"إرهابي النمسا" كان مراقبا.. لماذا تقاعست حكومة كورتس عن توقيفه؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في مدينة بورنو على الحدود النمساوية الألمانية وبالقرب من المنزل الذي ولد فيه الزعيم النازي أدولف هتلر، توجد صخرة تاريخية، منقوش عليها "لن تعيش الفاشية مجددا".

لكن أجواء النازية والفاشية تضرب المجتمع النمساوي بسبب ما يتعرض له المسلمون من قمع وتهديد جراء بعض الحوادث الفردية، وجراء سياسة حكومة رئيس الوزراء النمساوي سيباستيان كورتس، المناهضة للمسلمين والمهاجرين تحديدا.

عشية 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وقع هجوم إرهابي في ضواحي العاصمة النمساوية فيينا، خلف 4 قتلى وعشرات المصابين، وتبين أن وراءه أحد عناصر تنظيم الدولة، ويدعى "كوجتيم فيض الله".

فيض الله نمساوي الجنسية، ويحمل أيضا الجنسية المقدونية الشمالية، لكن الأمر المفاجئ أنه كان مرصودا ضمن قرابة 90 شخصية في النمسا تبنوا النهج المتشدد، وحاولوا السفر إلى سوريا للقتال، ما جعلهم محط أنظار المخابرات في النمسا وعموم أوروبا.

صحف محلية حكومية ومعارضة في النمسا، أثارت تساؤلات عن السبب في عدم وقف السلطات هذه الهجمات منذ البداية؟، ولماذا لم يتم توقيف الإرهابي مرتكب المذبحة قبلها بفترة، خاصة وأنه كان مرصودا؟.

هل تحاول حكومة كورتس، تحميل المجتمع الإسلامي والجالية المسلمة مسؤولية العملية، على حساب الإخفاق الكامل في منعها من قبل وزارة الداخلية وأجهزة الأمن؟.

آليات الفشل

كورتس قال في المؤتمر الصحفي، تعقيبا على الحادثة الإرهابية: "عدونا، هو الإرهاب الإسلامي، لأنه لا يريد فقط التسبب في الموت والألم، ولكنه يريد تقسيم مجتمعنا".

وأشارت المعلومات إلى أن المهاجم "كوجتيم فيض الله"، سبق وأن حكم عليه بالسجن 22 شهرا في أبريل/نيسان 2019، لمحاولته التوجه إلى سوريا للانضمام لتنظيم الدولة، لكن تم الإفراج عنه بشكل مبكر. واعترف نيهامر بأنه "لم تكن هناك إشارات تحذيرية بشأن الخطر الذي يمثله منفذ الهجوم".

وزارة الداخلية في مقدونيا  الشمالية (الموطن الأصلي للإرهابي)، أعلنت أن النمسا طلبت معلومات عن منفذ هجوم فيينا حسبما أفادت إذاعة "إيه 1"، في وقت ربطت فيه تقارير بين منفذ الهجوم وبين انتقال حوالي 150 شخصا من مقدونيا الشمالية للقتال في سوريا والعراق، معظمهم من الأقلية المسلمة الألبانية.

ما سبق يعبر بوضوح عن العجز المعلوماتي لوزارة الداخلية النمساوية، بشأن الإرهابي منفذ العملية، رغم التحذيرات الصادرة بشأنه، والحكم بسجنه من قبل وإخضاعه لبرنامج مكافحة التطرف.

صحف محلية مثل "الكورير" النمساوية، أثارت تساؤلات بشأن تمكن فيض الله من الإفلات من متابعة السلطات القضائية المعروف من قبلها، وقد فرضت هذه التساؤلات نفسها غداة انتقادات وجهت إلى نيهامر.

أيديولوجيا متطرفة 

فشل الحكومة النمساوية، والأسئلة المثارة حول سياستها، في التعامل مع الجاليات المسلمة والمهاجرين، بالإضافة إلى عدم قدرتها أو تساهلها في تتبع شخصية متطرفة لها أنشطة سابقة، جاء بالسلب على المجتمع الإسلامي في النمسا، الذي يعاني في الأساس من مضايقات ويخضع لتشديدات ممنهجة من قبل حكومة كورتس. 

