مقاطعة المنتجات الفرنسية.. كيف مثلت رسالة قوية أرعبت أوروبا؟

12

طباعة

مشاركة

اهتز "الديك الفرنسي" بشدة عندما كشف المسلمون عن غضبتهم وغيرتهم على نبيهم ودينهم، وقرروا مقاطعة المنتجات الفرنسية، ردا على دعم الرئيس إيمانويل ماكرون، للرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول وللإسلام، التي نشرتها مجلة "شارلي إيبدو"، ووضعها فرنسيون فوق مبان حكومية.

ملايين المسلمين عبروا عن غضبهم عبر هاشتاجات "#مقاطعة_المنتجات_الفرنسية"، "#مقاطعة_المنتجات_الفرنسية"، "#ماكرون_يسيء_للنبي"، "#إلا_رسول_الله"، فيما تظاهر الآلاف في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركا أمام السفارات والقنصليات الفرنسية، وفي الوقت الذي تم فيه حرق صور الرئيس والعلم الفرنسي، تبنى المتظاهرون الدعوة للمقاطعة. 

وشهدت إندونيسيا -أكبر دولة إسلامية- وبنجلاديش، وباكستان، أكبر تظاهرات غاضبة هتفت بأن ماكرون "الإرهابي الحقيقي". 

بعض المدن العربية شهدت تظاهرات غير حاشدة دعت لمقاطعة البضائع الفرنسية، فيما تظاهر مصريون داخل أروقة الجامع الأزهر، دون الخروج إلى شوارع القاهرة.

حملة الغضب وصلت العاصمة الفرنسية باريس بمظاهرة حاشدة أمام قصر الإليزيه الرئاسي، علت فيها هتافات "إلا رسول الله يا ماكرون".

ردود الفعل الأقوى من حكام المسلمين قادها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، اللذان وجها انتقادات لاذعة لماكرون. 

أردوغان دعا شعبه إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، وفي 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وصف ماكرون بأنه "بحاجة إلى علاج نفسي"، فيما اتهم خان، ماكرون، بـ"مهاجمة الإسلام"، وبأنه "خلق مزيدا من الاستقطاب والتهميش الذي يؤدي حتما إلى التطرف". 

بعد تبني أردوغان حملة لمقاطعة البضائع الفرنسية، أعلنت باكستان يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، إلغاء صفقة طائرات هليكوبتر"EC725" بقيمة 1.5 مليار دولار مع شركة إيرباص الفرنسية.

تأثير المقاطعة

تقرير لموقع "دويتشه" الألماني باللغة العربية، رصد تأثيرات المقاطعة على المنتجات والبضائع الفرنسية، وعلى استثمارات فرنسا بالدول العربية والإسلامية.

التقرير أشار إلى مخاوف دول أوروبا مما وقعت فيه فرنسا، حيث كشف الموقع الألماني، أن دولا أوروبية مثل بريطانيا بات من الصعب أن تساند موقف ماكرون تجاه المسلمين حتى لا تتعرض لسلاح المقاطعة.

"دويتشه"، لفت أيضا إلى أن الأخطر من تخلي دول أوروبا عن فرنسا -خامس مُصدر في العالم بنسبة 3.1%- في أزمة المقاطعة هو أن هذه الدول تسعى لاستغلال مقاطعة المسلمين للسلع الفرنسية لصالح منتجاتها، وأن تسد الفراغ الذي ترتب على اختفاء السلع الفرنسية من أسواق دول المقاطعة.

الباحث الاقتصادي بالمعهد المغربي لتحليل السياسات رشيد أوراز، لا يعتقد في حديثه لـ"دويتشه"، أن "تدعم دول الاتحاد الأوروبي فرنسا إلى أبعد مدى في هذا الظرف الحساس، بل ستحاول الضغط عليها لوقف كل ما من شأنه التصعيد مع العالم الإسلامي".

وأشار الباحث إلى أن "هذه الدول لديها مصالحها الاقتصادية الخاصة ولن تحاول المغامرة بها، خاصة أن لها طرقا مختلفة تماما عن فرنسا في التعامل مع العالم الإسلامي، بل إن بعضها، قد يستغل أي فراغ يخلفه خروج فرنسا لأجل إيجاد فرص اقتصادية، كبريطانيا".

