مركز عبري: مفاوضات ترسيم الحدود مع لبنان اعتراف فعلي بإسرائيل

نشر مركز "القدس للشؤون العامة والسياسة" الإسرائيلي، دراسة تناول فيها مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، والتي يمكن أن تؤدي اتفاقيات التطبيع والتاريخ بين البلدين إلى تغيير المواقف تجاه إسرائيل والتعاون في مختلف المجالات.
وفي 14 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020، انتهت الجولة الأولى من المحادثات بين لبنان وإسرائيل، والتي دارت في مقر قوة الأمم المتحدة في جنوب لبنان برعاية واشنطن، فيما سيعقد الجانبان جولة ثانية من المفاوضات، في الثامن والعشرين من الشهر ذاته.
وقال "مركز القدس للشؤون العامة والسياسة" الإسرائيلي: إنه "بعد خلاف استمر لأكثر من ثلاثة عقود منذ آخر مفاوضات بين لبنان وإسرائيل، وافق الجانبان الآن على العودة إلى التفاوض وإجراء مفاوضات مباشرة على الحدود البحرية المشتركة بينهما".
وأشار إلى أنه في الأول أكتوبر/ تشرين الثاني 2020 أعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، التوصل إلى اتفاق بين الدولتين من أجل إجراء مفاوضات بينهما لحل النزاع على الحدود البحرية المشتركة، التي تشكل موضع خلاف، في مياه البحر المتوسط، كما جرى الاتفاق على مشاركة الولايات المتحدة كوسيط وموجه.
موضع خلاف
وذكر المركز أن المفاوضات تشمل منطقة هي موضع خلاف تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا، تمتد على مساحة الحدود البحرية بينهما في شرقي البحر المتوسط.
ولفت إلى أن تلك المنطقة البحرية غنية بحقول الغاز الطبيعي، يدعي كل من الدولتين أن هذه المنطقة تقع داخل حدود "المياه الاقتصادية الخالصة و"الجرف البري" التابع لها، وهي مناطق بحرية نظرية واقعة قبالة شواطئهما، وبحسب الاتفاقية الدولية لقانون البحار حيث تتمتع الدول الساحلية بحقوق حصرية لاستغلال الموارد الطبيعية والاستفادة منها، مثل الأسماك والنفط ورواسب معدنية أخرى على الشاطئ أو تحت مياه البحر.
وأشارت الدراسة إلى أن لبنان من موقعي اتفاقية قانون البحار، فإن إسرائيل لم توقعها ولم تنضم إليها على الرغم من مشاركتها الفاعلة في المفاوضات، وفي صوغ الاتفاقية. واعترفت إسرائيل بأن أحكام الاتفاقية تعكس القانون الدولي المتعارف عليه وهي ملزمة بالنسبة إلى إسرائيل.
ويبدو أن المفاوضات التي ستجرى على الحدود البحرية هي مفاوضات معيارية وعادية لحل خلاف على الحدود البحرية بين دولتين متجاورتين، مثل نزاعات كثيرة بين دول مطلة على البحر، بحسب المركز
منطقة نزاع
وذكرت الدراسة أنه مع الأخذ في الحسبان التاريخ بين الدولتين والواقع الحالي في المنطقة، فإن العامل الأهم الذي يمكن أن يقود الدولتين إلى وضع تفاوضي هي الفوائد الاقتصادية المحتملة للبنان وإسرائيل، وأيضا لكل دول المنطقة، من التعاون في استخراج وتسويق الغاز الطبيعي وموارد طبيعية أخرى.
من الواضح أن ميزات إقليمية جوهرية كهذه ناجمة عن تعاون وتنسيق لا يمكن أن تتحقق في أجواء من التردد والعداء وفقدان الثقة، والكامنة في كل شبكة علاقات سلبية تفتقر إلى علاقات مدنية وحسن جوار، بحسب المركز.
ورأت الدراسة أن كل هذا يتضح أكثر عندما تتردد شركات دولية، لها علاقة باستثمار أموال في استخراج الغاز وتسويقه، في استثمار موارد مالية في منطقة نزاع تفتقر إلى استقرار سياسي وعسكري.
