هل ينجح "العدالة والتنمية" في ترؤس الحكومة المغربية لولاية ثالثة؟

12

طباعة

مشاركة

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في المغرب، بدأت جهات سياسية وإعلامية تشحذ أدواتها لإيقاف "نور مصباح" العدالة والتنمية، إثر توقعات بأنه يتجه لتصدر نتائج انتخابات 2021، ورئاسة الحكومة لولاية ثالثة.

الآلة الإعلامية المضادة بصحفها ومواقعها أخرجت كل أذرعها بمختلف وسائطها، وبدأت تكيل الاتهامات للعدالة والتنمية برغبته في "الهيمنة" إثر رفضه بعض التعديلات على مشروع "القانون الانتخابي الجديد".

سياسيا، تعالت أصوات "كانت خافتة"، من بينها إدريس لشكر رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي (ضمن الائتلاف الحكومي) الذي ظهر إعلاميا بعد غياب طويل عن الساحة لفترة طويلة، إثر فشله في إدارة مشاكل حزبه الداخلية.  

وبدا واضحا في المشهد السياسي بالمغرب، أن قطبا بدأ يتشكل بين أحزاب تختلف جذريا في مصالحها وأيديولوجيتها، الأصالة والمعاصرة (معارض)، مع الاتحاد الدستوري، والاتحاد الاشتراكي، والتجمع الوطني للأحرار (ضمن الائتلاف الحكومي)، في مواجهة حزب وحيد هو العدالة والتنمية (قائد الائتلاف). 

ولاية ثالثة؟

وعن مدى صحة معطيات السلطة عبر جس نبض الشارع بشأن تصدر "المصباح "(رمز العدالة والتنمية) للانتخابات المقبلة، أوضح المحلل السياسي إسماعيل حمودي أنه "رغم الارتباك السياسي داخل الحزب بعد إبعاد عبد الإله بنكيران (من رئاسة الحكومة) عام 2017، إلا أنه يحافظ على قوة تنظيمية ينفرد بها بين كل الأحزاب".

وتابع في حديث لـ"الاستقلال": أن "العدالة والتنمية يتميز -رغم الضربات التي تلقاها خلال السنوات الأخيرة- بآلة تنظيمية فعّالة وقادرة على ربح الانتخابات المقبلة، وهذا ملاحظ ومشهود سواء لدى السلطة ومُشاهد ومحسوس لدى الأحزاب المنافسة". 

وأضاف: أن "المعطى الثاني هو ضعف الأحزاب الأخرى، حيث إنه ورغم استغلال الضعف السياسي للمصباح، ظلت الأحزاب الأخرى مترهلة ومأزومة، بل إن بعضها مهدد بالخروج من البرلمان في الانتخابات المقبلة مثل الاتحاد الاشتراكي، والاتحاد الدستوري، والتقدم والاشتراكية (معارض) في حال لم يتم تعديل بعض مواد القانون الانتخابي".

ولفت حمودي إلى أن "هناك جبهة (اقتصادية وسياسية ومالية) من مصلحتها إبعاد المصباح عن المشهد السياسي، لأن لها أهداف أيديولوجية سياسية مصلحية، وأي طرف له حساسية مع الإسلاميين، فبالنسبة له تعديل القاسم الانتخابي (في مشروع القانون الانتخابي) فرصة (لهذه الجبهة) لتصفية حساباتها مع العدالة والتنمية دون اعتبار للديمقراطية". 

وقبل أيام، ظهر خلاف غير منتظر بين العدالة والتنمية وباقي الأحزاب حول مقترح احتساب "القاسم الانتخابي"، حيث يطالب "المصباح" بالإبقاء -وفق المتعارف سابقا- على احتسابه بناء على الأصوات الصحيحة، فيما تنادي أحزاب أخرى باحتساب هذا القاسم على قاعدة المسجلين في اللوائح الانتخابية، حتى لو لم يشاركوا في التصويت.

الاعتماد على المسجلين في اللوائح عوض عدد الأصوات "الصحيحة"، في احتساب المقاعد البرلمانية، يسمح للحزب الحائز على نسبة أصوات كبيرة بالفوز بمقعد واحد فقط في دائرة واحدة، بعدما كان يحصل على مقعدين أو ثلاثة سابقا، كما قد يعطي مقاعد لأحزاب بعدد أصوات قليلة جدا.

هذا المقترح يرفضه بشدة حزب العدالة والتنمية، وتؤيده معظم الأحزاب، رغم أن أيا منها لم تقترحه في المذكرات التي تقدمت بها إلى وزارة الداخلية والتي على أساسها بدأت مشاورات تعديل القوانين الانتخابية.

وفي السياق، نبّه حمودي إلى أن "الجدل القائم حول القاسم الانتخابي يكشف مدى حساسية أكثر من جهة داخل المؤسسات وخارجها من استمرار العدالة والتنمية في قيادة الحكومة لولاية ثالثة.. وقد منح النقاش حول القوانين الانتخابية تلك الجهات الفرصة للاصطفاف والتشكل، رغم الفروقات السياسية بينها".

