مليشيات إيران حجر عثرة.. ما الذي يمنع السعودية من الاستثمار بالعراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أبدت القوى والمليشيات العراقية الموالية لإيران رفضا شديدا للاستثمارات السعودية المزمع البدء بها قريبا على طول الشريط الحدودي الرابط بين البلدين، ملوحة بمواجهة ما أسمته "استعمارا جديدا" كونه ينطوي على "تداعيات خطيرة" على أمن وسيادة العراق.

الهجمة على المشروع جاءت بالتزامن مع زيارة وفد سعودي إلى بغداد برئاسة وزير البيئة والمياه والزراعة عبد الرحمن الفضلي، التقى خلالها برئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، ضمن لقاءات "مجلس التنسيق السعودي-العراقي" الذي تشكل عام 2017.

الكاظمي قال خلال استقباله الوفد السعودي في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: إن "الفرص الاستثمارية متاحة أمام الشركات السعودية"، مؤكدا "سعي الحكومة إلى تذليل كل العقبات أمام الشركات التي ترغب في الاستثمار في العراق".

وفي ظل الهجمة التي شنتها قوى موالية لإيران، تدور تساؤلات حول ماهية المشروع، وإلى أي مدى يمكن للسعودية المضي في استثمار مساحات واسعة من الأراضي العراقية؟.

تفاصيل المشروع

تتجه السعودية لاستثمار نحو مليون هكتار (10 آلاف كيلومتر مربع) في 5 محافظات عراقية تمتد على شريطها الحدودي، ويطلق عليها بادية العراق وهي: الأنبار، كربلاء، النجف، المثنى، والبصرة.

ويهدف المشروع السعودي إلى تحويل الأراضي العراقية إلى حقول ومزارع لتربية الأبقار والماشية والدواجن، ليكون بذلك أكبر مشروع استثماري زراعي لها بالعراق، مستفيدة بذلك من تجربة مشروع المراعي.

كذلك تسعى السعودية إلى استصلاح هذه الأراضي بزراعة القمح والشعير والأعلاف ومحاصيل أخرى، تعتبر الأقل كلفة في المنطقة بسبب امتلاك العراق أراضي خصبة.

ومن المقرر أن تدشن شركة المراعي السعودية للألبان مشاريع لها بمحافظة الأنبار، على 4 مراحل، الأولى بناء مقر لها، والثانية استصلاح الأراضي، والثالثة للإنتاج، والرابعة للبيع، وكل ذلك يجري خلال 5 سنوات، وتشغل فيها نحو 60 ألف شخص.

المشروع اصطدم بعدد من القوى العراقية الموالية لإيران، فقد دعا ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الجهات الرسمية إلى إيقاف مشروع منح السعودية أراضي للاستثمار في بادية العراق (كربلاء، النجف، المثنى).

وأوضح الائتلاف في بيان أصدره 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن هذا الأمر فيه "تداعيات خطيرة" على أمن وسيادة البلاد، فضلا عن أنه يساهم في الإضرار بمخزون العراق الإستراتيجي من المياه الجوفية.

وأضاف: أن "هذا القرار يثير الكثير من الشكوك والتساؤلات عن أهداف إصداره في هذا الوقت، لا سيما أن هذا المشروع طرح أكثر من مرة في زمن الحكومات السابقة، ورفض لاعتبارات إستراتيجية مائية وأمنية، ولأنه يحمل في طياته الكثير من التجاوز على حقوق العراقيين، ويفتح الباب أمام استعمار جديد تحت عنوان الاستثمار".

تهديدات أمنية

وشدد ائتلاف المالكي على ضرورة "إيقاف رخصة المشروع الذي يمنح السعودية 150 ألف دونم في بادية العراق"، داعيا العشائر الأصيلة وكل القوى الوطنية إلى "رفض المشروع وإيقافه".

قبل ذلك، رفض زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي ما وصفه بمحاولات "النظام السعودي" الاستيلاء على المساحات الكبيرة من أراضي محافظات الأنبار والنجف والمثنى والبصرة، بدعوى الاستثمار، معتبرا أن هذا "المشروع يتزامن مع التطبيع مع إسرائيل".

كما اعتبر الخزعلي في بيان أصدره 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن المشروع فيه تهديدات أمنية "خطيرة للغاية" من قبل نظام له سوابق عديدة في الإضرار بأمن العراق واستقراره، داعيا كل النخب الأكاديمية وشيوخ العشائر والطلبة والقوى السياسية إلى رفض المشروع، الذي وصفه بأنه "خبيث".

عزل العراق

مصدر سياسي عراقي قال لـ"الاستقلال": "إيران وأنصارها وبمقتضى توجهاتهم الفكرية أو انتماءاتهم الفارسية يريدون أن يقطعوا أي علاقة بين العراق ومحيطه العربي والإقليمي إلا مع إيران".

وأضاف المصدر السياسي الذي طلب عدم الكشف عن هويته: أن "كل الحكومات السابقة تبنت فكرة الاستثمار العربي في العراق، لكن الدوائر الخفية تجهضه حتى لو كان المستثمر ليس له بعد سياسي كمسيحي لبناني أو شيعي كويتي".