وبحسب المركز، فإنه ثمة ميزات أوسع لتعاون بين الدول الإقليمية ذات العلاقة: إسرائيل. لبنان، قبرص، مصر، وحتى سورية وتركيا، إذ إنه يمكن أن يؤدي إلى الدفع قدما بمشاريع إقليمية، مثل نقل الغاز إلى أوروبا وأبعد منها، واستغلال موارد طبيعية وإدارتها والمحافظة عليها، مثل الأسماك، والتعاون في محاربة التلوث والحفاظ على البيئة البحرية، وطبعا تشجيع سياحة تربط شرقي البحر المتوسط بأوروبا.
ونوهت الدراسة الى وثيقة بحث مفصل تتناول إمكانات استفادة لبنان من الموارد الغازية تحت البحر نشره في سنة 2012 "صندوق أورينت مونت - بلرين" من أجل تشجيع السلام والتفاهم بين أوروبا والشرق الأوسط، بعنوان "الإطار القانوني للحدود البحرية للبنان: المنطقة الاقتصادية الخالصة وموارد الكربون البحري" كتب الآتي: بحسب تقدير المسح الجيولوجي الذي قامت به الولايات المتحدة ونشر في مارس 2010، توجد مخزونات محتملة لم تستخرج في الحوض الشرقي تقدر بـ1.7 مليار برميل نفط و122 تريليون قدما مكعبا من الغاز، وهذه تشكل أضخم اكتشافات للغاز في العالم منذ عشرات السنوات.
استقلال لبناني
ولفتت الدراسة الى ان اكتشاف النفط في هذه المنطقة يمنح أملا كبيرا للبنان، المداخيل من استخراج النفط والانتقال إلى الغاز الطبيعي كمصدر مستقل للطاقة يقدم فوائد كثيرة للشعب اللبناني: فهو سيساعد مساعدة كبيرة في تمويل الدين العام الكبير للبنان، ويقدم جوابا لمشكلة الكهرباء القاسية التي يواجهها هذا البلد، ويساعده على أن يكون أقل اعتمادا على مصادر خارجية في إنتاجه للطاقة، وسيكون لذلك تأثير إيجابي على البيئة".
ولفت المركز العبري إلى أنه "منذ عام 2004 دعا البنك الدولي الحكومة اللبنانية إلى الانتقال إلى الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة من أجل تخفيض الارتفاع الكبير في تكلفة توليد الكهرباء، بذريعة أن لبنان سيحقق مدخرات سنوية ضخمة، ويمنع الإضرار بالصحة العامة للجمهور. وإذا أداروا موارد النفط والغاز بمسؤولية، فإن هذا سيوفر وظائف، ويزيد الدخل ويرفع مستوى الحياة، باختصار استغلال الثروة النفطية والغازية سيغير المشهد الاقتصادي في الدولة".
ونظرا إلى قرب لبنان الجغرافي من إسرائيل كدولتين متجاورتين، من الواضح أن هذه التوقعات الاقتصادية لا تقل أهمية بالنسبة إلى إسرائيل وفي ضوء المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية المتعلقة بالمفاوضات المتوقعة، وعلى أمل أن تجري المفاوضات بحسن نية، من المفترض أن الطرفين سيحاولان التوصل إلى تسوية جوهرية محددة تأخذ في الاعتبار الاعتبارات الثنائية والإقليمية الأوسع، مع الافتراض أن أي تسوية سلمية بينهما ستسمح بالتنسيق والتعاون الثنائي والإقليمي المستمر، حسبما ذكر المركز.
نزاع على الحدود
وتابعت الدراسة: أن ثمة عاملا جوهريا آخر يساهم في خصوصية مشكلة الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، هو فارق تقني لكنه جوهري بين البلدين فيما يتعلق بأسلوب ترسيم الحدود البحرية بينهما.
فمن ناحية، تفضل إسرائيل ترسيم الحدود بواسطة رسم خط بزاوية بسيطة قريبة من الحد البري، مقدارها 90 درجة ومن جهة ثانية، يفضل لبنان رسم خط مستقيم مباشر للحدود البرية.