مأزق انتخابي

وعن أسباب رفض "العدالة والتنمية" تعديل "القاسم الانتخابي"، أكد المحلل السياسي حمودي أن "الإجراء محرج للمغرب من الناحية الدستورية، كونه يثير جدلا هو في غنى عنه، لأنه يكاد ينفرد به في العالم بأسره، ولا يوجد في أي تجربة انتخابية مقارنة بالعالم". 

وأضاف: "المقترح مسيء لصورة المغرب الديمقراطية والحقوقية في الخارج، لأنه يستند إلى آليات غير مقبولة سياسيا وأخلاقيا، وهو إجراء سيؤدي إلى البلقنة (الأحزاب متقاربة في عدد المقاعد، وكثيرة في البرلمان)، وسندخل في متاهة المقاعد المبعثرة هنا وهناك".

ورأى حمودي أن "هذا المقترح اتخذ في مكان معين ضد حزب معين، ويظهر ذلك بعد إعلان الاتحاد الدستوري عنه، انضمت جميع الأحزاب له واصطفت في صف واحد، باستثناء حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، رغم أن تلك الأحزاب أبدت في مذكراتها مقترحات أخرى، منها قاسم انتخابي على أساس المصوتين (أكان صوتا صحيحا أم ملغى)".

وأوضح أن "سبب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، هو للمحافظة على وجود بعض الأحزاب في البرلمان خاصة اليسارية، الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، والاشتراكي الموحد (يساري معارض)".

كما أكد حمودي أن الهدف أيضا هو "تحجيم القوة الانتخابية للعدالة والتنمية، في أفق تقليص مساحة وقدرته على التفاوض في تشكيل الحكومة المقبلة حتى حال فوزه بالمرتبة الأولى، ومقترح تعديل القاسم الانتخابي يدخل ضمن آلية التوجيه القبلي والمتحكم فيه لنتائج الانتخابات".

وأوضح أن "فارق النتائج بين الأحزاب سيتقلص خصوصا بين أصحاب المراتب الثلاثة الأولى، وبالتالي سيُفرض عليه (المتصدر للانتخابات) التفاوض مع الأحزاب وفق شروطها، أو الانسحاب واللجوء إلى الوصيف لأن فرق الأصوات ليس كبيرا".

وتفاعلا مع الجدل الدائر، كتب عبد الحق بلشكر، نائب رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" (خاصة) مقالا، اعتبر فيه أن مقترح تعديل "القاسم الانتخابي يكشف أن الديمقراطية المغربية وصلت إلى مأزق (..)، فالأحزاب لم تعد مهتمة بمدى ديمقراطية التعديلات المطروحة، ولا بمدى مطابقتها للمعايير الدولية المتعارف عليها في مجال الانتخابات، ولا بمدى مساسها بالتنافسية الانتخابية".

وأكد بلشكر أن "المهم هو تفادي حصول المصباح على نتيجة مشابهة للنتيجة التي حصل عليها في انتخابات 2016، حين فاز بـ125 مقعدا بفارق كبير عن الأحزاب الأخرى، بل تفادي ولاية ثالثة للحزب الإسلامي".

في انتخابات 2016، تصدر "العدالة والتنمية" النتائج بـ125 مقعدا (من أصل 395)، وثانيا "الأصالة والمعاصرة" بـ102 مقعد، و"الاستقلال" (معارضة) بـ46 مقعدا، "التجمع الوطني للأحرار" 37 مقعدا، و"الحركة الشعبية" 27 مقعدا، "الاتحاد الاشتراكي" 20 مقعدا، "الاتحاد الدستوري" 19 مقعدا، "التقدم والاشتراكية" 12 مقعدا، و"الاشتراكي الموحد" مقعدان، وباقي المقاعد الخمسة كانت من نصيب 3 أحزاب صغرى. 

دفاعا عن الديمقراطية

بعد بروز أصوات منتقدة لتشبت "المصباح" برفض مقترح التعديل، بحجة أن الحزب يسعى إلى الهيمنة على المشهد السياسي في ظل ضعف أغلب الأحزاب، أصدرت الأمانة العامة للحزب بيانا جددت فيه رفضها الصارم للتعديل، باعتبار أن "مراجعة القوانين الانتخابية يجب أن تكون مناسبة لتعزيز الاختيار الديمقراطي، والتقليص من حدة الفساد الانتخابي، واعتماد قاسم انتخابي يعزز المشاركة والمحاسبة السياسية من خلال ممارسة حق وواجب التصويت".

وشددت على أن "احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين يخالف المقتضيات الدستورية والمنطق الانتخابي السليم، كما يخالف ما هو معمول به في التجارب الديمقراطية المقارنة، كما أن تعديل القوانين الانتخابية ينبغي أن يقدم رسائل واضحة وغير ملتبسة تتجه لتعزيز مصداقية المؤسسات بدل العكس".

