يحمي الخونة ويخفي المجازر.. لهذا ترفض فرنسا تسليم أرشيف الجزائر

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد 58 عاما من الاستقلال، لا تزال مسألة الأرشيف الجزائري الموجود بحوزة الدولة الفرنسية تُراوح مكانها، حيث فشلت جميع المساعي التي بذلتها الحكومات الجزائرية المتعاقبة في إعادته. 

ما جرى استرجاعه، بحسب الأرقام الرسمية، لم يتجاوز 2%، فيما يظل ما تبقى بين أيدي الفرنسيين، بجوار عدد من جماجم قيادات المقاومة الجزائرية من الذين فصلت فرنسا الاستعمارية رؤوسهم عن أجسادهم خلال فترة الاحتلال.

في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعادت تصريحات عبد المجيد الشيخي مستشار الرئيس الجزائري، ملف الذاكرة العالق بين الجزائر وفرنسا المستعمر القديم لها، بعد إعلان الشيخي نية بلاده التوجه للتحكيم الدولي من أجل استرجاع أرشيف الحقبة الاستعمارية وما قبلها.

سبق وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه يريد تسوية مسألة الذاكرة المتعلقة بفترة استعمار فرنسا للجزائر، إلا أن عددا من المراقبين يرى أن قيمة الأرشيف والمعطيات التي يحتويها مما قد يدين تاريخ فرنسا في مستعمراتها ويكشف عن أسماء عملائها في الجزائر قد تمنع الفرنسيين من إعادته للجزائر.

حماية الخونة

في المقابل، يثير إقبال الباحثين والصحفيين الجزائريين على تصفح أرشيف الثورة التحريرية بفرنسا حفيظة أوساط فرنسية ترى أن كشف بعض الوثائق ومنها تلك المتعلقة بهوية الجزائريين المتعاونين (تعاونوا مع الاحتلال الفرنسي) تهديد ومساس بسمعة عائلات هؤلاء المتعاونين.

لفت البرلماني جان فرانسوا مانسل، عن الاتحاد من أجل حركة شعبية (الجمهوريين) المعارض في فرنسا، في سؤال كتابي موجه لكاتب الدولة الفرنسي لقدماء المحاربين، أن هذا الأرشيف الخاص بالفرع الإداري الخاص المحفوظ في "أكس أون بروفانس - مرسيليا" متاح للعامة والمحققين الأجانب.

مضيفا أن هذا الأرشيف يتضمن الحالة المدنية وأماكن إقامة أولئك الذين عملوا في جهاز "الإدارة المحلية الاستعمارية الفرنسية في الجزائر (لاصاص)"، مبديا خشيته من تسريبه للعامة، ما يشكل، حسبه، مساسا خطيرا بالموظفين الذين عملوا في هذا الجهاز.

ولتبرير الدعوة لتقييد استعمال هذا الأرشيف وحجب أسماء هؤلاء المتعاونين، قال البرلماني: إن تسريب هذه الملفات يهدد على وجه الخصوص عائلات هؤلاء المتعاونين وخصوصا أولئك الذين تم تكريمهم في الثمانينيات من القرن الماضي، والمدرجة أسماؤهم على قوائم خاصة تضم حركيين (مخبرين) وموظفي الإدارة المحلية الاستعمارية الفرنسية في الجزائر والمجندين الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير.

وحسب القانون الفرنسي، فإن فترة التحفظ على الأرشيف الجزائري الخاص بالمعلومات الشخصية للأشخاص أو المتضمن معطيات يمكن أن تضر ببعضهم أو تمس بحياتهم، يمكن أن تُمدد إلى 70 سنة، الذي ينص أيضا على إمكان تبني مبدأ الاستثنائية بالنسبة إلى بعض الأشخاص، وهو ما يرجح أن يكون رفض تسليم الأرشيف بسبب جرائم فرنسا في الجزائر فقط، وإنما له علاقة أيضا بحماية أشخاص جزائريين في الجزائر.

ويوافق يوم 25 سبتمبر/أيلول من كل عام، اليوم الوطني لتكريم الحركيين (عملاء فرنسا من الجزائريين فترة الاستعمار)، في فرنسا حيث أعلنت الدولة عن تدابير لصالحهم منها تخصيص 40 مليون يورو على 4 سنوات لمساعدة الحركيين من الجيل الثاني الذين لا يزالون يواجهون صعوبات اجتماعية في الاندماج.

قيمة تاريخية

خلال أشغال الملتقى الدولي الثامن حول تاريخ الثورة الجزائرية عام 2013، أكد المؤرخ محمد القورصو، الأستاذ بجامعة الجزائر، أن فرنسا حولت قرابة 6 أطنان من الأرشيف الوطني إلى فرنسا سنة 1961.

