وفاة قاضية المحكمة العليا.. هكذا تؤثر على مجرى الانتخابات الأميركية
نادرا ما كان موت شخصية ما ليحظى بأهمية كبيرة بالنسبة لمستقبل الولايات المتحدة الأميركية، ولكن الحال مختلف مع قاضية المحكمة العليا، روث بادر غينسبرغ.
وكانت المحكمة الأميركية العليا أعلنت في 18 سبتمبر/أيلول وفاة غينسبرغ، التي تعد أيقونة تقدمية وأبرز قضاة المحكمة عن عمر يناهز 87 عاما بعد أن خسرت معركتها مع سرطان البنكرياس.
وقال بيان المحكمة: "غينسبرغ" الليبرالية ثاني امرأة يتم تعيينها في هذا المنصب، توفيت محاطة بعائلتها في منزلها في واشنطن.
ولعبت غينسبرغ المعروفة باسم "آر بي جي" دورا كبيرا في الدفاع عن حقوق المرأة في بداية حياتها المهنية، وكانت قوة تقدمية مؤثرة داخل المحكمة العليا كزعيمة لتحالف يميل إلى اليسار وسط غالبية محافظة من القضاة.
وتتحدث صحيفة لوبوان الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 19 سبتمبر/ أيلول، أن هذا التطور ينذر بحدوث معركة ملحمية في الأفق، بين الديمقراطيين ومرشحهم جو بايدن والجمهوريين الذي رشحوا دونالد ترامب لعهدة ثانية، حول من سيخلف تلك المرأة في منصبها.
وتقول: إن "موتها كان مُدويا في واشنطن، حيث إنه بعد عدة سرطانات وحوادث صحية متعددة، كاد الاعتقاد أن هذه السيدة القاسية، الشخصية العظيمة في اليسار ، قد كانت خالدة أو على الأقل أنها ستبقى على قيد الحياة حتى تنصيب الرئيس الجديد في يناير/كانون الثاني 2021".
وأشاد الأميركيون جمهوريون أو ديمقراطيون على الفور بما قدمته روث بادر للولايات المتحدة على الرغم من تموقعها مع اليسار.
وقالت نانسي بيلوسي ، الزعيمة الديمقراطية في الكونجرس: إن "كل امرأة، كل فتاة، كل أسرة في أميركا قد استفادت من ذكائها اللامع".
وغردت أصغر أعضاء مجلس النواب وممثلة الجناح اليساري للحزب، ألسكندريا أوكاسيو كورتيز قائلة: "لقد فقدنا عملاقا في تاريخ البلاد".
كما غردت المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون "القاضي غينسبيرغ مهدت الطريق للعديد من النساء، بمن فيهن أنا، لن يكون هناك أي شخص مثلها. شكرا لك يا روث".
تشير الصحيفة إلى أنه وقع تعيينها من قبل بيل كلينتون عام 1993، وأنها قد خططت للتقاعد في عام 2016، إذا أصبحت هيلاري كلينتون رئيسة.
دفعت هزيمة كلينتون بروث بادر للعدول عن موقفها والصمود في منصبها، على الرغم من تدهور حالتها الصحية.
تذكر الصحيفة الفرنسية أنه قبل أيام قليلة من وفاتها، أسرَّت القاضية لحفيدتها قائلة: "أمنيتي الصادقة هي ألا يتم استبدالي قبل أن يتم انتخاب الرئيس الجديد".
قاض ثالث؟
بعد وفاتها، سرعان ما تم التعبير عن القلق داخل صفوف المعارضة. وأشاد الزعيم الديمقراطي تشاك شومر بـ "عملاق التاريخ الأميركي" وطلب عدم التسرع في اختيار خليفة لها.
وقد غرد على تويتر وهو يستحضر كلمات الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ كنتوشى ميتش ماكونيل عام 2016: "يجب أن يكون للشعب الأميركي كلمتهم في اختيار قاضي المحكمة العليا المقبل. لا ينبغي تكليف شخص في منصبه حتى يكون لدينا رئيس جديد".
تقول لوبوان: إن الأمنية الأخيرة لروث بادر التي ذكرتها حفيدتها قد لا تتحقق، فالجمهوريون، بأغلبية أعضاء مجلس الشيوخ، مُصممون على تسمية خليفة لها.
وترى أن الرهانات كبيرة على الحياة السياسية الأميركية.