كما رد "المصباح" من جديد عبر مقال نشره في موقعه الرسمي بالقول: "نود أن نؤكد أن دفاعنا عن القاسم الانتخابي، هو من صميم الدفاع عن الديمقراطية نفسها، وربط متين بين الأصوات ومخرجاتها".

واعتبر أن "من يريد ربط الحسم في عدد المقاعد بعدد المسجلين، يريد أن يفرغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي، ويستبطن في الآن ذاته رغبة دفينة أصبح الإعلان عنها في العلن دون استحياء. رغبة علنية في التحكم في نتائج خصومه السياسيين ولجم طموحهم الانتخابي المشروع والقانوني، والمتمثل في تفعيل قاعدة التناسب بين الأصوات المحصل عليها وعدد المقاعد".

وتساءل قائد الائتلاف في الحكومة الحالية باستغراب "كيف يمكن أن نقبل من الناحية الديمقراطية على الأقل في جانبها التقني الصرف، أن تحصل لائحة معينة على مقعد واحد وهي الفائزة مثلا بـ 30 ألف صوت، وتتساوى في عدد المقاعد مع لائحتين (مثلا فازت الأولى بـ8 آلاف صوت والثانية بأقل من 5 آلاف صوت)، ما دام القاسم الانتخابي في تلك الدائرة مثلا هو 100 ألف صوت على أساس عدد المسجلين".

وأكد العدالة والتنمية في بيان معنون بـ"لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين حقيقيين" أن "أصحاب تعديل القاسم الانتخابي بعيدون جدا عن تمثل قيم الديمقراطية، بل هم يريدون من خلال هذا الاقتراح، شرعنة الريع الانتخابي بمجازاة الراسبين في معركة الديمقراطية والإقناع، وتمتيعهم بما لا يستحقون ما دامت صناديق الاقتراع قد قالت قولها".

تهيئة انقلاب ناعم

زعيم "الاتحاد الاشتراكي"، هاجم حزب العدالة والتنمية، خلال استضافته في برنامج على القناة الثانية الرسمية، لرفضه مقترح التعديل، قائلا: إن الإجراء السابق "غير عادل" و"لا يجب أن يتم النظر إلى الانتخابات بمنطق أناني، وفق حزب كبير وصغير وكم سأربح، بل يجب النظر إليها بمنطق آخر!".

وأفاد لشكر بأن "احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح، هو منطق العدالة"، موضحا "من حصل على مليون صوت لا يجب أن يقصي من حصل على نصف مليون صوت، وعدد المقاعد لا تخول لحزب أو لرئيسه أن يقوم بما يريد في البلاد"، وفق قوله.

المثير في هذه التصريحات أن "الاتحاد الاشتراكي" -كمعظم الأحزاب- دعا في مذكرته إلى اعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المصوتين، قبل أن يتراجع ويدعو إلى اعتماد عدد المسجلين، بعدما تبين له أنها "طوق نجاة له" من احتمالية "اختفائه" من البرلمان في أفق نتائج انتخابات 2021، وفق مراقبين.

وفي السياق، قال رضا بوكمازي، برلماني عن العدالة والتنمية: "لنلاحظ كيف يتعرض الحزب للضغط والابتزاز، ما أن يعبر عن (خط أحمر) لا يمكنه تجاوزه في إطار التوافق والشراكة والتعاون كمبادئ تحكم علاقته بباقي مكونات المشهد الحزبي والسياسي، حتى تظهر الأدوات التي توظفها (السلطوية) سواء في قاعات التفاوض خلف الأبواب المغلقة، أو المنتشرة في مجال الصحافة أو فيسبوك".

وأضاف: "بكل أسف تجري عملية الضغط والابتزاز وبألفاظ سوقية لا تراعي الاحترام اللازم، لنتابع ما ينشر هذه الأيام وما سينشر على جرائد ومواقع معروفة وعلى فيسبوك أيضا من طرف حسابات مشبوهة حتى لو كانت تضع صورا لأشخاص معروفين.. لنتابع ضيوف البرامج الحوارية على القناة الثانية أساسا". 

واعتبر أن "كل هذا وغيره من الغرائب والعجائب التي يمكن توقعها في الأشهر المقبلة، من أجل إعداد بيئة تقبل بسيناريو إبعاد العدالة والتنمية عن موقع رئاسة الحكومة المقبلة، وفي الخلفية إخراج نتائج الانتخابات من معادلة تشكيل الحكومة". 

وأكد بوكمازي أن "هذه الأحزاب همها الحد من حضور حزب سياسي ومعارضة الإرادة العامة للناخبين، والتهيئة إلى الدخول في انقلاب ناعم على كل المقتضيات الدستورية المؤسسة (..) وهو ما سيؤثر لا محالة على ثقة المواطنين في المؤسسات السياسية والدستورية ويحدث حالة من الاختلال واللاتوازن بين إرادة الناخبين ونتائج الانتخابات".