ولفتت الدراسة إلى أن الفارق في ترسيم الحدود البحرية ليس تقنيا فقط، بل جوهريا لكل من الطرفين اللذين يحاولان من خلال أسلوب ترسيمهما المفضل الحصول على أكبر قدر من الأراضي البحرية مع كل ميزاتها الاقتصادية على حساب الطرف الآخر.
وفي حال عدم وجود اتفاق بين الدول المتجاورة، تنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحر على أنه في حالات المطالب المتداخلة المتعلقة بالجرف القاري أو المنطقة الاقتصادية، يجب أن يكون الترسيم نتيجة "اتفاق بالاستناد إلى القانون الدولي، من أجل التوصل إلى حل عادل ولدى غياب مثل هذا الاتفاق، يجب أن ينفذ الترسيم على أساس خط الوسط بين نقاط متساوية على طول الخطوط الأساسية للساحل.
من جهته، قال آلان بايكر، المسؤول في المركز العبري: إن عنصرا إضافيا مهما يجعل المفاوضات المنتظرة مع لبنان ذات خصوصية هو حقيقة أنها تأتي بعد توقيع "اتفاقات أبراهام" في 15 سبتمبر/أيلول 2020، في واشنطن من طرف إسرائيل، والإمارات، والبحرين، والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأشار إلى أن توقيع الاتفاقات بحد ذاته يبشر بعهد جديد من القبول والاعتراف وتطوير تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، الأمر الذي لا يستطيع لبنان أن يتجاهله لدى دخوله إلى مفاوضات جديدة مع إسرائيل على الحدود البحرية المشتركة بينهما، نأمل بأن تكون أكثر نجاحا.
اعتراف فعلي
ورأى الكاتب بايكر أنه في ضوء العوامل المذكورة أعلاه التي تشير إلى مراحل تطور العلاقات بين لبنان وإسرائيل، لا يمكن إنكار حقيقة أن الاعتراف المتبادل يحدث بينهما، بعد فترة طويلة من انتهاء أي حالة نزاع مسلح رسمي وفاعل بين البلدين، مشيرا إلى أن حالة السلام الرسمية لم تتحقق بعد، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت هناك بالفعل حالة حرب مستمرة ونشطة بينهما.
وأضاف أنه ربما يمكن العثور على نهاية مناسبة لهذه المراجعة في كلمات المؤلف والسفير فريدي إيتان، الباحث في مركز القدس للشؤون العامة والدولة، في مقال بتاريخ 4 أكتوبر 2020 في "تايمز أوف إسرائيل" بعنوان: "لبنان-إسرائيل: خطوة جديدة نحو التطبيع".
وأوضح: "بالطبع هذه ليست اتفاقية سلام مع دولة الأرز لأن حزب الله يرفض أي اتصال مباشر أو تسوية مع" العدو الصهيوني"، لافتا إلى أنه للمرة الأولى لم يعد القادة اللبنانيون مثل رئيس مجلس الأمة، الشيعي نبيه بري، يستخدمون مصطلح "العدو" في إشارة إلى دولة إسرائيل.
وأردف: "المفاوضات الجديدة، على الرغم من محدودية الزمان والمكان، تقدم اعترافا فعليا بوجود دولة إسرائيل المجاورة".
ونوه بايكر إلى أن المحادثات الإسرائيلية اللبنانية في مقر الأمم المتحدة في الناقورة تهب رياح أمل وتبشر بمناخ هادئ. يصلون فور توقيع اتفاقيات التطبيع الدبلوماسي مع دول الخليج العربي.
وأردف: يمكن الافتراض كما نأمل أن الدول الأخرى التي تحاول حاليا حل النزاعات البحرية الثنائية والإقليمية في أجزاء أخرى من العالم ستنظر باهتمام كبير في المحادثات المتوقعة بين إسرائيل ولبنان.
واختتم الكاتب حديثه بـ"المطالبة بتطبيق هذا بشكل خاص في الحالات التي لا تواجه فيها الأطراف بالضرورة حالات من العداء والصراع والإرهاب، ولكنها بالتالي مهتمة بتعزيز المصالح الاقتصادية والإستراتيجية الحيوية في مناطق حدودها البحرية".