الموقع الألماني أوضح مدى تأثر فرنسا من المقاطعة خاصة وأنها ثاني مُصدر للمغرب وأول مُستثمر أجنبي بها، وثاني مُصدر للجزائر، السوق الأول للقمح الفرنسي، والأولى إفريقيا لدى شركات فرنسا، وأن باريس المستثمر الأجنبي الأول بتونس بحوالي 35%، والثامن بقائمة موردي السعودية بحوالي 3.8%، بينما الإمارات خامس زبون لفرنسا بالشرق الأوسط.

ولفت "دويتشه"، إلى مفارقة من قبيل أنه رغم التوتر بين ماكرون وأردوغان، فإن تركيا تعد الزبون الخامس خارج الاتحاد الأوروبي بالنسبة لفرنسا، كما تأتي أنقرة في المركز 12 لموردي فرنسا.

تحذير أوروبي

لكن وعلى خلاف التقرير الاقتصادي لدويتشه، فإن "أوبزيرفر"، الإنجليزية قدمت عرضا لما تحمله المقاطعة العربية والإسلامية من تأثير سياسي على أوروبا.

"أوبزيرفر" كتبت مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تحت عنوان "ماكرون فتح جبهة لا تُغلق مع العالم الإسلامي"، قائلة: إن "خطاب ماكرون كان استعلائيا، وهو ما يفسر غضب بعض قادة الدول الإسلامية للطريقة الفوقية التي وصف فيها ماكرون الإسلام، بأنه "يعاني من أزمة في العالم".

 وأشارت الصحيفة إلى أن خطاب ماكرون ضد الإسلام مثل سعادة لحزب التجمع الوطني في فرنسا، وأحزاب اليمين المتطرف في إيطاليا وألمانيا المعادية للإسلام والمهاجرين.

الصحيفة، أضافت: أن النزاع بين أردوغان وماكرون، "لا يفسر غضب العالم الإسلامي، النابع من فزع غالبية لا تحرض على العنف، من العداء الأوروبي المتأصل للإسلام والتمييز العنصري وعدم احترام الثقافة وسياسات الهجرة القاسية".

قلق فرنسي

وفي ردود الفعل الفرنسية على المقاطعة، قال وزير التجارة الخارجية فرانك ريستر، لوكالة فرانس برس مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: إنه "على اتصال دائم مع الشركات الفرنسية المعنية بسبب المقاطعة".

وفي الوقت الذي دعت فيه فرنسا على لسان وزير خارجيتها الحكومات العربية والإسلامية لوقف دعوات مقاطعة السلع الفرنسية والتظاهر، خرج ماكرون بحديث مثير للجدل عبر شاشات "الجزيرة" القطرية، وفي موقف وصفه مراقبون، بأنه تراجع عن بعض تصريحاته السابقة، إثر المقاطعة.

مساء 31 أكتوبر/ تشرين الأول2020، قال ماكرون في حواره: إن "بعض المجموعات الخاصة التي دعت لمقاطعة المنتجات الفرنسية استندت إلى تعليقات كاذبة منسوبة له وتتعلق بأزمة الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، وهو ما فسره متابعون، بأنه يعكس آثار حملة المقاطعة التي تبنتها الشعوب الإسلامية بسبب رسوم الكاريكاتور".

 المحلل الاقتصادي مازن أرشيد، قال لـ"دويتشه"، عقب حديث ماكرون: إن "تخوف فرنسا ومطالبتها بمنع هذه المقاطعة قد يحمل بين طياته إمكانية وجود تأثيرات من شأنها أن تقلق الحكومة الفرنسية".

تراجع ماكرون

وفي رصده لتأثير المقاطعة الكبير على الاقتصاد الفرنسي، يقول الباحث الاقتصادي المصري مصطفى عبد السلام: إن "خروج ماكرون للإعلان في حواره (مع الجزيرة) أنه لم يقصد الإساءة للإسلام ولم يتبن الرسوم المسيئة يكشف عن حجم المأزق الاقتصادي الكبير الذي تتعرض له بلاده، كما يكشف حجم الضرر الذي تتعرض له المنتجات الفرنسية جراء المقاطعة الواسعة لها من قبل الشعوب العربية والإسلامية". 

عبد السلام أكد في تدوينة على صفحته بفيسبوك، أنه "إذا اجتمعت جائحة كورونا مع المقاطعة حتى نهاية 2020، فإن الصادرات الفرنسية قد تتراجع لنحو 40%، ما يعني خسارة الاقتصاد الفرنسي نحو 250 مليار دولار، و50 مليار دولار خسائر قطاع السياحة، ومئات المليارات الأخرى حصيلة خسائر قطاعات أخرى".

