زيارة الكاظمي لأربيل.. اتفاق مؤقت أم "تصفير" لمشكلات مزمنة مع بغداد؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

كلما تأتي حكومة جديدة في العراق، ينطلق مارثون المفاوضات بين بغداد وأربيل عاصمة إقليم كردستان، في محاولة لإنهاء الملفات العالقة بينهما، والتي يصل عمر بعضها لنحو 15 عاما، إلا أنها في العادة تبوء بالفشل ولا تسفر عن نتائج نهائية.

وفي خطوة لا تختلف عن محاولات أسلافه، أجرى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جولة محادثات مع إقليم كردستان، والتقى بقادة الحزبين الحاكمين "الديمقراطي" و"الاتحاد الوطني" الكردستانيين، إلا أنه تحدث هذه المرة عن "فرصة تاريخية لتجاوز عثرات الماضي".

زيارة الكاظمي إلى كردستان في 10 سبتمبر/ أيلول 2020، والتي استمرت يومين، حظيت باهتمام بالغ من وسائل الإعلام المحلية، خصوصا بعد الحديث عن تفاهمات واتفاقيات بين بغداد وأربيل، إلا أن  التساؤلات المهمة تدور حول فحوى تلك الاتفاقيات، وهل تنهي الخلافات التاريخية؟.

محتوى الاتفاق

رغم عدم نشر اتفاق مكتوب بين الطرفين بعد اجتماعات الكاظمي مع القادة الأكراد، إلا أن وسائل إعلام كردية كشفت عن بعض النقاط التي جرى الاتفاق عليها مبدئيا وسط استمرار المباحثات بين لجان مشتركة من الجانبين في العاصمة العراقية بغداد.

وذكرت شبكة "رووداو" الكردية بعد يوم من انتهاء زيارة الكاظمي إلى الإقليم في 13 سبتمبر/ أيلول 2020، أن من بين النقاط التي اتفق عليها مبدئيا، هو تمثيل الحكومة الاتحادية في إدارة المنافذ الحدودية لإقليم كردستان وتسليم 50 بالمئة من عائدات هذه المنافذ لبغداد.

واتفق الجانبان على تسليم 250 ألف برميل من نفط إقليم كردستان يوميا للحكومة الاتحادية، ويجري التباحث حول العائدات غير النفطية، حيث أبدى الإقليم استعداده للاتفاق بشأنها، ومقابل هذا سيتم تثبيت حصة كردستان في الموازنة العامة الاتحادية العراقية لسنة 2021 بنسبة 13.9 بالمئة.

وتبلغ صادرات النفط من الإقليم 450 ألف برميل يوميا، لكن قوى سياسية ومنهم ائتلاف "دولة القانون" بقيادة نوري المالكي، يتهم الاقليم بالتنصل من تسليم 250 ألف برميل يوميا إلى بغداد، رغم الاتفاق المبرم في وقت سابق.

ونقل الموقع عن رئيس ممثلية حكومة إقليم كردستان في بغداد، فارس عيسى، قوله: إنه "جرى تشكيل لجان خاصة لكل المشاكل بين إقليم كردستان وبغداد، ومنها لجنة أمنية ولجنة خاصة بالنفط وأخرى مالية، وهناك أمل والمحادثات مستمرة لحين التوصل إلى اتفاق نهائي".

ورجح مراقبون أن تكون بنود الاتفاق المرتقب هي ذاتها التي تناقلتها وسائل إعلام عراقية، في 15 أغسطس/ آب 2020، والتي تضمنت توحيد إجراءات المنافذ الحدودية الجوية والبحرية والبرية، والاتفاق على التحاسب الجمركي، وتثبيت فريق عمل فني من موظفي الحكومتين لمراقبة تنفيذ الاتفاق.

وتضمن الاتفاق المتداول توحيد إجراءات الجمارك والمنافذ في إقليم كردستان مع منافذ الحكومة الاتحادية، ووضع أنظمة محاسبة لاستيفاء الواردات الجمركية المتحصلة من منافذ الإقليم والتصرف بها وفق قانون الإدارة المالية العراقي الصادر عام 2019.

ونصت الوثيقة على وضع ضوابط يلتزم بها الطرفان بضبط دخول مواد الاستيراد للعراق، وتلتزم الحكومتان بسياسة الإنتاج النفطي ضمن اتفاقية "أوبك بلس" حسب النسب، إضافة إلى الاتفاق على تمويل الإقليم بمبلغ 320 مليار دينار (270 مليون دولار) شهريا ولمدة 3 أشهر بدءا من آب/ أغسطس 2020، لتسديد بعض نفقات الإقليم.