وخلص إلى أن "إيران وأذرعها لن تسمح بتنفيذ أي مشروع للعرب في الأراضي العراقية حتى لو كان الشعب بأمس الحاجة إليه، والدليل لا يوجد مورد آخر للطاقة غير إيران، رغم عرض السعودية والكويت وغيرهما تقديم طاقة كهربائية مقابل كلفة أقل".

من جهتها، قالت رئيسة الباحثين في منتدى "صنع السياسات بلندن" رنا خالد: "العراق من أهم دول المنطقة، ويمتلك فرصا استثمارية ضخمة، ويمثل الفوز بهذه الاستثمارات مكسبا لأي دولة مثلما يمثل مكسبا للعراق، خاصة إذا كانت هذه الاستثمارات على أساس المنافع المتبادلة والاستثمار العادل الذي يضمن حقوق جميع الأطراف".

وأضافت خلال تصريحات صحفية في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: أن "المشاريع السعودية تتنوع بين صناعية وزراعية، وتشمل عددا من المحافظات العراقية، من أبرزها الأنبار والبصرة والنجف والمثنى".

ولفتت رنا خالد إلى أن "العراق بجميع طوائفه وأطيافه متفق على ألا يخضع مستقبله وثرواته لأي إرادة خارجية، وأن من مصلحته أن يكون أرضا آمنة وجاذبة للاستثمار لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لإخراج البلاد من الفقر والبطالة".

واستدركت: "لكن المليشيات وبعض الأحزاب السياسية تعبر عن وجهة النظر الإيرانية. والاستثمار في العراق يخضع لهيمنة القوى الموالية لطهران، بصرف النظر عن مصالح بغداد".

وتابعت: "هذه القوى تردد خطابات تحريضية لتحريك الرأي العام في العراق، ولا تبالي بمصالح الناس، بل بتنفيذ الدور المطلوب منها وهو إعاقة الأطراف الإقليمية التي تتصارع مع إيران على الهيمنة والنفوذ في المنطقة".

وأشارت رنا خالد إلى أن "المشروعات السعودية لا تشكل تهديدا لتلك المليشيات، فهي ليست كيانات حرة، بل أدوات تستخدمها إيران"، لافتة إلى أن "العراق واقع ضمن محيط السيطرة الإيرانية، وطهران تواصل رسائلها عن أن قرارات التنمية والاستثمار في العراق لا تختلف عن قرارات الأمن والسياسة، كلاهما يخضع لمصالحها وهيمنتها".

"مشروع التقسيم"

وفي سياق آخر، رأى محللون سياسيون أن للسعودية أهدافا أخرى من خلال مشروع الاستثمار في العراق، حيث قال المحلل السياسي العراقي عباس العرداوي: "الاستثمارات السعودية قائمة منذ زمن في العراق بمجال الألبان والإنتاج الصناعي وغيرها من القطاعات".

وأضاف العرداوي خلال تصريحات صحفية في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: "النقطة الأساسية في هذا الجانب هي أن كل الاستثمارات السعودية لم تكن ناضجة وجميعها حولها مؤشرات، حتى أن أغلب التجارة القادمة من السعودية لا تكون فيها تحويلات مالية وهو ما يسمى بتبييض الأموال".

وتابع: "الاستثمارات السعودية الجديدة قائمة على امتلاك أرض في محافظات وأماكن جدا مهمة وحساسة ما بين تنظيم الدولة، والإرهاب والوجود الأميركي وما بين قواتنا الأمنية وهو ما يهدد أمن العراق وسلامته وعند التدقيق بهذه العقود من ناحية جيوستراتيجية نجد بأنها محاولة لتمدد الإقليم السني المطروح أي أنها بنى تحتية لمشروع تقسيم العراق".

وفي المقابل، وجه المحلل السياسي العراقي جمعة العطواني انتقادا لما أسماه "تصديق" الوعود والنوايا السعودية، ويوجه لومه إلى الحكومة والإعلام العراقيين بشأن التعاطي مع المبادرات السعودية، معتبرا أن مثل هذه المبادرات لا تكون إلا ضجة إعلامية، وأن أي عمل للسعودية في العراق حتى الآن هو مضر أو غير نافع.

ورأى العطواني خلال تصريحات صحفية في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أن "السعودية لديها مشاكل أمنية وسياسية ومجتمعية واقتصادية في الداخل، وهي غير قادرة على الاستثمار في العراق أو تقديم أي مساعدة، وبالأساس نحن لا نرغب في مساعداتها".

وحسب العطواني، فإن "السعودية تُنفذ رغبة أميركية، وتُحاول كسب الشارع العراقي بعد سنوات من إرسالها الإرهابيين، لكن حتى محاولات الكسب هذه غير صحيحة، ولا يوجد ملعب، ولا يوجد أي استثمار سعودي في العراق".

وبعد لقاء الكاظمي الوفد السعودي وحثه على تذليل العقبات أمام استثماراتها في العراق، أصدرت وزارة الموارد المائية العراقية بيانا في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أكدت فيه أن "خزين المياه الجوفية المستدام متوفر بكميات قليلة لا تتيح التوسع الهائل للاستثمار الزراعي في العراق".

وأشارت إلى أن الخزين الإستراتيجي هو حصة أجيال المستقبل من ثروة العراق المائية، متابعة أنه خزين حيوي لتلبية احتياجات مياه الشرب في ظروف الجفاف الاستثنائية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشح المياه اللذين يحدثان نتيجة التغييرات المناخية وتزايد عدد السكان.