سلاح المقاطعة.. هكذا أوجع فرنسا وأجبر ماكرون على تخفيف لهجته

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي انطلقت فيه حملات شعبية وإلكترونية تدعو لمقاطعة المنتجات الفرنسية، كرد فعل عملي على استمرار إساءة الرئيس إيمانويل ماكرون للإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، شكك آخرون بنجاح هذه الوسيلة ورأوا أن المقاطعة لن تؤتي ثمارها.

المشككون بجدوى المقاطعة كانوا يتحججون بأنها حملة تستغل مشاعر المسلمين في تصفية خصومات بين فرنسا وتركيا على وجه الخصوص، وتقف خلفها شركات منافسة للشركات الفرنسية، وأنها لن تؤثر في حجم الصادرات الفرنسية التي تغطي كل مناطق العالم.

من بين هؤلاء المشككين، الكاتب اليمني حسين الوادعي الذي دون على صفحته بفيسبوك قائلا: "يدرك مسلمو أوروبا أن الموقف المتطرف الذي يتم تصديره من العالم الإسلامي تحت اسم المقاطعة وتقييد حرية التعبير يضرهم كما ضرتهم العمليات الإرهابية التي يدعمها نفس هذا الخطاب".

وغرد الناشط السعودي كريم صالح على تويتر قائلا: "فرنسا دولة غير مسلمة، لكن تركيا يصفونها بالدولة الإسلامية وقطيع الإخونج (الإخوان) يمجدونها بشكل كبير وأردوغان وقطيعه يلعبون على العاطفة الإسلامية، لكسب جمهور من الأولى علينا مقاطعة البضائع التركية وفضح وكشف كل من يحاول امتطاء الإسلام لتحقيق أهداف وأجندات أخرى تخالف تعاليم ديننا وتسيء له".

انزعاج وفزع

دعوات التشكيك تلك لم تصمد أمام حقيقة ما حصل، فقد ظهر الرئيس ماكرون، بعد دعوات المقاطعة الواسعة، في مقابلة له على قناة الجزيرة بدا خلالها ودودا، وكان حديثه أقل حدة مما كان عليه من قبل تجاه الإسلام والمسلمين، كما بدا في ذات الوقت فزعا ومنزعجا من حملات المقاطعة.

في لقائه الذي بثته قناة الجزيرة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2020، قال ماكرون عن المقاطعة: "هذا شيء غير لائق وندينه وأدينه، لكن هذه الحملة من فعل بعض المجموعات الخاصة لأنهم لم يفهموا واستندوا إلى الأكاذيب حول الرسوم".

وأضاف ماكرون أنه يتفهم مشاعر المسلمين إزاء تلك الرسوم، وأن الأخبار التي نقلت بأنه يدعم الرسوم المسيئة للرسول (محمد عليه السلام) مضللة ومقتطعة من سياقها، حد قوله.

وأضاف الرئيس الفرنسي: "أنا أتفهم مشاعر الغضب التي يثيرها ذلك وأحترمها، لكن أريد في المقابل أن تفهم دوري، دوري أن أهدئ الأمور، وأن أحمي هذه الحقوق التي هي ملك للشعب الفرنسي، هناك فارق هام يجب على كل المسلمين الذين صُدِموا أن يفهموه".

إنكار وكذب

ماكرون كان يتحدث في خطاباته السابقة عن الإسلام، ويهاجمه بشكل مباشر، من ضمنها خطابه الأخير في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بإحدى ضواحي باريس عندما قال: "الإسلام يعيش أزمة في كل أنحاء العالم"، إلا أنه عدل عن هذا التصريح في لقائه مع الجزيرة بعد إطلاق دعوات المقاطعة بقوة.

ماكرون في مقابلته مع "الجزيرة" قال: "بلدنا ليس لديه مشكلة مع أي ديانة في العالم، لأن كل الديانات تمارس بحرية في بلدنا، بالنسبة للفرنسيين المسلمين، كما للمواطنين في كل أنحاء العالم، الذين يدينون بالإسلام، وفرنسا بلد يمارس فيه الإسلام بكل حرية، وليس هناك من وصم أو تفضيح، كل هذا خطأ، وكل ما يقال خطأ".

قبلها كان ماكرون قد أعلن خلال حفل تأبين المدرس المقتول صمويل باتي قائلا: "لن نتخلى أبدا عن الكاريكاتير ولا الرسوم حتى يتراجع آخرون"، إلا أنه صرح في قناة الجزيرة أنه حصل سوء فهم، حيث فهم أنه يدعم الرسوم المسيئة، وكان ذلك مبنيا على كثير من التلاعب، حد قوله.

