتصار السيسي ماركة "شانيل" يقدر سعره على الأقل بـ7 آلاف دولار، فيما يبلغ سعر مجمل قطع الألماظ التي ترتديها حرم الرئيس من ماركة "شوبار" و"كارتيير" على الأقل 750 ألف دولار.

وأضافت: "كل ذلك ونحن فقراء جدا جدا!، وهذا الكلام على عهدتي، داعية أصدقاءها والنشطاء لإعادة نشر تلك المعلومات لفضح النظام".

وفي 6 سبتمبر/ أيلول 2017، انتقد رواد مواقع التواصل انتصار السيسي لارتداء ساعة ثمينة، وحملها حقيبة وحلي ثمينة في مؤتمر "بريكس"، وتردد وقتها أن سعر حقيبة قرينة السيسي، من ماركة "جوتشي" العالمية يبلغ 1500 دولار (الدولار يساوي نحو 16 جنيها مصريا)، حسب الموقع الرسمي لماركة جوتشي.

المظاهر الباذخة لحياة "انتصار السيسي" أعطتها لقب "الهانم الجديدة" في أذهان المصريين، وذلك إشارة لـ "سوزان مبارك" التي كانت تلقب بـ "الهانم" بسبب ثروتها الطائلة، وهو ما ظهر في قضايا الفساد التي لاحقت عائلة مبارك عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

 

تحية وانتصار

عندما انزوت انتصار السيسي عن الحياة العامة في البداية كانت جامعة للمتناقضات بين العزوف عن الظهور وجمع الثروة، حتى شبهها البعض بتحية عبد الناصر، زوجة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

فكلتاهما (تحية وانتصار) كانتا على مسافة من الانخراط في تفاصيل السياسة ومعاركها التي لا تنتهي، مع الحرص على صورة "ربة المنزل" المصرية الأصيلة التي ترعى زوجها وعائلتها وتلبي الاحتياجات الأساسية للبيت.

لكن انتصار السيسي انكسرت صورتها تلك وهي في ذروة حكم زوجها بعد فيديوهات محمد علي، الذي كشف جزءا من اهتمامها بحياة البذخ والقصور، ثم المجوهرات والزينة باهظة الثمن.

أما تحية عبد الناصر، فكانت ملتزمة بتعليمات الرئيس الذي حرص جاهدا على إبعاد زوجته وأبنائه عن المشهد العام، لكن بعد وفاته نجحوا فى تصدره تماما من خلال عالم الشركات والأموال أو من خلال القضايا التى كان معظمها مرتبطا بالبيزنس.

بعد سنوات من وفاته بدأ الحديث عما عرف بـ"الإمبراطورية الاقتصادية لعائلة عبد الناصر"، مع كشف الكثير عن تفاصيل ثروة وممتلكات جمال عبد الناصر وعائلته ومن ضمنهم زوجته تحية.

ظهر ذلك مع نشر تقرير اللجنة التي تم تكليفها رسميا من قبل الرئيس الراحل  محمد أنور السادات، تحت مسمى "لجنة حصر ممتلكات عبد الناصر عقب وفاته"، وكان  على رأسها سعيد عبد الماجد رئيس النيابة العسكرية وبعضويتها قامات رفيعة المستوى من ديوان رئاسة الجمهورية.

وتبين امتلاكهم للآتي: (فيلتان بشارع أحمد جوهر خلف قصر البارون بشارع العروبة بالقاهرة - 4 شاليهات بالعجمي في محافظة الإسكندرية - 4 شقق باسبورتنج بكورنيش الإسكندرية - 4 تيجان ذات قيمة أثرية عالية مفقودة من أسرة محمد علي ومرصعة بالماس والزمرد ومشغولات ذهبية أثرية للملكة شويكار)، بجانب شهادات استثمار، ووثائق تأمين، امتلكتها عائلة عبد الناصر وزوجته بحسب تقرير لجنة حصر الممتلكات. 

صورة مختلفة

صحفي مصري، تحدث لـ"الاستقلال" قائلا: "الدولة المصرية عانت كثيرا من تدخلات زوجات الرؤساء في السياسة، كما حدث في عهود الرؤساء أنور السادات وحسني مبارك".

الصحفي الذي تحفظ على ذكر اسمه أضاف: "سوزان مبارك لعبت دورا بارزا في شؤون السياسة، الأمر الذي أثر على استقرار الحكم وصورة الرئيس نفسه، وكان نفوذ سوزان مبارك أحد أسباب الغضب الشعبي على زوجها، كذلك رغبتها في توريث الحكم لنجلها جمال، ما تسبب في اندلاع ثورة يناير".

وتابع: "شكل الدولة المصرية اختلف بعد مبارك، حاول السيسي تجنب الصور السابقة، باعتباره عهدا جديدا مختلفا، فقام بتنحية زوجته السيدة انتصار عامر عن الظهور بشكل مستمر أو أن يكون لها دور بارز في سياسة الدولة على غرار جيهان السادات وسوزان مبارك".

ووفق المصدر، "السيسي فضل أن تلعب زوجته نفس الدور الذي لعبته تحية عبد الناصر، التي فضلت أن تظهر بصورة ربة البيت المنزوية في خدمة زوجها وعائلتها".

وذكر: "لذلك انزعج السيسي بشكل كبير عندما ورد اسم زوجته في المقاطع الشهيرة للمقاول المصري محمد علي، وما يتعلق بثروتها وأموالها، والتعديلات التي طلبتها داخل قصور الدولة والتي كلفت ملايين الجنيهات، ومبعث القلق كان تكسير الصورة التي رسخت في الأذهان خلال السنوات الماضية عن زوجة الرئيس".

وأورد: "من واقع حديث السيدة انتصار قبل أيام، نرصد مدى التشديد على أنها ربة منزل مصرية عادية تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، لإزالة الصورة السلبية المتعلقة بثروتها وما تمتلكه من مجوهرات، وكماليات باهظة الثمن".

واختتم الصحفي المصري حديثه: "الاختلاف بين انتصار السيسي وتحية عبد الناصر، أن الحديث عن ثروة أسرة عبد الناصر ظهر بعد سنوات طويلة من رحيلة وفي إطار كسر الهالة المهيبة للزعيم المصري الراحل، ولم يكن للحديث تأثير على نظام الحكم، أما زوجة الرئيس الحالي، فكل حديث عن ثروتها أو تحكماتها يثير القلق، وهو من المحظورات التي لا يتم السماح بها حاليا".