تذكر الصحيفة أنه منذ تنصيبه في البيت الأبيض، عين دونالد ترامب بالفعل قاضيين محافظين. إذا تمكن من فرض قاض ثالث، فسيكون هناك ستة قضاة من اليمين ضد ثلاثة قضاة يساريين في المحكمة العليا.
تشير إلى أنه عاجلا أم آجلا ، سينتهي الأمر بجميع القرارات الرئيسية في الولايات المتحدة إلى المحكمة.
وتتعرض قضايا الإجهاض والهجرة والحصول على الرعاية الصحية والحق في التصويت لخطر التأثر بذلك لعدة عقود.
حسب الصحيفة فإن دونالد ترامب لديه مصلحة ثانية في قيادة هذه المعركة بلا هوادة، وتتمثل في تعيين قاض جديد وهو ما يعتبر وسيلة لتحفيز قاعدته في الأسابيع الأخيرة من الحملة وبالتالي تعزيز فرصه في إعادة انتخابه في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وتذكر في نفس السياق أنه بالنسبة للناخبين الإنجيليين على وجه الخصوص، فإن المطالبة بإلغاء الحق في الإجهاض أمر أساسي.
ومن بين الحقوقيين المحتملين الذين يمكن أن يعينهم ترامب، كوني باريت (48 عاما)، وهو كاثوليكي أصولي عينه في 2017 قاضيا في محكمة الاستئناف.
وأشار ميتش ماكونيل، إلى أنه سيفعل أي شيء لضمان تعيين خليفة لروث بادر غينسبرغ قبل حلول شهر يناير/كانون الثاني 2021.
وماكونيل نفسه نسف في عام 2016 ترشيح ميريك جارلاند، الذي رشحه باراك أوباما في مايو/أيار من ذلك العام للمحكمة العليا، بحجة أنه "لم يتبق سوى" ثمانية أشهر قبل انتهاء فترة الرئاسة.
تقول الصحيفة: إنه لم يسمع به في التاريخ القضائي، لكن نجحت هذه العملية منذ أن تمكن دونالد ترامب، بمجرد انتخابه من تعيين محافظ قوي.
توترات في الأفق
هذه المرة، أوضح ميتش ماكونيل أن الوضع مختلف. وتتساءل الصحيفة في نفس السياق عما إذا كان الجمهوريون يستطيعون الحصول على ما يريدون؟ ثم تعود للإشارة إلى أن مجال المناورة عند الديمقراطيين، الذين سيحاولون سحب هذا الإجراء، محدود.
تذكر لوبوان أنه عادة ما تستغرق عملية التأكيد شهرين إلى ثلاثة أشهر. فمن الناحية النظرية، يترك هذا الوقت لأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين لتأكيد اختيارهم قبل أن يتم انتخاب الرئيس ومجلس الشيوخ الجديدين، في 20 يناير/كانون الثاني، إذا هُزم ترامب بالصدفة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني.
لا يزال على الجمهوريين، كما يشير التقرير، حشد معسكرهم. ومع ذلك، في الوقت الحالي، يعبر بعض أعضاء مجلس الشيوخ الذين يقودون حملات إعادة انتخاب صعبة، عن رفضهم تأكيد تعيين القاضي في الفترة التي تلي الانتخابات مباشرة.
ترى الصحيفة في هذا السياق أنه مع وجود أغلبية من 53 مقابل 47 فقط في مجلس الشيوخ، لا يستطيع ميتش ماكونيل تحمل العديد من الانشقاقات.
ووفق صحيفة لوبوان، سيغضب الديمقراطيون من المعركة، خاصة إذا تم انتخاب جو بايدن أو إذا فقد الجمهوريون أغلبيتهم في مجلس الشيوخ.وهنا، قال ديفيد جيرجن، المستشار السابق لرونالد ريغان وبيل كلينتون: "سيكون لدى الديمقراطيين انطباع بأنهم سُلبوا مقعدا، للمرة الثانية بعد المقعد الذي مر تحت أنوفهم في عام 2016".
هذا ما سيزيد من تفاقم الاستقطاب في البلاد ويجعله أمرا لا رجعة فيه تقريبا.
ناهيك عن حقيقة أنه إذا تم الطعن في الانتخابات كما حدث في عام 2000، فقد يتعين على المحكمة العليا أن تقرر الفائز بثمانية أعضاء فقط.