وأضاف أن وسائل إعلام عديدة اقتبست كلامه وحرفته بقولها: "إنني أدعم الرسوم التي تهين النبي. أنا لم أقل ذلك أبدا، أولا لأن هذه الرسوم، وهذا هام لكل المسلمين الذين يسمعونني، تطال كل الديانات، ليست هناك رسوم موجهة ضد دين دون دين آخر، وهي أيضا تطال كل الزعماء".

دغدغة المشاعر

وفيما يظهر أنه دغدغة لمشاعر المسلمين، هاجم ماكرون الإرهاب الذي يمارس باسم المسلمين ويرتكبون العنف باسم الإسلام، وقال: "الإرهاب الذي مورس باسم الإسلام هو آفة للمسلمين في العالم، المسلمون هم أول ضحايا الإرهاب الذي يرتكب باسم الإسلام.. هو إرهاب الإسلام المتطرف كما نسميه في فرنسا، إرهاب يمارسه متطرفون عنيفون يحورون الدين ويرتكبون العنف باسم الإسلام".

وأضاف: "في فرنسا عدة ملايين من المواطنين دينهم الإسلام، أنا لا أكافحهم، فهم مواطنون كاملو المواطنة، يريدون العيش بسلام ونحن لدينا دول صديقة في كل أنحاء العالم دين الأغلبية فيها الإسلام، ولكن اليوم المتطرفون العنيفون يرتكبون الأسوأ باسم الإسلام".

الأثر الإيجابي الذي أحدثته دعوات المقاطعة للمنتجات الفرنسية كانت قد كشفت عنه الخارجية الفرنسية عندما دعت حكومات الدول الإسلامية إلى وقف هذه الدعوات.

وقالت الخارجية الفرنسية في بيانها 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020: إن "الدعوات إلى المقاطعة عبثية ويجب أن تتوقف فورا، وكذلك كل الهجمات التي تتعرض لها بلادنا والتي تقف وراءها أقلية راديكالية متطرفة".

البيان دعا الدول المعنية "أن تنأى بنفسها من أي دعوة إلى المقاطعة أو أي هجوم على بلادنا، وأن تحمي شركاتنا وتضمن سلامة مواطنينا في الخارج".

في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020، نشرت رويترز تقريرا قالت فيه: إن مصالح فرنسا "على المحك" بعد تصاعد الدعوات في العالم الإسلامي لمقاطعة منتجاتها.

ومع الدعوات لمقاطعة سلسلة ماركات كارفور، أصدرت كل من كارفور الإمارات والسعودية بيانا قالت فيه: إن منتجاتها يتم استيرداها من موردين محليين، وأن ملكية الشركة تعود إلى شركة ماجد الفطيم التي تتخذ من الإمارات مقرا لها.

وأضافت كارفور السعودية في البيان الذي نشرته على صفحتها الرسمية بتويتر: "توفر كارفور أكثر من 2800 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة ونعتز بأن المواطنين السعوديين يمثلون نسبة 40% من فريق العمل"، مؤكدة "دعم ثقافة التسامح والاحترام لجميع المعتقدات الشخصية والدينية في المجتمع المحلي".

حرص كارفور الإمارات والسعودية على نفي علاقته بفرنسا كشف حجم الضرر الذي أحدثته دعوات المقاطعة، والتي باتت تخشاها كبرى الشركات في العالم، ومن بينها الشركات الفرنسية، التي فيما يبدو أنها ضغطت على ماكرون ليظهر  بهذه الطريقة في حواره مع "الجزيرة".

التبادل التجاري

وفق إحصاءات عام 2019، بلغ حجم التبادل التجاري بين فرنسا والدول الإسلامية نحو 100 مليار دولار، بينها نحو 45.8 مليار دولار صادرات، أي ما يمثل نحو 8.1 % من إجمالي الصادرات الفرنسية إلى جميع أنحاء العالم والبالغة 555 مليار دولار.

في حين بلغت واردات فرنسا من الدول الإسلامية نحو 58 مليار دولار أي ما يمثل نحو 9.6 % من إجمالي قيمة الواردات الفرنسية من أنحاء العالم والبالغة نحو 638 مليار دولار.

وتستورد أغلب الدول الإسلامية من فرنسا الماكينات والتوربينات الغازية، ومنتجات الصناعة الجوية، والسيارات وقطع غيارها، والجرارات، والحديد والصلب، والمعدات الكهربائية والإلكترونية والأدوية.

في حين تستورد فرنسا من الدول الإسلامية النفط الخام، والغاز الطبيعي، والزيوت المعدنية، والكابلات، والملابس، والخضروات، والفواكه.

تركيا أول من أعلنت المقاطعة للمنتجات الفرنسية، تعد من أكثر الدول الإسلامية استيرادا للمنتجات الفرنسية والتي بلغت نحو 6.6 مليارات دولار خلال عام 2019، في حين بلغت واردات فرنسا من تركيا نحو 9.8 مليارات دولار.