رئيس منبر الحوار الإسلامي المسيحي في النمسا، طرفة بغجاتي، قال لموقع "دويتشه فيله" الألماني: "كان هناك رجاء ضمني لدى الجالية المسلمة في النمسا ألا يكون الجاني مسلما، حتى لا يحسب على الإسلام والمسلمين. الصدمة كانت أكبر عندما تم معرفة أنه من مواليد النمسا، الأمر الذي قد يساء استغلاله بأن يكون ذريعة لتحميل مسلمي النمسا مسؤولية هذا العمل الوحشي".

كما عبر عن "وجود قلق من استخدام هذه العملية الوحشية من قبل اليمين المتطرف في النمسا بهدف التجييش ضد المسلمين في البلاد"، إنه: "يجب التصدي للخطاب الشعبوي عبر التضامن مع أهل هذه البلاد التي هي بلادنا". وأردف: أنه "يناشد السلطات ألا يتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجمعيات المسلمة وألا يحملوا المسلمين عبء هذه العملية البشعة". 

من جانبه، قال المدير العام للأمن العام في النمسا، فرانز روف: "المهاجم حاول التوجه إلى أفغانستان في 2018 ، لكنه لم يحصل على التأشيرة فلم يتمكن من الذهاب. الإرهابي توجه إلى تركيا في وقت لاحق من نفس العام، وحاول العبور إلى سوريا، لكن تم توقيفه في تركيا وإعادته إلى النمسا".

ما سبق يؤكد أن الإرهابي كان نشطا للغاية منذ سنوات، واتخذ إجراءات فعلية للعنف، وهو ما رصدته أنقرة، ونجحت في إيقافه وإعادته للنمسا مرة أخرى، فلماذا لم يتم إخضاعه والسيطرة عليه من قبل الحكومة النمساوية؟ التي تتخذ في الأساس منهجا معاديا للمسلمين. 

في 5 سبتمبر/ أيلول 2020، أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أن "الأيديولوجية المشوهة" التي يتبناها حزب رئيس الوزراء النمساوي سيباستيان كورتز، تمثل أكبر تهديد للمبادئ التي يتبناها الاتحاد الأوروبي.

وقال تشاووش أوغلو: "إن هذه السياسة البشعة، القائمة على معاداة الأجانب، والعنصرية، ومعاداة الإسلام، تعبر عن الذهنية المريضة في عصرنا".

نهج الكراهية 

التخوف الذي أظهرته الجالية المسلمة في النمسا، من انعكاسات الحادث الإرهابي، والفشل الحكومي، ليست وليدة اللحظة الآنية، بل هي نتيجة سياسة متطرفة، انتهجها حزب الشعب اليميني الحاكم بقيادة سيباستيان كورتس.

منتصف يوليو/ تموز 2020، شهدت النمسا تدشين "مرصد الإسلام السياسي" المدعوم من قبل الحكومة اليمينية هناك، مستهدفة به مئات الآلاف من أبناء الجالية الإسلامية هناك، ومتجاهلة لأسس التعايش، ووجود المسلمين هناك لفترة طويلة من الزمن.

وهو المرصد الذي يعتبر رأس الحربة التي اعتمدها حزب الشعب اليميني (الحاكم) لمحاربة الجالية الإسلامية الممتدة في طول البلاد وعرضها.

حزب الشعب اليميني، الذي يمثل الطرف الأقوى في الحكومة، برر الخطوة بأن اتفاق تشكيل الحكومة نص في فصل "الأمن الداخلي"، وتحت عنوان "تدابير مكافحة التطرف والإرهاب" على: "إنشاء مركز توثيق مستقل معتمد من الدولة، للتطرف السياسي المدفوع دينيا (الإسلام السياسي)، يتولى مهمة البحث العلمي وتوثيق وإعداد المعلومات حول التطرف السياسي ذي الدوافع الدينية".

