الطرق الصوفية في السودان.. كيف يخطب ودها المتصارعون على الحكم؟
نحو 40 طريقة صوفية تنتشر في مختلف ربوع السودان، بل وتمتد فروعها إلى دول الجوار في نيجيريا وتشاد ومصر ودول أخرى عديدة.
السلطة بأطرافها المتصارعة في السودان، لم تغفل تلك القوة الهائلة داخل المجتمع، في إطار السعي الحثيث للحكم، حيث يرنو كل طرف من مكونات المجلس العسكري والحكومة إلى تعزيز سلطاته، واستخدام أوراق القوة الممكنة، ومن بينها الجماعات الصوفية.
ظهر ذلك جليا خلال اللقاءات المتعددة التي عقدها رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان مع الجماعات والأحزاب الصوفية، وعلى رأسهم المجلس الأعلى للتصوف في السودان، وهو نفس ما فعله نائبه ومنافسه العنيد الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي" قائد قوات الدعم السريع
الأمر يتجاوز الشأن الداخلي في السودان، ليتقاطع مع السياسات الدينية لبعض الأطراف الخارجية، على رأسها الإمارات التي تدعم شبكات التصوف السياسي، وتستخدمها لتنفيذ إستراتيجيتها في ضرب روافد الربيع العربي، وتعزيز الحكم العسكري، وكان السودان على قائمة الدول التي تعمل عليها الإمارات بقوة في هذا المضمار.
حضرة العسكر
وجدت الطرق الصوفية بشكل دائم في الفترة الأخيرة على موائد رأس السلطة في السودان، وفي 8 سبتمبر/ أيلول 2020، التقى البرهان، في مكتبه بالمجلس الأعلى للتصوف بالسودان.
وقال ممثل المجلس دكتور عبد المحمود الشيخ بلال، في تصريح صحفي عقب اللقاء: إنهم "ناقشوا مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي القضايا التي تشغل المواطنين في التدين والمعاش".
وأضاف: "الفريق أول عبد الفتاح البرهان، طلب منهم الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها والوقوف بجانب الدولة في القضايا التي تهم المواطنين". وتنتمي عائلة البرهان نفسه، إلى الطريقة "الختمية" إحدى أكبر الطرق الصوفية في البلاد.
لقاء البرهان بالمجلس الأعلى للتصوف، جاء في وقت يعمل فيه على تعزيز سلطته، وكسب شعبية على حساب منافسيه، خاصة حميدتي المدعوم إماراتيا، والذي يسعى بدوره هو الآخر نحو السلطة، وكذلك رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الطرف الأضعف في دائرة الصراع.
في أبريل/ نيسان 2019، نزلت الطرق الصوفية بثقلها السياسي خلال اعتصامات القيادة العامة، عندما تأكدوا من سقوط البشير، ومنذ ذلك الوقت حرص المجلس الأعلى لمشايخ الطرق الصوفية، على التواصل مع إدارة المجلس العسكري الانتقالي، والتقوا حينها بحميدتي، وأكدوا له ثقتهم فيه ودعمهم له، ولإدارة المجلس العسكري.
كذلك التقى حميدتي في 14 مارس/ آذار 2020، برئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، محمد عثمان الميرغني، أحد أقطاب الصوفية في السودان، وهو ما يبرز اهتمام حميدتي بذلك التيار منذ البداية، وسعيه الحثيث إلى جذبهم إليه، وهو أمر ليس ببعيد عن توجيهات الإمارات التي تدعم حمدوك، وتعتمد الصوفية كقوة ناعمة لفرض إرادتها في السودان.
يد الإمارات
الإمارات باعتبارها الحاضن الأكبر للتيار الصوفي في المنطقة، لم تغفل السودان الذي يضم قطاعا واسعا من الحركة الصوفية، بلد يعد أكبر الأقطار العربية قاطبة احتواء للتيار الصوفي الذي يشكل قوة دينية واجتماعية ضاربة في البلد العريق.
سعى حكام الإمارات لتوجيه السياسة السودانية، ودعم أطراف بعينها، عبر استغلال الطرق الصوفية، وهو ما أكده الباحث البريطاني البروفيسور أندرياس كريغ، المحاضر في الدراسات الأمنية بكلية كينغز بلندن.
كريغ ذكر في مقاله على موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في 22 يناير/ كانون الثاني 2020، أن "الإمارات لا تختلف عن القوى الأخرى التي تستخدم الدين لخدمة سياساتها لكنها تتبنى نسخة أخرى من الإسلام السياسي وهي الصوفية".
وقال: "الإمارات سارعت إلى حشد قدراتها المالية والعسكرية لتشكيل المستقبل الاجتماعي السياسي للمنطقة من ليبيا ومصر واليمن إلى السودان لتصبح القوة الأولى المعادية للتغيير والثورات، بل تدعم الأنظمة المعادية للمجتمع المدني، وتقف مع الحكم العسكري".
وأردف: "حكام الإمارات اختاروا الصوفية باعتبارها الفرع الأهدأ سياسيا في الإسلام والأقوى تبنيا لفضائله الأكثر جوهرية، وهو ما يروق للغرب، وقد استخدمت تلك الدولة الصوفية بمهارة".
الباحث البريطاني أوضح: أن "أبوظبي قامت برعاية مراكز صوفية في ليبيا ومصر والإمارات والسودان، وهذه النسخة هي الأخرى سياسية بنفس القدر من الفعالية مثل الأشكال الأخرى للإسلام السياسي".
وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول 2019، نشرت صحيفة "الاستقلال" تقريرا بعنوان "زار السودان مرارا.. كيف وظفت الإمارات “الجفري” سياسيا؟"، والحبيب علي الجفري هو بمثابة "رسول" الإمارات الصوفي، إلى سائر الأقطار العربية، والذي يعمل على تحقيق مستهدفها وترسيخ دعمها للفرق والطرق الصوفية.
وذكر التقرير أن "الجفري أجرى عدة زيارات إلى السودان، وعقد لقاءات مع مشايخ الطرق الصوفية، وأعقبها بعد ذلك عدة مؤتمرات"، وأضاف: أن "زيارة رجل الدين الصوفي الحبيب علي الجفري المتكررة إلى السودان، أثارت تساؤلات كثيرة من المتابعين لتحركات الجفري الذي يرأس مؤسسة طابة للأبحاث والدراسات في أبوظبي".
انتشار واسع
من أبرز ما تتميز به الحركة الصوفية في السودان، وطرقها المتعددة، بأن انتشارها الجغرافي يشمل سائر البلاد والقبائل، فلكل طريقة مركز ثقل في منطقة معينة بالسودان، ويكون لها حضورها الديني والاجتماعي.
تأثر المجتمع السوداني بتلك المسحة الصوفية، وقلما تجد مسجدا أو زاوية في بقاع السودان الشاسعة، دون أن يكون بها صوت مديح أو ذكر لجماعة أو فرقة صوفية.
يضم السودان نحو 40 طريقة صوفية، أشهرها: "القادرية، والختمية، والمهدية، والتيجانية، والسمانية"، وهذه الطرق ليست منتشرة فى كل أرجاء السودان فحسب بل ممتدة إلى دول الجوار مثل نيجيريا وتشاد ومصر.
ومن واقع التوزيع الجغرافي للفرق الصوفية، فنجد أن الطريقة القادرية، موجودة في وسط السودان ومنطقة ولاية النيل، وهناك أيضا طرق حديثة صغيرة، مثل "البرهانية والتسعينية والدندراوية والأدارسة".
كما تتمركز الطريقة الختمية التي يتزعمها الزعيم السياسي محمد عثمان الميرغني، في شرق السودان وشماله، بالإضافة إلى منطقة الخرطوم بحري.
أما الطريقة السمانية فتنتشر في وسط السودان، وهناك مراكز صغيرة لها غربي "أم درمان"، وتوجد الطريقة التيجانية في دارفور وبعض المدن الأخرى، مثل: "شندي والدامر وبارا والأبيض"، إضافة إلى أم درمان والخرطوم.
أذرع حزبية
رغم الوجود القديم للطرق الصوفية، في أنشطة الحياة السياسية السودانية، لكن البلاد شهدت عام 2017، تأسيس أول حزب صوفي، برئاسة عبدالجبار الشيخ بلال، وهو شيخ الطريقة السمانية الطيبية، تحت مسمى "الحزب الصوفي الديمقراطي".
ونص البيان التأسيسي للحزب، متضمنا: "نكتب إليكم بخصوص تسجيل حزبنا من ضمن منظومة الأحزاب السودانية، حزب يضم في بوتقته جماعة من أهل التصوف وأحبابهم بالبلاد، حزب وطني يسعى لتحقيق قيم الديمقراطية والقومية والعدالة والحرية والمساواة بين الناس بالبلاد".
ولا يقتصر وجود الطرق الصوفية في المسرح السياسي على هذا الحزب فقط، لكن هناك عددا من الأحزاب السياسية الأخرى، منها حزب الأمة القومي، الذي يتزعمه الصادق المهدي، ويستند على طائفة "الأنصار" الصوفية المنبثقة من الثورة المهدية.
كذلك "الحزب الاتحادي الديمقراطي" المنبثق من طائفة الختمية، ولا يمكن إغفال حزب المؤتمر السوداني، الذي تأسس عام 1986، باسم "حزب المؤتمر الوطني" تحت قيادة القطب الصوفي إبراهيم الشيخ، قبل أن تنتزع مسماه جبهة الإنقاذ، بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، ليضطر إلى تغيير مسماه عام 2005، إلى حزب "المؤتمر السوداني"، بعد فشل المعركة القضائية التي خاضها، مع الحزب الحاكم آنذاك.
وكان هذا هو الحزب الصوفي الوحيد الذي أعلن تأييده الكامل للمظاهرات ضد البشير منذ بدايتها وحتى سقوطه.
وفق متابعين، وبالنظر إلى التاريخ السوداني فإن الطرق الصوفية لا تلعب دورا سياسيا بارزا ومؤثرا إلا حينما يطلب منهم ذلك ويوظفهم الحكام حسب إرادتهم، فيكونون مع من غلب، ولا يصطدمون برأس السلطة والجيش بشكل مباشر، مهما كلف الأمر.
المصادر
- رئيس مجلس السيادة الانتقالي يلتقي المجلس الأعلى للتصوف بالسودان
- أكاديمي بريطاني: الإمارات تستغل الصوفية لإيجاد قاعدة أيديولوجية ودينية لسياستها العدوانية بالمنطقة
- «الصوفية» ضد «الإخوان».. سلاح السودان الناعم لقهر الإرهاب ومواجهة التطرف
- دراويش السودان.. عن التوظيف السياسي للصوفية
- دلالات وتداعيات الإعلان عن تأسيس حزب صوفي في السودان
- الصوفية في السودان أمام مفترق طرق: دعم الاحتجاجات أو دعم النظام
- الجماعات الإسلامية في السودان.. بين التصوف والوسطية والتشدد
- السودان.. الصوفية والعمل السياسي