ويقضي الاتفاق كذلك، بأن يتم الاتفاق في الأعوام القادمة على تحديد مبلغ بنسبة عادلة من الموازنة العامة الاتحادية لإقليم كردستان من خلال الأخذ بالمعايير الدستورية والنسب السكانية وواردات الإقليم (النفطية وغير النفطية) في العام السابق.

وينص الاتفاق الذي تسري مدته لحين إقرار موازنة عام 2021، على أن يتم الاتفاق على آلية وجدولة تسديد ديون الإقليم لـ"المصرف العراقي للتجارة" الحكومي، وأيضا معالجة ديون الإقليم السابقة على ألا يمانع الإقليم في تقديم جميع المعلومات المطلوبة لوضع خطة عمل لمعالجتها.

وبموجب الوثيقة، فإن حكومة كردستان، مطالبة بإبداء استعدادها لعقد اتفاق على ملف الطاقة بما فيها الكهرباء والغاز وفقا للسياقات القانونية والفنية التي يتم الاتفاق بشأنها بين الجهات المختصة في الحكومتين.

تنسيق أمني

وعلى الصعيد الأمني، يدور الحديث عن اتفاق حكومة بغداد مع إقليم كردستان على تأسيس 4 مراكز أمنية للتنسيق المشترك بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة (حرس الإقليم) في المحافظات المحاذية لكردستان، وهي: ديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك.

وفي هذا الصدد، قال الأمين العام لوزارة البيشمركة، الفريق جبار ياور، خلال تصريحات صحفية في 14 سبتمبر/ أيلول 2020: "نعمل الآن على تشكيل تلك المراكز، عبر اختيار الضباط والعناصر وآلية تلك المراكز، والعمل جار ولم يتوقف، والحوارات بين بغداد وأربيل مستمرة للاتفاق على التفاصيل".

وأعرب عن أمله في "أن يتم تفعيل المراكز قبل نهاية العام الحالي، فهناك لجنتان في وزارة البيشمركة وقيادة العمليات المشتركة العراقية تعملان على حسم هذا الملف بشكل سريع"، مشيرا إلى أن "هذا الملف ليست له علاقة بالقضايا السياسية والخلافات بين الكتل والأحزاب، فهذا العمل أمني عسكري صرف".

ولفت ياور إلى أن "هدف ومهام مراكز التنسيق بين الجيش العراقي والبشمركة هو التخطيط لعمليات أمنية وعسكرية مشتركة في مناطق ديالى وكركوك ومخمور والموصل، ضد تنظيم الدولة، وتعمل المراكز على تبادل المعلومات الاستخبارية وعلى تسليم المطلوبين بين الطرفين".

واتساقا مع ذلك، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان كاطع الركابي، خلال تصريحات صحفية في 14 سبتمبر/ أيلول 2020: "هناك لجنة عليا برئاسة رئيس أركان الجيش عبد الأمير الشمري، تعمل بشكل متواصل بهدف تشكيل مراكز التنسيق بين الجيش والبيشمركة، بهدف سد أي ثغرة أمنية وعسكرية يحاول تنظيم الدولة استغلالها للدخول إلى بعض المناطق".

وأوضح أن "عمل مراكز التنسيق بين الجيش والبيشمركة ليس مخصصا ضد تنظيم الدولة فقط، بل ضد كل القضايا التي تخل بالنظام. لا توجد أي مخاوف من عودة قوات البيشمركة إلى المناطق التي كانت فيها عام 2017، بسبب عمل مراكز التنسيق، بل سيكون هناك حد فاصل لمنع عبور أي قوات من البيشمركة، أو تحرك عسكري إلا بعد موافقة هذه المراكز، التي ستكون برئاسة قيادات من الحكومة الاتحادية".

حلحلة الأزمة

وبخصوص إمكانية أن تنهي هذه الاتفاقات الأزمات والخلافات بشكل جذري بين بغداد وأربيل، استبعد عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، في حديث لـ"الاستقلال" التوصل إلى حل جذري ينهي كامل الخلافات بين حكومة بغداد وإقليم كردستان.

وقال شنكالي: "نعيش بدولة فيها الكثير من التعقيدات والظروف الصعبة، لكن قد نصل إلى اتفاق يفضي إلى مصلحة بغداد وأربيل في المرحلة المقبلة. أما الآن فنحن بصدد اتفاق وقتي لحلحة الأزمة المالية في الإقليم، وأيضا البدء بوضع خارطة طريق للمشاكل بين الجانبين".

