عشرات القتلى.. 4 أسئلة لفهم أسباب ومسار الحرب بإقليم تيغراي الإثيوبي
يتعمق الصراع الدائر في إثيوبيا حول معارضة السلطة في أديس أبابا لجبهة تحرير شعوب تيغراي، ما يشكل سببا للتصدعات السياسية في البلاد.
وتعيش إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، في صراع داخلي شديد الحدة، يتمثل في معارضة السلطة الفيدرالية المركزية المتمركزة في أديس أبابا لقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي المتمركزة بإقليم تيغراي، (TPLF) الذي لديه ميول معارضة.
عن ذلك، تقول صحيفة لوبوان الفرنسية: إن الهجوم العسكري الإثيوبي على منطقة تيغراي هو نتاج لشهور من التوتر بين الحكومة الفيدرالية وزعماء الأقلية التيغارية.
وتذكر الصحيفة أنه لفترة طويلة، كان سكان تيغراي أصحاب السلطة المطلقة في المؤسسات الرسمية في إثيوبيا قبل أن يتم تهميشهم تدريجيا مع وصول الشخص الذي حصل العام الماضي، في 2019 على جائزة نوبل للسلام، في إشارة إلى آبي أحمد رئيس الوزراء.
وهذه العملية التي وصفها الجيش الإثيوبي بـ "الحرب"، تثير مخاوف جدية على استقرار هذا البلد الذي يزيد عدد سكانه عن 100 مليون نسمة.
وشهدت منطقة تيغراي شمال إثيوبيا "مذبحة"، نسبها شهود إلى قوات تدعم "جبهة تحرير شعب تيغراي"، وفق ما كشفته منظمة العفو الدولية، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وجاء في تقرير للمنظمة أن "عشرات، ومن المرجح مئات، من الناس طعنوا أو قطعوا حتى الموت في بلدة" جنوب غرب المنطقة في ليلة 9 نوفمبر/تشرين الثاني.
وقالت منظمة العفو الدولية الخميس: إن عشرات المدنيين قتلوا في "مذبحة" شهدتها منطقة تيغراي بإثيوبيا، نسبها شهود إلى قوات تدعم "جبهة تحرير شعب تيغراي" الحاكمة في الإقليم في ظل نزاعها مع الحكومة الفيدرالية.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد أكد في نفس اليوم أن الجيش "حرر" جزءا من منطقة تيغراي خلال عمليته العسكرية ضد سلطاتها المتمردة والمستمرة منذ 4 نوفمبر/تشرين الثاني.
وتقول لوبوان: إن الوضع على المحك وفهمه بشكل كامل، يتطلب بالضرورة الإجابة على عدة أسئلة.
ماذا يحدث؟
تقول لوبوان: إنه على الرغم من التعتيم التام على العمليات العسكرية، ظهرت أولى العلامات على ما يبدو لقتال عنيف بين الجيش الإثيوبي وقوات تيغراي (المكونة من قوة شبه عسكرية ومليشيات).
وحسب ما يقال فإن القتال يتركز في غرب تيغراي بالقرب من الحدود مع منطقة أمهرة.
كما تشير الصحيفة إلى نقل نحو 100 جندي إثيوبي إلى المستشفى مصابين "بطلقات نارية"، وفق ما أفاد طبيب من أمهرة لوكالة فرانس برس يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني.
بدورها، شنت القوات الجوية الإثيوبية عدة غارات منذ بداية الصراع دون معرفة أهدافها أو عواقبها كما تقول لوبوان.
وتعتبر أن اتجاه القوات الفيدرالية نحو تيغراي عبر أجزاء أخرى من البلاد، هي مناورة تهدف على ما يبدو إلى محاصرة المنطقة.
والسؤال الذي لا يزال بلا إجابة منذ بدء الأعمال العدائية هو: من الذي يُسيطر على القيادة الشمالية للجيش الاتحادي، الواقعة في تيغراي والمزودة بمعدات عسكرية ذات أهمية؟
ما أهمية تيغراي؟
تقع تيغراي في أقصى شمال إثيوبيا، وهي واحدة من الولايات العشر شبه المستقلة التي تشكل الاتحاد الإثيوبي المنظم على أسس عرقية.
