لمواجهة تداعيات كورونا.. كيف تجنبت موريتانيا الاقتراض من الخارج؟
خياران لا ثالث لهما أمام موريتانيا لتجاوز تداعيات أزمة فيروس كورونا وتأثيراتها السلبية على الوضع الاقتصادي والناتج المحلي، فإما أن تلجأ نواكشوط للاقتراض من الخارج في ظل ظروف عالمية صعبة للغاية، وإما أن تعتمد على مواردها الداخلية وثرواتها الطبيعية.
فضلت موريتانيا الخيار الثاني ليخرج الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في 2 سبتمبر/ أيلول 2020، وكشف عن برنامج النهوض الاقتصادي، بهدف معالجة الآثار السلبية والتغلب على تحديات وتداعيات ما بعد فيروس كورونا "كوفيد 19"، بتمويل ذاتي يقارب غلافه الإجمالي 666 مليون دولار.
البرنامج يهدف أساسا إلى إخراج البلاد من حالة الركود وتقليص الفوارق الاقتصادية والاجتماعية وتمكين جميع الموريتانيين من الحصول على الخدمات الأساسية وإلى خلق فرص عمل جديدة للشباب الموريتاني.
تحتل البنى التحتية المحور الأول من برنامج النهوض الاقتصادي، حيث يشمل أكثر من 40 مبنى ويخصص له ما يربو على 67 مليار أوقية قديمة (الدولار = 360 أوقية قديمة).
هذه البنى التحيتة يمكنها خلق فرص عمل ووظائف جديدة لدعم النمو الاقتصادي من خلال توصيل الكهرباء لمناطق الإنتاج وزيادتها وفك العزلة عنها، كما أن البرنامج يحتوي على إعداد منظومة متكاملة.
البرنامج رصد 40 مليار أوقية من أجل تحسين ظروف التعليم، إضافة إلى أكثر من 17 مليار أوقية لدعم قطاع الصحة و4 مليارات لخلق فرص عمل جديدة للشباب.
يسعى البرنامج إلى الاكتفاء الذاتي وإعادة النظر لدور الدولة. مع وضع إستراتيجية جديدة في مجال الاقتصاد البحري تعتمد على تنمية الموارد وزيادة الطاقة.
عملية الاختلاس
في يوليو/ تموز 2020 كشف البنك المركزي الموريتاني عن عملية اختلاس في أحد صناديق العملة الصعبة وصلت قيمتها إلى 935 ألف يورو، بالإضافة إلى 558 ألف دولار، ارتكبتها المسؤولة المباشرة عنه ليُفتح تحقيق وترفع دعوى قضائية ضدها.
وحسب بيان البنك المركزي: "تضمنت الدعوى اختلاس الأموال وعمليات تبديل العملات والعثور على أوراق مزورة تحاكي اليورو"، وأثارت القضية ضجة في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
بعدها أعلن رئيس الجمهورية التزام الحكومة بأن يتم تمويل الخطة من الميزانية العامة للدولة على أن تنفذ على سنتين ونصف أي 30 شهرا و3 سنوات مالية - 3 ميزانيات- بدلا من تحميلها على سنة واحدة، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه حتى تتمكن الدولة من تدبير الأزمة محليا، وهو الحل الذي خلصت إليه بدلا من الاقتراض من الخارج.
الخبير والمحلل الاقتصادي الشيخ ماء العينين أكد أنه ليست لدى موريتانيا ضمانات تقدمها للبنك الدولي، للحصول على قروض، كما أن الظرفية التي يمر منها العالم في الوقت الراهن صعبة بسبب كورونا.
وأوضح المحلل الاقتصادي في حديثه مع "الاستقلال" أن "الاقتراض من الخارج في الفترة الراهنة سيزيد الضغط على الميزانية العامة، وقد يحملها أعباء يصعب عليها تجاوزها، في حين يمكنها تحمل العجز الذي سيحدثه التمويل الذاتي اعتمادا على الموارد المحلية".
أزمة البنك المركزي أثرت بلا شك على الشفافية المالية للبلد، حسبما أكد ماء العينين قائلا: "تأثر احتياطي العملة الصعبة بعملية الاختلاس، وإن تعلق الأمر بمخزون محلي للتداول والمعاملات الداخلية، لكن جزءا من الاحتياطي الوطني من العملة الصعبة، موجود في بنوك خارج موريتانيا، وبالتالي لم تطله عملية الاختلاس".
ولم يقلل المتحدث من حجم الضرر المعنوي الذي ألحقته عملية الاختلاس بسمعة البلد ومعاملاته مع المؤسسات المالية الدولية، واعتبره أكبر من حجم الاختلاس الذي وقع".
الناتج الداخلي
في أبريل/ نيسان 2020، توقع صندوق النقد الدولي، انكماش الاقتصاد الموريتاني عام 2020 بنسبة 2 بالمئة، وعجزا في الناتج الداخلي الخام يقدر بـ3.4 بالمئة، فيما منح البلاد قرضا بقيمة 130 مليون دولار لمحاربة جائحة كورونا.