وتابع: "أما القول عن اتفاق تاريخي لحل جذري للمشاكل المتراكمة منذ 15 عاما، أنا أقول بكل صراحة إن الظرف معقد ولا يمكن الوصول الآن إلى اتفاق جذري، ولكن يمكن أن يكون الاتفاق في الوقت الحالي هو اللبنة والركيزة للوصول إلى اتفاق إستراتيجي طويل الأمد".

ورأى عضو البرلمان السابق أن "زيارة الكاظمي إلى المنافذ الحدودية، كانت رسالة موجهة إلى الكتل السياسية المناوئة لرئيس الحكومة الحالية، مفادها بأن المنافذ تابعة للسلطة الاتحادية وأنه لا أحد يمتلك أي سلطة سوى في بغداد".

وفي المقابل، قال الكاتب الكردي مسعود لاوه خلال مقال نشره بصحيفة "الشرق الأوسط" في 10 سبتمبر/ أيلول 2020: "منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، لم يبد كرد العراق ثقة واطمئنانا لرئيس وزراء عراقي كما يبدونه الآن تجاه مصطفى الكاظمي".

وقال لاوه: "ربما هذا مرده التصريحات الكثيرة التي توحي بنوع من الحزم والعزم على حلحلة المشاكل، وإنهاء سوء الخدمات وانتشار سرطان الفساد في الجسم السياسي والإداري العراقي، وتعهداته الكثيرة بتوزيع عادل لثروات البلد على أبنائه ومواطنيه، أو من جهة محاولاته لإيجاد حل نهائي للمشاكل مع كردستان والخروج من عنق الزجاجة التي تحول دون تطبيع العلاقات بين الإقليم والمركز".

وأشار الكاتب إلى أن "زيارة الكاظمي تأتي في وقت وصلت فيه أزمات العراق، بما فيه إقليم كردستان، إلى وضع ليس من الحكمة الاستمرار في السكوت عنه أو محاولة حلها بعمليات ترقيعية هنا وهناك لا تثمن ولا تغني من فوضى".

ولفت إلى أن "بعض الخبراء والمحللين يرون أن الكاظمي يحاول قدر الإمكان أن يبدي بعض الجدية في مساعيه، حتى يكون مختلفا عن سابقيه قولا وفعلا رغم كثرة الذين يحاولون وضع العصي في دواليب مساعيه داخليا أو إقليميا".

المادة 140

وحسب لاوه، فإن "هناك من يقول إن الكاظمي يهدف من زيارته إلى كردستان أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، يريد أولا تصفير المشاكل مع الإقليم التي تتجلى في الخلافات على تصدير النفط وبيعه من قبل الإقليم، وبالتالي حجب الرواتب عن الموظفين كرد فعل من الحكومة المركزية، وخلافات حول الأراضي المتنازع عليها، والجدل حول تطبيق المادة 140 من الدستور لحل هذه الخلافات".

وتتركز مشكلة المناطق المختلف إليها أو المتنازع عليها في محافظات ملاصقة لمحافظات إقليم كردستان، إضافة إلى محافظة كركوك الغنية بالنفط، والتي يطالب الأكراد بضمها إليهم، حيث تعد هذه الأزمة إحدى الأزمات الخلافية التي لم تحل رغم وضع فقرة 140 في الدستور، تقضي بحسم الموضوع.

وحدد دستور 2005 المادة 140 كحل لمشكلة كركوك وما يسمى المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان والمحافظات المجاورة له (نينوى وديالى وصلاح الدين).

وتعرف لجنة تنفيذ المادة 140 من الدستور المناطق المتنازع عليها في العراق بأنها تلك التي تعرضت للتغيير الديمغرافي وسياسة التعريب على يد نظام صدام حسين، خلال فترة حكم "حزب البعث العربي" من عام 1968 حتى إسقاطه خلال الغزو الأميركي في أبريل/نيسان 2003.

ونصت المادة على آلية تضم 3 مراحل: أولاها التطبيع، ويعني علاج التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية في كركوك والمناطق المتنازع عليها في عهد نظام صدام وبعده، والثانية الإحصاء السكاني في تلك المناطق، وآخرها الاستفتاء لتحديد ما يريده سكانها، وذلك قبل 31 ديسمبر/كانون الأول 2007.