يحدها السودان غربا وإريتريا شمالا، وهي موطن بشكل أساسي للتيغراي، الذين يشكلون 6 ٪ من تعداد المواطنين في إثيوبيا.
ومنذ عام 1975، قاد تمرد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي النضال ضد النظام العسكري الماركسي للديكتاتور منغيستو هيلا مريام، الذي سقط في عام 1991، ثم سيطرت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على التحالف الذي ساد من دونه.
تشير الصحيفة إلى هيمنة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على التحالف الذي ساد إثيوبيا حتى أصبح آبي أحمد، الذي ينحدر من أكبر مجموعة عرقية في البلاد، الأورومو، رئيسا للوزراء عام 2018.
وتذكر لوبوان أن التيغراي، الذين احتلوا مكانا رائدا في الجيش الإثيوبي، كانوا أيضا على خط المواجهة في الحرب بين عامي 1998 و2000 ضد إريتريا المجاورة، في إطار الحرب التي اندلعت بشكل خاص بسبب النزاعات الإقليمية.
كما جرى إعلان انتهاء الحرب رسميا في عام 2018، بمبادرة من آبي أحمد، أكسبته جائزة نوبل.
لماذا ساء الوضع؟
ومنذ وصول آبي أحمد، اشتكى قادة تيغراي من تهميشهم تدريجيا لصالح محاكمات فساد أو تغييرات في الأجهزة الأمنية.
وتشير لوبوان إلى أنه "في عام 2019، دخلت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بحكم الواقع في المعارضة برفضها دمج الائتلاف الحاكم في حزب واحد ، حزب الازدهار ، وذلك بطلب من آبي أحمد".
وفي سبتمبر/أيلول 2020، أجرى إقليم تيغراي انتخاباته الخاصة، متحديا الحكومة، التي أجلت جميع الانتخابات بسبب كوفيد-19.
والآن تعتبر أديس أبابا حكومة إقليم تيغراي غير شرعية، والتي بدورها لا تعترف بشرعية رئيس الوزراء، آبي أحمد.
في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، اتهم آبي أحمد جبهة تحرير شعوب تيغراي بتجاوز "الخط الأحمر" من خلال مهاجمة قاعدتين للجيش الفيدرالي في تيغراي، وذلك في إطار تبريره للرد العسكري.
تذكر الصحيفة أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي اتهمت بدورها رئيس الوزراء باختلاق هذه القصة لتبرير تدخله العسكري.
ما العواقب المحتملة؟
تقول الصحيفة: إن عدد قوات تيغراي يقدر بـ 250 ألف رجل، وهو ما يكفي لتأجيج حرب "طويلة وقاتلة"، وفقا لمجموعة الأزمات الدولية (ICG) لمنع الصراع.
وتشير إلى أن آبي أحمد، الذي يطمح للإطاحة بالحكومة الإقليمية، يعد باحتواء الصراع في تيغراي.
وذكرت لوبوان أن منطقة أمهرة، التي لديها نزاعات إقليمية قديمة تتعارض مع إقليم تيغراي، متورطة إلى جانب القوات الفيدرالية.
حسب الصحيفة، تحذر مجموعة الأزمات الدولية من أنه إذا لم يتم وقف الصراع بسرعة، فسيكون "مدمرا"، سواء بالنسبة للبلاد أو لبقية منطقة القرن الإفريقي.
وقد يتأثر جيران إثيوبيا - مثل السودان والصومال وإريتريا وجيبوتي- بالصراع، بما في ذلك تدفق اللاجئين، وقد تميل إريتريا إلى تسوية حسابات قديمة مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وفق تقدير الصحيفة.
في سياق متصل تشير إلى أن الجيش الإثيوبي يلعب أيضا دورا مهما في الصومال، عبر محاربته حركة الشباب.
هذه الحرب تزعج أيضا أجندة الإصلاح الديمقراطي لرئيس الوزراء وجهوده من أجل السلام في المنطقة بشكل عام، على خلفية الانتخابات العامة المقرر إجراؤها عام 2021.
وتقول لوبوان في حديثها عن آبي أحمد: إنه كما هو الحال، "لا يبدو أن هناك شيئا قادرا على دفعه إلى الوراء حيث وعد بداية نوفمبر/تشرين الثاني بأن العملية الحالية للحفاظ على النظام ستكتمل قريبا".