لكن السؤال: هل يمثل سلاح مقاطعة فرنسا رسالة قوية من المسلمين إلى الغرب، ودرسا قويا لأي دولة في العالم تتعدى خطوط المسلمين الحمراء؟

يرى المفكر المصري الدكتور علاء حسني، أن "المقاطعة ستبلغ مداها في وقف الغطرسة الفرنسية، وقد تكون درسا قويا رادعا لبقية القوى الأوروبية المتربصة، وهو ما حدث في بلجيكا مؤخرا على سبيل المثال".

وحسب صحيفة "LaLibre" المحلية، أوقفت السلطات البلجيكية مدرسا في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، للتحقيق بعد أن عرض على تلاميذه رسوما مسيئة للنبي محمد، في موقف اعتبره مراقبون معبرا عن مخاوف غربية من المقاطعة الإسلامية.

حسني، قال في حديثه لـ"الاستقلال": "المقاطعة تمثل أيضا سلاحا لشعوب سلبها الحكام كل قدرة على الفعل الإيجابي، حيث حرص الحكام المستبدون الدائم أن يجعل الفعل الإيجابي للشعوب تحت سيطرته يوجهه حيث شاء".

وأضاف: "أهم آثار نجاح فكرة المقاطعة هو أثرها النفسي على الشعوب المسلمة المدجنة المستلبة كل الحقوق بما فيها حق التعبير الإيجابي عن الخيار الذاتي، ولو استثمر المهتمون بتحرير الشعوب من ربقة الاستبداد هذه الفرصة الذهبية لأمكنهم أن يطوروها تطويرا بعيدا في إطار جهودهم لتحرير الشعوب من نير عبودية المستبدين الطواغيت".

وحسب المفكر والأديب المصري، فإن "اصطفاف القوى الطاغوتية مع فرنسا لأنهم أدركوا بصورة ما لهذه الحقيقة المزلزلة لعروشهم وتسلطهم، وهو ما يرعبهم ويجعلهم على هذا المستوى المقزز من معاداة مقدسات الأمة وتراثها".

ويضيف: "وعلى صعيد قراءة الحدث في بعده القدري فإني أقرؤه في ضوء مقولة أحد الصحابة أنهم كانوا يستبشرون حين يبدأ الكفار بسب النبي، بأن موعد النصر قد اقترب، فلعل بشائر الخروج من تلك الأزمة الطاحنة التي نعاني أوراها اليوم قد أذنت بانتهاء".

سلاح مؤقت

أكاديمي مصري، رفض ذكر اسمه قال لـ"الاستقلال": "سلاح المقاطعة سلاح وقتي لنا ولهم ولا نستطيع أن نتخذه سلاحا دائما، فإن نسبة كبيرة جدا من احتياجاتنا تأتينا من الغرب، وإن قاطعنا اليوم دولة لمدة شهر أو شهرين بشكل جماعي من الدول العربية والإسلامية نعم يؤثر بشكل موجع بالدولة المسيئة لنا ولنبينا وعقيدتنا".

الأكاديمي والكاتب المهتم بشؤون المسلمين، يضيف: "لكننا سنستبدل ما نأخذه منها من دولة أخرى غربية أيضا ولها نفس النهج المعادي للإسلام ونبي الإسلام"، موضحا أن "الحل في الوعي العام الذي ينتج عنه التغيير في العقل الجمعي العربي والإسلامي، بحيث تكتسب يوميا أرضا جديدة سحبها منك الغرب من قبل، وهذا يكون ضمن خطة دقيقة".

ويرى أنه "على الأقل يجب أن نستغني تماما عن الغرب فيما هو ترفيهي وثقافي ثم على التوازي تستكمل ما نقص منك حتى تتمه وأولها الطعام والشراب"، معتقدا أن "الغرب يفهم تماما خطورة سلاح المقاطعة من المسلمين على صادراتهم لأن المسلمين يمثلون سوقا رائجة للغرب".

ويعتقد أن "الغرب ينتج ليبيع لنا، هذا غير ما يسرقه من بلادنا من ثروات بعقود رسمية، وبالتالي يعمل ألف حساب لذلك"، متسائلا: "لكن هل نحن كعالم إسلامي نعمل حسابا لشيء بالمستقبل من قبل الغرب سواء العدو منهم أو الصديق؟".