كما أشار الحزب الحكام النمساوي الذي يقوده رئيس الوزراء سيباستيان كوريتس إلى أن "الاتفاق كان واضحا، ونص على مكافحة الإسلام السياسي".

ويعزز المركز من سعي كورتس إلى التضييق على المسلمين، وتشديد الرقابة على المساجد والمنظمات الخيرية، ومدارس رياض الأطفال والثانويات وحظر التمويل الخارجي للمنظمات والمراكز الإسلامية العاملة في النمسا، إضافة إلى إغلاق كافة الكيانات التي تتعارض مع القوانين الجديدة التي تستهدف الملتزمين من المسلمين.

ذلك النشاط الذي أظهره كورتس في محاربة الإسلام المعتدل، والمراكز الإسلامية النشطة التي تعمل تحت عين الدولة والحكومة، تسبب في أضرار بالغة بالمسلمين هناك، وعلى العكس كانت الرعونة في تتبع الإرهابيين وأصحاب الأيديولوجيات العنيفة، عاملا آخر في إلحاق الضرر بعموم البلاد.

إفراج مبكر!

عضو الجالية الإسلامية بالنمسا، الدكتور أحمد أبو زياد، قال لـ"الاستقلال": "تم نشر مقال باللغة الألمانية في صحيفة (الكورير) النمساوية به معلومات غريبة عن حادث فيينا الإرهابي، حيث أوردت أن الإرهابي مقدوني الأصل عمره 20 عاما ومعروف لدى قوات الأمن النمساوية بأفكاره المتطرفة وتم الحكم عليه عام 2019 بالسجن لمدة 22 شهرا بسبب محاولته السفر إلى سوريا ليشارك في القتال هناك ولكن تم الإفراج عنه بشكل مبكر قبل انتهاء فترة الحبس!".

وأضاف: "ولهذا السبب يتهم وزير الداخلية وزارة العدل أنها تعرضت للخداع من الإرهابي (جدير بالذكر أن وزيرة العدل النمساوية مسلمة من أصول بوسنية للمرة الأولى في تاريخ النمسا)، ففي صيف 2020 تم رصده من الأمن السلوفاكي وهو يشتري ذخيرة لسلاحه لكنه لم يتمكن من ذلك لعدم حيازته على ترخيص سلاح وبناء على بيان من البوليس السلوفاكي تم إبلاغ جهاز المخابرات الداخلية النمساوي بالأمر". 

وأردف: "رد جهاز الأمن الداخلي النمساوي على هذا الأمر أنهم كانوا يجهزون لحملة لمكافحة الإرهاب تشمل هذا المتطرف فجر يوم الثلاثاء، أي بعد عدة ساعات من وقوع الحادث الإرهابي!". 

وتابع أبوزياد: "وهذا يبرر جاهزية قوات مكافحة الإرهاب والمسماه بالكوبرا هذا اليوم دونا عن باقي الأيام، وهذا السيناريو لا يحمل إلا وجهين، الأول أن أجهزة الأمن النمساوية كانت ترصد المتطرف وتعلم نيته القيام بعمل إرهابي ورغم ذلك تركوه لأسباب غير مفهومة!".

وأضاف: "الثاني أن جهاز المخابرات الداخلية النمساوي مخترق من قبل تنظيم الدولة وتم تحذير الإرهابي فقام بتبكير عمليته قبل اعتقاله بسويعات قليلة، وهذا ما تتساءل عنه الصحيفة النمساوية".

وأردف: "البوليس النمساوي ليلة الحادث كان قد أعلن عن قيام مجموعة من المسلحين بعملية إطلاق نار في 6 أماكن متفرقة بالعاصمة فيينا ما أصاب الناس بحالة ذعر غير مسبوقة وتم تحذير الناس من الخروج من البيوت في اليوم التالي حتى يتم ضبط الإرهابيين الهاربين، وفي اليوم التالي أعلن وزير الداخلية أن الإرهابي واحد وتم قتله بعد 9 دقائق فقط من بداية إطلاق النار".