وأوضح قورصو أن هذا الأرشيف تم السطو عليه من أرصدة وهران والجزائر العاصمة وقسنطينة، والذي كان يضم جميع أرشيف الجزائر بما في ذلك المتعلق بالفترة العثمانية.

وأضاف المؤرخ في مداخلة بعنوان "سطو فرنسا على التاريخ حالة الجزائر"، أن اختيار استعمال كلمة السطو هي العبارة التي تعبر بحق عن الاستيلاء على شيء غالي الثمن بالنسبة للجزائر من خلال تحويل عدد كبير من الآثار الإسلامية والرومانية التي تفخر بها حاليا متاحف فرنسا.

ويضم الأرشيف المسروق الآثار المكتوبة والتي تعود إلى عهد الأمير عبد القادر، وما قبله، على غرار المخطوطات المخزونة حاليا بمكتبة باريس، مضيفا أنه رغم كل هذه الحقائق فإن فرنسا تغلق هذه المراكز الثقافية في وجه الباحثين الجزائريين، الذين لا يمكنهم الاطلاع سوى على بعض الأرشيف الخاص بالثورة الجزائرية ولم يتم استرجاع حاليا سوى الأرشيف الخاص بالفترة العثمانية.

كما لا يزال الجزائريون يطالبون بإرجاع مفاتيح وسيف الجزائر، وفي 5 يوليو/حزيران 1830، سلّم حسين داي آخر السلاطين العثمانيين بالجزائر مفاتيح المدينة لفرنسا، وتناست الأخيرة إرجاع مفاتيح وسيف ومدفع الجزائر الذين يوجدون حاليا بالمتحف العسكري بباريس.

وذكرت مصادر تاريخية أن الحكومة الفرنسية كانت تقول: إن السبب نقل الأرشيف الجزائري إلى باريس هو أولا إعادة تصويره في فرنسا، وثانيا حمايته مؤقتا من التهديدات الأمنية لمليشيات "المنظمة السرية الخاصة" التي نفذت العديد من عمليات الاغتيال وتخريب المنشآت العمومية، بعد أن اتضح أن الأمور آيلة إلى الاستقلال.

و"المنظمة السرية الخاصة" هو تنظيم إرهابي فرنسي تبنى أطروحة الجزائر الفرنسية، ظهر في عام 1961، واعتمد العمل المسلح.

 وسبق وأن وضح المستشار الحالي لرئيس الجمهورية عبد المجيد شيخي، حين كان يشغل منصب  المدير العام للأرشيف الجزائري (هيئة حكومية) عام 2017 ، أن باريس تضع قوانين خاصة تجعل من هذه الوثائق سرية.

وأوضح شيخي أن "فرنسا تتعامل مع هذا الأرشيف وفقا لقوانين، تحدد ما هو متاح للاطلاع، وما لا يمكن للجمهور الوصول إليه إلا بعد مرور فترة زمنية تتراوح بين 20 و100 عاما، وأخرى تظل سرية للغاية لكونها مصنفة في خانة الأمن الوطني الفرنسي".

التحكيم الدولي

الشيخي قال خلال مشاركته في برنامج "ضيف التحرير" على الإذاعة الجزائرية الثالثة: إن "الاتصالات التي بدأت لحل هذه المسألة تميل إلى التباطؤ، وأن هناك مقاومة من الجانب الفرنسي لمنع تسليم الأرشيف".

وأضاف شيخي: أنه "لا يوجد ما يمنع من اللجوء إلى التحكيم الدولي أو عرض القضية على الهيئات القضائية الدولية مستقبلا لأن الجزائر لم تقم بذلك مسبقا".

كما أوضح المتحدث، أن الجزائر لا تنوي التخلي عن رغبتها في استعادة الأرشيف والتراث المادي الذي أخذ منها خلال الفترة الاستعمارية والذي لا يزال الوصول إليه محجوبا.

وأشار المستشار الرئاسي إلى أن من بين الملفات المطالبة باسترجاعها، تلك المتعلقة بالتجارب النووية الفرنسية التي أجريت في الصحراء، وأسفرت بشكل خاص عن آثار لا تمحى على سكان هذه المنطقة وكذلك على البيئة المحيطة بهم.

سبق أن اتهم المدير العام للأرشيف الوطني، باريس بمحاولات الاستيلاء على الأرشيف، وعدم الاستجابة لمطالب الجزائر، وقال: إن "فرنسا سنت قانونا سنة 2006، يقضي بإدراج الأرشيف كجزء من الأملاك العمومية التي لا يمكن التنازل عليها، كما تقرر أيضا إعادة توزيع الرصيد الجزائري من الأرشيف الموجود بفرنسا على مراكز أخرى دون علم الجزائر".