وقال "صندوق النقد" في بيان له: إن القرض يهدف إلى دعم الحاجات المستعجلة التي "يتطلبها ميزان المدفوعات الموريتاني، والناتجة عن أزمة كورونا المقدرة بـ 370 مليون دولار، ما رفع نفقات الخدمات الصحية وخدمات الوقاية الاجتماعية".
وأضاف: أن "الآفاق الاقتصادية تدهورت بسرعة على المدى القريب، النمو سيكون سلبيا مع مصاعب خطيرة على السكان".
في أيلول/سبتمبر 2020، خرج رئيس الوزراء محمد ولد بلال، ليعلن انهيار الناتج الداخلي الخام بنحو 3.2 بالمئة في العام الجاري بسبب تداعيات فيروس كورونا.
وقال ولد بلال، خلال عرض خطة حكومته أمام البرلمان، إنه يرى زيادة التضخم بنسبة تبلغ 3.9 بالمئة. وأشار أن رصيد الميزانية انهار هذا العام من فائض 0.3 بالمئة إلى عجز بنسبة تصل إلى 5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام.
ولد بلال أرجع ذلك إلى زيادة المصاريف لدعم إجراءات التصدي لانتشار فيروس كورونا ووقف تبعياتها الاقتصادية والاجتماعية، من جهة، وقلة الإيرادات بسبب قلة حركة النشاطات الاقتصادية والإعفاءات الضريبية التي كانت تتوقعها، من جهة أخرى.
الباحث بالمركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإستراتيجية، صبحي ولد ودادي رأى أن الوضعية الحالية للعولمة المترنحة "تشكل فرصة كبرى لنفض الغبار عن إستراتيجيات الاعتماد على الذات، وعدم الاستسلام لدور مورد المواد الأولية والسوق الكبير لاستهلاك المنتجات الصناعية، في الاقتصاد العالمي".
وأردف ولد ودادي في مقاله بوكالة الأنباء الموريتانية المستقلة "الأخبار" في أغسطس/ آب 2020: "الاختلاف العميق في البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين البلدان النامية وبلدان أوروبا وأميركا حيث تسود مناهج اقتصاد السوق، يجعل استنساخ السياسات التنموية محفوفا بمشكلات منهجية وبالتالي معرضا للفشل".
ولفت ولد ودادي إلى أن الاقتصاد الموريتاني يمتلك "خصائص إيجابية كبيرة، ولديه مقدرات هامة، بدءا من الموارد المنجمية الهائلة، للإمكانات المتجددة في مجال الزراعة والثروة البحرية والحيوانية".
رهان الزراعة
وعن المسارات التي يمكن أن تنتج بناء اقتصاد صلب قادر على مواجهة الصدمات، رأى ولد ودادي أن ذلك من خلال 4 مسارات، توقف مع كل واحد منها بشيء من التفصيل، وهي "تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسية، ومسار التصنيع، وتقوية القطاع الخاص الرسمي، وتحسين نظام الحوكمة، ومحاربة الفساد".
مضيفا: أنه "في ظل جائحة كوفيد -19 يمكن للكفاءات في العلوم التطبيقية أن تشكل منفذا قويا لاقتصاد موريتانيا والاقتصادات الشبيهة إلى عالم ما بعد كورونا، والاستفادة من عولمة التباعد والاقتصاد الرقمي الذي يتخلق اليوم".
وتشكل الزراعة إحدى الإمكانات غير المستغلة، فأزيد قليلا من نصف مليون هكتار أراض زراعية ذات إمكانيات كبيرة وتنافسية عالية، و135 ألف هكتار قابلة للري، تم استصلاح 50 بالمائة منها، لم يستغل منها سوى نسبة 34%.
ستحرص موريتانيا لتجاوز الأزمة على التركيز على قطاعاتها الحيوية، وأهم القطاعات هي الزراعة والتنمية الحيوانية والصيد البحري، وأبرز ماء العينين، أن موريتانيا تتوفر على سواحل كبيرة وغنية بأجود الأسماك في العالم.
واعتمدت صادرات الصيد البحري في السابق على أسماك خام، في حين تركز الخطة الجديدة على صناعة مرتبطة بالقطاع عبر تعليب الأسماك وتنويع المنتجات البحرية.
ماء العينين قال لـ"الاستقلال": "قطاع الزراعة في موريتانيا اعتمد على الاستيراد لكن الظروف التي مر بها البلد خلال الجائحة جعلت الحاجة إلى تطوير المجال والاعتماد على منتوج محلي أكثر إلحاحا لتحقيق اكتفاء ذاتي من المواد الأساسية كمرحلة أولية، كما أنه سيقلل نسبة الواردات وبالتالي يوفر من احتياطي العملة الصعبة، ويخلق فرص عمل ويروج لحركة الضرائب وكلها أمور إيجابية للاقتصاد الوطني".
ووفق الخبير الاقتصادي فإن "الشيء نفسه بالنسبة للثروة الحيوانية، إذ تتوفر موريتانيا على ثروة هائلة ومتنوعة من جميع أصناف القطيع يتم تصديرها للدول المجاورة مثل السنغال ومالي. يعتبر هذا القطاع اقتصادا مهملا احتكره القطاع الخاص لسنوات، والدولة الآن تلعب دورا إيجابيا بإعطاء رافعة جديدة لهذا القطاع للنهوض به".